طلب “هارون” المثول أمام الجنائية.. زنازين لاهاي ستسع آخرين  

6 يونيو 2021

من زنزانته في سجن كوبر العتيق بالعاصمة السودانية، أثار القيادي في نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وأحد القادة الأربعة الذين صدرت بحقهم مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية ومواجهتهم تهم تتعلق بجرائم الحرب والإبادة الجماعية في دارفور، أحمد هارون، العديد من الاسئلة حول طلبه من الحكومة الانتقالية تسليمه لمحاكمته في محكمة الجنايات الدولية.

        لست وحدي

وإزاء هذا الطلب المفاجئ لهارون والذي تضمنته مذكرة قانونية حوت تفسيرات عديدة وانتقادات للنظام العدلي في السودان وهو الموقوف على ذمة قضايا أخرى لا علاقة بجرائم الحرب في دارفور، تباينت وجهات نظر قانونيين في البلاد حول تفسيرهم للمذكرة. واشارة هارون الواضحة إلى ان بعض قادة الحكومة الانتقالية في السودان من العسكريين كانوا جزءا من الحرب في دارفور وبالتالي ستطالهم التهم، هذا إلى جانب ما اشارت إليه المذكرة في مسألة تسييس العدالة واصلاح الجهاز العدلي في البلاد.  

وكانت مذكرة هارون، طالبت الحكومة الانتقالية بتقديمه لمحكمة عادلة أو إحالته إلى محكمة الجنايات الدولية، كما تحدى الحكومة الحالية ان تتخذ اجراءات محاكمته وفقا القانون، وجه انتقادات شديدة اللهجة إلى حكومة الفترة الانتقالية مباشرة، وأنها وراء  تسييس المؤسسة القضائية. واضافت المذكرة ” توجد قيادات تحكم الآن كانوا جزءا من النظام السابق، وايضا تلطخت ايديهم بدماء الأبرياء في إقليم دارفور غربي السودان”.

ويرفض هارون في جلسات التحقق معه الإدلاء باي أقوال الى النيابة العامة، ويقول” إزاء هذا الواقع القانوني والسياسي والدستوري المعيب فإن مجرد التفكير للتعامل معه بواسطة القانون ومن داخل منظومته تعتبر فكرة غير ذات جدوى”.

“السبيل الوحيد لمحاكمة المتهمين داخليا هو أن تظهر الحكومة القدرة او الرغبة بمحاكمة المتهمين  بجرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية في دارفور، لكن حتى الآن  لا توجد أي إشارة الى ان هذه المسالة ممكنة”

محمد عثمان – باحث حقوقي

“وفق قرار مجلس الأمن 1593 السودان ملزم بالتعاون مع المحكمة وتسليم المتهمين المطلوبين وهم احمد هارون، والرئيس عمر البشير، وعبد الرحيم محمد حسين، وهم الآن في قبضة الحكومة السودانية”،  يقول الباحث في منظمة هيومان رايتس ووتش محمد عثمان لـ(عاين)، ويضيف، “السبيل الوحيد لمحاكمة المتهمين داخليا هو أن تظهر الحكومة القدرة او الرغبة بمحاكمة المتهمين بهذه بجرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية في دارفور، لكن حتى الآن  لا توجد أي إشارة الى ان هذه المسالة ممكنة”.

طلب "هارون" المثول أمام الجنائية.. زنازين لاهاي ستسع آخرين

 واتجاه تسليم المطلوبين تدعمه المحكمة الجنائية. ومع نهاية زيارتها الاسبوع الماضي، وبعد لقائها ضحايا الحرب في ولايات درافور ومخيمات النزوح وقادة الحكومة الانتقالية، قالت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، إنه بناء على سير التحقيقات التي تجريها المحكمة مع علي محمد علي، المعروف بـ”كوشيب”، فإن الحكومة السودانية مطالبة بتسليم رئيس المؤتمر الوطني الذي تم حله، أحمد هارون، القابع حاليا في سجن كوبر شرقي الخرطوم، وذلك قبل يوليو المقبل.

وأشارت إلى أن أوامر القبض على البشير والمتهمين الآخرين “ما زالت سارية”، وأن المحكمة الجنائية الدولية “تنتظر من الحكومة السودانية التنفيذ”. وطالبت المسؤولة الحكومة السودانية بـ”إثبات قدرتها على محاكمة البشير بالسودان، وفقا لمبدأ التكاملية، إذا أرادت ذلك”، لكن بنسودا استدركت حديثها بالقول: “لم أجد مسؤولا في السودان يرفض تسليم المطلوبين، بل إن هناك مسؤولين متحمسين لذلك”.

ووجهت المحكمة الجنائية الدولية، الأسبوع الماضي، 31 تهمة ضد كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وعمليات إبادة جماعية ضد المدنيين في دارفور خلال عامي 2003 و2004.

وشملت التهم عمليات قتل خارج إطار القانون، طالت أكثر من 260 شخصا، واغتصاب عشرات النساء، إضافة إلى أعمال نهب وحرق وترويع لآلاف السكان في غرب دارفور. وقال الاتهام إن كوشيب “ارتكب جرائمه تلك بالاشتراك مع القوات الأمنية والحكومة السودانية، وفقا لخطة مشتركة أكدتها قرائن عديدة، منها اعتقال العشرات في أقسام الشرطة والاعتداء عليهم لفظيا وجسديا”.

ووفقا لأحد الشهود، فقد تحدث كوشيب أمامه مع أحمد هارون، الذي أشار إليه بقتل نحو 100 شخص في أحد المعتقلات. وتعاون الحكومة بالنسبة لـ”محمد عثمان” يبقى تعهدا حتى الآن دون أن تقدم أي إشارة قاطعة بنية تسليم المتهمين بمن فيهم أحمد هارون، ويقول عثمان لـ(عاين)، ” لا إشارة واضحة بان الحكومة لها نية بتسليم المطلوبين”، ويستدرك “لا يمكن التعليق بشكل جازم، النقاش ما زال مستمرا  بين الحكومة والمحكمة الجنائية الدولية”. 

طلب "هارون" المثول أمام الجنائية.. زنازين لاهاي ستسع آخرين

        تشوهات قضائية

الاشارات التي تضمنتها مذكرة القيادي في النظام المخلوع والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية احمد هارون حول وجود تشوهات في النظام العدلي في السودان، يراها الباحث في منظمة العفو الدولية احمد الزبير، حديثا مردوداً لجهة ان اي شخص يعرف المؤسسة القضائية حدث لها تشويه ابان حكم النظام السابق،  الذي كان يستخدم الولاء السياسي في توظيف الموالين له، لذلك فقدت العديد من الكوادر المؤهلة.

ويقول الزبير لـ(عاين)،  ان شكوى أحمد هارون، يجب أن يراعى فيها إصلاح المنظومة العدلية. ويشير إلى أن هذه العملية تأخذ زمنا طويلا، منها تدريب الكوادر التي يجب أن تتولى هذه الوظائف.

ويوضح ان اتفاق سلام جوبا في العام السابق، طالب بمثول المطلوبين في جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، والابادة الجماعية، أمام المحكمة الجنائية الدولية، ويحث الحكومة الانتقالية على تسليم المجرمين إلى المحكمة الجنائية الدولية، ويعتقد أنه حق الضحايا في معسكرات النزوح، وايضا الالتزام الأخلاقي للمجتمع الدولي تجاه ضحايا حرب دارفور.

طلب هارون المثول أمام الجنائية الدولية يقوم على ظروف موضوعية منها عدم قدرة الحكومة الانتقالية على محاكمة المجرمين دون الإخلال بمبادئ العدالة“.

المحامي  – عبد الباسط الحاج

ويتفق عضو هيئة محاميي دارفور عبدالباسط الحاج، بأن القضاء السوداني يعاني تشوهات كبيرة تعرض لها، إبان فترة حكومة الإنقاذ التي استهدفت مؤسسات الدولة برمتها، وفي ذات الوقت صار الجهاز القضائي مسيساً، وبالتالي غير مستقل، يقول عبدالباسط لـ(عاين) انها سمة من سمات الأنظمة السياسية المستبدة والشمولية،  خاصة إذا كانت تمارس عنف مفرط ضد المواطنين.

ويشرح انه  في الفترات الانتقالية يجب أن تضطلع السلطة الإنتقالية بإعادة هيكلة هذه المؤسسة القضائية حتى تقوم بمهامها، و تحفظ كينونتها، ويشير الى احدى المعوقات الرئيسية، أبرزها ضعف التأهيل الفني والمهني للقضاة.

        ظرف موضوعي

طلب "هارون" المثول أمام الجنائية.. زنازين لاهاي ستسع آخرين

 وحول طلب هارون، المثول أمام الجنائية الدولية فضلاً على المحاكم الداخلية، يعتقدعبد الباسط،  أنه طلبه يقوم على ظروف موضوعية منها عدم قدرة الحكومة الانتقالية في محاكمة المجرمين، دون الإخلال بمبادئ العدالة، وايضا عدم رغبتها، إضافة إلى الاختلالات الإجرائية والموضوعية في التشريعات الداخلية التي تعقد عملية المحاكمة الداخلية، وربما لإعتبارات سياسية يريد أحمد هارون ان يشير الى تورط  قادة الحكومة الحالية معه في العمليات العسكرية  في دارفور.

يضيف عبدالباسط  لـ(عاين)، على الحكومة ان تقبل ذلك، ولا خيار لها بعد التطورات التي حدثت بينها و بين مكتب المدعي العام حيث أنه وفق قواعد المحكمة الجنائية الدولية،  فإن مثول المطلوبين طوعاً أمر وارد،  وفي هذه الحالة يخاطب النائب العام أو وزير العدل المحكمة الجنائية برغبة مشتبه به معين في المثول أمام المحكمة.

 من جانب آخر، يقول عبد الباسط، “إذا إرادت الحكومة الانتقالية الاستقرار في السودان،  عليها  تسليم كل المتهمين احتراماً للضحايا، وجبراً لكرامتهم التي انتهكت، وتسهيلاً لقيام العدالة، والسلام في دارفور، لأن تسليم المطلوبين أصبح شرط من شروط تحقيق السلام”.

        بث الخوف

“احمد هارون بطلبه تسليمه للعدالة الدولية اراد  فتح الباب على مصراعيه في شأن آخرين ربما يتشاركون الحكم الآن وهو يعلم ان هذا يثير الخوف” يقول المحامي، عبدالرحمن القاسم لـ(عاين)، ويشير إلى ان هارون اراد القفز في موضوع العدالة وهو يعلم انه موقوف في قضايا ليست لديها علاقة بجرائم الحرب في دارفور بل قضايا وجرائم  فساد أو جرائم وقعت خلال الاحتجاجات الشعبية ضد نظامه أو جرائم تقويض النظام الديمقراطي.