موانئ السودان.. تكالب إقليمي
13 يونيو 2022
دخلت الموانئ السودانية حيز الاضطرابات السياسية منذ مايو 2019 حينما اندلع قتال أهلي في مدينة بورتسودان وهذا ما لم يكن مألوفا أن يحدث اضطراب عرقي بين المجموعات السكانية في المدينة.
وتدر الموانئ على الخزانة الحكومية سنويا نحو نصف مليار يورو من إيرادات الجمارك ورسوم البواخر إلى جانب العمليات العابرة إلى دول الجوار حيث تستخدم دولة جنوب السودان ميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر لتصدير إنتاجها النفطي.
خطط الإمارات
ومع استمرار الاضطرابات الاجتماعية بولاية البحر الأحمر والإهمال الذي طال الموانئ إلى جانب الفراغ الحكومي عقب استيلاء العسكريين على السلطة السياسية في أكتوبر الماضي انتعشت آمال أبوظبي والتي لديها صلة وثيقة بجنرالات السودان بالاستحواذ على الموانئ السودانية.
ضاعفت أبوظبي من تواصلها مع جنرالات السودان وفي فبراير الماضي استضافت “اجتماعا منفردا” لقائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو وشقيقه عبد الرحيم دقلو.
في الاجتماع الذي انعقد في أبوظبي وسط أجواء عائلية من مسؤولي الدولة في العاصمة الإماراتية جرى نقاش مصير الموانئ السودانية بعد استيلاء الجيش على السلطة بانقلاب عسكري.
ويقول مصدر حكومي عمل في الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك مشترطا حجب اسمه لحساسية الأمر لـ(عاين): “أبوظبي لن تستسلم في انتزاع اتفاق مع الخرطوم للدخول في استثمارات الموانئ السودانية”.
وتعرضت حكومة عبد الله حمدوك إلى ضغوط هائلة من أبوظبي لتمرير صفقة الموانئ السودانية لكنها لم ترضخ لها وفضلت إبعاد نفسها عن هذا المأزق إذ أن الملايين من سكان هذا الاقليم يعتبرون استيلاء الإمارات على الموانئ “خطرا كبيرا يجب مقاومته”.
“الموانئ السودانية أصبحت هدفا إماراتيا منذ العام 2019 عندما أطاح السودانيون بنظام عمر البشير”. يقول المحلل في قطاع الموانئ، عبد الله الحسن، لـ(عاين).
تهيئة الوضع
ويتابع الحسن بالقول: إن “العسكريين الذين تولوا السلطة سارعوا إلى إنهاء عقد الشركة الفلبينية التي جلبها نظام المخلوع توطئة لإدخال أبوظبي التي لم تردد في دفع مساعدات اقتصادية شحيحة للسودان لم تتعدى 1.5 مليار دولار ولم تكملها عندما وصل المدنيون إلى السلطة لأنهم يعارضون خططها في السودان”.
ويضيف الحسن: “إن دول الإقليم تعتقد أن السودان يمر بوضع هش وأزمة اقتصادية ولذلك تطرح مسائل متعلقة بخصخصة الموانئ السودانية وقد تحصل الخرطوم على ملياري دولار في هذه العملية وهي مبالغ شحيحة مقارنة مع إمكانيات الموانئ”.
ويؤكد الحسن، أن حكومة عبد الله حمدوك أنفقت نحو 60 مليون يورو لتطوير الموانئ السودانية لكن الاضطرابات السياسية التي افتعلها العسكريون لم تساعد في جني ثمار خطط المدنيين في الموانئ.
وأدت الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في إقليم البحر الأحمر حيث مقر الموانئ السودانية إلى ارتفاع تكلفة شحن الحاويات من ثلاثة آلاف دولار مطلع العام الماضي إلى 12 ألف دولار لأن شركات الملاحة رفعت التأمين الإبحار إلى السودان.
شبح الخصخصة
يشير طاهر عثمان، وهو نقابي في الموانئ البحرية في مقابلة مع (عاين)، أن المخاوف من خصخصة موانئ بورتسودان ظلت تراود آلاف العمال لأنهم قد يشردون بلا عمل لذلك لاحظنا أن اللجان العمالية تعمل باستمرار على مناهضة صفقة حكومية لبيع الموانئ إلى دولة الإمارات أو السعودية.
وأردف : “نحن نخشى من بيع الموانئ لأن مصيرنا سيكون الطرد من العمل”.
خلال العامين الأخيرين أدت الاحتجاجات الشعبية وتعليق العمل في الموانئ العام الماضي إلى إضعاف الحركة التجارية في الموانئ السودانية بنسبة 30% واستحوذت موانئ مصرية على عمليات سودانية بالكامل.
ومع استئناف العمل في الموانئ وإبعاد المحتجين الذين أغلقوا الموانئ في أكتوبر 2021 كانت بعض شركات الملاحة قد قلصت استثماراتها في الموانئ السودانية وقللت من أعداد سفنها.
يقول الطاهر عثمان: “لم تعد الحركة نشطة كما كانت قبل الإغلاق لقد كان الاغلاق ورطة لآلاف العمال الذين كادوا أن يفقدوا عملهم …الآن يعملون لكن بشكل أقل”.
وكان وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم صرح لوكالة بلومبيرغ الأميركية نهاية مايو الماضي أن الإمارات تخطط لتطوير موانئ على ساحل البحر الأحمر السوجاني دون أن يدلي بالتفاصيل الكاملة حول هذا المشروع.
ويشرح المتحدث باسم اللجنة العليا لمناهضة خصخصة الموانئ محمد أحمد مختار في حديث لـ(عاين)، خطط أبوظبي التي أفصح عنها جبريل بشكل شحيح بالقول : “السودان وضع تطوير ميناء سواكن في عطاءات وتم إحياء هذا المشروع مجددا ونافست عليه شركات فرنسية وإماراتية”.
وقال مختار ، إن الإمارات ستتولى تطوير ميناء سواكن ليكون مخصصا للشحنات العابرة إلى دول الجوار مع تخصيص ميناء بورتسودان الجنوبي للتجارة الداخلية.
وفي إحصائية حكومية استقبلت موانئ بورتسودان في العام 2020 نحو 13 مليون حاوية وصدرت ثلاثة مليون حاوية أصبح تحقيق هذه الإحصائية اليوم ضربا من الخيال في نظر المستوردين والمصدرين بسبب الاضطرابات وضعف العمل في الموانئ إلى جانب الأعطال الفنية.
اهتمام سعودي قطري
يرى محمد أحمد مختار، أن الموانئ السودانية جرى إضعافها وإهمالها لصالح أطماع اقليمية. ويقول إن بعض الدول تحاول إبرام صفقة مع الحكومة السودانية لخصخصة الموانئ لكنها تواجه مقاومة شعبية في الإقليم.
من بين الدول التي يشير إليهما مختار :”السعودية والإمارات”.
ويعتقد مختار أنه لا توجد مبررات لإضعاف وإهمال الموانئ السودانية من الحكومة سوى محاولة بيعها.
ويحذر المحلل في قطاع الموانئ في أفريقيا من أن دخول قوات الدعم السريع في البحر الأحمر قد يكون لصالح دول اخرى مثل روسيا والإمارات اللتان تحاولان نهب موارد البلاد.
ويقول، إن الموانئ السودانية هدف استراتيجي لـ”الإمارات وقطر والسعودية” وبوسع هذه الدول فعل كل شئ لإغراء جنرالات وزعماء السودان. قائلا إن السودان قد ينأى بنفسه من صفقة الموانئ إذا ما تمكن المدنيون من الاطاحة بالحكم العسكري مع استمرار الاحتجاجات الشعبية على النظام العسكري حيث يُتهم جنرالات بالعمل مع أبوظبي لتمرير الصفقة.
ورغم نفي نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو بيع الموانئ السودانية إلا أن الاتهامات تلاحق الرجل المقرب من أبوظبي.
ويقول الخبير في قطاع الموانئ في بورتسودان، بدر خلف، لـ(عاين)، إن الحكومة الانتقالية كانت تعتزم انفاق نصف مليار دولار لتطوير الموانئ السودانية بين عامي 2020 -2023 لزيادة الإيرادات وإنعاش التجارة العابرة لدول الإقليم.
ويضيف: “هذه الخطط نسفت بالكامل بعد انقلاب 25 أكتوبر لأن عوامل الإطاحة بالحكومة المدنية أبرزها إضعاف الموانئ وبيعها للإمارات”. وتابع: “هناك تكالب إقليمي على السودان للاستحواذ على الموانئ والذهب”.