الرباعية.. هل تمضي في التفاوض دون المدنيين؟
عاين- 22 أكتوبر 2025
تقود مجموعة الرباعية الدولية، حراك مكثف لوضع حد للقتال المستمر في السودان لأكثر من عامين ونصف، وهي تخطط إلى جمع الأطراف العسكرية المتصارعة على مائدة تفاوض لوقف إطلاق النار كأولوية؛ ومن ثم الانتقال إلى عملية سياسية بمشاركة القوى المدنية في البلاد.
المسار الذي تتبعه المجموعة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية، السعودية ومصر والإمارات، يؤيده التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” وفق ما أعلنه في بيان سابق، لكن مجموعات سياسية أخرى وفاعلون في المشهد السوداني، يخشون أن يؤدي إقصاء المدنيين من المفاوضات في المرحلة الأولى وقصره على الأطراف العسكرية؛ إلى سلام هش قد ينهار في أي لحظة، كما أنه ربما ينسف أحلام التحول المدني، ويعيد تمكين العسكريين في الحكم.
ووفق متابعات (عاين) فإن مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بوليس، منخرط في مشاورات مع الأطراف العسكرية والمدنية في السودان في سياق جهود لتسوية الصراع المتطاول في البلاد، على أن تكون الأولوية لمفاوضات عسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع، لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، تعقبها فترة انتقالية لمدة 9 أشهر وفق ما أقرته خارطة الطريق التي طرحتها الرباعية.
خطوات متزامنة
وبالتزامن مع خطوات الرباعية، أطلقت قوى سياسية في بورتسودان، مشاورات سياسية ترتب لإطلاق حوار سوداني _ سوداني؛ وهي عملية بدأت تحت إشراف مباشر من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان؛ بحسب مصدر تحدث مع (عاين)، والذي أكد بدوره أن هدف هذه التحركات إغراق الفضاء المدني بمكونات سياسية حليفة للقوات المسلحة، لضمان فرض أجندتها في التسوية القادمة.

ومع تطلع الجميع إلى وضع حد للقتال المدمر في البلاد كأولوية، ثمة من يتساءلون في المشهد السوداني عن إمكانية أن يحقق التفاوض العسكري _العسكري، إلى سلام حقيقي لا ينهار، ويلبي رغبة المدنيين ضحايا هذا الصراع، في الوصول إلى تسوية تحقق السلام والعدالة والمساواة؛ والتحول إلى الحكم المدني الديمقراطي، وهي تساؤلات مبنية على قناعات تشكلت لهم بموجب التجارب، بأن التفاوض بعيداً عن أهل المصلحة الرئيسيين، لا يقود إلى سلام فعلي.
خطوة للأمام
ويقدم القيادي في التحالف المدني الديمقراطي “صمود” وعضو مجلس السيادة السابق، محمد الفكي سليمان، رؤية تركز على أهمية إنهاء الحرب كخطوة أولى وحاسمة.
يقول الفكي في مقابلة مع (عاين): “الاتفاق خطوة للأمام، ويجب دعمه لأنه يؤسس لواقع جديد. ووقف الحرب في مصلحة عموم السودانيين، وعلى رأسهم القوى المدنية، لأنه حال خفوت صوت البندقية؛ يمكننا استعادة أدوات العمل المدني تدريجياً، وهذا ميدان العمل السياسي الذي تدمر بالكامل في ظل ارتفاع صوت البندقية”.
ويرى الفكي أنه “من الصعب التنبؤ بمستقبل العملية السياسية، ولا ينبغي القفز على الخطوات، لأن المطلوب الآن وقف إطلاق النار”. هذا الرأي يركز على أن الأولوية اللحظية هي إسكات صوت البندقية، باعتباره الشرط اللازم لتمكين القوى المدنية من استئناف دورها، حتى لو كان الاتفاق في مراحله الأولى عسكرياً بحتاً، حسب اعتقاده.

أما القيادي في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، في مقابلته مع (عاين)، يعتبر المسار الحالي برمته “طريق مسدود”، لذلك فإن مساعي التسوية التي يقودها العسكر والوسطاء الإقليميون؛ مرفوضة بالنسبة له.
يقول كرار :”الرباعية حالياً ومن قبلها منبر جدة تهدف إلى إعادة إنتاج نفس الأزمة التي أشعلت الحرب بمحاولة إطفاء الحرائق عبر تسوية يكون الصوت العالي فيها للعسكريين، مع وجود تمثيل رمزي لقوى مدنية متماهية مع أجندة العسكر.. الهدف من هذه المبادرات تنفيذ مشروع سياسي اجتماعي مشترك، لإجهاض ثورة ديسمبر 2018 والعودة إلى مسار الهبوط الناعم”.
ويشدد على أن هذا المسار، حتى لو نجح في وقف إطلاق النار، “لن يقدم أي ضمانات لعدم تجدد القتال، فالحرب في جوهرها صراع على السلطة وحرب بالوكالة عن بلدان ومخابرات أجنبية”، واصفاً الحلول التي لا تعالج الجذور بأنها “نار تحت الرماد سرعان ما تشتعل عند أول عاصفة”.
من جهته، يضع عبدالله الصافي، وهو أحد قيادات المجتمع المدني السوداني، الإطار الشرعي لمشاركة المدنيين في مفاوضات السلام، مؤكداً أنها ضرورة وظيفية تمنع الانتكاسات”.
ويقول الصافي في مقابلة مع (عاين): “القوى المدنية لديها تفويض لإدارة الفترة الانتقالية، وتتفرغ القوى العسكرية لمهام إعادة إصلاح المؤسسات العسكرية وإصلاح النظام الأمني. أي اتفاقيات عزلت المدنيين في السابق قادت إلى مزيد من نزاعات”.
ويشدد على أن السودان جرب منذ 25 أكتوبر 2021، وقبله انقلابات عسكرية لم تقد إلى سلام، داعياً إلى التفكير بصورة أساسية في كيفية إدماج القوة المدنية كقوى لديها تفويض لإدارة الفترة الانتقالية.
إغراق المشهد
تأتي تحذيرات القيادات المدنية بالتزامن مع تحركات مكثفة يقودها المكون العسكري، والتي تضع القوى المدنية في مراحل متأخرة أو غامضة من الحوار، في محاولة للتحكم في الأجندة التفاوضية.
تشير متابعات (عاين) إلى أن القائد العام للجيش ورئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، شكّل لجنة سياسية شرعت فعلياً في عقد سلسلة من الاجتماعات مع القوى السياسية التي تساند مواقف المؤسسة العسكرية.
وتعتزم هذه اللجنة اتباع مسار تصاعدي يضع القوى الموالية في المقدمة، ثم يشمل لاحقاً تحالف “صمود” بوصفه طرفاً مدنياً محايداً، ثم يمتد إلى القوى المرتبطة بالدعم السريع. هذا النهج التدريجي، الذي يعطي الأولوية للموالين، ويشي بأن العملية السياسية قد تكون موجهة وليست شاملة، وفق فاعلين سياسيين.
كما أن التكتم العسكري كان واضحاً؛ فبينما تداولت تقارير لقاءات لنائب القائد العام، الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، مع ممثلين مدنيين، جاء نفي قاطع بأن كباشي “لم يبلغ أي جهة لـ(عاين)، فأن البرهان عرض على القيادة المصرية خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة، رؤيته لحل الصراع، والتي تضع وقف إطلاق النار وبحث الترتيبات الأمنية (دمج القوات) كأولويتين، وتضع الانتقال إلى حوار سياسي شامل في مرحلة تالية وغير مضمونة. هذا الترتيب يعني عملياً إبعاد صوت المدنيين عن مراحل الحسم الأولى التي تقرر مصير هيكلة الجيش وطبيعة المرحلة الانتقالية.
وتؤكد مصادر أخرى، على أن خطة البرهان تشمل إجراءات تمهيدية لتهيئة المناخ السياسي، كشطب البلاغات المفتوحة ضد قيادات سياسية ورفع القيود عن استخراج الأوراق الثبوتية، وهي خطوات تبقى محصورة في الأبعاد السياسية المباشرة، وتتجاهل عمق الأزمة.
رأس الرمح
عضو الشبكة الشبابية لإنهاء الحرب موسى إدريس دبيايور، يشدد على أن المدنيين يمثلون “صلب الموضوع في هذه اللحظة” لأن الهدف الأساسي من وقف إطلاق النار هو إنهاء معاناتهم.

يقول إدريس في مقابلة مع (عاين): إن “انخراط المدنيين، لا سيما القائمين على العمليات الإنسانية في المحادثات، سيصب في صالحهم. ويمكن للمدنيين أن يحاولوا تحقيق الفصل بين المدنيين والمناطق العسكرية. من المهم إشراك هؤلاء في العمليات وتحديد أدوارهم بوضوح للجميع، لأنهم معنيون بمراقبة وقف إطلاق النار وتقديم تقارير المتابعة”.
ويؤكد أن المدنيين قادرون على القيام بعمليات هامة مثل الإجلاء، وتقديم الاستجابة السريعة، ومعالجة قضايا سوء التغذية، والفصل بين المدنيين والمناطق العسكرية، مما يجعلهم شركاء في التنفيذ لا مجرد متلقين للمساعدات.
رؤية مغايرة
من جانبه، يقدم القيادي في المبادرة السودانية لوقف الحرب محمد الطاهر، رأياً يوازن بين طبيعة العمليتين، رافضاً أن يكون الدور المدني تفاوضياً في الترتيبات العسكرية، مؤكداً على أنه رقابي وسياسي بامتياز.
يقول الطاهر في مقابلة مع (عاين): “وقف إطلاق النار ليس عملية مدنية، وأن وجود المدنيين يجب أن يكون رقابياً أكثر من أنه دور تفاوضي أصيل. الأولى للمدنيين إدارة حوار مدني يوفر الأجوبة السياسية التي تدفع بعملية إطلاق النار للأمام، وتحافظ على استمراريتها وإنهاء الحرب”.
بينما يؤكد القيادي في المجتمع المدني السوداني، عبدالله الصافي أن حضور القوى المدنية في المفاوضات، يعطي ضمانات مدنية، بحيث يكونون ضامنين ومراقبين لعمليات سلام، والاستقرار، معتبراً أن اتفاقيات السلام لن تكون كاملة حال خلت من مشاركة المدنيين، لأنهم قادرون على تبشير المواطنين وخلق زخم مجتمعي حول أي اتفاق. ويرى الصافي أن القوة المدنية بمثابة رأس الرمح في تعزيز هذا التعايش السلمي بين المجتمعات في جميع المنصات النقابية والطلابية والمجتمع المدني.