متطوعون يخوضون غمار البحث عن المفقودين في السودان

عاين- 6 أكتوبر 2025

ما زال الغموض يكتنف ملف آلاف المفقودين في حرب السودان، وفي ظلّ عجز المؤسسات الرسمية وخطورة الميدان، انطلقت مبادرات مدنية وحقوقية لتتحمل وحدها مهمة البحث في أرضٍ تعجّ بالأنقاض والخوف.

تلك الجهود أفرزت قصصًا مؤثرة عن لمّ الشمل، لكنها كشفت أيضًا عن فداحة الكارثة، إذ لم يُوثّق رسميًا سوى 3177 حالة فقدان حتى الآن، بحسب منظمات حقوقية محلية.

في ظلّ انقطاع شبكات الدولة، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى سجلّ وطني للمفقودين. هناك، بدأت قصة عودة الفتاة “أنغام”، التي أعادتها الصدفة الرقمية إلى حضن أسرتها بعد شهور من الغياب.

تحكي “منى” (اسم مستعار) لـ(عاين): أنها تعرّفت على أنغام في إحدى” التكايا” بحي الصحافة في الخرطوم، حيث كانت الفتاة تقيم مع أسرة، ولا تعرف أهلها. وتقول:”كانت أنغام تبدو عليها حالة نفسية غير واضحة، لكنها كانت مسالمة وهادئة، والأسرة التي استضافتها عاملتها كابنتهم تمامًا.”

وبينما كانت منى تتصفح مجموعة “التائهين في ولاية الخرطوم” على فيسبوك، صادفت صورة الفتاة نفسها، فسارعت إلى التواصل مع أسرتها. وبعد تنسيق عبر المجموعة، تم اللقاء في مشهد مؤثر تعرّفت فيه أنغام على والدتها وأخواتها فوراً.

من دار المايقوما إلى الميدان: “وحدة التقصي الأسري”

بدأت صفية أحمد محي الدين رحلتها مع ملف المفقودين من داخل دار المايقوما للأطفال بالخرطوم، حين كانت تعمل اختصاصية اجتماعية في وزارة التنمية الاجتماعية. هناك، اكتشفت مأساة الأطفال التائهين الذين ظلوا في الدار دون أي جهد للبحث عن أسرهم. وتقول لـ(عاين): “وجدنا عشرات الأطفال جلبتهم شرطة حماية الأسرة كتائهين، لكن لم يُبذل أي جهد لإعادتهم إلى أهلهم.”

من بين 79 طفلًا، لفت انتباهها طفل معاق بملابس نظيفة، ما أوحى بأن له أسرة تبحث عنه. وبطريقة بسيطة، “نشر صورته على وسائل التواصل الاجتماعي” استطاعت إيجاد العائلة، وأتاحت للطفل رؤيتهم: ركض نحوهم فورًا. كانت تلك لحظة الشرارة التي دفعتها لتأسيس “وحدة التقصي الأسري ولمّ الشمل” بموافقة وزارة التنمية الاجتماعية، وبطاقم صغير من شخصين فقط

وتشير صفية إلى أنه وخلال فترة قصيرة، أعادت الوحدة 35 طفلًا وعدداً من المسنين والمشردين إلى أسرهم، دون أي دعم مالي أو لوجستي.

“كنا نعمل بجهودنا الخاصة، نذهب إلى الأماكن الخطرة، ونوثق الحالات بأنفسنا.”

بعد اندلاع الحرب، أعلنت صفية استقلال المبادرة عن الوزارة، ووسعت نطاقها ليشمل المفقودين والأسرى والعربات، مؤكدة أنها نجحت في إعادة عدد كبير من التائهين بفضل الثقة المجتمعية.

بين التوثيق والمساءلة

لا تقتصر أهمية هذه المبادرات على الجانب الإنساني، بل تمثّل حجر الأساس لأي مساءلة مستقبلية. حسب حديث المحامي عبدالرحيم محمد لـ (عاين)، فالأرقام المحلية تشير إلى 3177 حالة اختفاء قسري منذ بدء النزاع، بينها أكثر من 500 امرأة و300 طفل. وتؤكد تقارير حقوقية أن هذه الحالات ترتبط بانتهاكات أوسع تشمل الاغتصاب والتجنيد القسري وتدمير المناطق السكنية.

ويشير  عبد الرحيم، إلى أن تكرار هذه الممارسات على نطاق واسع يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.

ومع ازدياد حالات التوهان الناتجة عن الصدمة النفسية والنزوح، أطلقا صفية ومجدي نداءً مفتوحًا للمجتمع: وتقول المناشدة “أي شخص يرى تائهين أو أشخاصًا مضطربين نفسيًا، يصوّرهم ويرسل لنا الصورة ليساعدنا في التعرف عليهم.”

تحوّل هذا النداء إلى شكل جديد من أشكال المشاركة الشعبية، حيث صار كل هاتف في الشارع أداة إنقاذ، وكل مواطن متطوع محتمل في معركة ضد الفقدان.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *