مساكن اضطرارية تتحول إلى ركام بولاية الجزيرة وسط السودان
عاين- 7 يوليو 2025
وسط حضور مسؤولين أمنيين وحكوميين وحراسة مشددة من جهاز المخابرات والشرطة والجيش أزالت جرافات الأسبوع الماضي مساكن اضطرارية لعشرات الأشخاص بحي الزمالك في محلية ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة أواسط السودان، ولم يكن أمام المتضررين سوى الاستسلام.
أحالت الجرافات الموقع السكني الذي يقطنه إلى ركام وسط مخاوف من استمرار الحملة المسنودة بالقوات الأمنية لتطال قرى زراعية يقطنها عشرات الآلاف من عائلات العمال الزراعيين.
تتناثر منازل صغيرة تُشيد من الطين والقش في الغالب حول المدن في السودان نتيجة عقود من النزاعات المسلحة والجفاف والصراعات العرقية وحركة السكان بحثا عن الأمان وتحسين الوضع المعيشي.
مساكن الطين جدل لا ينتهي
الجدل بين السلطة الحاكمة والجماعات المدنية المناهضة لحملات إزالة المساكن الاضطرارية ظل قائما على مر السنوات في غالبية أنحاء السودان فيما تسميها وزارة التخطيط العمراني الجهة المسؤولة عن هذه القرارات بـ(العشوائية).
ويشدد محمد أحمد تيراب وهو عضو في منظمة حقوقية بولاية الجزيرة على أن الحملات الحكومية بالولاية إذا استمرت بنفس الوتيرة قد تضع مساكن يقطنها قرابة 1.5 مليون شخص على حافة الإزالة.
ويضيف: “في الغالب تود الحكومة المحلية وجهات سياسية الوصول إلى صيغة تخضع بعض المجتمعات ضمن سياستها لاعتقادها أنه من الصعب إزالة قرابة حوالي 80 قرية مصنفة ضمن التخطيط”.
ويقول تيراب لـ(عاين): إن “الحكومة القائمة في الجزيرة والتي يهمين عليها قادة مجموعات عسكرية متحالفة مع الجيش تستغل الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع وتصوير حملات الإزالة وكأنها لمنع تكرارها مجددا”.
هل تمتد الحملة إلى القرى الزراعية؟
وابتدر جهاز حماية الأراضي الحكومية حملة إزالة مواقع سكنية بحي الزمالك بمدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة مع تصاعد المخاوف من أن تطال العملية قرى زراعية يقطنها مئات الآلاف من عائلات العمال الزراعيين.
ويوضح أحمد الزين أحد الفاعلين في لجان المقاومة والحراك السلمي ضد نظام الجنرال عبد الفتاح البرهان بمدينة ودمدني قبيل اندلاع الحرب قبل أكثر من عامين لـ(عاين) إن المتضررين من الحملة سيزيد عددهم مع التوغل إلى القرى والأحياء السكنية التي يقطنها مئات الآلاف من الفقراء الذين حرموا من حق الحصول على السكن والعمل.
وزاد الزين قائلا: “نحن نواجه فترة عصيبة عندما يتعلق بقرار إزالة المساكن هناك مئات الحسابات على الشبكات الاجتماعية تؤيده بحجة عدم الوقوع في المشكلات الأمنية بعد تجربة الدعم السريع في الجزيرة”.
وكان الجهاز الحكومي المدعوم بالقوات الأمنية بولاية الجزيرة أصدر قرارا في 22 يونيو 2025 بإزالة المساكن (العشوائية) الاضطرارية في جميع المحليات واضعا فترة سماح لا تتعدى ثلاثة أيام لتوفيق الأوضاع.
رد حكومي
الحملة أثارت شكوك تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل الذي حذر من امتداد الحملات إلى القرى الصغيرة والتي يقطنها مئات الآلاف من العمال الزراعيين العاملين في الحقول بمشروع الجزيرة.
حذر تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل في بيان صدر في 24 يونيو 2025 من الحملات الحكومية في قرى الولاية والمدن بحجة إزالة المساكن (العشوائية) الاضطرارية. وقال: إن “هذه المجتمعات سكان الولاية بالميلاد لأنها جاءت منذ أكثر من 70 عاما ويعملون في قطاعات الإنتاج الزراعي”.
وقلل مصدر حكومي بالأمانة العامة لحكومة ولاية الجزيرة في مقابلة مع (عاين) من آثار الحملة على المجتمعات الضعيفة لأنها تستهدف إعادة تخطيط المحليات بصورة تراعي في الوقت ذاته حقوق السكان- على حد قوله. وأضاف مشترطا عدم الإفصاح عن اسمه: “القرار يعيد تخطيط المناطق الحضرية والريفية وهو إجراء على المستوى القومي وليس حصرا على ولاية الجزيرة والإجراء يساهم في مكافحة الجريمة بصورة وقائية”.
وحول المناطق المستهدفة أجاب قائلا: “نحو 120 موقع مستهدف بإعادة التخطيط في جميع المحليات بولاية الجزيرة والحكومة لديها بدائل للمتضررين والقرار لا يُنفذ بطريقة أحادية”.
وردا على بيانات الرفض التي صدرت من جهات حقوقية ومدنية بسبب المخاوف من أن تطال الحملات القرى الزراعية بولاية الجزيرة. قال المصدر الحكومي: “الإجراء لا ينحصر على فئة معينة بل هو إعادة تخطيط بواسطة جهاز حماية الأراضي الحكومية الذي يعتزم تنظيم المناطق ولا يجب النظر إلى القرار على أنه ذات أبعاد سياسية أو اجتماعية”.
السكن أولا
ويقول أحمد محارب الباحث في مجال السكان والهجرة لـ(عاين): إن “ولاية الجزيرة من المناطق التي تضم أعراق من السودانيين جاءوا على فترات مختلفة ومع الاعتماد على فلاحة الأراضي والإنتاج الزراعي حدث اندماج بين السكان.”
ويرى محارب أن المجتمعات لم تحصل على تنمية ملموسة طيلة تاريخ السودان بسبب سوء الإدارة والفساد. موضحا أن السلطة الحاكمة عادة ما تستخدم بعض القضايا المرتبطة بالفقرة والنزوح تحت ستارة إزالة (السكن العشوائي) وكأن هذه الفئة يجب أن تتعرض إلى البتر.

وأضاف مُحارب: “في الجزيرة حوالي 5 مليون نسمة بينهم 1.3 مليون شخص يقيمون في مناطق زراعية تفتقر للخدمات الأساسية والطرق والمراكز الصحية والمدارس ينبغي معالجة أوضاعهم وتوفير الظروف المناسبة للحياة”.
ويعتقد مُحارب أن متخذي قرار إزالة السكن الاضطراري يستغلون أجواء الحرب ودفع بعض المجتمعات لتأييد هذا الإجراء ولا استبعد وضع دوافع أمنية وسياسية وراء هذا القرار.
غياب البدائل
تتحلق القرى الصغيرة حول الحقول الزراعية وبينما يحاول آلاف العمال العودة إلى الموسم الزراعي هذا العام اعتبارا من يونيو 2025 لوضع بذور الفول السوداني و”العدسية” والذرة الرفيعة على الأرض تُلقي هذه الحملات بظلالة سيئة على مستقبل عشرات القرى التي يقطنها آلاف المواطنين.
ويقول الناشط في قضايا ولاية الجزيرة مصعب محمد الهادئ لـ(عاين): إن “حملات إزالة المساكن والمواقع الاضطرارية في الجزيرة لم تقترح البدائل التي ستمنح للمتضررين ولم نر قرى مشيدة كبدائل حتى يذهب إليها المبعدون من هذه المناطق”.
وعلى مدى السنوات الماضية تآكلت البنية التحتية في مشروع الجزيرة الأكبر على مستوى البلاد لشح التمويل الحكومي كما قضت هجمات الدعم السريع على آمال المزارعين والمؤسسة الحكومية المعنية بالمشروع بنهب الأصول والآليات ومستودعات البذور وتدمير قنوات الري.
دوافع سياسية
وتشير الباحثة في مركز دراسات السلام والمجتمع بجامعة النيل الأزرق هنادي المك إلى أن الأولوية لمعالجة الأسباب الناتجة عن دفع السكان للبقاء في المساكن الاضطرارية. وتضيف هنادي المك: “يجب أن ترتكز الحلول على تحقيق العدالة الاجتماعية لهذه المجموعات التي نزحت وعانت من الصراعات المسلحة ويجب أن يحصلوا على حق في السكن”.
الفيديو: ارشيف (عاين)
وتقول المك في مقابلة مع (عاين): إن “بعض القرارات المرتبطة بإعادة التخطيط أو الإزالة قد تحمل في طياتها دوافع سياسية مستترة، خاصة في سياقات النزاع، إذ قد تُوظَّف لاستغلال أجواء الحرب”. وتزيد بالقول: “قد تكون الحملات على علقة بتعبئة المواطنين ضد مجتمعات بعينها، في محاولة لإعادة تشكيل الخريطة السكانية بما يخدم أجندات جهوية أو إثنية”.
وتحذر الباحثة في مركز دراسات السلام والمجتمع بجامعة النيل الأزرق هنادي المك من تهديد هذه السياسات السلام الاجتماعي وتعميق الانقسام المجتمعي. وتقترح المك تبني سياسات إسكان عادلة ودامجة، تقوم على المشاركة المجتمعية، وتحسين البنية التحتية تدريجيًا، وتجنب التهجير القسري. وتابعت بالقول: “إدماج هذه المجتمعات ضمن تخطيط حضري عادل هو ركيزة أساسية لبناء التماسك المجتمعي وتعزيز الاستقرار في مرحلة ما بعد النزاع”.