سوق عطبرة تحت ضغط أكبر تدفقات نازحي حرب السودان
عاين- 12 ديسمبر 2023
عاد “عبد الباقي- أخوان” إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمالي السودان، واستعادا عملهم التجاري في سوق المدينة بعد فقدانهم محلات الأثاثات المنزلية والمكتبية المملوكة لهم في الخرطوم بحري، وشارع الستين عقب اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل الماضي.
عودة الإخوان للعمل في تجارة السلع الاستهلاكية التي تركوها قبل عشرين عاما، يمثل الواقع الجديد الذي فرضته الحرب على عشرات التجار وأصحاب المشاريع والمصانع والشركات وحتى طلاب الجامعات في رحلة بحثهم عن مورد دخل جديد لهم ولعوائلهم.
بالنسبة لوضع كثير من النازحين الآخرين، فإن عبد الباقي إخوان يملكان خبرة مسبقة في التجارة ورأس مال مكنهم من الانخراط سريعا في السوق، بيد أن مئات الفارين من حرب الخرطوم لم يجدوا خيارا سوى اتخاذ أعمال هامشيةً تكفي قوت يومهم فقط، بينما لا يزال العشرات عاطلين عن العمل.
باندلاع حرب 15 أبريل في العاصمة الخرطوم والولايات، فقد آلاف السودانيين وظائفهم وممتلكاتهم، حتى إن بعضهم غادر مناطق الاشتباكات بدون أي مدخرات مالية فيما استطاع البعض إخراج بضاعتهم وأموالهم للمناطق التي نزحوا إليها.
وولاية نهر النيل التي كان يبلغ عدد سكانها قبل الحرب حوالي مليون و212 ألف نسمة موزعين على سبع محليات، تعتبر وجهة رئيسية، واستقبلت قدرًا كبيراً من النازحين الفارين من النزاع المسلح في الخرطوم إلى شمال السودان بمعدل 11.99% من إجمالي النازحين وفق آخر تحديث لمصفوفة تتبع النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية نوفمبر الماضي، وبسبب هذه الأعداد الكبيرة التي وفدت إلى ولاية نهر النيل وتحديدا إلى مدينة عطبرة أكبر محليات الولاية منذ الأشهر الأولى، ارتفع التعداد السكاني الأمر الذي شكل ضغطا على سوق المدينة الكبير.
اقتصاديا تعتبر الولاية غنية بالموارد المعدنية والثروة الحيوانية والزراعية، غير أنها ما تزال بعيدة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي، أما سوق مدينة عطبرة الكبير، فقد شهد عملية تكسير كبيرة في التسعينات تغيّر على إثرها تخطيط السوق القديم بالشكل الذي جعله يستوعب الوافدين الجدد حاليا.
يقول أحد الأخوين عبد الباقي لـ( عاين): “رغم استقرارنا في السوق، إلا أننا نعاني مشاكل مع حكومة الولاية ممثلة في ديوان الضرائب والمحلية وجهات أخرى ليس لها صلة بالسوق، يأتينا فرد من الضرائب يطالب بدفع مبلغ لتسليمنا دفتر فواتير، يليه موظف من وزارة الصحة وأحيانا من الدفاع المدني، وأخيرا المحلية”. ويشير إلى تهديدات من الأخيرة بإحضار المباحث حال لم يتم الدفع لها. ويضيف: “يعاني القادمون من الخرطوم استغلال الجهات الحكومية والمؤجرين”.
وينوه عبد الباقي، إلى تكدس عدد كبير من البضائع في المعابر المصرية، وتلف جزء كبير منها بعد مرور 4 أشهر على انتظارهم اكتمال إجراءات التخليص الجمركي، ويعزى ذلك إلى أن البضائع على الحدود المصرية السودانية تفوق طاقة وعددية العاملين هناك.
ويتابع: “تشهد أسعار السلع الاستهلاكية في سوق عطبرة انخفاضا كبيرا عدا السلع الضرورية مثل السكر، الدقيق، والأرز، والعدس، أما البضائع الأخرى تباع بأقل من سعرها”.
وحول البضائع المنتجة محليا، يشير عبد الباقي، إلى أن إغلاق المصانع خلق ندرة في الإنتاج المحلي، حتى إن الشركات الكبيرة مثل المصانع الكبيرة التي كانت تنتج المواد الغذائية أصبحت تتبع سياسة تعبئة بضائع من الخارج؛ ومن ثم تضع علامتها التجارية على المنتج، حتى لا يغيب اسمها عن السوق.
وينوه الباقي، إلى أن قلة حجم القوى الشرائية سببه عدم صرف الموظفين. ويشير إلى أن وفرة وركود البضائع في أسواق شمال ووسط البلاد نتيجة إغلاق أسواق غرب السودان، لأنها أكبر مشتر. وأشار إلى أن أسواق ولايتي دارفور وكردفان كانت تشتري 60 و 70% من المواد الغذائية.
المواطن مهند حامد محمد يتجول للعمل في سوق المدينة بعربة ترحيل صغيرة “ركشة” لإعالة أسرته بما فيها شقيقه المريض، ويقول لـ(عاين)، أن “الأسعار مرتفعة في السوق، لكن لم يؤثر الغلاء على النازحين والمواطنين المقيمين بالمدينة إذا كان مصدر الدخل متوفراً”.
واعتبر مهند، أن أغلب النازحين من الخرطوم جاؤوا بفكرة عمل، ونفذوها مما انعكس إيجابا على حركة المدينة واقتصادها، ورأى أن اعتماد أغلب سكان عطبرة على المرتبات الشهرية أثر في وضعهم الاقتصادي.
ذهب مسروق
“ارتفاع أسعار السلع لم يعد مرتبطا بالدولار، بل بالجبايات التي تفرضها الدولة على التاجر”. يقول رئيس شعبة الصاغة بسوق عطبرة مختار محمد، لـ(عاين). ويضيف: “أي ضرائب تفرض من الدولة في هذا الوقت على التاجر ستخلق أزمة غلاء بالسوق في المستقبل القريب”.
ويشير مختار، إلى أن المنطقة تجارة الذهب في سوق عطبرة واجه مشكلة الذهب المسروق والمهرب من الخرطوم إلى المدينة؛ مما أثر سلبا على البيع، مشيرا إلى أن عدم وجود فواتير البيع اضطر التجار إلى التدقيق في الذهب المعروض.
ويوضح إلى أنهم لجأوا إلى النيابة لإثبات فواتير الذهب، منوها إلى أن تجارة الذهب يفترض أن تكون بين المعدن والصائغ ووزارة المالية والمعدن فيما استنكر ظهور تجار لبيع الذهب ممن لا يعملون في المجال.
وكشف مختار، عن تفعيل وزارة المالية شعبة الصادر مؤخرا قبل أن يشير إلى عدم إعطائها فرصة للتصدير حتى اليوم.
كثافة
الخبير الاقتصادي محمد الناير يقول لـ(عاين) إن الكثافة العددية الموجودة بالولايات التي نزح إليها أهل الخرطوم أنعشت الاقتصاد الخاص بهذه المدن بصورة كبيرة خاصة بانتقال المصانع التي كانت في العاصمة إليها.
ويرى، أن وجود منافذ برية للتبادل التجاري مع دول مثل جمهورية مصر، وعدم تأثر حركة الموانئ البحرية بالحرب حالت دون وجود فجوة غذائية بالبلاد وأزمة في السلع التموينية، فضلا عن وفرة الإنتاج الزراعي الذي يوجد 70% منه في ولايات مستقرة وآمنة، و30% في المناطق المتأثرة بالحرب. مشيرا إلى أن ولاية الخرطوم وحدها لا تشكل إلا 5% من الإنتاج الزراعي.
ويرى الناير، أن التحدي الذي تواجهه الدولة مع الحرب هو المحافظة على استقرار سعر الصرف أو تحسين قيمة الجنيه.
وشملت تداعيات الحرب صادرات الماشية وتغييب اللحوم المبردة والفواكه والخضر عن دفتر تصدير المنتجات السودانية إلى الخارج بعد تأثر مصانع تجهيز وتجميع اللحوم والخضر والفواكه بحرب الخرطوم؛ مما أثر بدوره على أسعار اللحوم.
عماد الإبراهيمي وهو صاحب أكبر ملحمة في سوق عطبرة يقول لـ(عاين)، إن أسعار اللحوم والمواشي في ارتفاع وعدم استقرار وإغلاق غرب البلاد، بالإضافة إلى ازدياد أسعار الترحيل وعدم جودة المواشي نسبة لعدم تسمينها مشيرا إلى أن أسواق نهر النيل لا تستطيع سد فرقة أسواق غرب السودان.
ويشير الإبراهيمي إلى أن الأسواق الداخلية للمواشي في الشمال هي (سوق المواشي بالدامر، والمويلح، وسيدون، والدبة، والسباغ حلفا) وجميعها تورّد المواشي بالتهريب.
ووفقا لـ الإبراهيمي، فإن المواشي تأخذ دورة طويلة في الترحيل من أم درمان عبر شارع “أبو زيد- سوق ليبيا” وإلى “شارع دنقلا” بطريق الدوران. ويشير إلى وجود صادر مخفي من وارد الصادر.