‎نداء السودان: صراع التسوية الصعب … تحالفات جديدة في المستقبل

‎نداء السودان: صراع التسوية الصعب … تحالفات جديدة في المستقبل


– شبكة عاين – ٢٨ يوليو ٢٠١٦ –

مهد المجلس القيادي لتحالف قوى “نداء السودان” إتجاهه نحو توقيع خارطة الطريق مع الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة ثابو امبيكي، وكانت قوى نداء السودان قد رفضت في مارس الماضي التوقيع على الخارطة. ولكن ذكر قادة التحالف ان هناك إستجابة حدثت حول تحفظات المعارضة على الخارطة الافريقية، وان هناك تحضيرات تجري لعقد لقاء في وقت قريب مع امبيكي في أديس ابابا او جوهانسبيرج. وإتفق المجلس القيادي لقوى نداء السودان على قضية هيكلة قوى نداء السودان في إجتماعها الأخير في العاصمة الفرنسية باريس. لكن الطريق بالنسبة للمعارضة غير مفروش بالورود، ويتوقع ان تحدث عملية إستقطاب وفرز وبناء تحالفات سياسية جديدة.

وقد واجه موقف نداء السودان إنتقادات من بعض القوى المنضوية تحت قوى الإجماع الوطني على مواقع التواصل الإجتماعي، مما دفع القوى المتحالفة في نداء السودان إلى إصدار بياناتها وعقد مؤتمر صحفي في الخرطوم. وتؤكد كل أطراف النداء على انها لن تشارك في حوار “قاعة الصداقة”، وان هنالك حواراً تحضيرياً سيكون شاملاً وسيتم عقده بمشاركة الحكومة ولجنة (7+7).

ضغوط إقليمية ودولية على قوى نداء السودان

ومنذ فترة ليست بالقليلة يطرح النظام السوداني نفسه كقوى يمكن ان تعمل على إستقرار الإقليم، وقد إستطاع بشكل أو بآخر ان ينفذ في المنطقتين الأفريقية والعربية. ولكن المعارضة تقول ان نظام البشير ضالع في زعزعة إستقرار الإقليم بتدخله في الحرب التي تدور في جنوب السودان، ويعمل على زعزعة الإستقرار في إفريقيا الوسطى، ويدعم تنظيم (داعش) في ليبيا والجماعات الإرهابية.

ولم يكن خافياً الضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية على قوى نداء السودان، وتدير واشنطون حواراً مع النظام السوداني منذ فترة، غير ان الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان يرهن محصلة النتيجة النهائية لهذا الحوار يأتي من بوابة وقف الحرب والإنتقال السياسي إلى مربع جديد. ويقول عرمان ان هذا الحوار مشروط وموقف حركته منه إيجابي وان ما يهمها فيه هي القضايا الداخلية بمخاطبة الوضع الإنساني ووقف الحرب. ويضيف عرمان “إذا أراد قادة النظام التطبيع مع العالم الخارجي عليها التطبيع مع الشعب السوداني“، ويؤكد ان الحركة تجري أيضا حوارا مع الإدارة الأمريكية وعلى إستعداد للجلوس مع النظام لوقف الحرب وحل القضية الإنسانية.

وكشف رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم عن دور محوري للمبعوث الأميركي الخاص للسودان وجنوب السودان دونالد بوث في احداث هذا الاختراق عقب زيارته جوهانسبرج لمقابلة الوسيط ثابو امبيكي.

تأثير غياب بعض من قوى الإجماع على إجتماع باريس

جرى لغط كثير داخل قوى الإجماع الوطني حول الموقف من خارطة الطريق الافريقية التي ستمهد لعقد حوار يطالب تحالف نداء السودان ان يكون متكافئاً، ورفض الحزب الشيوعي السوداني، وأقر رئيس حزب المؤتمر السوداني بان نشاط تحالف نداء السودان المعارض تأثر بمواقف بعض الحلفاء في تحالف قوى الاجماع الوطني، التي تميزت بالارتباك حين اعترضت على المشاركة في التحالف، ووصفته بانه نتاج مؤامرة دولية على الشعب السوداني. بينما ظلت قوى اخرى في موقف المتردد، مما اثر على تفعيل عمل النداء.

ويرى مراقبون ان الجديد في إجتماع المجلس القيادي لقوى نداء السودان هو غياب القوى التي لديها موقف من خارطة الطريق، وفي مقدمة هذه القوى الحزب الشيوعي إلى جانب رئيس تحالف قوى الاجماع الوطني فاروق ابوعيسى حيث لم يستطيع هذا التحالف من الوصول إلى قرار المشاركة في إجتماع باريس الأخير بشكل جماعي. ويعتقد المراقبون ان حزبي البعث العربي الإشتراكي والشيوعي السوداني عرقلا فكرة المشاركة بكتلة واحدة.

ويقول المحلل السياسي محجوب سليمان ان المعارضة تحتاج إلى إعادة تشكيل تحالفاتها حتى تصبح قوى منسجمة تستطيع العمل مع بعضها البعض. ويضيف لـ(عاين) ان وجود احزاب ترفض التعاطي الايجابي مع الوساطة الأفريقية والحوار يعيق عمل قوى نداء السودان التي تعمل على مسارين منها الحوار الشامل وفق شروط محددة والسعي للتحضير لإنتفاضة سلمية. ويرى سليمان ان القوى التي ترفض الحوار ليس لديها خيار آخر لتنفيذه على الارض وإنما تكتفي بالبيانات فقط.

ويقول الأمين العام للحركة الشعبية ان قوى مهمة من قوى الإجماع شاركت في إجتماع باريس وقوى أخرى مهمة إمتنعت عن المشاركة، بعضها تربطه علاقات تاريخية وثيقة مع الحركة الشعبية. ويؤكد على إستعداد الحركة للحوار مع الذين لم يشاركوا لتحقيق مطالب الشعب السوداني بعيداً عن محاولات زرع الفتن والتخوين بين صفوف المعارضة.

وأوضح البيان الختامي للمجلس القيادي لقوى نداء السودان ان هناك مراسلات ومقابلات مباشرة مع الآلية الرفيعة والاتحاد الأفريقي والمجتمع الإقليمي والدولي. واضاف “هذه المستجدات ستبحث في لقاء مع الرئيس امبيكي يجري التحضير له، بما يمهد للتوقيع على خارطة الطريق التي يتم بموجبها عقد الاجتماع التحضيري في أديس أبابا، واطلاق العملية السلمية المتكافئة التي تؤدي لوقف الحرب واشاعة الحريات، وبحث بقية استحقاقات الحوار الوطني المنتج“.

التشديد على رفض حوار الوثبة

ومن جانبه يؤكد الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان في بيان صحفي ان الإجتماع واجه مصاعب عديدة بسبب عدم وضوح الأولويات عند بعض الأطراف ولكن مع ذلك تمكن الإجتماع من إنجاز الواجبات الأساسية وإفشال مخططات حكومية لتمزيق قوى نداء السودان في ظل أوضاع داخلية وإقليمية معقدة. وشدد عرمان على ان قوى نداء السودان رفضت إلحاقها بحوار “الوثبة”، وعدد في بيانه الإيجابيات من موقف التحالف في الإجتماع الأخير وهو تحول التوقيع على خارطة الطريق من حدث إلحاق أربع تنظيمات من قوى نداء السودان بحوار الوثبة إلى عملية سياسية تمر بإجراءات تهيئة المناخ من وقف الحرب وتوفير الحريات وغيرها.

وتقول الحركة على لسان أمينها العام ان الآلية الأفريقية وافقت بان تحدد قوى نداء السودان وفدها على أساس جماعي وليس فردياً. وتؤكد الحركة انها على إستعداد للتوقيع على خارطة الطريق في إطار قوى نداء السودان لبدء عملية تفاوضية جديدة تحدد إجراءات تهيئة المناخ وشروط الإنتقال وبناء حوار متكافئ ووضع النظام في موقعه الطبيعي كنظام شمولي مطالب بالتغيير.

وتوقع الدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، عقد اجتماع بين قوى نداء السودان والوسيط الأفريقى ثامبو أمبيكى مطلع أغسطس القادم، متهماً أطراف تسعى لتقسيم المعارضة، معتبراً ان المقترحات التي وقفت عليها قوى نداء السودان تشمل جميع القوى السياسية التي ستشارك في اللقاء التحضيري.

من جانبه يقول رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير ان رئيس الآلية الأفريقية ثابو مبيكي، أبلغهم خلال إجتماعاتهم بباريس بأن مطالبهم التي ضمنوها في وقت سابق مذكرة التفاهم التي رفضتها الوساطة، تعتبر إيجابية وموضوعية ويمكن ان تكون واحدة من أجندة اللقاء المتوقع مع لجنة (7+7).

وأشار الى ان المجتمع الدولي عقب اقتناعه بموضوعية مطالب المعارضة حول ضغوطه على الحكومة التي استجابت لشروط المعارضة وفق خطاب أرسل إلى مبيكي موقع من مساعد الرئيس إبراهيم محمود حامد.

إلى ذلك قالت نائب رئيس حزب الأمة القومي مريم الصادق المهدي، ان الخطوات المقبلة لنداء السودان تبدأ بلقاء بين وفد من قوى النداء مع ثابو مبيكي، ثم لقاء بآلية (7+7) التي تأتي بتفويض رسمي من الحكومة تلتزم خلاله بما تتوافق عليه الآلية مع قوى نداء السودان.

فيما يقول المحلل السياسي ماهر ابوجوخ ان إجتماعات نداء السودان الاخيرة حققت إختراقات مهمة في ما يتصل بمسيرة تحالف نداء السودان، أولها تجاوز حالة التجاذبات الداخلية وتباين الرؤى بين مكونات قوى الإجماع الوطني، وقاد هذا التحول بدوره لإحداث تقدم في ما يتصل بالهيكلة بتكوين المكتب القيادي والمكتب التنفيذي لنداء السودان. واضاف لـ(عاين ) ان التحول الثاني التعامل مع خارطة الطريق تحلي قوى نداء السودان بقدر أكبر من المرونة من بعض أطراف قوي الإجماع، وبشكل عام فإن مسار الأحداث بات يشير إستناداً للحراك والضغوط الإقليمية والدولية الممارسة على جميع أطراف العملية السياسية بالسودان.

المهدي يشن هجوماً على بعض القوى السياسية

ووجه زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي إنتقادات شديدة على من وصفهم بالذين “يتعنترون في المزاد السياسي الآن” شاركوا نظام الطغيان في بعض المراحل وفي بعض المواقع السياسية أو التشريعية، أو الإدارية وأقسموا معه على عهد واحد. ويقول “نحن نحاور نظام الطغيان منذ أواخر القرن الميلادي الماضي بيد ونعمل من أجل الإنتفاضة الشعبية المخططة باليد الأخرى“.

فيما يقول عرمان ان الحوار المتكافئ والتسوية السياسية المؤدية الى التحول الديمقراطي مطلب من “مطالب حركتنا ونحن سنواصل نضالنا ونعمل على إسقاط النظام ليلاً ونهار ولانزايد في ذلك على أحد ولا نقبل المزايدة، والتغيير قادم بالنقاط أو بالضربة القاضية، ونحن أكبر من ان نلحق بنظام مهترئ“.

ويرى المهدي ان الحوار الوطني إذا توفرت إستحقاقاته  فهو واجب وطني، وخيار المخرج السلمي إذا توافر هو ما إختاره الوطنيون الحقيقيون في أفريقيا مثلاً نيلسون مانديلا، وفي أوربا ليخ فانسيا، وفي أمريكا الجنوبية وهو ما تحقق في كل بلدانها التي تحولت من الطغيان إلى الديمقراطية، ويضيف “الغلاة أوهموا السهاة ان مجرد التوقيع على خارطة الطريق الأفريقية تهاون في المصلحة الوطنية“.

غير ان رئيس الجبهة الوطنية العريضة علي محمود حسنين يقول ان خارطة الطريق هي مرحلة متقدمة من حوار الوثبة وان اعلان باريس عمل على إبعاد فكرة اسقاط النظام. واضاف لـ(عاين) ان ما يجري يفرز القوى ويقوم على بناء قوتين احداها ستكون ضمن معسكر النظام، والأخرى لاسقاطه، واشار الى انهم سيعملون مع بعض قوى الاجماع التي تقف مع إسقاط النظام.

وشنت الحركة هجوماً على من يحاولون وضع أجندة العروبة بديلاً للأجندة السودانوية ووحدة السودان على اسس التنوع، ويقول عرمان “شاكلة هذا الحديث مسؤول عن حروب السودان الطويلة وهو حديث إستعلائي عنصري لن يوحد المعارضة أو السودان … رفضناه بالامس وسنرفضه اليوم وغداً ولا نريد الدخول في معارك الدرجة الثانية فلدينا قضايا أهم ونفضل التصدي للنظام بدلاً عن تبديد طاقآتنا فيما لا يفيد“.

ويعتقد الصحفي والمحلل السياسي محمد حمدان ان هنالك تحولاً كبيراً لجهة بناء تكتل سياسي كبير يجمع القوى السياسية والمسلحة والمجتمع المدني، ويرى ان هذا التطور سيقود إلى فرز داخل قوى الإجماع حيث ستعلن عدداً منها طلاقها من هذا التحالف لا سيما التي شاركت في إجتماع باريس. ويقول حمدان لـ(عاين) ان نص البيان بالتعهد بمواصلة العمل مع قوى الاجماع يعمل على تماسك قوى المعارضة وهذا مهم في تواصل سياسة تجميع القوى الرافضة للنظام السوداني.

الحركة الشعبية تعلن خطوطها الحمراء

وتؤكد الحركة إنها لن تقوم بتسليم بندقية الجيش الشعبي للنظام الحاكم وتجدد مطالبها والتي أعلنتها في أكثر من (14) جولة من المفاوضات مع الحكومة ببناء جيش وطني جديد لا يخضع لسيطرة المليشيات ويعكس التركيبة السودانية وان يكون جيشاً مهنياً لا يخوض الحروب ضد مواطنيه.

وتخوض الحركة الشعبية حرباً ضد الحكومة السودانية منذ خمس سنوات في منطقتي النيل الازرق وجبال النوبة. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار الذي ظل يعلنه الرئيس السوداني عمر البشير من حين إلى آخر، إلا انه لا يصمد كثيراً، حيث يواصل الطيران الحكومي قصفه الجوي بإستمرار.

وأعلن عرمان عن إستعداد الحركة للتفاوض حول وقف العدائيات لأسباب إنسانية ولا تمانع في وقف العدائيات لمدة عام لإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين، ويقول “لن نقبل سيطرة النظام على العملية الإنسانية، وسوف نسعى بكل السبل لوقف العدائيات المتزامن في المنطقتين ودارفور”. وشدد عرمان على ان جبال النوبة والنيل الأزرق لن يرجعا إلى الأوضاع القديمة والخروج من الحرب يتم بالإستجابة لتضحيات أهل المنطقتين في حكم ذاتي في إطار السودان الموحد، ويقول “هذه قضايا لن تتنازل عنها الحركة الشعبية دونما ضجيج فهي قضايا لازمة للسلام ولوحدة السودان ووجوده“.

ووجه حديثاً خاصاً لكوادر الحركة بعد السماح لانفسهم بالإرتباك في التعامل مع المشهد السياسي المعقد، ويقول “نحن تعلمنا السباحة في بحر من المتناقضات وسنصل إلى شواطئ أهدافنا لن نشارك في حوار الوثبة حتى لو إستمر لمائة عام … نحن خلفنا خمس سنوات من الحرب والشهداء والجرحى والنازحين واللاجئين وفشل النظام في سحق حركتنا“، ويضيف “الحركة الشعبية اليوم قوى سياسية رئيسية في السودان لن يخدعنا أحد ولن نخدع أحداً“.

نداء السودان وتحديات الهيكلة

من اكبر التحديات التي تواجه نداء السودان قضية الهيكلة حيث يوجد مقترحان الاول يقوم على قيام مجلس تنسيقي بين القوى المتحالفة في النداء والآخر يقوم على قيام هيكلة تراتبية برئاسة متفق عليها، وفي الاجتماع الاخير اعتمد المجلس القيادي حول الوضع التنظيمي و أقر الاجتماع اجازة هيكل كامل من مستويين رئاسي وتنفيذي على ان يقوم مجلس قيادي مشكل من 20 شخصا من الكتل الخمس المؤسسة للنداء بقيادة “نداء السودان”.

 

فيما تطالب الحركة الشعبية بان تعكس الهيكلة مصالح أوسع قطاع من السودانيين وبان يروا صورتهم في المرآة ولاسيما جماهير الهامش والنساء والوصول لهيكل متوازن يمثل القوى السياسية والمجتمع المدني من القوى التي دفعت الثمن ضد نظام الإنقاذ والتي عملت على توحيد المعارضة في إعلاني باريس وإعلان قوى نداء السودان، وتقول انها لم تطالب بمطالب لنفسها “كما ورد في بعض الإدعاءات وهذا كذب صريح لا علاقة له بما تم في باريس“.