نزاع الاراضي في السودان: دارفور … نزع الاراضي وتغيير التركيبة السكانية
– شبكة عاين – ٢٣ فبراير ٢٠١٦ –
تم تهجير أسرة الطالب في جامعة القرآن الكريم أمير السنونسي، كما نزحت قبيلته بالكامل الى معسكر السلام في شمال دارفور بعد اندلاع الحرب قبل (12) عاماً، بهذه العبارات ابتدر السنوسي حديثه لـ(عاين)، ويقول إن قبيلته وأهله فقدوا اراضي أجدادهم. ويضيف أن استرداد تلك الاراضي تتم عبر المحاكم الدولية التي عليها اصدار قرارات صارمة وجادة تجبر الحكومة على إبعاد المستوطنين الجدد، وطردهم من مناطق السكان الاصليين، موضحاً أن خطط الحكومة كانت واضحة جداً عندما أعلنت انحيازها لطرف دون آخر في هذه الحرب واستقدمت مستوطنين جدد من داخل وخارج البلاد. ويشتكي مواطنو دارفور من وجود تلاعب في اراضيهم، وقد أقر وإلى جنوب دارفور السابق عبد الحميد موسى كاشا بوجود تلاعب في امتلاك الأراضي في دارفور وتجاوزات في القانون إلى جانب امتلاك عدد من تجار وسماسرة الأراضي قطع سكنية بغير وجه حق.
المستوطنين الجدد ينهبون الأراضي في دارفور
ويقول السنوسي إن الاراضي (الحواكير) التي تم الاستيلاء عليها دخلت ضمن خطط حكومية للاستثمار فيها، واشار إلى أن اغلب المستثمرين من دولة قطر وأن المدن النموذجية التي صممتها قطرواحدة من الحيل لنهب الأراضي من السكان الاصليين. وهذا يعني أن عودة النازحين إلى مناطقهم الاصلية ستصبح صعبة للغاية، ويضيف (هذه المدن أنشئت في مناطق قاحلة وليست أراضي النازحين الخصبة والمزراع التي يملكونها)، مناشداً المجتمع الدولي بالضغط على الحكومة السودانية لإستعادة السكان إلى مناطقهم الاصلية عبر إتفاقية حقيقية.
اما النازح في معسكر الحصاحيصا بولاية وسط دارفورآادم محمد هارون، يتهم الحكومة السودانية بالانحياز الواضح لبعض الاثنيات لم يسمها مما ادى إلى تفاقم ازمة الارض (الحواكير) في دارفور. بالرغم أن وثيقة الدوحة تناولت موضوع “تنمية وإدارة الأراضي والحواكير والموارد الطبيعية” يقول هارون أن الحكومة لم تسعى في إيجاد الحلول للاراضي التي إحتلها المستوطنون الجدد في اغلب اقليم دارفور. اما عن العودة الطوعية ، قطع هارون بأن أي نازح أو نازحة في إستطاعته أن يستوعب فكرة العودة. وقال متسائلاً (كيف يعود النازح الى منطقته المحتلة بعد ان استوطنها سكان جدد؟ هل يذهبون الى المدن الجديدة التي بنتها الحكومة (القرى النموذجية)، واين هي مزارعهم الاصلية؟)، مضيفاً (في السابق كانت مشكلة الاراضي بين المتنازعين يتم حلها بأبسط الطرق وهي عبر الحوار المحلي (الجودية) التي يشرف عليها السلاطين وزعماء القبائل)، معتبراً تدخل الحكومة قد افسد كل شئ لانحيازها للمستوطنين الجدد.
حقوق غير قابلة للنقض
ويقول إستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصاد بجامعة بحري الدكتور جمعة كندة، إن المشكلة الرئيسية في قضية الأراضي في إقليم دارفور ترجع الى السياسة المتبعة من قبل السلطات السودانية التي أجرت تغييرات في روح قانون الاراضي الذي وضعه المستعمر في العام 1925 و الذي كان يعتمد على منهجية التعويض. ويضيف (اذا تم انشاء طريق أو بناء مرفق عام وتضرر المواطن من الطريق والمرفق في حال اقتطاع جزء من ارضه فإن الحكومة تقوم بتعويضه وفقاً للقانون)، وكان التعويض يشتمل على نوعين الاول مالى والثاني تعويض للارض بإرض أخرى.
وقانون الاراضي قديم حيث بدأ ببعض المنشورات تقيد حتي القوانين فمثلاً قانون تحديد الاراضي لسنة 1905، وقانون تسوية الاراضي وتسجيلها لسنة 1925، ثم قانون نزع ملكية الاراضي لسنة 1930، ثم قانون اعادة تنظيم المدن 1950، وقانون التصرف في الاراضي لسنة 1986،وقانون التخطيط العمراني لسنة 1986.
ولكن بعد التعديلات الجوهرية التي جرت في العام 1970 حول ملكية الأراضي، حيث أراضي غرب النيل تحديداً من كوستي وغربها تعود ملكيتها الى الدولة بينما يمتلك المواطنين اراضيهم في شمال النيل. ويقول كندة (الغريب في الأمر وبعد اكتشاف البترول اعتمدت السلطات توسعة 5 كيلو مترات حول مسار انبوب النفط، في مناطق غرب النيل من حدود جنوب السودان مروراً بكردفان والأراضي المتاخمة لدارفور، ولم يتم تعويض أي متضرر والعكس تماماً تم تعويض المتضريين في مناطق امدرمان شمالاً). ويعتقد كنده ان سياسة نزع الاراضي التي ابتدرتها الحكومات كانت هي السبب في بداية الحروب في السودان، ويرى أن الحلول الجذرية لموضوع الحواكير بأن يتم اسنادها للإدارات الاهلية التي تعتبر الجهة الوحيدة القادرة على مخاطبة جذور الازمة لمعالجتها.
ويذهب في ذات الاتجاه القيادى في الحزب الشيوعي المهندس صديق يوسف الذي قال لـ(عاين) إن موضوع الاراضي في دارفور قديم تاريخاً، ويضيف إن الادارات الأهلية كانت تدير الامور بحكمة لذلك لم يحدث اي صراع. ويقول (حتى إذا حدث نزاع بين قبائل أو مجموعات سكانية فإن الإدارات الأهلية كانت لديها القدرة في حلها)، وعاب يوسف على إتفاقيتي الدوحة و أبوجا عدم مناقشتها لمشكلة الحواكير بالعمق المطلوب.
ولكن المحلل السياسي عبدالله آدم خطر أوضح أن إتفاقيتي (ابوجا والدوحة) إعترفتا بوضوح بالارض على اساس الواقع الاجتماعي والتاريخي والقبلي وهي معروفة بـ(الحواكير) كل مجموعة مخصص لها حاكورة تعرف بها. والسلطة الاقليمية خلال مفوضية الاراضي إستطاعت عمل خريطة كاملة للحواكير والموارد المتاحة في دارفور. ويقول لـ(عاين) إن ذلك يمثل أحد المداخل للحقوق المتوارثة في اطار بناء السلام في دارفور،معترفاً بأن بعض الأفراد يتحدثون عن الصعوبات في عملية السلام.
يقول خاطر إن تحقيق السلام اصبحت مسألة وقت، ويعتقد إن إصرار الحكومة علي بناء القرى النموذجية محاولة من الاشقاء القطريين والسلطة الاقليمية علي ايجاد نماذج للتعايش في المستقبل. ويضيف (ليس اهداراً لحقوق الناس أو تغيير علي الارض، ولا بد من ابداء حسن النيات وامكانية العودة في ظروف مختلفة والحقوق غير قابلة للنقض إطلاقا وهذا ما اكدته اتفاقيتي أبوجا والدوحة). ويشير إلى أن اتفاقية الدوحة اصبحت الدليل على ان الدوحة الان جزء من الدستور السوداني، واي كلام غير ذلك لا يمت للحقيقة بصلة، مؤكداً الحقوق الملكية للارض لا يمكن التلاعب بها.
الاستثمارات احد عوامل نزع الاراضي
وبالعودة إلى الدكتور جمعة كندة نجد أنه تناول قضية الأراضى من زوايا اخرى، وهي الإستثمار الزراعي والمعدني الذي ظهر في السنوات الماضية متزامناً مع إنقلاب الجبهة الإسلامية بقيادة عمر البشير في يونيو 1989. ويقول كندة إن الأراضي كانت تستخدم في السابق لغرضين الأول للسكن، والثاني للإكتفاء الذاتي من الزراعة، والمستفيد الاول هو المواطن، ويضيف (ولكن مع بداية نظام الانقاذ دخلت أغراض الإستثمار في الغابات والمزارع ولحق بها التنقيب العشوائي والنفط ولكن السلطات أدخلت الإستثمار عبر شركات أجنبية تسفيد من الأراضي وتُصدر الناتج، فتحول مالك الاراض إلى مستخدم وليس مالك).
ويتفق الخبير الإقتصادي والكاتب الصحفي دكتور فيصل عوض حسن مع جمعة كنده في أن الاستثمار في الأراضي كان ضرره أكبر من نفعه على المواطن، ويقول لـ(عاين) إن الاستثمار في هذا البلد لا يتعدى بيع الاراضي إلى آخرين. واشار حسن إلى العشوائية في هذا المجال، ويقول (يجب أن تكون هناك دراسة قبل الشروع في البيع حتى لا يحدث وضع كارثي ويشكل خطورة علي مستقبل البلاد سواء استقر فيه الغريب أو تركها عقب الاصطدام باصحابها)، ويرى أن التركيز أصبح على القوانين والتشريعات واخرها التعديلات في قانون الاراضي وهو إلتفاف واضح الهدف منه (إقتلاع) الاراضي من السكان الأصليين، معتبراً إن قانون الأراضي الذي تم تعديله الهدف منه إقتلاعها من أصحابها الاصليين وتقنين ذلك عبر تشريعات مفصلة. ويقول (أكبر دليل علي ذلك ما فعلته الحكومة سابقاً باهإلى الجريف غرب وشرق، البراري، الفتيحاب، الحلفايا والحماداب). كانت اراضي سكان تلك المناطق للمزارع التي (ترفد) الخرطوم وما جاورها بالخضر، الفواكه، الالبان، الدواجن والبيض باسعار في متناول الجميع، لكن للاسف اقتعلت بقوانين وقرارات فوقية، وتم تشييد (الفلل) الرئاسية وبيعت باثمان زهيدة، وتقاسموا بقية الاراضي المنهوبة وبنوا فيها القصور. ويقول (الان يسيرون في ذات الاطار، ولن يتوقفوا او يرتدعوا حتي لو قتلوا الشعب باكمله)، وتبنأ بأن تتعرض مناطق عديدة في السودان لهجمات بحجة الاستثمار، والغطاء القانوني جاهز ليبلغوا هدفهم.
الدستور الإنتقإلى انشأ مفوضية للاراضي لكنها غير فاعلة
من جهته كشف المحامي عيسى كمبل عن إصدار الحكومة لقراراً قضى بملكية الاراضي غير المسجلة للدولة، إلا أن الأراضي التي يقطنها السكان تخضع لخيارات الناس بإعتبارهم ملاك لها. ويقول في هذا الصدد القانوني نبيل إديب لـ(عاين) إن الحكومة بدأت تنزع الأراضي دون أن تكون هناك أسباب واضحة، نسبة لحجم القضية، وأن دستور 2005 نص على انشاء مفوضية للأراضي وسنت لها قانون خاص، وهدفها الأساسي أن تعالج كل مشاكل الاراضي في الولايات أو بين الحكومة المركزية والأهالي. وأعرب عن آسفه في أن هذا القانون لم يتم تفعيله، ويضيف (من ناحية قانونية يفترض أن تعالج مشاكل الاراضي بالاتفاق مع الحكومة واصحاب الاراضي)، منتقداً افتراض ان تصبح الدولة هي المالكة للاراضي، وجدد ذلك ان يكون في اطار الاتفاق بين الاطراف.
وتقول أماني حسابو الأمين العام لفرعية حزب المؤتمر السوداني في ولاية شمال دارفور إن مسألة الحل في السابق كانت على يد الإدارات الأهلية، واوضحت لـ(عاين) أن قيادات الإدارات الأهلية السابقة إسُتبدلت بأخرين علي أساس قبلي أو أساس سياسي وهي من أبرز النقاط التي قادت إلى تفاقم الازمة حول الأراضي، إلى جانب مشكلة اخرى هي إستبدال سكان الأراضي الاصليين باخرين تم استقدامهم ولجأ السكان الأصليون إلى معسكرات النزوح واللجوء. وتقول حسابو (حتى السكان الاصليين الذين حاولوا العودة إلى أراضيهم الاصلية عبر مشروع العودة الطوعية تفاجأوا بأن وجدوا أن مستوطنين آخرين قد إحتلوا أراضيهم ما جعلهم يضطرون للعودة إلى المعسكرات مرة اخرى).
وصفت حسابو العودة الطوعية بالحديث الاستهلاكي ما لم تسعى الدولة الى حلول ناجعة في أزمة الاراضي بالتحديد وكيفية الوصول الى حل الأزمة في دارفور. وتشير إلى ان ملاك الأراضي معروفين، وتقول (على النظام ان يرفع يده عن الادارات الاهلية في دارفور التي يمكن أن تقوم بدورها كما في كان في الماضي) وتعتقد أن الدولة لا تملك المواطن مستندات رسمية حتى يستعين بها أمام المحاكم. وتقول حسابو (في ظل هذه الفوضي الدائرة فإن المواطن يبع قطعة أرضه إلى عدة افراد والجميع يتنازع فيها امام المحاكم لاثبات الملكية).
واتهم المحامي عيسي كمبل الدولة بعدم التدخل في هذه القضايا الشائكة خاصة أن قانون الحيازات متناقض مع نفسه في كثير من المواد، والدولة مستفيدة من هذا الواقع، ويقول (الدولة تتدخل في وقت النزاع فقط حال تصبح الارض مهمة لمشروع ما ربما يعوض الحائز بارض بديلة بينما الاراضي المسجلة التي لها شهادات بحث محمية بالقانون ويستحيل نزعها لان الفرد حائز عليها حيازة فعلية) ويرى أن الحيازة المحمية بالقانون اقوي من الحيازة الفعلية، وكشف عن وجود مشاكل في تسجيل الاراضي وترفيعها لشهادة بحث وذلك نسبة للرسوم الباهظة والتي تصل ملايين الجنيهات الامر الذي دفع كثير من المواطنين بعدم التسجيل، واشار إلى أن الاراضي في العاصمة الخرطوم واطرافها وزعت على اساس قبلي حيث تجد حياً كاملاً لقبيلة بعينها حتي يسهل السيطرة عليهم، ويرى أن ذلك عزز القبلية والجهوية.