نزاع الاراضي في السودان: النيل الازرق … تنزعها الحكومة لصالح نافذين في حزبها
– شبكة عاين – ٢٤ نوفمبر ٢٠١٥ –
تعاني كافة أقاليم السودان من تغول السلطات على الأراضي الزراعية والسكنية والتي تدر اموالاً طائلة للدولة، وقد خلفت تلك التعديات اضراراً كبيرة على المواطن، واصبحت واحدة من عوامل في إشتعال الحروب في مناطق الهامش السوداني رغم انها من اكثر المناطق المنتجة لإغتناها بالموارد المختلفة، وتعتبر ولاية النيل الازرق واحدة من المناطق التي تعرف بانها من مناطق الهامش، الى جانب ملكيتها لموارد تقع في مساحة (40) كيلو متر عرفت بسلسلة جبال الانقسنا، وهضبة الفونج التي تقع على ارتفاع (300) متر فوق سطح البحر، فضلاً عن وجود اكبرمحمية طبيعية وهي محمية الدندر.
تقع اغنى مناطق النيل الازرق في المنطقة الواقعة بين تقاطع خطي (11.30 و34 شمالاً)، ولما تملكه المنطقة من خصائص ترابية عالية الخصوبة جعلتها من اكثر المناطق إنتاجية لمختلف الموارد زراعية ومعدنية، ركزت عليها الحكومات منذ عهد الاستعمار التركي – المصري (1821-1958)، والذي ارسل جنوده الى جبال بني شنقول لجمع المال والرجال، وفي العهد البريطاني – المصري، قامت ادارة الاستعمار بتنظيم ملكية الاراضي، رغم انها جعلت منطقة النيل الازرق واحدة من المناطق المقفولة.
ولكن السطو على املاك المواطن في النيل الازرق لم يزل متواصلاً حيث شهدت السنوات الخمس الماضية تغولاً كبيراً على الاراضي الزراعية في الولاية بسبب اكتشافات جديدة.
مئات الالاف من الافدنة منهوبة
يقول الناشط بالمجتمع المدني الشكري، إن المشكلة الرئيسية في ولاية النيل الأزرق سببه الصراع الموارد التي تشمل الارض وما تحتويه من موارد، ويرى ان تدخلات الحكومة المركزية في الخرطوم شكلت عائقاً كبيراً في تحقيق التنمية البشرية، خاصة بعد عملية تمليك الأراضي لشركات بعينها، وافراد ينتمون لمجموعات الاخوان المسلمين بالمنطقة، ويضيف لـ(عاين) ان هناك حوالي (470,000) فدان من الاراضي الزراعية هي في الاصل “مشاريع زراعية مطرية “، قامت الحكومة المركزية بتوزيعها على عدد من الشركات يتردد ان ملاك عدد من هذه الشركات ينتمون الى حزب المؤتمر الوطني الحاكم الى جانب الاستثمارات الاجنبية، ويشير الى الشركة العربية التي تملك (220) الف فدان، مشروع التكامل العربي (250) الف فدان، ويوضح ان تمليك الحكومة اراضي المواطنين الاصليين في النيل الازرق خلف آثاراً سالبة عليهم حيث تشرد اغلبهم بعد ان فقدوا مصدرهم الرئيسي وهي الارض الزراعية.
دخول الشركات في الاراضي الزراعية لم تنعكس على المواطن
ولكن وزير الزراعة في النيل الازرق محمد المبارك يرى في إدخال الشركات الكبرى الى ولاية النيل الازرق مسألة ايجابية تعود الى المواطن ذي الدخل المحدود، ويعتقد ان امتلاك المواطن اراضي شاسعة ومشاريع ليس في مقدروه ان يزرعها فان ادخال الشركات سيعود بالفائدة للمواطن وللدولة، ويشير الى ان هنالك حوالي (4,000,000) فدان غير مستفاد منها في الماضي.
ويقول وزير الزراعة في ولاية النيل الازرق لـ(عاين) ان اوضاع الموطنين تحسنت الان واصبحت افضل مما كانت عليه بعد ادخال المشاريع الكبيرة التي تقوم بها شركات لها مقدرة مالية، ويرى ان ذلك قلل من نسبة العطالة في الولاية، متهماً بعض الجهات بالطرق على قضايا الزراعة في النيل الازرق لتوسيع دائرة الصراع الذي اضر بالولاية كثيراً.
لكن الناشط في منظمات المجتمع المدني الشكري يرى غير ذلك خاصة وان المواطن في النيل الازرق ما زال تحت خط الفقر ويعاني في حياته اليومية، ويقول ان ادخال الشركات في النيل الازرق لم ينعكس ذلك على حياة المواطن، متهماً جماعات نافذة في سلطات الولاية بالاستفادة من تقسيم الاراضي الزراعية، وهو ما اثر على الانسان والطبيعة نفسها، وكشف عن توزيع (700) الف فدان باسم المشروعات القومية في الجانب الشرقي من الولاية، والذي يشمل “محمية الدندر جنوب ولاية سنار الى حدود الهضبة الاثيوبية”، ويضيف “مناطق (الكدالو) التي اصبحت مجموعتها السكانية مهددة بالانقراض حيث تبقى منهم (10,000) فرد فقط”، ويقول “هنالك ايضاً مناطق الرصيرص (21) كلم واماكن متفرقة تساوي جملتها (50) كلم كانت تستخدم كمراعي للمجموعات السكانية المختلفة قد تم نهبها وتقسيمها الى افراد ينتمون الى حزب المؤتمر الوطني الحاكم”.
شجرة الجاتروفا ذات الفوائد العديدة تعتدي عليها الحكومة
من جهة اخرى كشفت مصادر مطلعة لـ (عاين) فساداً في الأراضي الزراعية في النيل الازرق التي اصبحت تحت سيطرة الحكومة على مساحة إنتاج ما يعرف بـ”الجارتوفا” وهي (شجرة قادرة على انتاج محلول من الزيت يتم خلطة مع الوقود، الى جانب ان هذه الشجرة تساعد في الحفاظ على البيئة، كما انها تساعد بشكل اساسي على محاربة التصحر، لانها تنبت في المناطق الغنية والصحراوية، ويطلق على هذه الشجرة اسم [شجرة الذهب الاخضر] لانها يمكن أن تساهم في زيادة الدخل القومي للبلدان الفقيرة، فيما يطلق عليها سكان النيل الازرق اسم [اليورو] كناية عن الاموال الطائلة التي تدرها عليهم)، غير ان الحكومة قامت بإصدار قرار في الحادي عشر من مايو الماضي قضى بتأجير مساحة (40,000) فدان بمبلغ (80,000) يورو لفترة 20 سنة في المناطق التي تنمو فيها اشجار الجاتروفا، وقد نص العقد في الفقرة الخامسة من أحكامه على تسديد الايجار اعتباراً من الاول من يناير 2015.
المواطنون : الحكومة انتزعت اراضينا
وكانت (عاين) قد استمعت الى شكاوى لعدد من المواطنين، يعانون من نهب وفقدان اراضيهم الزراعية بسبب تغول الحكومة عليها هي قرى (رورو الفونج) الذي تم انتزعتها الحكومة دون وجه حق وفقاً لافادات اهالي المنطقة، و تبلغ مساحتها حوالي (187,500) فدان منها (1.10) تم توزيعه لمشروع الشركة العربية و(77) مشروع نزعت من المواطنين وتم تمليكها لتجارمن الولاية الشمالية، من بينهم (بشير نميري) شقيق الرئيس السوداني الاسبق جعفر نميري.
ويقول المصدر لذي فضل حجب اسمه، انهم فقدوا اراضيهم الزراعية ومناطق الرعي مما افقر حياتهم للدرجة انهم اصبحوا يبحثون ما يسد الرمق، وفي رده على سؤال (عاين) عن ماهي الخطوات التي اتخذوها لاسترداد حقوقكم ؟ قال “لم نترك طريقاً رسمياً عبر الاجراءات القانونية لم نسلكه، وهنالك طرق اخرى كالوساطات، التي وصلت بنا الى مستوى رئيس الجمهورية، ولكن لم نحصد غير الوعود”، ويضيف “لقد صرفنا اموالنا في (المساسقة) بين الدمازين والخرطوم، وفي اخر المطاف تم اتهامنا باننا ندعم مالك اقار، الذي يقاتل الحكومة في النيل الازرق، وتم تهديدنا بالسجن في حال استمرارنا في البحث عن حقوقنا”، ويتابع “السؤال هو لمن نشكى مصيبتنا؟ التي رفعنا ايدينا فيها لله فوحده القادر على رد المظالم”.
اتهام للحركة الاسلامية السودانية بالاستيلاء على اراضي منذ السبعينيات
وفي ظل التعدي الجائر على املاك المواطنين طرحت (عاين) أسئلة حول كيفية الحلول عندما يفقد المواطنون اراضيهم، وفي ذلك يقول العمدة محجوب من النيل الازرق، ان الحل يكمن في إسترداد الاراضي الى مالكيها، ومن ثم التنسيق الجيد مع الحكومة الولائية لكيفية الإستثمار في الأراضي الزراعية، بموافقة المواطن على ان يأخذ مالك الارض نسبة بحسب شروط العقد المبرم، والذي يقوم على الاتفاق بين المواطن والحكومة، ويضيف “لكي يتم ذلك لابد من إرجاع الاراضي لأهلها اولاً”.
من جانبه طرح الشكري الناشط في الدفاع عن حقوق الانسان ثلاثة حلول تمثلت في الإعتراف بالحق التاريخي لسكان النيل الازرق في امتلاك اراضيهم، وحماية البيئة كأسس مجتمعي، وإشراف الناس على حقوقهم في الارض لتجنب المخاطر الناتجة عن فقدان الاراضي الزراعية الصالحة، ويقول “المتر الواحد يمكن ان يصبح عشرة امتار بزيادة الانتاج وتطوير المراعي وانتاج الغاز النباتي والحراري في مسحات لها القدرة على الانتاجية وهو امر ممكن ويتطلب مجهودات موجه”.
وشن الشكري هجوماً على الحركة الاسلامية الحاكمة في السودان التي اتهمها بالتصرف في (650,000) فدان منذ العام 1977 لبناء الحركة الاسلامية في السودان، ويقول ان هذه المساحة نهبت من حر ملكية المواطن في النيل الازرق تنتج الذهب، الكروم، فضلاً عن الحبوب الغذائية وعباد الشمس، اللتان كان بامكنها تحقيق مقولة السودان سلة غذاء العالم، موضحاً ان الاسباب التي تطرق لها كافية للرد على السؤال القائل “لماذا نحن فقراء؟”.