مقترح الحكم الذاتي في المنطقتين بين التأييد والرفض
٢٧ نوفمبر ٢٠١٤
طرحت الحركة الشعبية لتحرير السودان في خطوة غير متوقعة قضية الحكم الذاتي لمنطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان في جلسة المفاوضات التي انتهت في الاسبوع الماضي مع الحكومة السودانية برعاية الآلية الافريقية الرفيعة بقيادة رئيس جنوب افريقيا السابق ثابو مبيكي في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا ، ولم يتوصل الطرفان الى اتفاق اطارئ كما كان معلن ، وادى ذلك المقترح الى ارباك الوفد الحكومي الذي كان يصطحب معه ما ظل يطلق عليهم بـ ( اصحاب المصلحة ) ، فيما انقسم الشارع السوداني ما بين مؤيد للمقترح الجديد ومن هو رافض ، ولكن ما هو مؤكد ان الشعب في جنوب كرفان والنيل الازرق رحب ترحيباً واسعاً بجعل الحكم الذاتي داخل اجندة التفاوض ، في حين رأت بعض القوى السياسية ان طرح الحكم الذاتي سيصبح مدخلاً للمطالبة بحق تقرير المصير الذي قاد الى انفصال جنوب السودان قبل ثلاثة اعوام .
وشنت صحف الخرطوم طوال الاسبوع الماضي هجوماً على الحركة واتهمتها صراحة بالعمل على إيواء المسيحين في رقعة واحدة من السودان ، غير ان الحركة الشعبية رفضت تلك الاتهمات ، بل اكدت عبر قادتها والمتحدثون باسمها بأن حق الحكم الذاتي هو الطريق لمواءمة العلاقة بين المركز والمناطق المهمشة ، لا سيما فيما يختص بالموارد والتتمية، في الوقت الذي رحبت فيه كافة مكونات المنطقتين الإجتماعية والدينية باقتراح الحكم الذاتي كمدخل لمعالجة القضايا العالقة مع المركز منذ خروج المستعمر.
دواعي المطالبة بالحكم الذاتي
يتفق سكان ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق بأن مركز السلطة في الخرطوم مارس نهب مواردهم لبناء مناطق اخرى على حساب مناطقهم ، والعمل على افقار المنطقتين خاصة البنيات التحتية كالمدارس والمستشفيات، ويعتقدون ان الاتجاه لتحسين منهج إدارة الموارد والسلطة بين المركز والهامش لابد من ايجاد شكل من اشكال الحكم يضمن لهم حقوقهم لحقن دماء ابناء الوطن الواحد .
ويقول إيهاب مادبو لـ(عاين ) وهو من مواطني مدينة كادوقلي إن فلسفة الحكم الذاتي الغاية منها إيقاف صوت الرصاص ، عبر تأمين الحقوق الدستورية للمنطقتين ، وذلك وفق ان اتفاق بان تحكم هذه المناطق نفسها لنفسها ، ويرى ان هذا التوجه اصبح غاية في الاهمية ، ويضيف ( اذا نحج هذا المقترح في المنطقتين فان ذلك ادعى بتطبيقه على كافة أقاليم السودان للمساعدة في بناء دولة فدرالية لان الحكم الذاتي لايعني تقرير المصير باي حال من الاحوال بقدر ما إنه يساهم في انهاء التوتر وتحقيق التطلعات السياسية والاجتماعية القائمة على التحرر الإقتصادي لتسيير شؤون المنطقة ) ، ويشدد على ان الحكم الذاتي لا يمكن تطبيقه الا في ظل حكم ديموقراطي حقيقي .
ويقول مادبو ان هناك مخاوف من البعض حول تطبيق الحكم الذاتي ولتبديدها لابد من تقديم اجابات منطقية حول ماهية الحكم الذاتي وتفسيراته السياسية، ويضيف إن منطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان اصبحت بؤر للصراع الناتج عن التهميش التاريخي ، ويشير الى ان ايما تهميش يقوم عل هذا النوع يعني إنتقال الصراع من مرحلة صراع المركز والهامش الى مرحلة صراع الهامش والهامش ، ويؤكد على ان استئصال ومعالجة جذور الازمة في السودان قبل الدخول في تطبيق الحكم الذاتي سيكون المدخل الصحيح .
ولكن عضو وفد المؤتمر الوطني المفاوض ضمن ما يعرف (باهل المصلحة ) عبد الباقي قرفة الذي انشق عن الحركة الشعبية (شمال) أبدى مخاوفه من أن الإنتقال بالصراع الى هذه المرحلة قد يقود السودان الى مزيد من التشرزم والتفتت ، ويقول في حديث قصير مع ( عيان ) ان الحكم الذاتي أعلى مستوياته هو تقرير المصير، مطالباً بالنظر الى تجربة جنوب السودان والقياس عليها ، غير انه توافق مع طرح الحركة الشعبية فيما يختص بالتنمية وامتلاك الاراضي لاهلها في المشاريع الزراعية.
وكان عبد الباقي قرفة من الداعين الى الحل الجزئي لقضية ولاية جنوب كردفان وذلك باعطاء اهل الاقليم حقهم عبر الحكم الذاتي وسرعان ما تغير موقفة عندما تقدمت الحركة بهذا المطلب .
ارتباك واستقالات داخل الوفد الحكومي
وفي تطور مفاجىء للأحداث قدم منير شيخ الدين رئيس الحزب القومي وعضو وفد الحكومة استقالته من الوفد ، وتبنى طرح الحركة الشعبية المطالب بالحكم الذاتي للمنطقتين، وقال في إتصال مع (عاين) ان الأفضل لمركز السلطة القبول بهذا الطرح، لان المركز لايملك حلول جذرية لرأب الصدع وإيقاف حمام الدم السائل منذ الاستقلال ، ويضيف ( الحكم الذاتي الان افضل من خيار الحرب طويلة الامد وهي التي أنتجت هذه المطالب ) ، داعياً القصر الرئاسي بإعطاء الوفد المفاوض صلاحيات تمكنه من البت في الامورالتي تطرح على طاولة المفاوضات ، وعد ان ما يميز الحركة الشعبية عن المؤتمر الوطني هي الردود الفورية وليس الانتظار من جهات عليا ، ويتابع ( على ابناء منطقتي النيل الازرق وجبال النوبة الإصطفاف حول هذا الحق طالما إنه يحفظ السودان موحداً في إطار الفدرالية قبل ان يلجأ اهل المنطقيتين الى خيارات اخرى لان طول امد الحرب سيزيد من المطالب كحق تقرير المصير) .
وفي السياق رحب مواطنوغرب كردفان بهذا المطلب ، واكد عدداً منهم إن الحكم الذاتي هو الخيار الأوحد الذي يمكن عبره من إسترداد حقوقهم من المركز مع الإحتفاظ بالسودان الموحد ، وقال حمدين من موطني غرب كردفان لـ(عاين ) انه بعد أن تشاور مع العمد والنظار في قبائل المسيرية فيما يختص بالحكم الذاتي وجد ترحيباً كبيراً من سكان المجلد ، بابنوسة والفولة بالحكم الذاتي وتعتبر هذه من المناطق التي تنتج النفط في الدولة السودانية دون ان تعود الفائدة الى سكانها ، موضحاً ان مناطقهم تعاني من كافة مشاكل التهميش الذي انتج انساناً يعاني من تخلف في كل شي ، ويقول ( آن الأوان لرد حقوقهم المغتصبة من المركز ) ، وتجدر الاشارة الى ان ولاية غرب كردفان كانت جزء من ولاية جنوب كردفان .
احتفالات في النيل الازرق
بعد تقديم مطالبة الحركة الشعبية بحق الحكم الذاتي في المفاوضات الاخيرة ، دشنت عدد من الفعاليات المجتمعية في ولاية النيل الازرق عدد من الجلسات التثقيفية للحكم الذاتي بقيادة دكتور فرح ابراهيم العقار الخبير في وفد الحركة الشعبية الذي تحدث لـ(عاين) في وقت سابق قبل تقديم الحركة الشعبية لهذا المطلب عن اهمية الاتجاه لمنح المنطقتين الحكم الذاتي الذي بموجبة يمكن لشعوب المناطق المهمشة باللإرتقاء الى مصاف الأمم المتقدمة ، واوضح انه وبعد اعلان الحركة لمطلب حق الحكم الذاتي في جولة اديس ابابا الاخيرة ( إنهم في النيل الازرق شرعوا في تعريف المواطن بهذا الحق، الامر الذي لقي قبولاً من قطاعات الشعب المختلفة ) ، مشيراً الى أن هنالك نماذج لدول عديدة إستطاعت أن تطوي صفحات من الصراع بإعطاء حق الحكم الذاتي، وهو لامر مشروع وموجود في دستور السودان .
وطالب عقار مركز السلطة في الخرطوم بالنزول الى إرادة الشعب والديمقراطية الحقيقية إن كان جاداً في إيقاف الحرب التي أستمرت لأكثر من ربع قرن من الزمن ، مشيداً بموقف الحركة الشعبية في هذا الاتجاه ، وطالبها بالا تتراجع عن موقفها لاي سبب .
الشعبية تحذر وقوى معارضة ترفض الحق الدستوري
من جهتها رفضت بعض القوى السياسية المعارضة موقف الحركة الشعبية المطالب بالحكم الذاتي للمنطقتين وإتهمتها بالسعي الى تفتيت البلاد، وقال كمال عمر السكرتير السياسي للمؤتمر الشعبي لـ (عاين ) ، إن ما يجمع الناس اكثر من ما يفرقهم ، رافضا حق الحكم الذاتي الذي قال انه قد يصل في أعلى مستوياته الى حق تقرير المصير وتمزيق السودان الي دويلات صغيرة فاشلة ، مستدلاً بدولة جنوب السودان التي استقلت عن السودان في العام 2011 ، مطالباً الحركة الشعبية بالعمل علي ايجاد بديل ديمقراطي يرضي تطلعات الشعب السوداني بدلاً من الانزواء تحت مطلب صغير قد يضعف وجودها في المركز .
ولكن الناطق الرسمي باسم وفد الحركة الشعبية المفاوض مبارك اردول قال يجب عدم اتخاذ الامرعلى انه حق تقرير مصير لتخويق اهل المنطقتين من التمتمع بحقوقهم الدستورية التي يكفلها دستور السودان الانتقالي ، ويضيف ( إن الحكم الذاتي يتم في إطار الوحدة ويجب عدم تخويف الشعب على انه حق تقرير المصير فحق تقرير المصير شئ ربما يقود للوحدة كما حدث مؤخرا في اسكتلندا او اﻻنفصال كما حدث في جنوب السودان يجب تسمية اﻻمور باسمها) ، داعياً الرافضين لحق الحكم الذاتي لمنطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان تقديم البديل ، ويضيف ( ايمان الحركة بوحدة السودان على اسس جديدة راسخ ولا يتناقض مع مطالبتها بالحكم الذاتي في المنطقتين وربما دارفور وهي لن تتخلي عن التغيير والتحول الديمقراطي في المركز ) ، ويقول ان معالجة خصوصية المنطقتين هو حق لا يتعارض مع مبدأ وحدة البلاد ، ويتابع ( المشي على جراجات اهل المنطقتين ودارفور يجب ان يتوقف لانهم تاثروا بوجود النظام الذي ظل يضعفهم منذ وصوله الى السلطة الى يومنا هذا ) ، ويشدد على ان المعالجة الشاملة لقضايا السودان تتطلب مخاطبة جذور الازمة بخصوصية مناطق الحرب ، للحفاظ على حقوقهم الثقافية والاجتماعية والسياسية وذلك عبر حكم انفسهم بانفسهم واعطاءهم الحق في التنمية المتميزة لإزالة مخاوفهم .
وكشف اردول عن موقف الجبهة الثورية المبدئي هو تصحيح علاقة الاقاليم بالمركز حتى في حال سقوط النظام ، ويقول ( ناهيك عن بقاء الجلاد الذي انتج كل هذه الازمات وهو مالم ترفضه كافة مكونات الجبهة الثورية حال وصل اي منها الى السلطة ) ، ويضيف ( الحركة الشعبية ﻻ يمكن ان تتخلى عن التحول الديموقراطي اذا ربطنا ذلك بمطالبتها بالحكم الذاتي للمنطقتين واي استقرار للحكم الذاتي في المنطقتين مربوط بالتحول الديمقراطي في المركز ) .
وهذا التحرك النوعي في محادثات السلام بعد طرح الحكم الذاتي سيقود الى حراك من نوع جديد في قضيتي الحرب والسلام في السودان وتحقيق التغيير بشكل شامل ، خاصة ان الحكم الذاتي ليس بالامر الجديد على السودان حيث تم تطبيقه منذ العام 1953 خلال الحكم البريطاني – المصري للسودان ، ثم نصت عليه اتفاقية اديس ابابا في العام 1972 بين حكومة الرئيس السوداني الاسبق جعفر نميري وحركة ( الاناينا الثانية ) بقيادة جوزيف لاقو في اطار حل مشكلة جنوب السودان .