معارك جبل مرة : تشريد المدنيين وتحذيرات دولية من أنتشار الجماعات الاسلامية
– تقرير – عاين ١١ فبراير٢٠١٦-
(اطلاق الرصاص في جبل مرة وفي كل الاتجاهات – شرقاً، جنوبا وغرباً – الشوارع لم تسعنا، وفوق ذلك اعترضتنا القوات الحكومية التي تتصيد مسيرنا في كل من مارتدلو وقلول)، هكذا يقول مصدر من المنطقة لـ(عاين)، والذي أضاف أن القتال تجدد في مناطق جبل مرة بين القوات الحكومية وقوات جيش تحرير السودان قيادة عبد الواحد نور التي تتمركز في الجبل، وما زال الطيران الحكومي يقوم بعمليات قصف جوي. وخلفت هذه المعارك عشرات القتلى والجرحى ونزوح اكثر من (34) ألف مواطن من القرى حول منطقة (نيرتتي)، وقالت مسؤولة في مكتب الامم المتحدة للشؤون الانسانية (أوشا) مارتا رويداس في بيان صحفي ان التقارير تشير إلى فرار نحو (19) الف مدني إلى ولاية شمال دارفور، ومايصل إلى (15) الفاً آخرين إلى ولاية وسط دارفور، واضافت (في الوقت الذي لم يجر فيه التأكيد بعد من العدد الدقيق الذين فروا من جبل مرة، هنالك أيضا تقارير لم يجر التحقق منها عن مدنيين آخرين توغلوا إلى اعماق جبل مرة)، وتشير التقارير إلى أن اغلب الفارين من النساء والاطفال.
شاهد عيان: اغتصابات متفاوته وموتي لا إحصاء لهم
واوضح شاهد عيان أن عمليات اغتصاب واسعة جرت اثناء دخول المليشيات التابعة للحكومة في القرى، وقال إن المواطنين فروا إلى منطقة كأس، وأضاف (الوضع الانساني في غاية السوء وينذر بالخطر لأن نسبة الاغتصاب والنزوح في تزايد مضطرد اعادت الى الاذهان ذكريات العام 2004 المشئومة)، مشيراً إلى أن القوات الحكومية اغتالت (25) مواطناً واحرقت حوالي (17) قرية إلى جانب تهجير سكان (10) قرى. وشهدت مناطق شمال جبل مرة عمليات اغتصاب وقعت على (12) فتاة تتفاوت أعمارهن ما بين (20 إلى 30) عاماً، وتهجير أكثر من (200) اسرة إلى منطقة طويلة، ويقول المصدر إن السلطات الحكومية اغلقت منظمة (تيرفند) البريطانية قبيل شنها الهجوم العسكري على الجبل باعتبار أنها المنظمة الاجنبية الوحيدة في المنطقة، ويعتقد طرد أن المنظمة كان تمهيداً لشن هذا الهجوم العسكري الضخم حتى تخفي الحكومة جرائمها ضد الانسانية والابادة الجماعية الجديدة ـ ويرى المصدر أن الغرض من هذه العمليات العسكرية إحداث تغيير سكاني في المنطقة بطرد السكان الاصليين وإستقدام آخرين في اماكنهم، ويقول (هنالك لاجئون من دول مختلفة تم استيطانهم بالقرب من جبل مرة).
وذكر راديو (دبنقا) أن عمليات القصف الجوي مستمرة وأستهدفت قرية الشيخ إسحاق فضل المعروفة بقرية (ام بلينا) جنوب شرق منطقة (طور) والتي أدت إلى إصابة (10) مواطنين ، إلى جانب إغتصاب المليشيات الحكومية (4) من الفتيات والنساء تتراوح أعمارهن بين (11، 15، 28، 45)، كن في طريقهن من قرية (بلدونك) إلى منطقة طور غرب جبل مرة عندما اعترضهن أفراد المليشيا.
معارك جبل مرة تمهد لتحويل الاقليم ملجأ للمتطرفين
وقال المصدر إن الذين تم استجلابهم إلى مناطق الجبل لم يتعرضوا لأي نوع من الهجوم العسكري مثلما تعرض السكان الاصليين في المنطقة، وأشار إلى إن غالبية المستوطنين الجدد يظهر عليهم سمات المتطرفين الاسلاميين وهم ليسوا من دارفور ، ويعتقد أنهم من الجماعات الارهابية في اشارة منه إلى إستقدام جماعات ارهابية في المنطقة لتدريبهم وارسالهم إلى دول الجوار ، بحسب المصدر .
وكانت الامم المتحدة قد حذرت في الثالث والعشرين من يناير العام 2015 من أن تصبح دارفور أرضاً خصبة للجماعات الاسلامية المتطرفة ، وتحدث تقرير لجنة خبراء من الامم المتحدة بشأن السودان ما وصفه بـ”نمط من الاستهداف المتعمد أو الهجمات العشوائية على المدنيين الموالين بشكل فعلي أو متصور لجماعات المعارضة المسلحة، إضافة إلى هجمات متفرقة من قبل قوات المتمردين على الذين يُعتقد أنهم يدعمون الحكومة، واسفر هذا الاستهداف في تلك الفترة عن تدمير (3324) قرية خلال الفترة من (ديسمبر 2013 إلى ابريل 2014)، وتشرد نحو نصف مليون شخص”.
وقال الخبراء إن المناخ الامني عبر ليبيا والساحل والشرق الاوسط تدهور بسبب قلاقل الاسلاميين الراديكاليين، وعبر الخبراء عن مخاوف بشأن بيانات تشير إلى دعم الحكومة السودانية للمتمردين الاسلاميين في ليبيا، وقد اعلن تنظيم (داعش) عن نفسه قبل أكثر من عام في بنغازي وعدد من المدن الليبية ، وقالت لجنة خبراء الامم المتحدة إن دارفور يمكن أن تكون أرضاً خصبة ومحتملة لتسلل الراديكاليين الاسلاميين بسبب حدودها المليئة بالثغرات والتضامن العائلي عبر الحدود بين القبائل السودانية و(أبناء عمومتهم) الأفارقة المنحدرين من أصل عربي في جمهورية افريقيا الوسطى، مالي والنيجر، وكانت السلطات السودانية قد حذرت من استغلال مناطق دارفور للجماعات الارهابية.
الجيش ينفي استهدافه للمواطنين ويحذرهم
من جهته أعلن الجيش السوداني، الإثنين الماضي، عن بسط سيطرته على جبل مرة بدارفور فيما عدا جيوب صغيرة جارٍ التعامل معها، وقال إن قواته “طهرت” 17 موقعاً كانت تمثل مصادر تهديد للقوافل الإدارية للقوات المسلحة وتقييد حركة المواطنين. ودعا المتحدث باسم الجيش أحمد خليفة الشامي في بيان كافة الأهالي بالمنطقة للعودة إلى قراهم وممارسة حياتهم الطبيعية، “بعد اشاعة روح الأمن والاستقرار وفتح الطرق أمام حركة المواطنين لممارسة أنشطتهم الإقتصادية والإجتماعية بسهولة ويسر”. وأشار إلى أن عمليات القوات الملسحة أسفرت عن تطهير مناطق (حلة الرشيد، بادري، بارديس، روفتا، برقو، كارقو، بولي، قلول، بلدنوق، كتروم، كارا، قبو، صابون الفقر، قور لنباخ، كالو كتنج، توري وترانقتورا).
وأفاد الشامي أن الجيش الحكومي ما زال يواصل جهوده في تطهير الجيوب الصغيرة، والمضي قدماً ( في اداء واجابته الدستورية في الحفاظ على ارض الوطن وضمان سلامة المواطنين) ، وقال إن مجموعات كبيرة من حملة السلاح في المنطقة استجابت لنداء السلام والتسليم للقوات المسلحة. وأضاف أن الجيش كبد المتمردين خسائر في الارواح والمعدات وأن القوات المسلحة مارست ضبط النفس تجاه ما وصفه بالإعتدات المتكررة من التمرد ، وقال (التزم الجيش بتوجيهات القيادة العليا بوقف إطلاق النار الذي تزامن مع إنطلاق مؤتمر الحوار الوطني)، لكنه أستدرك قائلاً (لقد تعرضت قواتنا في جبل مرة للاعتداءات والكمائن المتكررة والتي بلغت “80” خرقاً خلال فترة وقف اطلاق النار وهذا ما حتم على القوات المسلحة تطهير جيوب التمرد وإزالة القيود التي تفرض على حركة المواطنين).
وقالت الحكومة السودانية إن وقف اطلاق النار المعلن من الرئيس عمر البشير في يناير الماضي ما زال سارياً، واكدت في ذات الوقت إنها ستقاتل للدفاع عن نفسها، محذرة المدنيين من البقاء في مناطق الصراع. واضحت الخرطوم أن منطقة جبل مره ستشهد عمليات عسكرية ضد مكونات الجبهة الثورية التي تتخذ منها معقلاً. وقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة احمد خلفية الشامي لـ(عاين) إن الجيش لن يستهدف اي مواطن طيلة حمايتة للوطن ، متهماً جهات وصفها بالمتربصة بأمن الوطن والمواطن بالترويج لشائعات مغرضة بحق الجيش ، وأضاف (معركتنا قائمة لتطهير مناطق جبل مرة من فلول متمردي الجبهة الثورية الذين اتخذو من مناطق الجبل مواقع للاستعداد بعد هزيمة معركة النخارة)، وتابع (لذلك نحن نطالب من كل المواطنين بالابتعاد عن مناطق القتال حتى لاتصيبهم اضرار بسبب المعركة التي لن تتوقف الى بطرد فلول الجبهة الثورية وحركة تحرير السودان).
وتعتبر مناطق جبل مرة هي المعقل الرئيسي لحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، وهي من المناطق التي لم تستطع القوات المسلحة الوصول اليها منذ إندلاع الحرب في العام 2003 ، وكان الشرتاي جعفر عبد الحاكم والي ولاية دارفور قد قال في وقت سابق إن مناطق دافور تشهد حالة من الاستقرار وأن المواطنين يمارسون أعمالهم الزراعية دون ادنى تهديد امني ، ولكن الامم المتحدة اعربت عن قلقها الشديد إزاء المعارك الدائرة بجبل مرة بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور، وأعلنت “يوناميد” ارتفاع نسبة الفارين إلى 52% خلال الـ 24 ساعة الأخيرة إثر تجدد القتال الإثنين الماضي.
الامم المتحدة تعرب عن قلقلها من سوء الاوضاع الانسانية
وعبرت منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في السودان، مارتا رويداس، الإسبوع الماضي، عن قلقها الشديد إزاء تأثير القتال الدائر في دارفور على آلاف المدنيين الذين أجبروا على الفرار من منازلهم جراء أعمال العنف التي اندلعت قبل أسبوعين ماضيين هناك ، وقالت مارتا في تعميم صحفي تحصلت عليه (عاين) إن التقارير الأولية تشير إلى فرار نحو (19) ألف مدني إلى ولاية شمال دارفور، وما يصل إلى (15) ألف آخرين إلى ولاية وسط دارفور، عقب اندلاع القتال في منطقة جبل مرة الجبلية التي تتمدد في ثلاثٍ من ولايات الإقليم ، وأكدت على توفير بعض المساعدات الإنسانية ، بما في ذلك المواد الغذائية للأطفال، والادوية، والمياه النقية لبعض النازحين – وغالبيتهم من النساء والأطفال – في ولاية شمال دارفور، ويعكف المجتمع الانساني حالياً على تقديم الاغاثة الطارئة لإولئك الذين نزحوا إلى وسط دارفور.
وقالت ممثلة الأمم المتحدة ( تظل عملية حماية المدنيين الشغل الشاغل لنا أثناء النزاعات ورغم أنه من المشجع أن يجري تقديم بعض المساعدات الإنسانية، إلا أنه من الواضح أن هناك حاجة إلى المزيد) ، ودعت إلىإتاحة وصول آمن ودونعوائق، من أجل تقديم المساعدات للمحتاجين في الوقت المناسب.
وفي نشرة اخرى الاحد الماضي، أعلن مكتب تنسيق الشئؤن الإنسانية التابع للأمم المتحدة في السودان (اوتشا) نزوح ما يناهز (44,700) من المدنيين من مناطق جبل مرة بعد المعارك العنيفة التي تشهدها المنطقة منذ يناير الماضية بين القوات الحكومية وحركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد محمد نور، واكدت النشرة الدورية لـ (اوتشا) إن اكثر من (31) ألف نازح توجهوا إلى ولاية شمال دارفور، وان (13.700) وصلوا إلى وسط دارفور، إلى جانب نزوح أعداد اخري إلى ولايتي جنوب وشرق الاقليم ، وأوردت النشرة أن (21.400) نزحوا إلى مقر البعثة المشتركة للامم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور (يوناميد) في منطقة (سرتوني) في ولاية شمال دارفور، وأكدت (اوتشا) أن وكالات الامم المتحدة ستعمل على إرسال المساعدات الطبية إلى النازحين.
بعثة الاتحاد الافريقي تستعجل الاغاثة
وفي ذات السياق قالت بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة المشتركة بدارفور (يوناميد) إن عدد النازحين الذين لجأوا الى المنطقة المحيطة بموقع البعثة الميداني بـ (سرتوني) في شمال دارفور وصل الى (21.400) شخص، بينهم نساء وأطفال ، وأوضحت أن هذه الاعداد تُمثل زيادة بنسبة تتجاوز الـ (52 %) في ظرف 24 ساعة فقط بسب القصف الجوي اليومي، مؤكدة وصول فريق يضمُ برنامج الاغذية العالمي ومنظمات وطنية غير حكومية مقر البعثة في شمال دارفور، الثلاثاء الماضي، بهدف إجراء تحقُق ومسح لتقييم الإحتياجات الإنسانية الملحة بالمنطقة.
وقالت يوناميد إنها تلقت معلومات تفيد بحرق (19) قرية بالقرب من (روكرو) شمال جبل مرة وسط دارفور أثناء المعارك، وذكرت (كما يُعتقد أن معظم سكان هذه القرى فروا الى سرتوني وكبكابية وطويلة، بينما إحتمى آخرون بالمناطق الجبلية المحيطة، كما يعتقد بأن العديد من الأطفال لا يزالون في عِداد المفقودين). وأكدت أنها تعمل مع السلطات المحلية ذات الصلة على القيام بمهمات تقييم مشتركة من وكالات الامم المتحدة المختلفة في نيرتتي بوسط دارفور والمناطق المحيطة بما فيها طٌور، حيث يُعتقد بإزدياد تدفُقِ النازحين إليها.
اكتمال فصول عملية الابادة الجماعية
من جهته وصف رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور ما يجري في دارفور بالأبادة الجماعية، وقال لـ(عاين) إن عملية القتال وتشريد المواطنين العزل لم تتوقف حتى الان وأن عمليات القصف الجوي ضد المدنيين ما زالت مستمرة، متهماً الحكومة بأنها تعمل على تغيير التركيبة السكانية في المنطقة لافساحها لأخرين، وأضاف أن قواته ستعمل تقوم بواجباتها في حماية المدنيين والدفاع عن اراضيهم ووقف التشريد القسري لهم، مشيراً إلى أن هنالك تهجير لاكثر من (20) قرية بغرض تفريغ المنطقة وإستقدام آخرين من خارج الإقليم، وتابع (عملية التطهير العرقي والابادة الجماعية إكتملت فصولها ببداية العام 2016)، مناشداً قوى التغيير في السودان العمل لإسقاط النظام.
النازحون يخرجون في تظاهرات بالآلاف رفضاً للقصف
وتظاهر عشرات الآلاف في معسكر (كلما) في ولاية جنوب دارفور، الاحد الماضي ضد القصف الجوي واستهداف المدنيين وتشرديهم من قراهم الاصلية ،وسلم المتظاهرون مذكرة إلى البعثة المشتركة للامم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) نددوا فيها بعمليات القصف الجوي واستهداف المدنيين ورفض إجراء الاستفتاء في دارفور ، واستنكروا قرار نائب الرئيس السوداني حسبو محمد عبد الرحمن باخلاء المعسكرات بالقوة خلال (50) يوماً، إلى جانب رفضهم إستقدام سكان جدد من خارج البلاد من عرب ( النيجر، تشاد ومالي ) في المناطق الاصلية لسكان الاقليم ، وبحسب المصادر التي تحدثت لـ(عاين) أن الحكومة تحاول إخلاء المنطقة لإقامة معسكرات لجماعات إسلامية متطرفة.