مستقبل الدعم السريع : مواجهة الجيش أو الانقلاب على الرئيس؟

 

تقرير: شبكة عاين 15 نوفمبر 2017

يرجع تاريخ تشكيل المليشيات القبلية في السودان إلى الفترة الانتقالية برئاسة المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب في العام 1985، حيث شكل وزير الدفاع وقتها اللواء متقاعد فضل الله برمة ناصر “نائب رئيس حزب الأمة القومي حالياً” بتسليح المليشيات ذات الأصول العربية في إقليم كردفان، والتي عرفت بـ (المراحيل) التي خاضت بها الحكومة الانتقالية ثم حكومة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي 1986-1989 الحرب الأهلية في جنوب السودان.

وقد استهدفت تلك المليشيات المواطنين العزل في مناطق بحر الغزال وأعالي النيل، وقد توسع نظام الرئيس السوداني عمر البشير في إستخدام هذه التشكيلات شبه العسكرية والتي أصبحت مساندة للقوات المسلحة فيما يعرف بالتجمع العربي الذي كانت نواته الأولى عبر أول منشور صدر من التجمع في نهاية العام 1987 في عهد الديمقراطية الثالثة “حكومة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي”، ولكن البداية الفعلية كانت في عام 1994 في مؤازرة هذا التجمع للقوات النظامية في محاربة جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق وقتها.

وقد خاضت هذه المليشيات العربية الحرب الأهلية في إقليم دارفور والتي اندلعت في العام 2003، وعرفت بمليشيات “الجنجويد” والتي ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي، وهذا ما يشير إلى كيفية إستخدام النظام الحاكم هذه المليشيات في النزاع، و هتك النسيج الاجتماعي في الإقليم، كما يؤكد أن هذه المليشيات باتت بديلاً للجيش الحكومي، الذي أن أصبح لا يقوم بشيء ملموس كما هو منصوص عليه في الدستور.

مليشيا بقرار جمهوري
وقامت حكومة البشير بعدة إجراءات لكي تصبح هذه المليشيات تشكيلات شبه عسكرية بإعادة تشكيل قوات حرس الحدود وفق القرار الرئاسي في العام 2007 تحت مسمى ” استخبارات حرس الحدود “، ثم تطور الأمر بإنشاء “قوات الدعم السريع” وكل هذه المليشيات خلفياتها قبلية على الرغم من وضعها بشكل قانوني وتبعيتها إلى رئاسة الجمهورية وجهاز الأمن والمخابرات.

وفي يناير 2017 أقر البرلمان بالأغلبية، مشروع قانون” قوات الدعم السريع”، وسط معارضة محدودة، وانتقادات طالت تلك القوات، بينما اعتبر نواب آخرون هذه الخطوة بمثابة تأسيس جيش مواز في البلاد ليصبح بديلاً للقوات المسلحة، ورأوا أنها لا تتناسب مع مرحلة الوفاق الوطني، واعترض آخرون على عمل قوات الدعم السريع تحت إمرة القائد الأعلى للقوات المسلحة (رئيس الجمهورية)، وطالبوا إلحاقها بوزير الدفاع مباشرة، وتخوف الناشطون من تكرار ما حدث في سبتمبر 2013 عندما استخدمت الحكومة هذه القوات في مواجهة المدنيين العزل والتي أدت إلى مقتل أكثر من (250) شخصاَ.

واستمر تهميش الجيش، وأصبح أي جندي من قوات الدعم السريع يعادل ضابطا في الجيش الوطني لأنه يستمد قوته من الرئيس شخصياً ويتمتع بحصانة منه وحماية تامة، ولكن مثل هذا الأمر هو بمثابة اللعب بالنار لأنه قد زرع بذور الفتنة بين الدعم السريع والجيش والمواجهة لامحالة قادمة وحتمية. يقول الدكتور محمد علي الكوستاوي أن الرئيس لن يضمن أن تتسع شهوات قادة الدعم السريع للسلطة وينقضوا علي الرئيس نفسه وعلى نظامه، وحينئذ يصبح البشير هو الذي قدم الحماية لقادة الدعم السريع الي ان يقوموا بالانقضاض عليه ، بعد أن كانوا يحمون كرسيه.

آخر مراحل النظام للبقاء في السلطة
ويرى المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان علي عجب في حديثه لـ(عاين) ان اعتماد نظام الإنقاذ على المليشيات بدلاً عن القوات المسلحة والتي عرفت تاريخياً بنظامها الهيكلي المنضبط، هو آخر مراحل خطط النظام الحاكم في البقاء على السلطة، واعتبر أن الاعتماد على هذه الميليشيات في الحرب الأهلية في دارفور تطور لتجربة استخدام المليشيات القبلية والتي كان قد تم استخدامها على أساس ايديولوجي فيما يعرف بقوات “الدفاع الشعبي” في حرب جنوب السودان سابقاً قبل اتفاقية السلام الشامل ” 2005 “.

ثم هدفت الحكومة – والحديث لعجب – إلى خفض التكلفة باستخدام ميليشيات قبلية من دارفور وفق التكوينات القبلية وإستخدام التناقضات الداخلية في الإقليم حيث ترغب هذه المليشيات في إزاحة القبائل الزراعية مما ساعد في شن حرب إبادة شاملة على القبائل التي ينحدر منها بعض من حملوا السلاح، وبالتالي كان استبعاد القوات المسلحة فكرة ضرورية، لأن القوات المسلحة تعمل وفق أسس عسكرية يمتنع معها تنفيذ الإبادة على الأقل دون أن يكون هناك توثيق مؤسسي لمرتكبي الجرائم ومصدري الأوامر بالإضافة إلى أن أفراد القوات المسلحة ربما يرفض بعضهم ارتكاب جرائم إبادة ضد المدنيين.

وينوه الناشط الحقوقي علي عجب إلى أن النظام بعد اكتمال جرائمه كان بدأ في يفكر في التخلص من هذه المليشيات وذلك بتغيير جلدها لإخفاء آثار الجرائم التي أرتكبت ، وحتى يقوم باستخدام هذه المليشيات بشكل رسمي في جرائم في مناطق أخرى ،ويرى أن استبعاد القوات المسلحة وإحلالها لمليشيات الدعم السريع هو جزء من استراتيجية النظام في القضاء على كل ملامح الدولة المدنية والمؤسسية وحكم القانون ،ويقول ” لكن هذا الأسلوب أدى إلى انهيار مؤسسة الدولة في السودان كما أدى إلى انهيار تنظيم المجموعة الحاكمة نفسها بعد أن أصبح القرار في يد من قوة محدودة لديها السلطة والمال وتستخدم العنف”.

وأوضح علي عجب إن البشير لم يبقى له سوى المحافظة على نظامه عبر تقوية الميليشيات والاحتفاظ بها كأداة قمع ، بل قام بتصديرها إلى الخارج مقابل عملات صعبة، هذه هي المرحلة التي يعيشها السودان الآن، ويقول ” لكن قريباً جداً سوف تتمرد المليشيات نفسها على البشير بعد أن أصبحت هي الأقوى فينتقل السودان من مرحلة الدولة الفاشلة الي مرحلة اللادولة لينضم إلى نموذج ليس ببعيد، تعيشه الآن ليبيا والصومال والعراق وسوريا واليمن فالمسألة للأسف مسألة وقت “.

مليشيا تعمل بنظام المقاولات
يشير المدون سامح الشيخ إلى أن الخطورة تكمن في أن قوات الدعم السريع في مستقبلها، ويقول ” على الرغم من محاولات تقنينها وتنظيمها بشكل تراتبي ووظيفي إلا أنها ما زالت بعيدة عن كونها قوة نظامية”،ويضيف سامح لـ(عاين) ان الخلل يكمن في أعلى الهرم الوظيفي التنفيذي بالدولة السودانية الذي أدلج الجيش النظامي وعلى الرغم من هذه الأدلجة ظلت قوات الدعم السريع قوة موازية للجيش وهي ميليشيا تعمل بنظام المقاولات، وتابع ” الدولة لم تتعظ ،ونذكر الحكومة من تجربتها مع مليشيا حرس الحدود، والتي تعتبر من ضمن المليشيات التي كونتها هي نفسها ولذا هذا بمثابة اللعب بالنار والذي يدعم هذا التحليل هو انقلاب السحر على الساحر “، ويشير إلى أن قائد مليشيا حرس الحدود رفض تسليم سلاحه وأصبح في مواجهة الدولة الشيء الذي يمكن أن يتكرر مع مليشيا الدعم السريع مستقبلاً التي لا سلطة عليها من الجيش النظامي ،لأنها تتلقى أوامرها فقط من رئيس الجمهورية.

وجود المليشيا خصما علي القوات النظامية
في ذات السياق يقول الصحفي أحمد خليل إن قوات الدعم السريع تم الحاقها بوزارة الدفاع قانونياً، ويرى أن وجود ميليشيات في أي دولة تكون خصما على القوات النظامية وما يحدث في السودان من تشكيل مليشيات خارج القوات النظامية لحماية النظام تعتبر خصما على القوات المسلحة.

فيما ينظر الناشط في المجال المدني حافظ حاج التهديد الذي تشكله قوات الدعم السريع للقوات المسلحة،  ويعتقد أنها الآن تقوم بكل المهام التي كانت تقوم بها القوات المسلحة وفقا للتفويض الممنوح ، و أهدافها فضلا عن وضعها قوات مستقلة عن القوات المسلحة تجعلها تتجاوز مرحلة التهديد الآن لتكون قوات بديلة للقوات المسلحة الموجودة رمزيا بعد تحويل مهامها لقوات الدعم السريع، ويضيف أن مهام قوات الدعم السريع الان لا تقتصر علي مواجهة الحركات الثورية المسلحة بل تتجاوزها للعمل علي حماية الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وحتى مكافحة المخدرات في تجاوز حتى لمهام الشرطة ، ويقول “اعتقد ان السؤال المهم هو ما هي مهام القوات المسلحة الان و ما هي مهام قوات الشرطة في مناطق الحرب ؟ “.

ويقول حافظ لـ(عاين) إن مستقبل هذه القوات أن الحكومة اجتهدت كثيراً في نزع صفة المليشيا القبلية عن هذه القوات من خلال خلق وضع دستوري و أساس قانوني لتقنين عملها وتنويع عضويتها واستقطاب حتي المقاتلين من صفوف الحركات المسلحة سابقاً وضمهم إلى صفوف النظام، ويضيف ” اعتقد انها لا تجيب عن سؤال العقيدة القتالية التي تساهم في تماسك واستمرار الولاء لقيادة هذه القوات، اعتقد انها قوات من مجموعات متعددة تجمعها مصالح متضاربة، استمراريتها وتماسكها مرهونة باستمرارية إدارة هذه المصالح”.

ويرى أن الخيار أمام البشير للمحافظة على نظامه عليه الاجتهاد بتقوية هذه المليشيات والاحتفاظ بها كأداة قمع، وأنه يتكسب من ورائها للحصول على العملة الصعبة عبر تصدير هذه المليشيات إلى الخارج لخوض حروب دول أخرى.

مستحيل تقنين مليشيات في ظروف غير مواتية
ووجهت للقوة التي باتت تتمتع بعتاد الجيوش الرسمية، اتهامات عديدة بالاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم، وممارسة أعمال النهب والسرقة والقتل، وتم اتباعها لرئاسة الجمهورية بالقرار الجمهوري رقم (351)  في الحادي والعشرين من أبريل 2016 بعد أن كانت تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات.

وحسب تقارير محلية، فقد ظهر اسم قوات الدعم السريع لأول مرة في موازنة الدولة لعام 2017. وخصص لها نحو 3 مليارات و220 مليون جنيه، وقد أثار هذا الأمر جدلاً انطلاقاً من النقد الذي يوجه سنوياً للميزانية التي تحتوي على أرقام كبيرة للأمن والدفاع مقابل التعليم والصحة.

وطبقاً للكاتب والمحلل، عبد الله رزق، فإن «القوات التي تنشأ في الظروف غير الطبيعية يصعب دمجها ضمن القوات النظامية، ومن الصعب ضبطها بمجرد إجازة أو صدور القانون، باعتبار أن تحويلها وتقنين وضعها يحتاج لوقت طويل».