ما بعد العصيان المدني … السودانيون في اتجاه التغيير
– شبكة عاين – ١٩ ديسمبر ٢٠١٦ –
عزم السودانيون الدخول في عصيان مدني في التاسع عشر من ديسمبر الحالي تلبية لدعوة أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تنفيذ عصياناً في الفترة من (27 – 29 نوفمبر) الماضي. ويعد اختيار يوم التاسع عشر من ديسمبر له رمزيته التاريخية، حيث إنه يصادف اليوم الذي أعلن فيه استقلال السودان من داخل البرلمان في العام 1955.
البشير: لن تسقطنا دعوات العصيان على الواتساب
وعاد البشير إلى لغة التحدي، مهاجماً الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي أمام حشد جماهيري في مدينة كسلا شرق السودان الناشطين ووصفهم بالعملاء. وشدد البشير على أن إسقاط حكومته سيكون عصيا، وهو أول خطاب جماهيري له منذ اعلان إجراءات إقتصادية قاسية، وقال إنه لن يسلم البلد المتخفين خلف “الكيبوردات”.
ولكن الناشطون سخروا من خطاب البشير في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفوا الخطاب بالمخجل، واعتبر الكثيرون أن لقاء البشير في كسلا هو بداية النهاية لنظامه. وقال عدد من الناشطين ان البشير قدم دعوة مجانية للعصيان من خلال خطابه. فيما أعلن السودانيون في عدد من العواصم الأوروبية والأمريكية للخروج يومي السابع عشر والثامن عشر الجاري ضمن حملات تضامن للعصيان المدني.
تغيير قواعد اللعبة في مناهضة النظام الحاكم
وعد مراقبون نجاح العصيان بالبداية الحقيقية لمشروع التغيير السلمي، لكن تم طرح السؤال الأصعب: ثم ماذا بعد العصيان؟ وما هي النتائج التي وصل إليها؟ وتأثير ذلك على الحياة السياسية بالبلاد ومستقبل عملية التغيير؟ في محاولة للإجابة على تلك الأسئلة، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الزعيم الأزهري الدكتور آدم محمد لـ(عاين) إن تجربة العصيان المدني التي تم تنفيذها في نهاية نوفمبر الماضي تعتبر نقطة تحول كبرى في العمل الشعبي المعارض، لاسيما أن الدعوة جاءت من أجيال جديدة وفق طرق حديثة باستخدام مواقع التواصل الإجتماعي. ويضيف محمد “هذا الأمر لامس حالة الغضب الواسعة التي سيطرت على المجتمع السوداني بسبب الضغوط التي نتجت من القرارات الاقتصادية الأخيرة“.
وتراجعت قضية التسوية السياسية من مقدمة جدول قوى نداء السودان التي وقعت في وقت سابق على خارطة الطريق التي قدمتها الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، وقد أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال إنها لن تتفاوض مع الحكومة إلا بعد تنحي البشير من الحكم وتصفية نظامه، بل إن قوى نداء السودان إلى جانب وأحزاب الإجماع الوطني اختلفت لغة خطابهما بشكل راديكالي.
ويقول الخبير في القانون الدولي أحمد حسين آدم لـ(عاين ) إن الثورة قد بدأت بالفعل وهذا الحراك المدني هو تتويج لتراكم النضال التي قام بها السودانيون لإنجاز التغيير في البلاد، وأضاف “قطعا المخاض سيكون عسيراً لذلك فإن السودانيين يحتاجون إلى الوحدة من كافة القوى الحية والتغيير لن تنجزه قوة واحدة ولكن عبر وحدة كافة القوى ومن ضحايا النظام والتي لديها مصلحة في إسقاطه“، مطالباً المعارضة بوضع ميثاق وطني وقيادة وكيان موحدين تمثل الشعب السوداني لتصبح عنواناً للبديل الشرعي ليمثل ويقود الشعب.
لجان العصيان في الأحياء والقرى والمدن
وأكدت الناشطة السياسية ندي محجوب لـ(عاين) إن ترتيبات العصيان التاسع عشر من ديسمبر تمت بعد تنفيذ العصيان الأول في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي بنجاح. وتضيف محجوب أن لجان الأحياء بدأت تنشط في بقاع السودان المختلفة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تشهد نقاشاً بين الشباب من الجنسين، ووضعت “ملصقات” في هذه المواقع إلى جانب الكتابة على الجدران للتحريض على تنفيذ العصيان والذي يتوقع أن يحقق هذا العصيان نجاحاً أكبر.
ويرى الناطق باسم قوى نداء السودان المهندس محمد فاروق أن العصيان المدني خلق واقعاً مختلفاً في عملية التغيير في السودان وأنه أعطى أملاً كبيراً لجهة تنفيذ فعل سياسي جديد. ويعتقد فاروق أن الخطوة القادمة الدعوة ستكون لتوسيع قاعدة العمل المعارض، داعياً القوى السياسية لتجاوز خلافاتها، وقال إن نداء السودان بمكوناته المدنية والعسكرية سيعمل على دعم العمل السلمي.
فيما قلل القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور ربيع عبد العاطي من العصيان المدني، وقال إن التجربة كانت فاشلة وغير فعالة وأنها مجرد “ضجة اسفيرية” وأضاف لـ(عاين) أن المعارضة فشلت في إحداث حراك في الشارع فلجأت للانترنت الذي لن يسقط حكومة بأي حال من الأحوال.
بينما يقول القيادي بالحزب الشيوعي السوداني يوسف حسين ان الاضراب السياسي والعصيان المدني خطوات مهمة في سبيل التغيير وإن أثر ذلك واضحا في تفجير حركة الاحتجاجات المهنية من محامين وصحفيين وأطباء رغم أنه لم يكن ناجحا 100%، وأضاف “ما حدث هو تراكم جيد ويجب الترتيب لعمل أفضل في أن يكون هناك عصيان مدني ناجح واضطراب سياسي يشل حركة الدولة“.
ويرى الناطق باسم المؤتمر السوداني محمد حسن عربي أن الأسباب التي أدت إلى الدعوة إلى عصيان 27 نوفمبر الماضي ما زالت مقيمة بل الأوضاع أكثر سوءاً، ويقول “نحن في حزبنا لدينا أكثر من خمس عشر معتقلا على رأسهم رئيس الحزب ورئيس مجلسه المركزي وكافة أمناء المكتب السياسي عدا واحد منهم يقبع نائبه في المعتقلات“. وأضاف عربي أن الدعوات الجديدة للعصيان موضوعية وقد نجح قبل أن يبدأ لأن مجرد الدعوة إليه هو استمرار للتعبئة والبشير مشكوراً اطلق إعلان العصيان من كسلا.
الإقتصاد المحرك للعصيان
والوضع الاقتصادي المزري هو المحرك الأساسي بعد إعلان الحكومة رفع الدعم عن الوقود والأدوية إلى جانب تراكم الأزمة السياسية ومقاومة السودانيين لنظام الإنقاذ طوال (27 ) عاماً، غير أن بعض أصحاب الأعمال اليومية يجدون صعوبة في تنفيذ الاعتصام بحسب ما قاله التوم محمد الذي يعمل سائق تاكسي. ولكن المعلمة في مرحلة الأساس إخلاص قالت “لا يمكن السكوت على الغلاء الفاحش والعصيان هو سلاحنا الآن“، فيما قالت حواء بائعة الشاي إنها ستعمل يومياً قبل تنفيذ العصيان القادم لتدخر بعض الأموال.
ويرى المحلل الاقتصادي محمد حمدان أن الفترة القادمة ستزداد حدة الأوضاع الاقتصادية وسيؤثر على العديد من الأسر والتي ستدخل في دائرة الفقر، واضاف “القرارات الأخيرة هي زيادة للأسعار وليست رفعاً للدعم“. ويشير حمدان إلى أن أسعار النفط تراجعت عالمياً من 140 دولار عام 2011 إلى حدود 44 دولار حالياً، كما أن أسعار الغذاء وفقاً لتقرير الفاو ظلت ثابتاً حوالي أربع سنوات، ومنذ ذلك الوقت تردد الحكومة أنها تقدم الدعم، ويقول “عند انخفاض الأسعار يجب أن يتلاشى الدعم تلقائياً والحكومة تدخل يدها في (جيب) المواطن حتى لا تنهار موازنتها للعام 2016 والتي بدأت تمضي نحو الهاوية بصورة غير مسبوقة قبل نهاية العام المقرر اصلاً لها ولذلك قررت زيادة الأسعار وطبقتها فوراً“.
وفي مقابل ذلك تمت زيادة الأجور والبدلات للعاملين في الدولة بنسبة 20% التي لا يمكن أن تؤثر مع ارتفاع أسعار الوقود التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية. ويقول حمدان “أما الشريحة الأكبر وتصل لحوالي 80% من السكان هؤلاء ليسوا موظفين في الدولة التي أصبحت آلة للجباية تنهش أجسادهم بفعل سياسات وحشية وطفيلية“.
ومن نتائج تجربة العصيان السابق اتجاه الناشطين لترتيب أنفسهم من القواعد حيث أعلن عن تجمع لجان العصيان وهي منصة مشتركة لكل الفاعلين في مواقع التواصل الاجتماعي للعمل الموحد والمشترك بحسب أحد المشاركين في هذا الكيان. فيما يقول المحلل السياسي ابوبكر الامين ان حركة بناء لجان العصيان تسير في العاصمة والأقاليم بسرعة متفاوتة وهي تحتاج أن تتجاوز مستوى الحي والقرية إلى مستوى المدينة والمحلية وهذا أمر يتطلب الصبر من ناحية ومن ناحية أخرى الزمن، وأضاف “واضعين في الاعتبار المخاطر الكبيرة لعدو متربص“.
فرص الفشل والنجاح
ومن جانبه يقول المحلل السياسي الحاج ورّاق إن النظام السوداني يعاني من الإفلاس لأنه متضخم سياسياً، عسكرياً، أمنياً، ولا يستطيع الاقتصاد أن يتحمّل ذلك العبء. ويضيف ورّاق أن الجنيه السوداني تدهور بالإٍساس نتيجة العجز الضخم في الميزان التجاري وحجم العجز أكبر من حجم الصادرات في العام 2015م حيث بلغ حجم الصادرات (2.3) مليار دولار، والعجز في الصادرات (4.9 مليار دولار) لأن النظام لا يصرف على التنمية ولا الخدمات إنما يصرف على الأجهزة السياسية والعسكرية والأمنية.
ويرى وراق أن العصيان المدني الذي تم إعلانه في 27 نوفمبر حقق نجاح يقدر ما بين 40% ـ 60%، ويعتقد أن أسباب التراجع عدم معرفة قيادة العصيان رغم أنهم من الشباب. ويقول وراق “الحياة السياسية تم تخريبها في الجيش، الأحزاب، المجتمع المدني ولا توجد مؤسسة سلمت من التخريب“، وينظر إلى أن هناك مركز آخر للسلطة يضم الشباب في القوى السياسية والمستقلين وأن هذا المركز يضغط على البشير فقط لإعادة وتحسين وضعه ضمن معادلات السلطة القائمة، أو التمهيد لتغيير محدود بأن يتم تغييره مع الآخرين غير المرغوب فيهم على أن يتم الحفاظ على جوهر التمكين.
ويعتقد وراق أن المجموعة التخريبية يمكن أن تلعب دوراً في التغيير، لكن لا تمتطي وتسيطر عليه، ويقول إن هذه المجموعة حاولت السيطرة على التغيير تحت شعارات “لا للاحزاب ولا للنظام”، وطرحت سؤال: ما هو البديل؟ مضيفاً “البديل بالنسبة لهذه المجموعة هو تغيير محدود خاص بالإسلاميين، لكي يحافظوا على التمكين“، وتابع “الآن هنالك دعوة جديدة لعصيان مدني في يوم الاثنين 19 ديسمبر ربما يحدث لكن المهم أنه الآن أحد أخطر الأشياء التي تهدد نجاحه تسابق الأجندة“. ويشير وراق إلى التعارض بين مجموعة تسعى لتغيير محدود واقصاء القوى الديمقراطية في مقابل القوى التي تريد تغييرا جذرياً فضلاً عن وجود تخريب أمني، ويقول “لكي ينجح هذا العصيان لابد من وحدة القوى السياسية الرئيسية والديمقراطية، المجتمع المدني والحركة الشبابية التي بادرت بهذا للعصيان إضافة لتكملة الحراك بانحياز من القوات المسلحة وهذا ممكن“.
أما المفكر السوداني الدكتور حيدر إبراهيم رئيس مركز الدراسات السودانية يرى أن أي خطوة مستقبلية لتجديد العصيان المدني مرة أخرى في (19 ديسمبر) يجب أن يتصاعد حتى يكتمل لانتفاضة شعبية ويجبر القوات المسلحة للانحياز لها. ولكن شرطه الأساسي وحدة قوى المعارضة وتجاوز خلافاتها وهي ثانوية، حتى تقود حركة الجماهير وحشد المواطنين بدلاً من أن يكونوا خلفها. ويقول إبراهيم إن المعارضة هم في تجربة العصيان الأول كانوا يحاولوا أن يلحقوا بها بإصدار بيانات وكذا للحاق بالتطور الذي حدث لذلك كانوا خلف الجماهير، وبالتالي النجاح كان (30% ـ 40%)، ويعتقد أن المعارضة إذا كانت في المقدمة لتغيرت النسبة.
المعارك في مواقع التواصل الاجتماعي
وعقب انتهاء العصيان السابق ظهرت أهمية متعاظمة لمواقع التواصل الاجتماعي خاصة في الفعل السياسي وبدأ النظام في تفعيل منظومة “الجهاد الالكتروني” التي مهمتها القيام بعمل مضاد لعمل الناشطين السياسيين في مجال التغيير وهو مؤشر لانتقال المعارك من الواقع إلى “الاسافير”.
وتقول خبيرة في التواصل الاجتماعي – فضلت حجب اسمها – أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت فعالة وزاد استخدام السودانيين للانترنت حيث قدر عددهم بأكثر من 11 مليون سوداني، وان استخدام مواقع التواصل لإحداث فعل جاد على الواقع تم تجريبه في في احداث سبتمبر 2013م عندما تحول المواطنين إلى إعلاميين شعبيين والان زاد التفاعل بين مواقع التواصل الاجتماعي والشارع السودان وأعطت مساحة للتعبير لم تكن موجود في السابق. واشارت الى ان اللجوء للعصيان في الأساس جاء لتجنب مخاطر التظاهرات في الشوارع والتي واجهتها السلطات بعنف مفرط، وأضافت “الأمن متعود على الحسم بالرصاص لذلك فشل عندما نقلت حركة الاحتجاج للواقع الافتراضي“.
استمرار التدهور الاقتصادي
يقول الروائي السوداني عبدالعزيز بركة ساكن لـ (عاين ) إن العصيان المدني هو الدرس الاول للإخوان المسلمين وسيكون الدرس الثاني مفاجأة جديدة من الشعب السوداني المعلم. فيما أكدت مسؤولة الشؤون الانسانية في اقليم النيل الازرق. إشراقة خميس لـ(عاين) دعم سكان النيل الأزرق في المناطق المحررة مع أي وسيلة من وسائل الرفض المجربة تاريخياً في مناهضة الأنظمة الديكتاتورية في العالم أجمع.
العصيان مدخل لإيقاف الحرب
ويرجع القيادي بالحركة الشعبية آدم كرشوم العصيان المدني إلى الضائقة المعيشية التي ضربت حياة الناس بعد أن أصبح الغلاء سمة رئيسية لحياتهم، وناشد كافة السودانيين بالانضمام إلى العصيان المدني لإحداث التغيير وإعادة بناء السودان على أسس جديدة. من جانبها وصفت الأستاذة رانيا من إقليم جنوب كردفان (جبال النوبة) بالشىء المفرح، وتضيف “السودانيون لابد أن يتفقوا على موقف موحد ويتجاوزوا خلافاتهم لأجل إسقاط النظام“.
كتب الصحافي الاستقصائي عبد الرحمن الأمين ضمن مقال مطول نشرته (الراكوبة) “ماذا لو قطع محمد عطا الإنترنت عن انتفاضتنا أيها النشطاء كما فعل في سبتمبر 2013؟؟” مبدياً خشيته من أن يقوم جهاز الأمن بقطع شبكة الانترنت عبر قطع كوابل الكهرباء، كما فعل في يومي (25 و26) سبتمبر 2013، ويضيف “وقتها شهقت أدوات التواصل التسعة وماتت موتا جماعيا (الواتساب، الفيسبوك ، التويتر، الايمو، الماسنجر ،التانغو، فايبر والايميل“.ويكشف الأمين عن انه اجرى اتصالات مع شركة (قوقل) بعد نجاح فعاليات العصيان المدني للنظر في أمر فتح الفضاء الاسفيري في السودان، وجعل خدمات الانترنت متاحة مجاناً لكل من يملك حاسوبا أو هاتفا ذكيا حال ما قرر جهاز الأمن تكرار قطع الشبكة. وفكرة هذه المبادرة استحدثها الناشط المصري وائل غنيم إبان الثورة المصرية في 2011، وقد كانت له ميزة إضافية وهي أنه كان يعمل في شركة قوقل. ويضيف الأمين قائلا “الآن ومع تسارع الأحداث، سيكون مناسبا إمهال إدارة قوقل بعض الوقت للرد أما إذا ما تلكأ ردها فستحتاج لجهد كل النشطاء، وفي كل القروبات، لمخاطبة قوقل والضغط عليها بصوت واحد“.