كيف حاصرت الأزمات صناعة خبز السودانيين؟

14 نوفمبر 2020

يقطع “ابو مريم” 63 عاماً، مسافة ستة كيلومترات يومياً من منزله إلى الحي المجاور في العاصمة السودانية للحصول على حصته من رغيف الخبز، وربما يكلفه ذلك الوقوف ثلاث ساعات قد تزيد في اعقاب الإجراءات الحكومية الأخيرة برفع الدعم عن المحروقات التى فاقمت أزمة الخبز وأثرت على صناعته وتسببت فى إغلاق مايزيد عن (2000) مخبز بحسب الجهات المختصة.

الأمر الذي أفرز واقعاً جديداً على مستوى  إقتصاديات الأسر السودانية مع إرتفاع معدلات الفقر في البلاد التي تشهد تدهوراً اقتصادياً وارتفاعاً في معدلات التضخم . تستيقظ السيدة ليلي- موظفة وام لخمسة اطفال- فى الثالثة فجراً وتتوجه لمخبز الحي وتمني نفسها بالحصول على الخبز فى وقت قصير وفى صباح احد الأيام كانت المفاجئة ان المخبز مغلق بينما كان يجلس صاحبه امام الباب ويعتذر للجميع انه لن يتمكن من العمل اليوم لانعدام الغاز الذي يعتمد عليه فى صناعة الخبز .

أزمة مركبة
كيف حاصرت الأزمات صناعة خبز السودانيين؟
“رفع الدعم عن الوقود فى ظل إرتفاع اسعار المدخلات ادى الى توقف سبعة مخابز مملوكة لي بسبب ان المخابز لازالت محكومة بالتسعيرة القديمة للخبز جنيهان للقطعة الواحدة”. يقول صاحب سلسلة مخابز الباشا، جبارة الباشا لـ(عاين)، ويزيد، “هذا قطاع خدمي حساس فى وقت تتعامل فيه الحكومة ببطء شديد تجاه  التسعيرة الجديدة وفقاً لمعطيات الواقع الجديد الذي فرضه رفع الدعم عن المحروقات”.

 ويضيف “نحن مازلنا ملزمين بوزن وتسعيرة معينة”، وتابع ” لابد للدولة ان تضع تسعيرة جديدة مع زيادة اسعار المحروقات التى ادت الى زيادة مدخلات الخبز.. انا متضرر كصاحب مخابز الدولة تتعامل ببطء وتعلم ان المخابز تختنق وهناك ضرورة لإعادة تكلفة الخبز لكنها غير قادرة” .

“أعلنت اللجنة التسييرية لأصحاب المخابز، الاسبوع الفائت، عن اغلاق (2) ألف مخبز بالخرطوم، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج ونقص حصص الدقيق، و تراجع حصص الدقيق اليومي لـ(25) الف جوال بدلاً عن (47) ألف جوال يومياً،  وتقدمت اللجنة بمقترح لوزارة التجارة بزيادة سعر قطعة الخبز لـ(5) جنيهات”

ويتحدث الباشا، ان ازمة إنتاج الخبز مركبة عدم إستقرار امداد الغاز من المشكلات التى تعيق صناعة الخبز فى السودان. وقال ” لدي سبعة مخابز لاينتظم فيها الإنتاج بسبب إستقرار إمداد الغاز.. نحن نتحمل الخسائر التى تنتج عن إنعدام الغاز والدقيق لدينا عمال نتلزم بمنصرفاتهم  حتى وان كان الفرن متوقفاً “، وزاد “اصحاب المخابز سينفذون وقفة احتجاجية خلال الأيام المقبلة للضغط على الحكومة لإتخاذ قرار واضح تجاه التسعيرة حتى لاتضطر الكثير من الأفران للإغلاق والإنسحاب من سوق صناعة الخبز”. ويعتقد الباشا، ان حل الأزمة الماثلة ان تجلس الحكومة مع كل الجهات المعنية بصناعة الخبز بشفافية وتكون لجنة تخرج بقرار منصف للمواطن وأصحاب المخابز بضع تكلفة دقيقه وان تعطي اصحاب العمل 15% من الأرباح .

الدولة تدعم

نائب المدير العام لمطاحن الحمامة، ياسر عبد الجبار، يقول لـ(عاين )، ان “الحصة اليومية تتأثر احياناً بفعل انقطاع الكهرباء المتكرر وتوقف بعض المطاحن لعدم توفر القمح وعدم انتظام ترحيل القمح من بورتسودان بفعل شح الوقود”، ويشير إلى ان الدولة تتحمل فرق سعر جوال الدقيق  الذي يزداد كل فترة بفعل زيادة تكلفة التشغيل  ويتم استلام جوال الدقيق ٥٠كيلو جرام بمبلغ (535) جنيه لم تزد طوال الثلاثة أعوام الماضية، وصناعة الخبز لها مدخلات اخرى تتحرك اسعارها صعودا كل يوم كالخميرة والعمالة رغم الدعم الكبير للغاز فلابد من مراجعة أسعار الخبز كل فترة لمعالجة انحرافات التكلفة حتى لايضطر اصحاب المخابز الى تقليل الوزن لمعالجة زيادة التكلفة.

كيف حاصرت الأزمات صناعة خبز السودانيين؟

ويضيف جبارة، “للأسف نظرة الناس لدعم الحكومة لدقيق الخبز غير منصفة الحكومة تدعم صناعة الخبز يوميا بحوالى (1.800.000) مليون وثمانمائة الف دولار لان الكمية المطحونة يوميا فى حدود ٦ الف طن للعاصمة والولايات مما يكلف خزينة الدولة حوالى (600.000.000) ستمائة مليون دولار فى العام، اغلب الشعب السودانى يستحق الدعم حقيقة لاجدال عليها لكن هل اثر هذا الدعم على المواطن يتناسب مع الكلفة العالية له، لا اعتقد فلابد من إعادة هيكلة لهذا الدعم حتى يكون له الأثر الذى يتناسب مع كلفته العالية جدا.

ويستهلك السودان نحو مليونا طن من القمح سنويا، يتم إستيراد الجزء الأكبر منها من الخارج، وتوفر الحكومة دعم سنوي يقدر بنحو (400) مليون دولار سنويا، فى ظل ارتفاع معدلات الفقر وانخفاض الأجور.

ويقول جبارة ” نحن كمطاحن نضحي من أجل انتاج الدقيق المدعوم لأن تكلفة التشغيل الممنوحة من الحكومة ضعيفة جدا ولا تتناسب مع نسب التضخم السائدة حاليا وهناك فرق كبير فى العوائد مقارنة بالدقيق التجارى الذى يتناسب سعره طرديا مع حركة صعود الدولار وارتفاع نسب التضخم لكن الحس الوطنى جعلنا نستمر فى إنتاج الدقيق المدعوم رغم ضعف العائد ” .

كيف حاصرت الأزمات صناعة خبز السودانيين؟

تفاصيل وأرقام

ويوضح جبارة، ان إنتاج دقيق الخبز المدعوم مر بمراحل مختلفة وتنوعت طريقة تقديم الدعم، كان في البداية دعم كامل للقمح الوارد تقلص بعدها لدعم الدقيق المنتج فقط بواسطة الخمسة مطاحن الكبرى وتنوع الدعم خلالها من دعم نقدي مباشر لجوال الدقيق المنتج الى منح المطاحن قمح مقابل (15,6) جوال دقيق لكل طن الى شراء كميات من القمح تخص المطاحن ودفع مقابلها بالعملة الصعبة مع إعطاء المطاحن مصروفات طحن تتغير بتغير المدخلات بالعملة المحلية .

ويؤكد جبارة، انه فى الفترة الأخيرة اصبحت المطاحن تقوم بطحن القمح الذى توفره الدولة مقابل مبلغ بالعملة المحلية يتبدل حسب تكلفة المدخلات ومن ضمنها الترحيل من ميناء بورتسودان الذي تأثر بدرجة كبيرة من رفع الدعم عن المحروقات بان قفز سعر ترحيل الطن من (خمسة الف الى ثمانية الف) مما اضاف تكلفة تصل الى (175)ج على جوال الدقيق كذلك الإنقطاع المستمر للتيار الكهربائي واستخدام المولدات لعملية تشغيل المطاحن زاد من كلفة التشغيل وقلص الكميات المنتجة .

وكانت وزارة الصناعة والتجارة بولاية الخرطوم عقدت اجتماعا مع اللجنة التسييرية لشعبة المخابز الأسبوع الماضي بغرض التفاكر حول الآثار المترتبة على إعلان أسعار جديدة للوقود على صناعة الخبز، واشارت شعبة المخابز الى ضرورة النظر إلى تكاليف إنتاج الخبز العالية في ضوء الأسعار الجديدة، ووعدت الوزارة بالعمل على مراجعة تكاليف إنتاج وتوزيع الدقيق والخبز مع كافة الجهات ذات الصلة بغرض الوصول لحلول تضمن استمرارية عمل وصناعة المخابز وتوفير الخبز المدعوم للمواطنين- بحسب وكالة السودان للأنباء .