قياس المسافات بين واشنطون والخرطوم وفق المصالح
– شبكة عاين – ٢٩ سبتمبر ٢٠١٥ –
لم يجد رئيس البرلمان السوداني ابراهيم احمد عمر مفرا من الاعتراف بعودته من زيارة الولايات الامريكية مؤخرا خالي الوفاض او بـ(خفي حنين)، وقد قال عقب عودته للصحفيين: “لم يقنعونا ولم نقنعهم ولم يكن هناك اتفاق بيننا ولم يرضوا بكثير مما قلنا ولم نقبل بكثير مما قالوا”، وكعادة الاسلاميين في البحث عن كباش محرقة باتهام عمر للاعلام الغربي بتشويه صورة النظام في الخارج، والرجل هو احد الاسلاميين الذين انحازوا الى معسكر الرئيس عمر البشير ضد عراب الحركة الاسلامية السودانية حسن الترابي بعد المفاصلة الشهيرة في 1999م: ويضيف “حاولنا تصحيح الصورة باهداء فلاشات وسي دي تحوي معلومات ومشاهد عن قرية تابت بدارفور والتعايش الديني وقانون الاسثمار لكن دون جدوى” !
الخرطوم تنتظر انفراج مع واشنطون مع السحب العالقة
يعتقد وزير الخارجية السوداني ابراهيم غندور في حديث له مع رؤساء تحرير الصحف السودانية خلال جلسة تفاكرية بالنادي الدبلوماسي بالخرطوم ليلة الجمعة الماضية تركزت حول علاقات النظام الخارجية ان الولايات المتحدة ما زالت جماعات الضغط تبعد اي سانحة لاحداث اختراق، بينما تخطت الحواجز في التفاهم مع الادارة الامريكية كما قال، وتوقع الوزير انفراج العلاقات بين الخرطوم وواشنطون تدريجيا في ظل استمرار المحادثات الثنائية.
ويرى المحلل الاقتصادي والسياسي الدكتور محمد ابراهيم كبج ان النظام يجتهد لنيل رضا الولايات المتحدة بنحو خاص والدول الغربية بصفة عامة، ويقول “لكن سلوكه الاجرامي وسجله المخزي في القمع والبطش وانتهاك حقوق الانسان والتعذيب داخل السجون والمعتقلات ومطاردة المعارضين والتضييق على وسائل الاعلام والصحف يقف حائلاً قوياً دون تحقيق تلك الرغبة”.
ويؤكد كبج في حديثه لـ(عاين) ان النظام شعر ان خطته على وشك التنفيذ في اكثر من سانحة، وكان يتوقع ان تكافئه الادارة الامريكية على الاقل برفع اسم السودان من القائمة السوداء للدول الراعية للارهاب التي ظل قابعا فيها منذ العام 1993م وعقب احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفر النظام امداداً معلوماتياً سخياً الذي بذله النظام لاجهزة المخابرات الامريكية – والحديث لكبج – لكن شيئا لم يحدث، ويضيف ان الخرطوم كانت تأمل بعد توقيعها اتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 2005 ان تجد مكافأة من واشنطون لكن حريق دارفور غطت سحب دخانه على كل المشهد.
اصبح من المستحيل التفكير في طرح هذا المطلب للادارة الامريكية واخيرا حاول النظام استغلال الاستفتاء على استقلال جنوب السودان في يناير 2011م لينال شيئا من العطايا الامريكية لكن احد لم يلتفت اليه وتركوه يلهث كما يقول محمد ابراهيم كبج، لا سيما ان هناك حروباً اخرى مشتعلة، حيث فشلت اتفاقيات السلام التي تم توقيعها حول دارفور في ابوجا والدوحة، واندلاع الحرب في منطقتي جبال النوبة والنيل الازرق منذ العام 2011.
الاسلاميون يطلقون على قوش عميل امريكا
ذات المصير الذي وصل اليه رئيس برلمان النظام ابراهيم احمد عمر سبقه اليه رئيس جهاز الامن والمخابرات السابق صلاح قوش الذي لم يخفي احباطه لدى لقائه وفد من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية واللجنة الفرعية لأفريقيا في مجلس الشيوخ الأميركي في العام 2009م رغم تعاونه مع وكالة المخابرات الأميركية (السي آي إيه) طيلة التسع سنوات الماضيه، لكن هذا التعاون لم يثمر في رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وحاول قوش – فيما يبدو- اضفاء مسحة درامية مؤثرة عندما ابلغ – بحسب تسريبات ويكيليكس الشهيرة للوفد الأميركي – أن السودان يدفع “ثمناً باهظاً” عبر تعاونه مع المخابرات الأميركية في مكافحة الإرهاب، ليس هذا فحسب بل ان: أعضاء المؤتمر الوطني ينعتوني بعميل أميركا .. والإسلاميون يسمونني بالكافر جراء تعاوني معكم”.
وفي حوار اجراه ياسر عبده زيدان في واشنطون مع البرتو فيرنانديز نائب رئيس معهد الشرق الأوسط للبحوث الإعلامية بواشنطن حاليا والقائم بالأعمال السابق للسفارة الأمريكية بالخرطوم في الفترة من يونيو 2007 وحتى مايو 2009م، قال ان التطبيع مع السودان لم يعد مهما ولم يعد اولوية كما كان قبل سنوات. ويضيف : “لكن هناك مجموعة صغيرة متنفذة ومهتمة بالسودان تستخدم القضية في جنوب كردفان كمبرر لاستمرار القطيعة بين واشنطن والخرطوم مما يعني أنه إذا أرادت الحكومة السودانية أن تخلق بيئة مناسبة للتقارب بين البلدين لابد لها من إيجاد نوع من الحل أو تحسن ملموس للأوضاع في جنوب كردفان و النيل الأزرق”.
تقلبت العلاقات السودانية الامريكية اطوارا منذ وصول الاسلاميون الى السلطة قبل (26) عاما لكن الطور الابرز كان في حالات الشد والانفعال والرد العنيف من جانب واشنطون في معظم الفترات حتى بلغت حد قصف مصنع الشفاء بالخرطوم بحري في 20 اغسطس 1998م بصواريخ (كروز وتوما هوك) لاشتباه واشنطون بأن السودان اتخذ من المصنع ستارا بريئا لانتاج اسلحة كيمائية.
من شعار امريكا روسيا قد دنا عذابها … الى امريكا مثلنا الاعلى
من جانبها سعت الخرطوم حثيثاً لكسب ود واشنطون ولم تدع سبيلا الى ذلك حتى عبر الطرق والاساليب الملتوية وغير الاخلاقية التي تمثلت في تمليك الاجهزة الاستخبارية الامريكية معلومات بالغة الدقة والسرية عن قادة التنظيمات الاسلامية الذين توافدوا الى الخرطوم تباعا في النصف الاول من تسعينات القرن الماضي وارتفعت وتيرة التعاون الامني بين نظام البشير والادارة الامريكية بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، بل لم يتورع قادة النظام الذين كانوا قد ترنموا في السابق بانشودتهم الشهيرة في معسكرات مليشيات الدفاع الشعبي شبه العسكرية (امريكا روسيا قد دنا عذابها) عن التباري في اظهار الحب والود للحلم والمثال الامريكي كما اكد موقع ويكيليكس. وطبقا لاحدى الوثائق المسربة من هذا الموقع قال مطرف صديق وكيل وزارة الخارجيه السودانية السابق عند إجتماعه بباترك كينيدي، الوكيل الإداري بوزارة الخارجية الأميركية في 26 أكتوبر 2008م: “نحن، نعتبر أميركا مثلنا الأعلى .. ونتمني أن يصبح السودان مثل أميركا يوماً ما”، ومطرف هذا يشغل حاليا منصب سفير نظام البشير في بروكسل، ويتهم من قبل دوائر عديدة بان لديه نشاط مشبوه في تأجيج الصراع بين الفرقاء الجنوبيين عندما كان سفيراً لبلاده قي جوبا، موظفا خبرته السابقة في اجهزة النظام الامنية والعسكرية.
ويبدو ان واشنطون او ما اسماها فيرنانديز “المجموعة الصغيرة المتنفذة المهتمة بالسودان” عازمة على المضي قدما في تضييق الخناق على النظام باستخدام وسائل الضغط السياسي والعزلة الدولية والمقاطعة الإقتصادية، والادارة الامريكية ومجموعات الضغط تنبهت تماما ان النظام يحاول الالتفاف على ازمته الاقتصادية التي تعمقت بعد استقلال جنوب السودان في 2011م ورحيل ابار النفط جنوبا لذا وقف جون بريندرقاست أمام الكونغرس في مارس الماضي قائلا: “عليكم بوقف تصدير الذهب لأنه المصدر البديل للعملة الحرة للسودان بعد توقف ضخ البترول، سيما وأن البنك الدولي يقدر عائدات السودان من تصديره بمبلغ 1.3 مليار دولار خلال عام 2014”.
ميكافيلية الخرطوم وواشنطون وتقديم المصالح الذاتية
لكن المعارض البارز ومنسق الهئية السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات الدكتور فاروق محمد ابراهيم لم يكن متفائلاً ازاء تحقيق واشنطون ضغطاً مباشراً على نظام الخرطوم يفضي لانهياره سريعا، بسبب سجله الشائن في انتهاكات حقوق الانسان واستمرار قصفه المدنيين في جبال النوبة بجنوب كردفان، النيل الازرق ودارفور ويبرره تشاؤمه بأن النظام والادارة الامريكية كليهما ميكيافيلِي ويقدم مصالحه الذاتية على كل قيمة اخرى وان واشنطون تضع الامن القومي الامريكي في قائمة اولوياتها التي تحكمها المصالح ليس مع نظام البشير وحده بكل مع كل الانظمة في المنطقة، ويرى ان الخرطوم ترغب في الاستمرار باي طريقة، ويقول لـ(عاين) ان شكاوى النظام المتكررة من قسوة الادارة الامريكية ضده وخطواته المتتابعة في التضييق عليه سياسياً، اقتصادياً ودبلوماسيا قد ينجح النظام في تجاوزها بتقديم المزيد من التنازلات كما كان يفعل على الدوام.
ويتفق القيادي بحزب الامة القومي عبد الجليل الباشا مع قراءات الدكتور فاروق محمد ابراهيم، حيث يعتقد أن ضغط البيت الابيض على النظام في احيان كثيرة يرتبط بالمصالح الامريكية، ويقول الباشا لـ (عاين) ان واشنطون سبق وان جربت الضغط على النظام في مسألة الاستفتاء والتعاون الامني والاستخباري وغيرها ورضخ النظام للمطلوبات الامريكية طمعا في رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للارهاب ورفع العقوبات السياسية والاقتصادية عنه.
ويطالب الباشا المعارضة بتنظيم صفوفها وعدم التعويل كثيراً على المجتمع الدولي او الولايات المتحدة لاسقاط النظام واحداث التغيير المنشود ويقول “لا اتوقع ان تضغط امريكا او المجتمع الدولي على النظام الا اذا رتبت المعارضة اوراقها واقنعت جميع الاطراف انها البديل الناجح للنظام على ارض الواقع، والا سيبحث المجتمع الدولي عن تسوية سياسية او ما مابات يعرف بالهبوط الناعم”.