في اليوم العالمي لحرية الصحافة : الخطر يحدق بممارستها في السودان
تقرير : عاين
٤مايو٢٠١٤
استقبل الصحفيون السودانيون اليوم العالمي لحرية الصحافية الذي يحتفل به في الثالث من مارس من كل عام ، باعتداء مجموعة مسلحة على رئيس مجلس ادارة صحيفة ( المستقلة ) بقصد اغتياله وتصفيته جسدياً امام منزله ، دون ان تتضح اسباب هذا الاعتداء الثاني بالنسبة له خلال عام واحد ، وذات الشئ حدث العام الماضي مع رئيس تحرير صحيفة ( التيار ) اليومية عثمان ميرغني داخل مقر صحيفته وسط الخرطوم ، ولم يكشف النقاب حتى الان عن الجهة التي اعتدت عليه ، وتعتبر الكثير من المنظمات التي تراقب حرية الصحافة ، ان السودان تزداد اوضاعه سوءاً بالاعتداء المسلح على الصحفيين والتهديد عبر الهاتف ، والاستداعاء من قبل جهاز الامن والمخابرات والاعتقالات الى جانب الرقابة المباشرة وغير المباشرة من قبل سلطات الامن على الصحف ومصادرتها ، ويرى الصحفيون ان التمديد للرئيس السوداني عمر البشير لفترة خمس سنوات اخرى ستكون الاسوأ على الحريات الصحافية في الفترة القادمة .
خلال اكثر من 66 حالة مصادرة ومنع من الصدور
يقول تقرير لمنظمة صحفيون لحقوق الإنسان “جهر” ، وهي منظمة سودانية معنية بالرصد لحالات الانتهاكات التي تتعرض لها الصحافة وحرية التعبير في السودان ان الفترة من ( 3 مايو 2014 إلى 2 مايو 2015 ) شهد ( 66 ) حالة مصادرة ومنع صدور اتخذت بحق الصحف و13 اعتداء على الصحفيين، وأفرد مساحة للانتهاكات ضد الصحفيات وتنامي هجرة الصحفيين.
واستعرض التقرير الذي تلقت ( عاين ) نسخة منه بمناسبة اليوم العالمي ( لحرية الصحافة ) معلومات قالت ( جهر ) انها استقتها من المُتطوعات والمُتطوعين الذين يعملون ضمن شبكتها ، مؤشرات حول عودة الرقابة القبلية واشتداد الهجوم الأمني على الصحف، واوضح التقرير ان جهاز الأمن يمنع صحف وصحفيين بعينهم من تناول قضايا مثل الفساد المالي لقيادات الحزب الحاكم، وقوات (الدعم السريع) ونقد جهاز الأمن ، ويشير التقرير الى حالات المصادرة والمنع من الصدور لعدد من الصحف والتي بلغت (52 ) حالة خلال فترة العام من الثاني من مايو 2014 الى الثالث من مايو 2015 ، الى جانب اكبر مصادرة للصحف شهدها السودان الحديث ، حيث قام جهاز الامن بمصادرة (14 ) في يوم واحد في فبراير الماضي .
(34 ) حالة استدعاء وتوقيف للصحفيين خلال عام واحد
ورصد تقرير ( جهر ) حالات الاعتقال، التوقيف، الاستدعاء، والتحقيق بواسطة جهاز الأمن للعاملين في مؤسسات صحفية سياسية، وقال التقرير ان هذه بلغت (34 ) حالة، فضلا عن ( 13 ) منها تمت عن طريق الشرطة ، ووثق حالات (الاعتقال، التوقيف، الاستدعاء، والتحقيق) بواسطة جهاز الأمن والشرطة، بحق عاملين في صحف رياضية، شملت ( 7 حالات ، 3 منها عبر جهاز الأمن و4 من قبل الشرطة )، كما رصد 13 حالة اعتداء على الصحفيين، و17 حالة مواجهة بين مؤسسات الدولة وصحفيين ، واوضح تقرير “جهر” المتزامن مع اليوم العالمي للصحافة الذي يصادف الثالث من مايو من كل عام، إنها وثّقت بعض الانتهاكات التي طالت (الصحفيات)، مع الإشارة إلى حقيقة وجود انتهاكات لم يُعلن عنها بناءاً على طلب الضحايا، وغيرها من الانتهاكات الغائبة عن سجلات (جهر) لأسباب مختلفة.
تصاعد العنف في مواجهة الصحفيين
تقول رئيس تحرير صحيفة( الميدان) الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوداني مديحة عبدالله لـ (عاين ) انها لا تعتقد ان يطرأ تحسن في الحريات الصحفية في السودان ، وتشير الى ان القوانين المقيدة للحريات ما زالت موجودة وان العنف متصاعد تجاه الصحفيين بشكل متكرر ، وتضيف ان الاستهداف انتقل من استهداف المؤسسات الصحافية الي الصحافيين انفسهم كما تعرض رئيس مجلس ادارة المستقلة لحادثة محاولة الاغتيال ، وتؤكد على انها تتمني ان تكون هناك قوانين ديمقراطية وحريات عامة ، وناشدت الوسط الصحافي الي التكاتف والتعاون مع بعض والتفكير في استعادة نقابتهم ، وطالبت الصحافيين العمل من اجل قوانين ديمقراطية وان يشاركوا في وضعها لحماية الحريات العامة التي تسهل العمل .
ويعتبر الكاتب والصحفي نورالدين عثمان في افادته لـ (عاين ) ان حدوث تغيير في واقع الحريات الصحفية في البلاد مرتبط ارتباطاً عضوياً وجدلياً بنظام الدولة ، ويقول ان الصحافة انعكاس طبيعي لشكل الدولة ، ويضيف ان احداث التغيير لا يمكن عزله عن بيئة اجهزة الدولة ، ولا يري اي انفراج في الوقت القريب للحريات الصحفية ، طالما في ظل وجود نظام انقلابي يسيطر علي الدولة بما في ذلك الصحافة حيث وضعت لها قوانين وتم تعيين رؤوساء اتحاداتها من قبل النظام الحاكم، ويتم يعيين كتاب الرأي ، ويحدد لهم في ماذا يتناولون في كتابتهم وما هو الممنوع .
الحريات الصحافية بعد الانتخابات المشكوك فيها
ويشير نورالدين الى ان انعكاس الانتخابات التي جرت مؤخراً على مستقبل حرية الصحافة في الفترة القادمة ، ويقول ( يجب التمييز بين الانتخابات الزائفة والانتخابات الديمقراطية ) ، ويرى ان النوع الاول دائماً ما تكون خصما علي الحريات الصحافية والاعلامية لانها تعكس صورة سالبة جدا للمواطن ما تفقده الثقة في الصحافة لانه يري عكس ما يقرأ ، ويضيف ( اما فيما يتعلق بالنوع الاخر للانتخابات الديمقراطية فان الصحافة تؤدي دورها الطليعي في نشر الوعي وتقديم المعلومة الصحيحة وكشف اوجه القصور بكل حرية )، ويعتقد ان هذا يساعد المواطن علي اختيار الاصلح للقيادة عبر التصويت الحر .
ويواصل نورالدين حديثه عن العقبات التي تقف امام تطوير الصحافة والتي تحد من سلطتها ، ويقول ان اولي العقبات هي القوانين المقيدة للحريات ، والرقابة القبلية علي الصحف، ويضيف ( احيانا كثيرة لا يستطيع الكاتب الحديث صراحة خوفا من مصادرة ما يكتبه ) ويرى ان الحل اصبح في الاعلام البديل في مثل هذه الظروف خاصة ان عدداً من الدول التي تتوفر فيها حريات واسعة لجأت الى الاعلام الاجتماعي عبر التواصل الاجتماعي في الشبكة العنكبوتية من ” الفيس بوك ، الواتساب وغيرها ” ، ويقول (معظم الناس يستقون معلوماتهم من خلال الفضاء الاعلامي المفتوح بلا قيود ولا حجر ) .
بينما يؤكد الصحفي فيصل الباقر الناشط الحقوقي والمنسق العام صحفيون لحقوق الانسان (جهر) ان فوز البشير بفترة جديدة يعني باختصار ان البلاد مقبلة علي قمع الحريات الصحفية والتضييق علي الصحافة ، ويقول (هي فترة تبشر بالمزيد من التضييق علي حرية التعبير والصحافة والنشر والتنظيم ) ، ويضيف لـ (عاين) انه من الواضح ان الفترة الجديدة هي امتداد للفترة السابقة ، ويشير الى انه ليس هناك مؤشرات للتغيير نحو الانفتاح علي الاخر او الحوار المتكافئ بين مختلف مكونات الوطن ، ويقول ان جهاز الامن هو القابض علي كل مفاصل السلطة لانه اصبح الان الآمر والناهي .
صورة غير مبشرة على الصحافة في ظل النظام الحالي
وينتقد الباقر استخدام العنف المباشر ضد الصحفيين واقتحام المؤسسات الصحفية وارهاب الصحفيين الموجودين فيها،مع مصادرة هواتفهم واجهزة كمبيوتراتهم تحت تهديدهم بالسلاح مثل حادثة اقتحام صحيفة التيار والاعتداء على رئيس تحريرها عثمان ميرغني ، ويرسم الباقر صورة غير مبشرة للصحافة وما يتنظرها في حالة استمرار نظام حزب المؤتمر الوطني لفترة خمس سنوات اخرى ، ويقول (هذا يعني الانهيار التام للدولة وبالطبع ستنهار الصحافة والتي هي من تؤشر الى انهيار الدولة ) ، ويضيف ان جهاز الامن درج طيلة العام الماضي علي ممارسة سياسة ارهاب الصحافيين والصحف عبر اشكال وطرق مختلفة ، ويرى ان جميع هذه الطرق تؤدي الي تقليم اظافر الصحافة وتطويعها بقوة قانون الامن الذي قال عنه ان يتعارض مع الدستور والحقوق والحريات التي يكفلها الدستور الانتقالي لعام 2005 ، ويلاحظ المنسق العام ( لجهر ) ان جهاز الامن يستخدم القانون في مواجهة الصحافة ويستخدم نيابات الصحافة والجرائم ضد الدولة ضد الصحفيين.
ويتفق الناشط السياسي عمر عمر في حديثه مع (عاين ) مع ما ذهب اليه منسق (جهر ) فيصل الباقر ، ويقول عمر في اليوم العالمي لحرية الصحافة ان الوضع في السودان يتصاعد بصورة متواترة واصبحت القوى السياسية تأخذ زمام المباداة الى جانب المطالبات الشعبية من اجل حقوقهم في نزاعات مختلفة مثل نزع الاراضي ،يضيف ان العمل الصحافي لا ينفصل اطلاقا من واقع البيئة السياسية التي تحيط بها قبضة امنية قوية، ويقول ( مع ذلك هناك حركات احتجاج مستمرة من قبل الصحفيين ويعبرون عنها من فترة الى اخرى مثل الوقوف امام المجلس القومي للصحافة والمطبوعات وامام مفوضية حقوق الانسان في مناهضة ورفض سياسة القمع للحكومة ، ويشير الى ان المؤتمر الوطني فقد كل ادوات السلطة السياسية والاعلامية ولم يتبقى له سوى آلة القمع والقبضة الامنية .
وفي ذات السياق يقول خالد احمد عضو السكرتارية التنفيذية لشبكة الصحفيين السودانيين لـ (عاين ) ان اليوم العالمي لحرية الصحافة يعود هذا العام وبلاده تعيش اصعب حالاتها خاصة في مجال الصحافة ، والتي هي محاصرة بقوانين تقيد الحريات ، ويضيف ( هناك قانون الامن الوطني ، قانون الصحافة والمطبوعات، وايضا مواد من القانون الجنائي ) ، ويقول ان كل هذه القوانين تعمل علي محاسبة الصحافيين ومحاكتمهم ، ويشير الى استمرار الرقابة المباشرة علي الصحف من قبل جهاز الامن والرقابة غير المباشرة التي تتم عبر الهاتف والتوجيهات الى جانب المصادرات المستمرة للصحف اخرها مصادرة ( 14 ) صحيفة في يوم واحد فقط وذلك في شهر فبراير الماضي .
ويري احمد ان مستقبل الصحافة السودانية اصبحت في خطر ،وتنبأ ان الصحف يمكن ان تختفي خاصة ان نسبة التوزيع اصبحت تتراجع باستمرار نسبة لعدم تمكن الصحفيين من نشر المواد التي تعبر عن المواطنين وقضاياهم لذلك اصبح هناك عزوف كبير عن شراء الصحف ، ولم ينسى ان يحي الصحافيين السودانيين ، الذين قال انهم يواصلون العمل في مثل هذا الاجواء من تقييد وسط مطاردة السلطات لهم .