فضيحة سيبيريان قيت … مصيبة روسيا في الذهب السوداني

 

فضيحة سيبيريان قيت ... مصيبة روسيا في الذهب السوداني

– شبكة عاين – ١٧ أغسطس ٢٠١٥ –

في جلسة استجوابه امام محكمة جنايات الخرطوم شرق لم يجد الضابط مهند عثمان يوسف حرجا من تحميل نظام الحكم بعضا من وزر اغتيال الدبلوماسي الامريكي جون مايكل غرانفيل، اذ قال: “نحن جيل تربى على اهازيج امريكا روسيا قد دنا عذابها”، الاسلاميون عندما وصلوا الى السلطة في 30 يونيو 1989م اختاروا دون وعي مناصبة الاتحاد السوفيتي (قبل انهياره) العداء وكانت الاهزوجة التي اشاراليها الضابط مهند عثمان يوسف المتهم الثالث في جريمة اغتيال الدبلوماسي الامريكي، والتي طالما ترنم بها جهاديو الدفاع الشعبي في معسكرات التدريب التي تفتحت كالدمامل الغريبة هنا وهناك والاهزوجة تحوير لارجوزة لعبدالله بن رواحة في غزوة مؤتة اذ نزل ساحة المعركة وهو يردد: ” يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا طَيِّبَةٌ بَارِدَةٌ شَرَابُهَا وَالرُّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا عَلَيَّ إِنْ لاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا “.

شد وجذب والقفز فوق الشعارات

المراقب لمجريات الاحداث يجد أن الصلات السودانية الروسية او (السوفيتية) مرت بمراحل مختلفة وتقلبت اطوارا بين الشد والجذب وسنوات العسل وسنوات المرارة، وشهدت ستينات القرن الماضي ومطلع سبعيناته بلوغ الصلة بين البلدين الى اوجها بزيارة الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف في 15 نوفمبر عام 1961 العاصمة السودانية فى خضم الحرب الباردة، وكانت الزيارة للسودان فى عهد الرئيس الاسبق ابراهيم عبود والتي استغرقت 9 ايام وقد توجت بتوقيع اتفاقيات بين البلدين للتعاون فى مجالات مختلفة اسفرت عن قيام مشاريع اقتصادية فى السودان فى التصنيع الزراعي، وزادت الصلة بين موسكو والخرطوم لفترة وجيزة بين (1969 -1972) في عهد الرئيس الاسبق جعفر نميري الذي قاد انقلاباً عسكرياً باسم اليسار السوداني.

وفي السنوات التي تلت مفاصلة الاسلاميين الشهيرة في 1999م وسيادة البراغماتية في العلاقات الخارجية شهدت العلاقات السودانية الروسية نموا مضطردا بعد ان نفضت الخرطوم عن نفسها الهاتفية ضد روسيا، وتعدت علاقات البلدين المجال السياسي الى آفاق اخرى، حيث جرت العديد من الاتفاقات بين الجانبين، خاصة في المجال العسكري، واصبحت موسكو المزود الرئيسي للجيش السوداني بالسلاح والعتاد إبان الحرب الاهلية في جنوب السودان ومايزال مستمرا.

وتبودلت زيارات على مستوى رفيع بين كبار مسؤولي البلدين ابرزها زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للمشاركة في المنتدى العربي الروسي في الخرطوم في ديسمبر الماضي، وقتها قال وزير الاستثمار مصطفى عثمان اسماعيل ويعتبر البوصلة التي تعبر عن اتجاهات النظام الخارجية أن روسيا سوف تعود الى فريقيا عبر السودان، وكان جليا ان الدب الروسي يتحرك بقوة الانجذاب نحو الخرطوم جراء المعادن التي تعج بها هذا البلد الافريقي وعلى رأسها الذهب وهو المعلن واليورانيوم وهو الجزء المسكوت عنه.

اتفاقيات الذهب مع روسيا لحل ازمة حكم الاسلاميين في الخرطوم

وفي ديسمبر الماضي كان وزير المعادن أحمد الصادق الكاروري قد وقع في موسكو مع وزير الموارد الطبيعية والبيئة الروسي “س أي دونسكوي” اتفاقية مشتركة تشمل مجالات التعدين والجيولوجيا والاقتصاد والنفط، ويُعد استخراج الذهب مكونا أساسيا ضمن جهود حكومة الخرطوم لدعم الاقتصاد المتعثر بعد فقد ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من النفط بعد استقلال جنوب السودان في يوليو 2011. ذكرت وزارة المعادن أن عائدات الذهب فاقت المليار دولار عام 2014، إذ أنتجت البلاد 71 طنا، يتوقع ارتفاعها العام الجاري إلى ثمانين طنا، ومئة طن عام 2016.

ويعتقد مراقبون تحدثوا لـ (عاين) ان العبارة التي نقلت عن النائب الأول للرئيس السوداني بكري حسن صالح، في مؤتمر صحفي قوله ” ان انخراط الشباب في مجال التنقيب عن الذهب جنّبَ حكومته حدوث ثورة تشبه ثورات الربيع العربي”، ابلغ دليل على الاهمية التي صارت للذهب في حل ازمة الاسلاميين في الحكم.

القمح والفيتو الروسي في مجلس الامن الدولي

ويقول الخبير والمحلل الاقتصادي محمد ابراهيم عبده كبج لـ(عاين) ان التقارب الاقتصادي بين موسكو والخرطوم لديه ظلال سياسية قوية تفسر سر التعاون التي ارتفعت وتائره بين البلدين، ويضيف ان النظام السوداني يحتاج لـ(الفيتو الروسي) لاحتواء ملف المحكمة الجنائية الدولية سيما وقد ضاقت الحلقة على عنق الرئيس عمر البشير، وكان اخرها محاولة توقيفه التي اوشكت على النجاح في جنوب افريقيا في يونيو الماضي ابان مشاركته في القمة الافريقية في جوهانسبيرج في منتصف يونيو الماضي. وقد شابت الزيارة تفاصيل مذلة اذ اضطر البشير حسب الانباء التي تواترت من هناك للتخفي لمغادرة اجواء جنوب افريقيا.

ويقول كبج (كما يرنو النظام الى امدادات القمح الروسية ستكون أرخص سعراً وأقل تكلفة، فالخزينة العامة ظلت تستنزف الكثير من الأموال مقابل شراء شحنات القمح بسبب قيود المقاطعة الإقتصادية، وتعقيدات التحويلات المالية)، ويشير الى ان سياسات النظام العدوانية تجاه مواطنيه وجيرانه ومحيطه الاقليمي والدولي وراعيته للمجموعات الارهابية، ويضطر النظام الى للشراء “من البحر” بأسعار أعلى بكثير من أسعار البورصات العالمية.

ويقول (فوق هذا وذاك يطمح النظام الى ما يمكن تسمية بـ(راعي رسمي) بعد ان فقد كل حلفائه واصدقائه بالمنطقة واخرها ايران التي تخلى عنها مفضلا التحالف مع دول الخليج في حربها ضد الحوثيين باليمن حيث شارك في التحالف العسكري الذي اطلق عليه “عاصفة الحزم”).

ويرقب النظام في رعاية روسية تشبه ما تفعله موسكو مع ايران اذ ظلت موسكو حليفها الدائم في برنامجها النووي والنظام السوري حيث ظل الكرملين الحلف الاقوى لبشار الاسد، لكن قادة النظام لايقرأون التاريخ كثيرين كما يؤكد المراقبون ن دعم روسيا لنظام الاسد فضلا عن المصالح الحيوية أتى من البطريركية الروسية”،حيث يتبع حوالى 70% من مسيحيى سوريا الكنيسة الأرثودكسية الروسية، وينصح كبج قادة النظام بالامتناع عما سماه بالتصريحات العشوائية وان يتحدث كل “هب ودب” في شؤون الدولة بدون مسؤولية ويجب ان تكون الحكومة جادة في كبح جماح اولئك المتفلتين.

الوريث السوفيتي والصراع التجاري على السوق

المحلل السياسي والناشط في قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان الدكتور شمس الدين الامين ضو البيت يقول لـ(عاين): (أعتقد أن العلاقات الروسية السودانية يمكن فهمهما في جانبها الروسي على أنها تقع ضمن استراتيجية التحول إلى الجيل الثالث من الأنظمة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية)، ويضيف: (كان لدينا بعد الحرب مباشرة: أولاً نظام القطبين الدوليين اللذين انفردا بتسيير العالم “الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي” وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي جاء ثانياً نظام القطب الواحد أو الأوحد وهو انفراد الولايات بالسيادة العالمية)، ويشير الى أن المحافظين الجدد أرادوا أن يكون القرن الواحد والعشرين كله قرناً امريكياً، ويرى ان هذه الرغبة لم تعش طويلاً لبروز الصين وتطلعها لأن تكون الاقتصاد الأكبر في العالم بديلاً للولايات المتحدة في غضون سنين قليلة.

ويضيف ضو البيت: (بسبب التاثير الكبير للحزب الشيوعي السوداني ظل السودان أقرب للاتحاد السوفيتي في سنوات ما بعد الاستقلال، على الأقل ولم تتحالف الخرطوم مع الولايات المتحدة إلأ في السنوات الأخيرة لنظام مايو)، والاتحاد السوفيتي قدم من المعونات الأقتصادية أكثر بكثير مما قدمه الغرب، لذلك يعتبر االروس أن السودان واحداً من مناطق نفوذهم المفقودة التي يمكن الآن العودة إليها في منافسات عالم متعدد االأقطاب.

وبروز الصين وصمود الاتحاد الاوروبي وصعود الهند والبرازيل يشير إلى تشكل نظام دولي متعدد الأقطاب طابعه الأساسي الصراع التجاري حول الأسواق، هكذا يرى الدكتور ضو البيت الوضع، ويقول ان روسيا ضلع مهم جداً في هذا النظام متعدد الاقطاب بعد أن استعادت إلى حد كبير جداً عافيتها السياسية والاقتصادية، وهي تسعى حالياً بصفتها الوريث للإتحاد السوفيتي في الوصول إلى االبلدان التي كانت مناطق نفوذ للاتحاد السوفيتي لكي تكون قاعدة لتمددها التجاري خاصة في مجال تجارة السلاح”.

شبهة الفساد في صفقة الذهب

أما الصفقة الأخيرة مع الشركة الروسية للتعدين فقد بدأت تتكشف معالمها الدعائية في مواجهة المصاعب الاقتصادية للنظام، فهي ليست أكثر من مسعى “افيوني لتنويم الطاقات الانتفاضية للشعب السوداني في انتظار الذهب”.

والحديث لضو البيت عن الشركة يعني به شركة (سيبيريان) الروسية التي فجرت ازمة قوية وسط النظام بعد ان اتضح انها شركة وهمية وتسببت العملية برمتها في حرج بالغ لوزير المعادن احمد محمد صادق الكاروري، بعد استقالة الخبير والمستشار الجيولوجى لوزراة المعادن بموسكــو الدكتور محمد احمد صابون الذي عاب على البشير الذي حضر مراسم التوقيع بين وزارة المعادن ورئيس مجلس إدارة الشركة الروسية فلاديمير جوكف ومدير عام الاستكشاف والبحث الجيولوجي يوفقني بتلاكوفيثش في القصر الجمهوري بالخرطوم في نهاية يوليو الماضي بالخوض في الحديث عن احتياطي الذهب بالسودان دون الرجوع الى الخبراء.

وقال في استقالته التي ملأت الدنيا وشغلت الناس (شركة (سيبيريان) و لا (سيبيريا) حسب ما ذُكر أسمها بوسائل الاعلام المحلية و العالمية بما فيها الروسية هنالك تضارب وأقوال عن هويتها لم اتعرف على سيرة عملية أو مهنية لها تؤهلها لمثل هذه الإكتشافات الخُرافية) و التى لا توجد حتى بكتب الخيال العلمى، ولك ان تتخيل أذا كان الإحتياطى الكلي للذهب فى عهد الفراعنة هو (10.300) ألف طن والمنطقة مجاورة للمربعين الممنوحين للشركة و اللى تم بها أكتشاف 46 ألف طن من الذهب فقط بمربعين، و اذا ما قُورن ذلك بالعصر الفرعونى الذى يبلغ 10.300 ألف طن ما قبل سقوط الأمبراطورية الرومانية، هـــذأ بطيلة فترة الحضارة الفرعونية 7.000 ألف سنه … ألا يُعد الإحيتاطى المعلن عنه هذأ ضرباً من ضروب الخيال العلمى المحض”.

الشركة الروسية وهمية

ويقول الخبير الاقتصادي هشام عوض عبد المجيد لـ (عاين) ان الشركة التي وقعت العقد هي شركة روسية محلية صغيرة ومتواضعة واسمها (VRG) ولا تمتلك خبرة او تجربة عالمية، ويشير الى ان اكبر شركة روسية عالمية تعمل في مجال التعدين عن الذهب وهي بولياس قولد انترناشونال (Poyus Gold International) كان انتاجها من الذهب (47.7) طن، مقابل انتاج هذه الشركة الصغيرة التي وقعت عقد مع الحكومة السودانية حيث بلغ انتاجها (1.4) طن.

ويكشف عن ان هذه الشركة والتي تأسست عام 1992 تعثرت مالياً وتوقفت عن العمل لمدة ست اعوام، ويقول ان مجموعة من المستثمرين اشتروا اصول الشركة وتم تعيين ادارة جديدة، ويضيف ان المستثمرين قاموا بتسجيل شركة قابضة في انجلترا اسمها (انقارا ماينينغ) Angara Mining وان التسجيل تم على هامش بورصة لندن للشركات صغيرة الحجم للحصول على تمويل لشركة (VRG)، ويقول (لكن سرعان ما تعثرت الشركة مرة اخرى ابان الازمة المالية العالمية في العام 2008، وفي العام التالي تم بيع اسهم الشركة الى المؤسسة المالية الروسية غازبروم بانك) هذه الاخيرة اوشكت على الانهيار، ويتابع (لست ادري كيف سيتم الاستثمار في السودان بواسطة شركة لا خبرة لها وتاريخها ملي بالتعثرات المالية ومملوكة لشركة قابضة عليها حظر عالمي ولا يمكنها ايجاد تمويل باليورو او الدولار).

ويفتح عبد المجيد ملف مالك الشركة جوكوف، ويقول (ادعى انه مالك الشركة وانه حظي بوسام الانجاز من الرئيس الروسي فلادمير بوتين)، ويضيف ان جوكوف تقلد المنصب الاداري عبر الشركة القابضة وانه عمله كان لسبعة اشهر، ويضيف (ما هي الجهة التي يمثلها مستر جوكوف وخولته للتوقيع على عقد ملياري للتصرف في ذهب السودان).

وزير التعدين والارقام الخرافية

وكان وزير التعدين قد اعلن ان احتياطي الذهب المكتشف من قبل الشركة الروسية (46) الف طن في ولايتين سودانيتين وانه يعد اكبر انجاز في العالم، وقال ان الشركة الروسية (سيبيريان) اكتشفت الموقع الاول ثمانية الف طن بما يعادل (298) مليار دولار وهو الموقع الذي منحته الحكومة للشركة وان تبدأ انتاجها خلال ست اشهر من توقيع الاتفاق، واضاف ان الموقع الآخر فيه (38) الف طن لم توقع الوزارة حتى الان مع اي جهة، وقال أن قيمة الذهب المكتَشف في الموقعين تُعادل ترليونا وسبعَمئةٍ و ملياريْ دولار.

كل تلك الارقام التي جعالت ابتسامة قادة النظام تتسع ظهر فيما انها لم تكن صحيحة على الاطلاق، ولاتزال تسود حالة ارتباك شديد وسط النظام ربما اشارت عنها بجلاء الغاء المؤتمر الصحفي لوزير المعادن بوكالة السودان للانباء يوم الاحد قبل ساعة واحدة فقط من موعده.