فشل عملية التسجيل لإستفتاء دارفور بداية النهاية
– شبكة عاين – ١١ مارس ٢٠١٦ –
يعتقد النازحون والمواطنون في دارفور إن إجراء الإستفتاء في إبريل المقبل لسكان الاقليم للتصويت على خياري الإبقاء على الولايات الخمس – وهو خيار الحكومة – او العودة إلى الإقليم الواحد لا تمثل اولوية بالنسبة لقضيتهم في وقف الحرب ومحاكمة المتورطين في جرائم الحرب والإبادة الجماعية. ويتفق في ذلك كثيرمن القيادات السياسية والإدارة الاهلية، بل أن قيادات تنتمي إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم اعلنت رفضها للعملية، ويتخوف أخرون من أن يقود الاستفتاء إلى انفصال الإقليمي.
وقد إنتهت عملية التسجيل لاجراء الاستفتاء الادارى في دارفور في فبراير الماضي، حيث أعلنت مفوضية الإستفتاء الإداري لاقليم دارفور بغربى السودان أن نحو (76 %) من جملة المقترعين اكملوا عملية التسجيل توطئة لإجراء الاقتراع فى ابريل المقبل. وقال مقرر المفوضة آدم دليل إن عدد المواطنين الذين سجلوا في ولايات دارفور الخمس حتى نهاية التسجيل بلغ (3.583.105) من إجمالى (4.588.300)، وستنتهي عملية الإقتراع في الفترة من (11 إلى 13) إبريل المقبل. وينص القانون على أن (مواطن سوداني يبلغ من العمر 18 عاماً ومقيم في ولايات دارفور لمدة ثلاث أشهر يحق له التسجيل والإقتراع مع إعفاء القوات النظامية والرحل من شروط الإقامة)، ويعتقد مراقبون ان هذا النص يفتح الباب على مصراعيه للتزوير، وتعارض الحركات المسلحة التي تقاتل الحكومة في الإقليم إلى جانب القوى السياسية المختلفة إجراء الاستفتاء بشدة، فضلاً عن هيئة النازحين واللاجئين في دارفور التي رفضت عملية الاستفتاء الإداري المزمع.
ضعف الإقبال في التسجيل بإعتراف الحكومة
وقد أقر والى جنوب دارفور ادم الفكى محمد في وقت سابق بضعف إقبال المواطنين على مراكز التسجيل للإستفتاء الادارى. كما أقرت حركة التحرير والعدالة بضعف الإقبال ووجود قصور أمني، ومع ذلك تتمسك الخرطوم على إجراء الاستفتاء وتعتبره استحقاق دستوري يجب تنفيذه بموجب إتفاقتي ابوجا التي وقعتها الخرطوم مع حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي في العام 2006، والدوحة لسلام دارفور التي وقعتها ايضاً حكومة الخرطوم مع حركة التحرير والعدالة في العام 2011، على إجراء الاستفتاء في الاقليم وتضمن نتيجته في الدستور الدائم للبلاد. ومازالت المعارك العسكرية عنيفة تدور منذ يناير الماضي بين القوات الحكومية وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور في جبل مرة. وقد أعلنت الامم المتحدة عن استمرار ارتفاع عدد النازحين إلى أكثر من (100) ألف نازح خلال شهر فبراير الماضي.
ويقول رئيس هيئة النازحين واللاجئين في دارفور ادم عبدالله ادريس ان إجراء الإستفتاء الذي تتبناه الحكومة والحركات الموقعة على اتفاق الدوحة ليس سوى محاولة لتنفيذ اجندة لا تمثل اولوية للنازحين. فيما إعتبر طلاب دارفور إن الهدف من الإستفتاء هو تغيير الخارطة الاساسية للإقليم وإضفاء هوية جديدة من مليشيات النظام وإتهموا الحكومة بتشريد ثلثى سكان دارفور الاصليين والاستيلاء على اراضيهم بواسطة مجموعة وافدة من خارج الحدود وداخلها.
النازحون واللاجئون لن يشاركوا في الإستفتاء
ويرى المحلل السياسى عبدالله ادم خاطر أن مجموعات كبيرة من الاحزاب والقوى المدنية تعتقد إن تأجيل الإستفتاء ضرورة أملتها ظروف الأمن، ومنظومة التنمية لم تكتمل حتى الأن رغم توقيع اتفاقية الدوحة. ويقول خاطر لـ (عاين) إن الاستفتاء يحتاج الى جهود كثيرة كبيرة من قبل جميع الاطراف، ويضيف أن الهدف من التسجيل الذى يقود إلى الإستفتاء هو استكمال العملية السلمية بشكل متراضي، ويتوقع أن النتيجة المتوقعة ستكون على حسب ما ترىده الحكومة بالإبقاء على الولايات الخمس، ويشير إلى أن عملية التسجيل كانت ضعيفة من قبل المواطنين.
ويقول رئيس حركة وجيش تحرير السودان منى اركو مناوى لـ (عاين) إلي أن التسجيل للإستفتاء الاداري واجه صعوبات لا سيما أن السكان ما زالوا في معسكرات النازحين واللاجئين وآخرون يسكنون علي هوامش المدن الكبيرة. ويرى أن الاستفتاء مسألة تهم الحكومة وحدها وهي ترىد أن تكافئ من قاموا بالفتنة في دارفور وشاركوا في عملية الابادة الجماعية. ويعتقد مناوي أهل دارفور سيتصدون للإستفتاء رغم الإمكانيات التي تملكها الحكومة بعث الروح لاتفاقية الدوحة.
إجراءات التسجيل وبدء الاستفتاء ملهاة جديدة للمجتمع الدولي
ويؤكد علي عجب محامي المدافع عن حقوق الانسان صعوبة الثقة في اتجاهات الحكومة في دارفور فيما يتعلق بالاستفتاء، ويقول ل(عاين) إن الحكومة تتعامل مع دارفور بإعتبارها المستند الوحيد علي اساسه سيواجه الرئيس العدالة الجنائية الدولية وان هذا واقع لا مفر منه. ويضيف (القراءة الاقرب بعد عملية التسجيل وقرب الاستفتاء إنها عملية امنية في المقام الاول وعن طريق الاستفتاء تستطيع الحكومة خلق اختراقات جديدة في الاقليم). ويرى أن خطة النظام هي البدء في تفكيك المعسكرات وبعث الروح في اتفاقية الدوحة، مع اتاحة فرصة للقادمين جدد اللحاق بالاتفاقية، ويعتقد إن إجراء الاستفتاء عبارة ملهاة جديدة للمجتمع الدولي والمجتمع الدارفوري. ويقول إن الحكومة الحالىة لا تسعى الى عملية سلام عبر الاتفاق، وانما من خلال الاجندة الأمنية والعسكرية.
فيما ترى عضو تجمع روابط طلاب دارفور سعدية الشيخ (كدوك) إن إنتهاء عملية التسجيل الذي يمهد لإجراء الإستفتاء سيزيد من وتيرة العنف في الايام القادمة، ما شهدته الاسابيع السابقة من تكثيف القوات الحكومية هجماتها وقصفها على المدنيين في جبل مرة. وقالت لـ(عاين) إن ما يجرى من عملية إستفتاء لتحديد الوضع الادارى في المنطقة هي احد عوامل الفتنة، وخلق الصراعات الجديدة بين المكونات الاجتماعية الدارفورية. ودعت كل المهتمين بالتغيير في السودان على العمل والمقاومة قولاً وفعلاً إلى إفشال مخطط التسجيل الإستفتاء، وهذا يؤسس لاصوات تنادى بالانفصال هذا ما يريده النظام وحلفاءه. وتكهنت بأن تسير العملية بأكملها لانها غير متكافئة الشروط ويمكن تزويرها النتائج، وتابعت (تتمنى ان لا ينجح الاستفتاء).
اهل دارفور تمتعوا بالسلطة
غير أن القيادى في المؤتمر الوطنى الدكتور ربيع عبدالعاطى لن يختار المواطنون في دارفور خيار الاقليم واحد بعد ان تمتعوا اهلها بالسلطة والحكم الادارى في ظل الولايات التي اعطتهم سلطات واسعة. ويقول (مستحيل أن يعودوا الى مركزية اقليمية قابضة) مؤكدا ان عملية التسجيل ستسير على حسب الجدولة. والتمرد في دارفور قد هزم فعليا، رغم وجود حوادث قطع الطرق والنهب المسلح. ويقول لـ(عاين) إن التظاهرات المناوئة التي جرت خلال عمليات التسجيل لا تعكس أغلبية اهل دارفور وهي محدودة، ويضيف (باب الحوار مفتوح للجميع وفي قاعة الصداقة هناك مجموعات اكثر تشددا من الحركات الحاملة للسلاح، ولم يوقف المؤتمر الوطنى صوت أي منهم). ويشير إلى أن الاستفتاء هو تطبيق لاتقافية الدوحة واغلب الحركات الرافضة للحوار ليس لها موقف سالب تجاه اتفاقية الدوحة، ويقول (المشكلة ليست في الوثيقة وحل قضايا اهل دارفور، بل فى الحركات المنقسمة على نفسها).
حركة عبد الواحد نور :المسجلون في الاستفتاء هم رجال المليشيات
(الحكومة والسلطة الاقليمية تسعيان بطريقة فردية لاتخاذ اجراءات التسجيل مستخدمة عناصرها من المليشيات، وهذه خطوة ستمزق جزء من خريطة السودان. وعلي الحركات الثورية، والقوى السياسية الوقوف والتضامن مع قضية دارفور). هكذا ابتدر حبيب محمد آدم عضو حركة جيش تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور حديثه لـ(عاين) والذي أوضح أن عملية التسجيل لم تنجح لان المواطنين أعلنوا رفضهم منذ الىوم الأول لاجراء الاستفتاء خاصة النازحين في المعسكرات. ويضيف (الاستفتاء لايحظى بأي دعم من المواطنين الذين يتم قصفهم يومياً وهم يشكلون الأغلبية الصامتة).
إجراء الاستفتاء يحتاج إلى إستتاب الأمن وعودة المواطنين إلى مناطقهم
وفي مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور ما زال قانون قانون الطوارئ سارياً والوضع الامني في تدهور. وقد شهد شهر فبراير الماضي اختطاف تاجر من قبل افراد مسلحين داخل السوق الجنوبي في المدينة. وقالت زينب صالح آدم شين الطالبة في جامعة نيالا لـ(عاين) إن الاستفتاء لا يجد تجاوب داخل المدينة رغم مطاردة الحكومة للمواطنين وحثها لهم بالتسجيل لكن كثيرون لم يتوجهوا إلى مراكز التسجيل حتى إنتهاء فترته. وتضيف (هناك شبه اجماع برفض الاستفتاء حيث نصت إتفاقية الدوحة لاجراء هذه العملية أن تكون الأوضاع مستقرة في الإقليم وهذا غير متوفر الآن لا سيما أن المواطنين لم يعودوا إلى مناطقهم الاصلية بسبب إستمرار الحرب). وتتابع (لذلك فشل التسجيل، وعليه عملية الإستفتاء لا تقرره الحكومة في الخرطوم أو السلطة الإقليمية في دارفور وإنما يتم الإقرار به عندما يتم إستتاب الأمن والاستقرار وعودة المواطنين إلى مناطقهم الأصلية).
أما الناشطة الدارفورية حواء جنقو المقيمة في الولايات المتحدة الامريكية فإنها ترى أن الواقع علي الارض لا ينطبق إطلاقاً كما ترغب به الحكومة، وتقول إن إجراء الاستفتاء في إبريل المقبل من الصعوبة إجراءه. قالت لـ(عاين) (إن علي المجتمع الدولى ان ينأي بنفسه عن هذه المهزلة والمسرحية سيئة الإخراج).
ويعتقد كثيرون في دارفور إن عملية التسجيل التي جرت تمهيداً لاجراء الاستفتاء انها ستقود إلى الإنفصال كما جرى في جنوب السودان. ويقول علي ابو جلحة لـ (عاين) إن النظام أدرك عدم معرفة المواطنين في مدينة الجنينة بعملية الاستفتاء، ولذلك شكل مجموعة من المتطوعين للذهاب إلى المواطنين في منازلهم وفي الشوارع لشرح المغزى من عملية الاستفتاء والتسجيل له. ويضيف (لكن غالبية مراكز التسجيل سجلت ضعفاً كبيراً في الإقبال ولم يتجاوز عدد الذين سجلوا في احدى المراكز في المدينة سوى (15) فرداً)، معتبراً أن عملية التسجيل والاستفتاء تهم مجموعة من الانتهازيين يرغبون في تقاسم السلطة والثروة. ويضيف إن عملية تقسيم دارفور إلى خمس ولايات أدى إلى حروب طاحنة بين مكونات الإقليم، لكنه عاد ليقول (هناك بوادر وعي سياسي وإجتماعي في الآونة الاخيرة رغم أن نخب دارفور تميل إلى النخبة الحاكمة في الخرطوم لتحقق مصالحها الذاتية).