(الأطفال العمال).. أكبر مصانع السكر في السودان يعرض حياتهم للخطر   

26 فبراير 2022

“إذا باعوا مصنع سكر كنانة كله، لا شيء يعادل فقدان ابني ذراعه”، تقول إخلاص آدم محمد، والدة الطفل حسن معبرة عن حزنها لفقدان ابنها يده اليمنى بعد تعرضه لإصابة أثناء عمله في مصنع سكر كنانة بولاية النيل الأبيض في السودان.

حسن الذي كان يبلغ من العمر وقتها 13 عاما يقول لـ(عاين): “كنت أدرس في مرحلة الأساس وعند بداية الإجازة السنوية، قررت العمل لمساعدة والدي في المصاريف الدراسية وأتمكن من شراء كراساتي وحقيبتي المدرسية وبقية المستلزمات”، ويضيف لكني لم أتمكن من تحقيق ذلك، فبعد يومين من العمل في المصنع تعرضت لإصابة على احدى الماكينات أفقدتني يدي اليمنى في الحال خلال شهر مارس من العام 2020”.

ومصنع شركة سكر كنانة واحد من اكبر مصانع انتاج السكر في البلاد، وتدار الشركة حاليا بشراكة  بين الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي بنسبة تبلغ 5.59% و حكومة جمهورية السودان بنسبة تبلغ  35.33% والهيئة العامة للاستثمار الكويتية بنسبة تصل إلى 30.64% بجانب حكومة المملكة العربية السعودية التي تملك 10.97% من أصول المصنع و 17.47% يمتلكها مساهمون آخرون.

(الأطفال العمال).. أكبر مصانع السكر في السودان يعرض حياتهم للخطر

إحساس بالمسؤولية

قصد الطفل حسن عبد الله حسن وهو واحد من عشرات الاطفال العمال، العمل بمصنع السكر ليتقاضى راتبا شهريا يبلغ 3 آلاف جنيه سوداني، يؤمن به مصاريفه الدراسية وعدم الضغط على والده عبد الله الذي يتدبر شؤون عائلته نتيجة أعماله الحرة بسوق كنانة.

يقول والد حسن لـ(عاين): “أنا أعول أسرة تتكون من 10 أشخاص، لدي من الأبناء 5 ومن البنات 3، وحسن ترتيبه الرابع في أبنائي، لم أكن أعلم أنه ذهب للعمل في المصنع، وفوجئت عندما بلغني خبر إصابته في المصنع، ولكن عندما تأكدت أنه هو المعني، أصبت بصدمة كبيرة، لعلمي أن الشركة لا تسمح بدخول من هو أقل من 18 عاما إلى المصنع”.

شركات الوساطة

ومنذ تأسيس شركة سكر كنانة، كان التعاقد للعمل الموسمي يتم مباشرة بين العمال والشركة، ولكن عرفت شركات الوساطة مؤخرًا طريقها للتعاقد مع الشركة لتوفير العمالة الموسمية. وبدأت أولا شركة تسمى الجديان التي لم تستمر طويلًا ثم أعقبتها شركة تسمى الهدف في العام 2008 لتوفير العمالة الموسمية وقت الحصاد وتستمر حتى الآن.

وكشف والد حسن، أن الشركة لم تهتم لأمر حسن بعد الإصابة، وأنها أسعفته لمستشفى الشرطة وتكفلت بمصاريف العملية ومن ثم اختفت ولم تسأل عن وضع حسن حتى اللحظة، منوها إلى أن شركة الهدف المسؤولة عن الإصابة يجب أن تتكفل بالتعويض المجزي لفقدانه أحد أطرافه. ويطالب حسن، بضرورة تعويضه لأنه حياته تعرضت لاختلاف كبير في قدرته على المواصلة بيد واحدة.

(الأطفال العمال).. أكبر مصانع السكر في السودان يعرض حياتهم للخطر

انتهاك لقانون الطفل

وتعتمد الشركة في توفير العمالة على الأطفال دون سن الـ 18 عاما بالتلاعب بالأوراق الرسمية، نسبة لقلة تكاليف الصرف على الأطفال، والشاهد أن الطفل حسن عندما قدم لتعيينه في المصنع كان يبلغ من العمر 13 عاما، ويفيد أنه عندما تم سؤاله عن سنه وأجاب بـ 13، تمت كتابة 17 في أوراق تعيينه للمرور عبر البوابة وغيرها من الأوراق.

 وبهذا الصدد، تقول المحامية التي تتولى قضية حسن، أمنية إبراهيم محمد لـ(عاين)، إن هناك تضاربا بين قانون العمل للعام 1997 وقانون الطفل للعام 2010، وأوضحت أن قانون العمل يعرف العامل بأنه كل شخص قادر على العمل ولم يقل عمره الـ 16 عاما، فين حين أن قانون الطفل يعرف الطفل بأنه كل من لم يتجاوز سن ال18 عاماً، الأمر الذي يبرر تقييد الطفل حسن بعمر ال17 عاماً.

وأوضحت أمنية، أن الاجراءات المتبعة في مثل هذه الحوادث تقتضي مخاطبة القومسيون الطبي بعد خمسة شهور من الحادثة لتقديم إفادة عن نسبة العجز لحساب قيمة التعويض، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن البلاغ تم فتحه بموجب أورنيك 8 فقط، ونبهت إلى أن إجراء نسبة العجز تم بعد حوالي عام من الاصابة وتم تحديد نسبة العجز بـ 51%.

ووصفت أمنية سلوك الشركة بتعيين أطفال للعمل جريمة يعاقب عليها القانون، مضيفة أن تزوير عمر الطفل ليصبح ملائما للعمل حسب قانون العمل، جريمة أخرى يعاقب عليها القانون، ونوهت إلى أن وجود الكثير من الشركات التي تعين الأطفال للعمل، وأنها بسبب عملها في المحاكم تبنت عددا من القضايا التي تكشف تعيين الشركات للأطفال بعد وجود إصابات وسطهم.

(الأطفال العمال).. أكبر مصانع السكر في السودان يعرض حياتهم للخطر

عرقلة الإجراءات

وقالت المحامية أمنية، إن البلاغ بعد عامين من الإصابة، ما زال في مرحلة الإجراءات وإكمال أركانه لبلوغ المحكمة، الأمر الذي يسير بوتيرة بطيئة جدا، وذكرت أن البلاغات المفتوحة تنضوي تحت قانون العمل وإصابات العمل وغيرها وتهمل تعيين الشركة لطفل باعتباره انتهاكا صريحا لقانون الطفل، وأردفت أن ذلك يمكن إلحاقه بدعوى منفصلة بعد وصول البلاغ للمحكمة.

وأشارت أمنية إلى أن المسؤولية الجنائية تقع على شركة الهدف دون الإشارة لشركة كنانة، ولكن المسؤولية الأخلاقية كانت تحتم على رؤساء الأقسام التي يعمل تحتها الأطفال، رفض عملهم بالمصنع. وكشفت أن كثيرا من الأطفال المصابين يتم إرضاؤهم بمبالغ مالية من شركة الهدف لمنع تحريك أي إجراءات جنائية.