شرق السودان.. أسباب عديدة وضعته في منعطف مفخخ
7 أكتوبر 2020
بين اشتباكات أهلية واحتجاجات سياسية وأخرى مطلبية تزيد حدة التوتر منذ اشهر في إقليم شرق السودان الذي يضم ثلاثة ولايات اثنين منهما حدوديات مع دولتي اثيوبيا واريتريا، والولاية الثالثة تضم موانئ السودان الرئيسية على البحر الأحمر.
كيف تفاقمت الأحداث في شرق السودان ووصلت لهذا الطريق المسدود؟ وما الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإتحادية للسيطرة على الأحداث هناك؟ وإلى أي مدى ساهمت بعض العوامل في دفع كرة الثلج للتدحرج في الإتجاه الذي وضع الإقليم في هذا المنعطف المفخخ؟
بداية التوتر:
بدأ تصاعد الأوضاع في شرق السودان قبل أيام من توقيع الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري وتحالف قوى الحرية والتغيير، في أغسطس من العام الماضي، وشهدت مدينة بورتسودان – حينها – صراعاً أهلياً خلف عشرات القتلى والجرحى، ثم تجدد الصراع مرة أخرى بعد هدوء نسبي استمر لعدة أشهر. لكن تفاقمت الأوضاع بشكل كبير عقب تسمية صالح عمار، والياً لكسلا والذي تسبب إختياره في إنقسام المكونات السياسية والإجتماعية بالولاية بين رافض ومؤيد له.
إنتقال الصراع من ولاية البحر الأحمر لولاية كسلا خلف بدوره قتلى وجرحى، عوضاً عن الخسائر المادية التي تجاوزات مليارات الجنيهات، ليأتي التوقيع على إتفاق السلام بين الحكومة الإنتقالية والجبهة الثورية السودان ويصب مزيداً من الزيت على النار، بتضمّنه مساراً لشرق السودان ترى مجموعات عديدة بالإقليم أن ممثلي المسار لا يمتلكون الثقل السياسي والإجتماعي الذي يتيح لهم تمثيل الشرق.
الصراع السياسي والإجتماعي بشرق السودان أفرز مايُطلق عليه (المجلس الأعلى لنظارات البجا)، والذي يقف خلفه ناظر مكوّن (الهدندوة) محمد الأمين ترك، وقد تبنى المجلس التصعيد الذي شهدته ولاية البحر الأحمر مؤخراً، عبر إغلاق مينائي بورتسودان وسواكن، وقطع الطريق القومي الذي يربط البلاد بتلك الموانئ.
مظالم تاريخية
يرى الناطق بإسم تحالف قوى الحرية والتغيير بالبحر الأحمر أمين سنادة، أن تفجّر الأوضاع الحالية في شرق السودان هو نتاج مظالم تاريخية وتغييب للقضايا الأساسية، إضافة لعدم تأثير الكيانات السياسية في الإقليم على المشهد العام.
وأضاف لـ(عاين) “حتى المجموعة التي وقعت على مسار الشرق المضمّن في إتفاق السلام مع الجبهة الثورية لم تهتم بشرحه ولم تكشف عن القضايا التي تمت مناقشتها، وهذا يؤكد وجود إشكالية حقيقية في عمل هذه المجموعات”.
وفي ذات الإتجاه يذهب القيادي بحزب مؤتمر البجا – تيار الحرية والتغيير – محمد أحمد شيخو، ويؤكد على أن الإهمال التاريخي لقضايا شرق السودان والمظالم التي تعرض لها الإقليم من قبل الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد هي ما أنتجت هذا الواقع، وأضاف: “حتى بعد نجاح ثورة ديسمبر لم تتم المعالجات المطلوبة لقضايا الإقليم”.
شيخو: إتفاقية السلام التي تم توقيعها في جوبا، لم تأت بالقوى الحية والفاعلة التي تمثل شرق السودان واعتمدت على مجموعات تتطلع لتسوية سياسية تضمن لهم مناصب في السلطة الحاكمة
وبحسب ما ذكر شيخو لـ (عاين)، فإن إتفاقية السلام التي تم توقيعها في جوبا، لم تأت بالقوى الحية والفاعلة التي تمثل شرق السودان، وانها اعتمدت على مجموعات تتطلع لتسوية سياسية تضمن لهم مناصب في السلطة الحاكمة، وتابع: “هذه المجموعات لاتنتمي لحواضن إجتماعية مؤثرة في الإقليم، والجبهة الثورية هي التي فرضتها للتحدث بإسم الشرق، إضافة إلى انه ليس لديها نشاط سياسي أو وجود على الأرض”.
فرض هيبة الدولة
لكن الناشط في مجال المجتمع المدني حامد إدريس سليمان، ارجع تفاقم الأوضاع في شرق السودان لعدم فرض هيبة الدولة وتعاملها مع قادة الإدارات الأهلية ومنسوبي النظام البائد، ما جعل البعض – بحسب ما ذكر – يصل إلى قناعة بأن الدولة ضعيفة وأن بإمكانهم فرض أجندتهم الشخصية، مثل مساعد الرئيس المخلوع موسى محمد أحمد، والوزير في عهد النظام البائد مبارك مبروك سليم.
وأضاف: “هؤلاء الأشخاص بحسب الخط الذي حددته ثورة ديسمبر لايجب أن يكونوا ضمن المشهد الحالي، لاسيما القيادات السياسية التي عملت مع النظام البائد”، وأشار إلى أن ضعف الدولة انعكس في التفلتات الأمنية التي يشهدها الإقليم. وتابع: “نؤكد على ضرورة كفالة حرية التعبير للجميع، لكن يجب أن لا يؤثر ذلك على حرية الآخرين في الحركة والتنقل”.
ضعف الحاضنة السياسية
وفي سياق تصاعد الأحداث في الإقليم يرى البعض أن تراجع دور الحاضنة السياسية للحكومة الإنتقالية ممثلة في تحالف قوى الحرية والتغيير، وغياب الرؤية السياسية لإيقاف خطاب العنف، دفع قوى أخرى للتمدد وفرض أجندتها الخاصة، إضافة للواقع الذي انتجه مسار الشرق الذي تبناه حلفاء الجبهة الثورية في إتفاق السلام.
ويؤكد على ذلك حامد إدريس، ويرى أن ضعف تحالف قوى الحرية والتغيير والقوى الثورية في الإقليم، وعدم قدرتها على القيام بمهامها خلف فراغاً استغله آخرون للترويج لخطاب وصفه بالعنصري، بسبب فقدانهم للإمتيازات التي سقطت بسقوط النظام البائد، ولم يكن أمامهم سوى اللجوء للحشد عبر المكونات الأهلية، وأضاف لـ (عاين)، “كان لابد من مواجهة خطاب الكراهية بالإجراءات القانونية وملاحقة كل من يساهم في بث هذا الخطاب عبر وسائل التواصل الإجتماعي أو غيرها”.
المؤتمر الجامع
تتطابق العديد من وجهات النظر حول رفض الحلول الأمنية، بينما تؤكد على أن ايجاد حل جذري لقضايا شرق السودان يتمثل في عقد مؤتمر جامع تشارك فيه كافة المكونات السياسية والإجتماعية، لكن يأتي الإختلاف حول الجهة التي يمكن أن تتبنى مطالب الإقليم، وما إذا كانت تعبر عن وجهة نظر سياسية أم مجموعات أهلية.
بحسب الناطق بإسم قوى الحرية والتغيير أمين سنادة، فإن الحل الآن صار بيد الحكومة الإتحادية، وأشار لإجتماعات المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير لمناقشة تطورات الأوضاع في شرق السودان وكذلك إجتماع مجلس الأمن والدفاع لإتخاذ قرارات تصب في صالح الإستقرار.
وأوضح سنادة أن أول استحقاق لسكان الإقليم هو معرفة ما تم الإتفاق عليه في جوبا، وأن الفشل في إيصال هذه المعرفة يتحمله من وقعوا على الإتفاق، فيما طالب بالتعامل مع المجلس الأعلى لنظارات (البجا) بشكل مختلف، وقال: “القضايا التي يتحدث عنها المجلس هي قضايا حقيقية وجوهرية، لكن الشخصيات التي تقف وراء المجلس هي من عناصر النظام البائد”.
الخروج من المأزق
وفي هذا الصدد يؤكد حامد إدريس سليمان، على أن الحلول الأمنية اصبحت غير ذات جدوى لمعالجة الأوضاع في شرق السودان، وشدد على اهمية تبنى حوار مجتمعي يشمل جميع مواطني الإقليم تتقدمه الدولة والقوى الثورية، ويعترف بوجود الجميع في الإقليم ويناقش المظالم التاريخية التي تعرض لها الشرق.
وأضاف: “هذا هو المخرج من المأزق الحالي الذي يعيشه الإقليم والذي يمكن أن يقود لتشكيل لجنة تمهيدية ترتب لمؤتمر جامع لشرق السودان، وهذا يتطلب سيادة خطاب يرسخ للتسامح والتسامي، وإذا قرر المؤتمرون رفض مسار الشرق بإتفاق يمكن تبني البديل المناسب له”.
لكن القيادي بمؤتمر البجا محمد أحمد شيخو، يرى أن واقع شرق السودان بعد توقيع إتفاق السلام افرز رؤية مختلفة، وأن المطلب الحالي هو عقد مؤتمر للقضايا المصيرية لشرق السودان، يتم فيه مناقشة جميع القضايا السياسية والتنموية والإجتماعية في الإقليم.
ولفت إلى أن ما دفع لهذه الرؤية هو عدم معالجة إتفاق السلام للقضايا الأساسية، وأردف: “افق هذه المطالب اعلنه المجلس الأعلى لنظار البجا، وهو أفق جامع يضم كل القوى الفاعلة في الإقليم، لذا يجب على الدولة تبنى هذا المؤتمر والإشراف عليه وتنفيذ التوصيات التي يتم التوصل لها”.