سياسات السودان الخارجية: من الحمولة الايدولوجية إلى البراغماتية

سياسات السودان الخارجية : من الحمولة الايدولوجية إلى البراغماتية

– شبكة عاين – ١٥ فبراير ٢٠١٦ –

على مدى ربع قرن من الزمان من عمر النظام الحاكم في السودان ظلت علاقاته الخارجية في حالة توتر وإضطراب مستمر، تارة يتقارب النظام مع دول الجوار العربي والإفريقي وفي آخرى يتراجع لمرحلة القطيعة والعزلة. بل ذهب النظام إلى أبعد من ذلك باعلانه امكانية التطبيع مع اسرائيل، الشئ الذي خلق جدلاً كثيفاً وسط الاوساط السياسية بما في ذلك قيادات من داخل النظام نفسه، ولم يضع النظام إستراتيجية واضحة على المدى البعيد للسياسة الخارجية وعلاقات دبلوماسية راسخة تحقق المصالح المشتركة وتعزز التعاون التجاري حتى مع أقرب دولة جارة كجمهورية جنوب السودان التي إستقلت عن السودان.

ويعتقد مراقبون تحدثوا لـ(عاين) أن النظام أهدر العديد من الفرص التي كانت ستؤهله كبلد له وزنه في المنطقة للعب دور أكبر بسبب موقعه الإستراتيحي كجسر بين افريقيا والدول العربية ومنطقة الشرق الاوسط، والحفاظ على الأمن القومي لدول المنطقة بدلاً من إستعداءها وتهديد أمنها القومي بمحاولات تقويض انظمتها. ويرى المراقبون انه وبسبب تدخل الأجهزة المخابراتية في الشأن الدبلوماسي، إستطاع النظام أن يساهم في تغيير الأنظمة في كل من إريتريا، تشاد، أفريقيا الوسطى وليبيا، وحاول إضعاف تلك الدول لكي يؤثر على قراراتها وكذلك الأمر بالنسبة لجنوب السودان ومصر. وينظر هؤلاء المراقبين أن الخرطوم خسرت حكومات تلك الدول، وإن السودان ما زال على نهجه في حياكة مؤامراته ضد أنظمة وحكومات تلك الدول .

الاستفادة من التوترات الخارجية لتجيير الوضع الداخلي

السياسة الخارجية لأي دولة انعكاس لاوضاعها الداخلية، وفي السودان الوضع الداخلي نفسه يعيش في حالة غيبوبة وضبابية وسياسات غير واضحة المعالم وأزمات متلاحقة ، وحاول الإستفادة من التوترات الخارجية للتغطية على الوضع الداخلي، كالطرق بإستمرار على العقوبات الدولية المفروضة عليه وتأثيرها على الوضع الإقتصادي.

ضعف علاقات السودان الخارجية وهشاشة تحالفاته الإقليمية والدولية يعكس عمق الأزمة الدبلوماسية التي يعيشها السودان حتى مع دول الجوار، ويبدو ذلك ظاهراً عندما يضطر الرئيس عمر البشير في بعض الأحيان للقيام بجولات سريعة وتقديم تنازلات لتحقيق مكاسب سياسية صغيرة.

ويقول الصحفي والمحلل السياسي عبدالواحد إبراهيم لـ”عاين” إن التفسيرالصحيح لمسعى نظام الانقاذ الاسلامى لتغيير أنظمة دول الجوار يعود إلى طبيعة مشروعها الايديولوجى ، حيث يرى النظام السوداني ضرورة نشر أفكاره إلى الخارج، ذلك بتصديرها عبر منظمات وأحزاب وحركات يقوم بمساعدتها لتصل الى السلطة ، وتطبيق ذات المشروع الذى يدعو لىتطبيق الشريعة الاسلامية ومعاداة الآخرالمختلف دينياً.

ويشير إبراهيم إلى أن النظام السوداني بدأ بدعم جبهة التحرير الاريترية وبعض الحركات ذات الطبيعة الاثنية فى اثيوبيا ضد نظام منقستو هايلى ميريام (1974-1991) إلى أن سقط نظام منقستو، وبعد عام أجرى إستفتاء فى الأراضى الإريترية فاختار الشعب الانفصال عن الدولة الأم، وكان نظام الخرطوم يمني نفسه بصعود التيار الاسلامى الاريترى الى سدة الحكم وهذا ما لم يحدث. بالمقابل، ويضيف توصل النظام السوداني إلى تسوية مع اديس ابابا التى اوقفت دعمها لقوى المعارضة السودانية، وكانت العلاقة بينها ونظام الخرطوم قد ساءت عقب محاولة إغتيال الرئيس المصرى محمد حسنى مبارك فى العام 1995م.

ويرى إبراهيم إن العلاقة مع تشاد لم تختلف كثيراً مع الدول الأخرى، ويقول إن النظام السوداني إستطاع أن يساهم فى دعم الحركات المعارضة للرئيس حسين حبرى حتى سقط نظامه ، بعد أن دعمت الخرطوم الرئيس الحالى ادريس دبى وأوصلته إلى السلطة (1990- حتى الآن)، ويضيف (ثم توترت العلاقة بين الخرطوم وأنجمينا بعد أن إتهمت الحكومة السودانية حكومة تشاد بإيواء فصائل دارفور المسلحة لخوض حرب ضد الخرطوم ) ،  وفى افريقيا الوسطى يسعى النظام إلى دعم صعود التيارات الاسلامية على حساب بقية الفصائل ، اما فى ليبيا فقد تآمر النظام ضد ليبيا وقدم مساعدات عسكرية ودعم لوجستى للحركات الاسلاموية هناك وبمساعدة بعض الدول العربية حتى سقط نظام معمر القذافي في العام 2011 ، وبعدها اصبحت ليبيا تعيش فى فوضى عارمة ، وتتهم أطراف ليبيةة الخرطوم بارسال مجموعات اسلامية متطرفة للقتال إلى جانب الجماعات الليبية الاسلامية في درنة وبنغازي وغيرها من المناطق التي تشهد قتالاً عنيفاً .

اما مصر يشير المحلل السياسي إلى أن النظام وهم يضمر كراهية للنظام المصري وهو كره ـ كما يشير إبراهيم ـ إلى أنه مورث ويعتبر ثقافة لدى انصار النظام منذ فترة وجود حسن الترابى في الحكم حيث توارثوه جيلا بعد جيل، ويسعون الى دعم الاخوان المسلمين وتفكيك النظام الحالى ، ويضيف (لكن فى بعض الاحيان يلبسون طاقية التقية لفترة من الزمن ولكنهم لا يتوانون فى إيذاء النظام المصرى متى ما اتيحت لهم الفرصة).

الانتهازية وفقه المصلحة في دبلوماسية النظام  

وبالإنتقال إلى محور علاقات النظام السوداني مع (السعودية – وإيران)، حيث إستغنى عن علاقاته مع إيران (ولو ظاهرياً) ليرمم علاقاته مع السعودية ودول الخليج، يقول إن الثقافة المسيطرة على توجهات النظام هى تغيير بعض الانظمة في المنطقة ، فقد أيدوا دخول النظام العراقى للكويت في اوائل التسعينيات، ويضيف (قال الترابي أن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بعد نجاحه في احتلال الكويت يمكن أن يغزو كل دول الخليج فاذا نجح يكون قد تخلص من انظمة الملوك والاسر الحاكمة هناك وسهل مهمة دخول الحركة الاسلامية الى تلك المناطق الغنية)، ويستطرد (وقال الترابي واذا فشل صدام وزال حكمه يكون قد ازيح من الحياة السياسية في الشرق الاوسط اكبر حزب علمانى وبالتالى يكون اتاح فرصة للحركة الاسلامية للعمل فى العراق الغنى بدوره).

ولكن علاقة النظام بطهران علاقة قديمة تعود إلى مرحلة الثورة الايرانية فى العام 1979، واستمرت تلك العلاقة إلى أن وصل اسلاميو السودان إلى السلطة عبر انقلابهم في يونيو 1989، وأستفاد نظام البشير من علاقته مع طهران خلال (25) حيث دعمته بالاسلحة لمواجهة حركات المقاومة ، وبل شيدت إيران مصانع أسلحة في الخرطوم مما عرضها للقصف الاسرائيلي التي اتهمت النظام السوداني بتهريب اسلحة إلى حركة (حماس) الفلسطينية عبر الإنفاق إلى غزة بعد ارسالها إلى مصر.

ويقول عبد الواحد إبراهيم إن الخرطوم واجهت ضغوط من قبل المجتمع الدولي ودول الخليج حول العلاقة مع طهران، ومنها بدأ النظام ينافق المملكة السعودية بارساله جنودا الى اليمن للمشاركة في ما يعرف بـ (عاصفة الحزم) ، بل ذهبت الخرطوم أبعد من ذلك حيث قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وطرد بعثتها الدبلوماسية وسحبت الحكومة بعثتها من طهران، على خلفية حرق السفارة السعودية في طهران رداً على إعدام المملكة العربية للشيخ نمر النمر المحسوب على التيار الشيعي في المملكة مع (46) آخرين في بداية شهر يناير الماضي ، وكل ذلك من اجل تعويض النقص فى الايرادات المالية التي اصبحت محدودة بعد انفصال جنوب السودن وذهاب النفط، ويضيف (باختصار هو يريد ان يبيع هؤلاء الجنود مقابل حفنة من الدولارات ولكنه يتهيب من قوة المملكة السعودية وهو يعرف مدى تاثيرها على المنطقة).

غير أن الرئيس السوداني عمر البشير قال في مقابلة مع “فرانس 24” على هامش قمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا في اواخر يناير الماضي ، إن البعض كان يضخم مستوى العلاقة بين السودان وإيران، لكنه إعترف بان العلاقة كانت جيدة إلى أن اكتشفت حكومته تبني الإيرانيين لعمليات تشيع في السودان ، وأضاف (نحن لانعرف الشيعة، وكلنا سنة … لدينا مشاكل وصراعات تكفينا ولا نقبل أدخال عنصر جديد للصراع في داخل المجتمع السوداني) ، في إشارة إلى الاقتتال المذهبي، وقال (لذلك تم إغلاق المكاتب الثقافية الإيرانية). وقال البشير ان مشاركة السودان في عاصة الحزم ليست موجهة ضد ايران إنما تجيء في إطار مساندة حكومته للشرعية في اليمن ورفض السودان لآي تهديد لأمن الممكلة العربية السعودية.

التعامل الامني أولوية في العلاقات الخارجية

والنظام السوداني يتعامل بفقه المصلحة مع التركيز على التعامل الأمني وليس تبادل المنافع فهل ستنجح هذه التطورات في علاقات النظام الخارجية في تثبيت أوضاعه داخلياً؟ يقول عبدالواحد إبراهيم إن محاولة النظام في الهروب من مشكلاته الداخلية لن تفيده كثيراً لأن الواقع معقد ومرشح للانفجار فى أي لحظة ، ويشير إلى أن الحروب لا تزال مستمرة فى منطقتى جنوب كردفان والنيل الازرق اضافة إلى دارفور قرابة (15) عاماً وما زالت مستمرة، وهنالك قضايا فى الداخل تواجه النظام كالوضع الاقتصادي وهجرة الشباب والبطالة وتوقف النمو عند 0% وتوقف عجلة الانتاج والاستثمار وتدني الدخل للفرد الواحد مع انعدام الكهرباء والغاز، وسيطرة الاجهزة الامنية والعسكرية على الحياة السياسية والاقتصادية فى البلد كل هذا سيقود إلى مواجهة شاملة مع الشعب وهى تجرى فى اكثر من وضع.

أما في رأي وزير الخارجية الأسبق أبراهيم طه أيوب الذي تحدث لـ “عاين” فإن النظام السوداني يتدخل في شؤون دول الجوار، فقد دعم عملية التغيير في ( إريتريا، إثيوبيا، تشاد وإفريقيا الوسطى) ، ولكن لم يحافظ على علاقاته مع تلك الدول بل ظلت متقلبة إذا أضفنا إليها ليبيا التي يمولون فيها الجماعات المتطرفة بالسلاح بعد أن ساهموا بشكل مباشر في إسقاط نظام القذافي .

الخرطوم عملت على زعزعة استقرار كثير من دول الجوار

اما العلاقة مع مصر يشير طه إلى أن النظام السوداني في الأصل غير راضٍ عن نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومازال يردد الحديث عن أنه إنقلابي ، ونظام البشير يتناسى أنه إنقلب على حكومة منتخبة في 30 يونيو1989م، ويضيف (ثم نأتي إلى جمهورية جنوب السودان وهو الإقليم الذي تركه نظام البشير ينفصل وفرط فيه، وكان بالإمكان أن يكسبه حتى بعد فصله لكنه مازال يتدخل في شؤونه الداخلية). ويقول إن تأثيرات هذا التدخل إلى يوغندا وكانت مؤشراتها ظاهرة بزيارة الرئيس اليوغندي يوري موسفيني إلى الخرطوم والذي حضر بضمان وقف النظام السوداني دعمه لجيش الرب، خاصة في أعقاب قرار من مجلس الأمن بمطاردة جيش الرب وإعتبارهم جماعة إرهابية. ولذلك لاتستطيع الخرطوم تقديم الدعم لهذه المجموعة مرة أخرى، وهم بدورهم خرجوا من بحر العزال ودخلوا على حدود إفريقيا الوسطى.

ويقول وزير الخارجية السوداني الاسبق إن الطبيعي في العلاقات مع دول الجوار دعم إستقرارها وأمنها وفي ذلك ضمان لحفظ أمنك الداخلي وضمان جوار آمن، فأي محاولات لتعكير صفو العلاقات مع دول الجوار سترتد عليك وأي محاولات لزعزعة أمنها وإستقرارها فإن ذات الرصاصة سترتد إلى النظام ، ويشير الخبير الدبلوماسي إلى أن السياسة الخارجية إنعكاس ونتاج طبيعي للسياسة الداخلية، فإذا كانوا هم في مأزق وكل خططهم فاشلة ومتخبطة بالتالي سينعكس ذلك على سياساتهم الخارجية وعلاقاتهم الدبلوماسية.

إختلال التوازن الدبلوماسي والازمة الاقتصادية

وحول الموقف الأخير بتحول النظام من إيران لدول الخليج يرى إبراهيم طه أيوب أن ذلك لإختلال التوزان، مؤكداً أن النظام إتخذ موقفه بقطع العلاقات مع إيران أملاً في قرض سعودي يعالج به أزمته الإقتصادية الخانقة. وقد حاول الترويج لذلك بدعم المملكة العربية لمشاريع السدود في شمال السودان، مستبعداً أن تدخل المملكة في أي مشروعات لاتتوفر فيها ضمانات خاصة مع حالة الرفض الشعبي لقيام السدود. ويضيف (في ظل الفساد الذي إستشرى لا يمكن أن تمول مشاريع مع غياب معايير النزاهة والشفافية) ، ويقول (لذلك لن تجدي نفعاً محاولات الترضية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ولا توجد دولة تقطع علاقاتها الدبلوماسية هكذا بقرار متعجل وبمواقف مصنوعة هنالك وسائل آخرى لتوصيل رسائل الإحتجاج والتعبير عن المواقف بطرق مختلفة).

واصدرت وكالة الانباء السعودية بياناً مشتركاً حول تشكيل تحالف اسلامي عسكري مؤلف من (34) دولة لمحاربة الإرهاب ومقره الرياض. ويشارك السودان من ضمن هذه الدول بقوات برية، واعلنت السعودية عن بدء مناورات عسكرية تحت اسم (رعد الشمال). واعلن الجيش السوداني عن توجه قواته إلى السعودية للمشاركة في مناورات (رعد الشمال)، وسيتم مركز عمليات مشتركة لتنسيق العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب ومقره الرياض. وقال وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور ان بلاده يمكن أن تكون طرفاً في أي تحالف صادق لمحاربة الارهاب، وأضاف في تصريحات منشورة (عندما تقود السعودية مثل هذا التحالف فإننا نثق في أهدافه ومبادئه)، وتابع (عندما يوقع السودان على أي تحالف أو ينضم إليه يلتزم بأي تكاليف تأتي منه، وعندما يجئ وقتها فإن المعنين بهذه القضايا في السودان يلتزم بما يوكل اليهم من مهام).

 

في السياق ذاته إعتبر الصحفي والمحلل السياسي الرشيد سعيد يعقوب إن قرار الحكومة المتعلق بقطع العلاقات مع طهران بغير الموفق، مبدياً رفضا قاطعا لما تعرضت له القنصلية السعودية في مشهد والسفارة في طهران ، ويقول لـ(عاين) إن قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول لا تتم الا في حالة واحدة، أن يكون هناك إعتداء عسكري مباشر علي سيادة الدولة، والتضامن مع الدول يعتبر مبدأ اساسي في السياسة الدولية لكنه ليس مطلقاً.

وينظر يعقوب إلى قرار الحكومة السودانية بعدة مستويات، ويقول (المستوي الاول أن السودان ليس طرفاً مباشراً في الصراع بين الرياض وطهران ولا معني بهذا الصراع)، ويضيف إن قرار المقاطعة لم يحترم المؤسسة الداخلية المفترض أن تتخذه الا وهي وزارة الخارجية، ويشير إلى إن بيان وزارة الخارجية جاء لاحقا، ويرى يعقوب إن اي دولة إذا أردات قطع علاقاتها مع دولة اخرى تقوم وزارة الخارجية بتشكيل لجنة لدراسة كل الجوانب المتعقلة بهذا الشأن ، ويقول إن السفارات الخارجية للدولة المعنية تشارك في هذه الدراسة لرؤية مدى تأثير مثل هذا القرار الكبير، ويضيف أن المستوى الثاني في القرار فهو خاطيء لأنه قطع الطريق امام اي دور ايجابي كان يمكن أن يلعبه السودان بين الطرفين.

ويضيف يعقوب (ليس هذا غريباً على الحكومة السودانية الحالية لأنها لا تحترم العلاقات الدبلوماسية والمصالح العليا وموقفها انتهازي)، ويتابع (والدليل علي ذلك عندما اجتاح الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت في بداية التسعينيات ساندته حكومة البشير ضد دول الخليج) ، ويرى أن حكومة الانقاذ تعتقد أن السعودية ستقدم منافع مالية للسودان بعد أن شارك في عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمين، ويؤكد أن هنالك حقيقة اساسية هي أن دول الخليج نفسها تمر بازمة مالية بعد انخفاض أسعار النفط عالمياً وليس لها فائض مالي حتي تقوم بالدعم المالي للخرطوم ، وكرر (قرار النظام السوداني غير موفق ويفتقد المؤسسية ولاينظر إلى مستقبل العلاقات الاستراتيجية في المنطقة وكذلك ليس له مصلحة في تأجيج الصراع الدائر في المنطقة).

قيادات نافذة في النظام الحاكم متشيعة

من جانبه يقول المحلل الاقتصادي دكتور فيصل حسن إن قطع العلاقات مع إيران مؤخراً تؤكد عدم استقلالية القرار السوداني، وغياب كامل للدبلوماسية ، كما أن المشاركة في عاصفة الحزم تمت عبر محادثة هاتفية بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والرئيس عمر البشير، وكذلك قطع العلاقات من طهران باوامر من طه عثمان مدير مكتب البشير، وفي الحالتين كانت الخارجية السودان غائبة إلا من خلال بيان هزيل، هذا يعكس حجم التردي الكبير الذي يعيشه السودان.

ويشير حسن إلى أن دافع المصلحة هو ما قاد النظام إلى إتخاذ مثل تلك القرارات المتسرعة، مستبعداً تجاهل النظام إرتباطاته المعقدة مع إيران سواء في شكل مؤسسات عسكرية كمصانع الاسلحة أو الاقتصادية كشركات النفط ومشتقاته، خلاف المد الشيعي المتعاظم في السودان وارتباط قيادات نافذة في النظام الحاكم بالتشيع ، ويقول إن ارتباطات السودان وإيران لم ولن تنتهي بالتخفيض الدبلوماسي أو اغلاق المراكز الثقافية التي خرجت كثير من الشيعة السودانيين ، ويرى من زواية اخرى إن الامر برمته مدبر بدءاً من المشاركة في عاصفة الحزم، وصعوبة ترك إيران واستبدالها مهما كانت الاموال والمنافع التي عرضها الخليجيون ، ويضيف (حاجة النظام الاسلامي في الخرطوم للسلاح ترجح الكفة الايرانية، وأن القرار الاخير بقطع العلاقات يوحي وكأن البشير كان ينتظر الفرصة المناسبة لاتخاذه).

ويقول الصحفي حميد احمد لـ(عاين) إن موضوع علاقة الرياض بطهران متشابك ومعقد، بدءا من اليمن وانتهاءا باعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر ، ويضيف ( كان الاجدى للسودان ان يخفض العلاقات الدبلوماسية كما فعلت دولة الامارات العربية المتحدة، وليس بطرد السفير الايراني من الخرطوم )، ويرى أن القرار جاء في اطار المصالح السعودية وكأن السودان ولاية تابعة للرياض ، ويقول (كيف ستحصل الخرطوم على التمويل السعودي)، ويعتقد إن وعلاقة السودان مع ايران تاريخية الا أن اللاعب الاساسي في ذلك هو العامل الاقتصادي. كما أن الحكومة السودانية تظن ان المشاركة في التحالف العربي (عاصفة الحزم) في اليمن يمكن أن ينتشلها من الوضع الاقتصادي المتردئ وليس أمام الخرطوم من خيار آخر. ويشير المدون محمد حسين احمد(سائح) إلى إن قطع العلاقات مع طهران له مخاطر وسيدخل المجموعة العسكرية في ورطة، وسيتسبب في تداعيات في علاقاتها مع اطراف اخرى سواء داخلية او خارجية، ويضيف أن اتخذ بناءاً على تقديرات شخصية.