رغم الهدنة القوات الحكومية تقتل المدنيين في مناطق النزاعات
رغم وقف إعلان النار المعلن من قبل الحكومة السودانية منذ عامين في مناطق النزاعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق الا ان يد الأجهزة الحكومية والمليشيات بدأت في استغلال وقف إطلاق النار من أجل إرهاب المدنيين باعتقاد موالاتهم للحركات المسلحة.
كما اتسعت في الآونة الأخيرة ظاهرة اغتيال المدنيين تحت التعذيب داخل معتقلات الاستخبارات العسكرية تحت اتهامات مختلفة منها التخابر مع الحركات المسلحة وغيره من الأسباب.
ظواهر تكررت الشهر الماضي في عدة مناطق مختلفة لا سيما دارفور، ومنطقتي كادوقلي ثم العباسية تقلي بجنوب كردفان. ويحذر مدنيون من مناطق النزاعات من استغلال أجهزة الأمن والقوات المسلحة ومليشيات الدعم السريع لهدنة وقف إطلاق النار لممارسة عمليات انتقام وتخويف للمواطنين في تلك المناطق. .
إطلاق يد الجيش بشكل مباشر يفتح الباب أمام عدة اسئلة وهي ما أحقية الاشتباه بالمدنيين في ظل هذا الظرف؟ لماذا تظهر في هذه الاثناء يد الجيش الطولى ضد المدنيين العزل؟ هل تستغل الحكومة حالة “اللا حرب واللا سلم” في مناطق النزاعات لبث رسائل التخويف وبث الرعب بين المدنيين الذين تتهمهم بالموالاة للتمرد.
فوضى الجيش
على مقربة من شارع رئيس في بلدة العباسية تقلي، حي المك بولاية جنوب كردفان، اعتاد شباب الحي التجمع هناك بغرض المؤانسة والترويح، لكن يوم 23\ 7 الذي صادف ثالث أيام عيد الأضحى الفائت كان استثنائيا بالنسبة لهم وقادتهم احداثه الى المعتقل والتعذيب الذي فارق على اثره الحياة رفيقهم الدومة محمد عثمان جراء هذا التعذيب.
القصة كانت بالنسبة لهم وهم في جلستهم إبداء تذمرهم على القيادة المتهورة لسائق شاحنة تتبع للجيش السوداني وقيادته لها بإهمال وسرعة جنونية داخل الحي السكني، ومع ذلك لم يكن في استطاعتهم ايقافه او حتى ابداء اعتراضهم لجهة ان السيارة ضخمة ولا يمكن مطاردتها حتى لابلاغه احتجاجها.
اعتقالات عشوائية
في طريق العودة مارس السائق نفس الطيش والقيادة المتهورة لكنه صدهم هذه المرة مواطنا يركب دراجة بخارية “موتر” على التقاطع الذي يجلس فيه الشباب، وبعد اصطدام سيارة الجيش بالمواطن الذي سقط أرضا فر السائق ومن كان يرافقه هاربين باتجاهين مختلفين إلى أن تمكن شباب الحي من إيقاف السائق. وهنا حدث هرج ومرج عدد من الشباب كانوا غاضبين وانهالوا على فرد الجيش ضربا وآخرين تمكنوا من تخليصه من الشباب الغاضبين ومن ثم لجأوا الى عملية إجلاء المواطن الذي صدمته سيارة الجيش إلى المستشفى، لكن ماذا حدث هناك؟
في المستشفى- وبحسب رويات الشهود لـ(عاين)، حضر عدد من افراد الاستخبارات العسكرية الى المنطقة وبدأوا في عمليات اعتقال عشوائية لمرافقي المصاب في الحادث، واتبعتها بجملة اعتقالات أخرى في حي الملك، وتم اعتقال الدومة محمد عثمان، و بهاء الدين جامع، ومصطفى حسن ابو الجاز وعلى عبد الرحمن علي مريود، وعباس عبد المنعم الحاج، وكمال علي عبدالرحمن.
تعذيب حد الموت
استمر اعتقال المجموعة لعدة ايام وبدأت الاستخبارات العسكرية في اطلاق عدد منهم لكن اعتقال الدومة تطاول الى ان افرج عنه بعد نحو ثمانية ايام من الاعتقال في حالة صحية متدهورة، ويقول شقيقه ادريس محمد عثمان، بأن شقيقه اعتقل في حالة صحية جيدة ولا يعاني من أي مرض لكنه خرج لا يقوى حتى على الحركة، وتعرض وفقاً ل(شقيقه) الذي تحدثت اليه (عاين) الى تعذيب شديد وضرب في كل مكان من جسمه، والتأثير البالغ كان لضربات في كليتيه ومثانته بجانب جروح غائرة في الظهر وضرب في اليدين والرجلين وكدمات في الرأس.
ويقول ادريس ان الاستخبارات العسكرية ارسلت تهديدات لنا كأسرة بعدم نقل “الدومة” الى مستشفى خارج منطقة العباسية تقلي، ويشير الى أن شقيقه ظل يتألم لايام وسط ممانعة الاستخبارات وقال ” الدومة طيلة أيام مرضه لا نستطيع أن نلبس ملابس فقط اكتفينا بشد ناموسية على سريره منعا للذباب”.
قتل الدومة
ظل “الدومة” على هذا الحال وفقا للناشط خالد موسى ، الذي أكد لـ(عيان)، ان الاستخبارات العسكرية منعت أسرته من فتح بلاغ بالحادثة وبالتالي علاجه، وأضاف ” أن زوجته عندما ساءت حالة زوجها اتصلت بجارها وهو وكيل نيابة وابلغته عن حالته الصحية وضرورة علاجه في أي مكان خارج المنطقة، وأشار إلى أن وكيل النيابة طلب منها فتح بلاغ واستخراج الاورنيك الجنائي 8 لجهة أن الواقعة جنائية، وأوضح موسى أن الشرطة رفضت فتح بلاغ في القضية برمتها، وتحججت بعدد من الدواعي الامنية المرتبطة بوجود الجيش في المنطقة.
بعد تدهور حالة “الدومة” تم نقله الى مستشفى ام روابة بولاية جنوب كردفان بعد تدخل اطراف من عشيرة الدومة وتمكنهم من القدوم به الى مستشفى ام روابة وهناك ساءت حالته أكثر وكان يتبول دما إلى أن فارق الحياة
ويقول تقرير الطبيب بحسب نشطاء في منطقة ام روابة أن سبب الوفاة يعود الى تسمم في الكليتين.
قتيل آخر بدارفور
وفي منطقة مرتالا شرقي جبل مرة محلية طويلة بدارفور قتل المواطن محمد توم بالتعذيب داخل مباني الاستخبارات العسكرية. واتهم الشيخ ادم طرواة القوات المسلحة بالعمل على استهداف المدنين بدلاً عن قوات الدعم السريع وقال ل(عاين) ” نحن ما بنرتاح بعد هدوء الدعم السريع الفترة الماضية قلنا الأوضاع ماشة لاستقرا، لكن الجيش بدء يستهدف السكان بحجة التعاون مع حركة عبد الواحد. ونحن نجزم انو المواطنين العندو علاقة بالحركة والماعندو ماعندو” موضحاً أن القتيل ا محمود توم ليس الا ناشط مدني يعمل في توعية الناس بشكل عام وليس له أي نشاط عسكري حتى تتولى أمره القوات المسلحة.
ذُعر
وشكا مواطنين من دارفور وجنوب كردفان من العنف الذي تستخدمه القوات الحكومية ضد المواطنين رغم اعلان وقف اطلاق النار. ووصف المواطنون في حديثهم ل (عاين) ما تقوم به القوات الحكومية ببث الذعر وسط المدنيين والعزل تحت اتهامات مفبركة بمساعدة الحركات المسلحة.
قال مواطنون من منطقة العباسية بجنوب كردفان ان الوضع الامني في منطقة العباسية تقلي في حالة تدهور مستمر رغم أن المنطقة ليست منطقة عمليات، لكن المدنيين في تلك المناطق ظلوا يدفعون ضريبة الفوضى من عدة جهات تارة قوات الدعم السريع وأخرى القوات المسلحة في منطقة السنادرة . ودعا المواطنون إلى وقف الاعتداءات التي وصلت إلى حد القتل، واصفين الوضع بالشبيه بالفترة الأولى لاندلاع الحرب في جنوب كردفان في 2011.
فيما عبر مواطنون من دارفور عن سخطهم من استمرار هجمات مليشيات الدعم السريع على العزل في قرى ومدن الإقليم بأكمله.
استمرار الحصانات
ويصف خبير عسكري تحدث لـ(عاين) ما جرى من احداث ضد المدنيين في جنوب كردفان ودارفور بالفوضى، مشيرا إلى وضع الجيش والأمن والميليشيات فوق القانون نسبة لاستمرار الحصانات المرتبطة بقوانين الطوارئ المفروضة في تلك الولايات. ويضيف الخبير الذي فضل حجب اسمه إن ” الوضع الأمني بشكل عام يعاني من اختلال كامل بسبب تداخل المهام بين الوحدات الحكومية المختلفة المسؤولة عن استتباب الأمن في تلك الأقاليم”، مشيرا إلى وجود خلافات بين الوحدات الامنية والعسكرية المختلفة، واضاف “كل فرد من القوات الامنية الجيش، الشرطة، الامن وغيرهم يحاول يثبت انه الاقوى”. وخلص ذات المصادر الى ان “وضع البلد غارق في الفوضى فعلى الناس اتخاذ الحيطة والحذر”.
وحاولت عاين معرفة رأي القوات المسلحة حول الأحداث لكن قائد حامية العباسية لم يرد على هاتفه، ولم تتوصل عاين لرقم هاتف قائد حامية منطقة مرتلا .
ويرى الخبير أن أوضاع المدنيين في مناطق النزاعات ما تزال في حالة تهديد عالية، في ظل استمرار ما وصفه بحالة “اللا سلم واللا حرب” في تلك الأقاليم. مضيفا ان الحكومة تعلن وقف إطلاق النار وتمارس أقصي حالات العنف ضد المدنيين في ظل إطلاق يد القوات الحكومية بواسطة الحصانات وفرض حالة الطوارئ في معظم أنحاء تلك البلاد.