خيارات صعبة أمام قوات الحركات المسلحة السودانية بدول الجوار
3 مارس 2021
تحول منزل صغير تملكه عائلة رواية (33) عامًا بمخيم “كريندينق” شرق مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور غربي السودان إلى أكوام من الرماد بعد أن شن رجال مسلحون غارة أمنية على المخيم مطلع يناير الماضي. اللافت هذه المرة أن الرجال كانوا يحملون أسلحة ثقيلة بحسب مارواه سكان المخيم إلى جانب وصول حشود مدججة بالأسلحة من مناطق متاخمة حتى تشاد في أعمال عنف غير مسبوقة وجرت تحذيرات من مسؤولين باقليم دارفور من أن الوضع الأمني قد يعود إلى المربع الأول.
وتقول رواية لـ(عاين) : “لانريد الحرب أن تتكرر لقد أصبح العتاد والتسليح كثيفًا الشهور الأخيرة ومناطقنا متاخمة لتشاد أصبح الانتقال بين البلدين يعرضنا إلى الخطر”. وتأتي هذه التطورات في خضم تواجد عسكري للحركات المسلحة في بعض دول الجوار وسط اقرار لبعض الحركات المسلحة لوجود قواتها في ليبيا، ونفى من البعض الآخر. والأمر الذي هدد على اثره مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي الحركات المسلحة بالإنضمام إلى العملية السلمية ومغادرة أراضي دول الجوار فورًا.
هروب إلى الأمام
أمران مهمان تطرق إليهما مجلس الأمن الدولي نهاية الأسبوع الماضي الأمر الأول حذر المجلس من أن الوضع في السودان لا يزال يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين وفي ذات الوقت عبر عن قلقه من انتشار الأسلحة في الإقليم الذي وقعت بعض الفصائل المسلحة اتفاق السلام مع الحكومة الانتقالية لإنهاء الحرب والنزوح بينما يعتقد أكبر الفصائل المسلحة في اقليم دارفور بقيادة عبد الواحد نور أنه اتفاق هش.
وقال متحدث الحركة محمد عبد الرحمن الناير في حديث لـ(عاين)، لا سلام دائم ولا استقرار في دارفور دون معالجة القضايا على مستوى البلاد إنهم يهربون إلى الأمام نحن لا نريد ذلك لذلك يتم إطلاق الشائعات ضدنا من جهات دولية ومحلية يقول الناير.
وتأتي دفوعات متحدث حركة عبد الواحد نور في إطار اتهامات قوية تواجهها هذه الحركة بالتواجد العسكري في الأراضي ليبيا للتزود بالأسلحة على غرار مقاتلي الحركات المسلحة وهذه المعلومات وثقتها تقارير الأمم المتحدة عبر فريقها إلى السودان في تقريره نشره في 13 يناير 2021 بموجب هذه المعلومات ألمح مجلس الأمن الدولي في جلسته الخميس الماضي إلى اتخاذ تدابير فعالة فيما يتعلق بانفاذ اتفاق سلام السودان بين الحركات المسلحة والحكومة الانتقالية.
لكن عضو مجلس السيادة الانتقالي السوداني ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الذي يقود آلاف المقاتلين المنشقين عن حركة عبد الواحد في العام 2015 الطاهر حجر يرى أن تهديدات مجلس الأمن الدولي ليست ذات قيمة فيما يتعلق بإخلاء الحركات المسلحة أراضي دول الجوار. تصريحات الطاهر حجر الذي عٌين ضمن اتفاق قسمة السلطة بموجب اتفاق جوبا في أعلى هيئة انتقالية في السودان تتزامن مع تقرير صدر في منتصف يناير الماضي أكد وجود (150) مركبة عسكرية تابعة لقوات الطاهر حجر في دولة ليبيا تعمل تحت قيادة الجيش الوطني الليبي.
ويوضح عضو مجلس السيادة الانتقالي السوداني الطاهر حجر في مقابلة مع إذاعة بلادي المحلية في العاصمة السودانية الأحد الماضي أن تواجد “بعض الحركات المسلحة في دول أجنبية ليس أمرًا شاذًا لأنها متواجدة لرغبة تلك الدول في تأمين السلم”. وهدد مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي الحركات المسلحة بالإنضمام إلى العملية السلمية ومغادرة أراضي دول الجوار فورًا في إشارة إلى انتشار بعض مقاتلي الحركات المسلحة في ليبيا وهو تصريح ينفيه بشدة المتحدث الرسمي باسم حركة جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد نور- محمد الناير في حديث لـ(عاين) أن بعض الأطراف تصدر اتهامات غير صحيحة بحق حركة جيش تحرير السودان.
ويُشير تقرير صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالسودان والذي نُوقش في مجلس الأمن الدولي في منتصف يناير الشهر الماضي إلى أن قوات حركة مناوي شاركت في عمليات تأمين مناطق سبها في ليبيا وحقول النفط لكنها تكبدت خسائر فادحة بمقتل 50 مقاتلاً بينهم 12 قائد ميداني في يونيو 2020 إلى جانب قوات تابعة للسيد الطاهر حجر هي الأخرى شاركت في القتال وتكبدت خسائر في صفوفها.
الحركات في ليبيا
وذكر تقرير نشره الموقع الرسمي لمجلس الأمن الدولي أنه منذ أواخر العام 2019 وحتى يونيو 2020 انضمت غالبية حركات دارفور إلى القتال في ليبيا مثل حركة عبد الواحد نور وحركة مناوي وتجمع قوى تحرير السودان بزعامة الطاهر حجر وقوات المجلس الانتقالي بزعامة الهادي إدريس وقوات مجلس الصحوة بزعامة قائدها المحتجز لدى السلطات العسكرية السودانية موسى هلال والقائد عبد الله بندة.
ولفت التقرير إلى أن مقاتلي الحركات باستثناء حركة مناوي يقاتلون في الأحياء الجنوبية لمدينة طرابلس وأشار التقرير الأممي إلى أن حركة مناوي لم تشارك في طرابلس لأنها غير راضية عن العرض الذي قدمه الجيش الوطني الليبي من ناحية المعدات والعتاد العسكري لكن قوات مناوي في نفس الوقت شاركت في استعادة الجيش الليبي لمدينة سرت وانتقلت لاحقًا إلى “الوشكة”.
ويرفض المتحدث الرسمي باسم حركة جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد نور – محمد عبد الرحمن ناير الاتهامات الواردة في التقرير الدولي ويشدد على أن قوات الحركة موجودة في الأراضي السودانية. وأضاف : “قواتنا موجودة في السودان والكل والمناطق التي تسيطر عليها والتي تفوق مساحتها حجم بعض دول العالم”.
والأسبوع الماضي وصلت قوات تابعة إلى حركة تحرير السودان بزعامة أركو ميني مناوي إلى العاصمة السودانية للانخراط في الترتيبات الأمنية وتشكيل قوات مشتركة بين الجيش السوداني والحركات المسلحة والدعم السريع. وذكر المتحدث الرسمي باسم حركة تحرير السودان الصادق علي النور في مقابلة مع (عاين) أن وجود قوات تابعة إلى حركة مناوي في الأراضي الليبية معلوم لدى السلطات السودانية وتابع : “تحدث عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق ياسر العطا عن الأسباب التي دعت إلى بقاء قوات من حركة مناوي في ليبيا”.
وأضاف : “قواتنا انخرطت في الترتيبات الأمنية والآن يتواجد القائد جمعة حقار في القيادة العامة للجيش السوداني لبحث الترتيبات”. ولا يزال انتشار الأسلحة وامتدادات بعض الفصائل المسلحة بين ليبيا وإقليم دارفور يشكل قلقًا متزايدًا خاصة في ظل رغبة بعض الحركات على التزود بالمعدات من خلال البقاء في الأراضي الليبية حيث رفضت حركة مناوي القتال في طرابلس لأنها لم تكن راضية عن المعدات التي سُلمت إلى مقاتليها بحسب تقرير الأمم المتحدة وهو حديث ينفيه متحدث الحركة الصادق علي النور قائلاً إن : “المعلومات غير صحيحة”.
وفي جلسة الخميس الماضي وفي هذا الصدد أعلن مجلس الأمن الدولي أنه وضع الخبراء المعنيين بالسودان أنه مدد ولاية فريق الخبراء إلى السودان حتى 12 مارس 2021. كما شدد القرار الصادر من مجلس الأمن الدولي والذي تحصلت (عاين) على نسخة منه على أهمية تقديم فريق الخبراء إلى السودان تقريرًا إلى لجنة مجلس الأمن حول التطورات في اتفاق سلام جوبا في موعد أقصاه أغسطس 2021.
كما يخضع نقل المعدات العسكرية إلى اقليم دارفور في اطار الترتيبات الأمنية بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة إلى إجراءات بين السودان وفريق الخبراء الدوليين.
رد حكومي
تأتي هذه التطورات متضمنة تشديدا أمميًا من مجلس الأمن الدولي على ضرورة المضي قدمًا في عمل فريق الخبراء حتى سبتمبر 2021 مشيرا إلى أن الحالة في السودان لايزال يشكل خطرًا على السلم والأمن الدوليين. ويرى مدير إدارة السلام بوزارة الخارجية السودانية السفير حسن عبد السلام في مقابلة مع (عاين) أن مجلس الأمن اعتمد في 11 فبراير المنصرم قراراً بالرقم2562 (2021) جدد بموجبه تفويض فريق الخبراء المشكل بموجب القرار2591) (2005) وذلك بعد أن قدم هذا الفريق تقريره الختامي إلى لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن والمشكلة بموجب نفس القرار.
وأضاف عبد السلام : “يشمل تفويض فريق الخبراء ضمن أمور أخرى تقديم توصيات إلى مجلس الأمن لإدراج الكيانات والأفراد التى تعيق عملية السلام في قائمة الجزاءات”. وعما إذا كان قرار مجلس الأمن تطرق إلى مغادرة الحركات المسلحة الأراضي الليبية أشار مدير إدارة السلام بوزارة الخارجية السودانية السفير حسن عبد السلام إلى أن مجلس الأمن لم يشير إلى أسماء حركات سودانية في ليبيا نافيًا المعلومات المتداولة على المنصات الاجتماعية.
مخاوف الحركات من الذوبان
ويقول المختص في مجريات الصراع المسلح في إقليم دارفور سليمان بلدو في تصريحات لـ(عاين) أن مجموعات مسلحة بدارفور عديدة شاركت في الصراع المسلح بليبيا ومنها فصائل من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا والدافع لمشاركتها هو الحصول على تمويل وآليات تزيد من قدراتها القتالية لدعم أجندتها بالسودان.
ويضيف بلدو قائلًا : “وجود الفصائل المنتمية لحركات دارفور المسلحة وثقت له تقارير فرق الخبراء الاممين المكلفين بمراقبة الاوضاع بليبيا ودارفور هناك الآن عامل طارد لهذه القوات من ليبيا وهو توافق الأطراف الليبية على حل سياسي مدعوم دوليًا وتوصلها لاتفاق لوقف الاقتتال تنص بنوده على مغادرة كافة المجموعات المسلحة الأجنبية المشاركة في القتال وإلا تعرضت لعقوبات دولية.
وأردف سليمان بلدو : “من ناحية أخرى هناك عامل جاذب لعودة تلك الفصائل للسودان وهو توصلها لاتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية – ولذلك هناك مؤشرات قوية على أنها قد بدأت عملية العودة للسودان بالفعل للانخراط في تنفيذ التزاماتها تحت بنود الترتيبات الأمنية لاتفاقية جوبا”. ويشير سليمان بلدو إلى أن الحركات المسلحة لديها ثقة في الترتيبات الأمنية ووافقت على انخراط مقاتليها في صفوف القوات النظامية ضمن أربعة تشكيلات رئيسية هي القوات المسلحة والدعم السريع والشرطة وجهاز الأمن.
وتابع : “اتفاق جوبا أسس لقوات الدعم السريع قوة منفصلة عن القوات المسلحة ومن ناحية أخرى سعت الحركات المسلحة الموقعة على السلام للمحافظة على ذاتيتها بالنص على إلحاق مقاتليها كوحدات وليس كأفراد حتى لا يتم تذويب الحركات وهو ترتيب يؤمن لها البقاء وتنفيذ الاتفاق لكن السؤال هو ماذا سيحدث إذا تعثر اتفاق السلام”.
ويبدو أن المخاوف من انهيار اتفاق السلام وهشاشة الفترة الانتقالية جراء الازمة الاقتصادية وضعف القوى المدنية دعا مجلس الأمن الدولي إلى مراقبة اتفاق السلام بشكل لصيق عبر فريق الخبراء مخاوف وصلت إلى حد تصنيف الحالة في السودان بأنها تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.