خارطة طريق مبيكي: عندما يصبح الوسيط حليفاً للنظام
– شبكة عاين – ١١ ابريل ٢٠١٦ –
كان مساعد الرئيس ابراهيم حامد رئيس وفد الحكومة في المفاوضات مع المعارضة قد قال عقب توقيعه في أديس أبابا مع رئيس الآلية الأفريقية ثابو مبيكي في الثامن والعشرين من مارس الماضي “وقعنا اليوم رغم أن لنا بعض التحفظات، لكن الوفاق بين السودانيين أكبر من أي ملاحظات”، لكنه لم يكشف عن تلك التحفظات. ويرى مراقبون أن الخرطوم تلقفت خارطة الطريق التي وقعت عليها منفردة لتظهر بانها متعاونة مع المجتمع الأقليمي والدولي، ولاحراز أهداف في شباك المعارضة التي نظرت للخارطة بأنها منحازة إلى الجانب الحكومي، وقال رئيس الحركة الشعبية مالك عقار ان امبيكي قد انقلب عن موقفه.
امبيكي خطوة لتعقيد الأزمة السودانية
ويرى الكاتب الصحفي الحاج وراق أن خارطة الطريق التي قدمها مبيكي أعطت الحركة الشعبية دفعة قوية لتكسير هجوم المؤتمر الوطني على قواعدها، مرجعاً السبب في ذلك هو زيارة الأمين العام للحركة الشعبية لمقاتلي الجيش الشعبي في احلك الظروف. ويضيف وراق لـ(عاين) إن الاطار المباشر لخارطة الطريق المرفوضة من قبل قوى المعارضة، والحوار الوطني الفاشل يمكن قرأته من عدة زوايا أولها مدى تماسك الحركة الشعبية واستمتها خلال الهجوم من ثمانية محاور في جنوب كردفان. ثانياً الحملة الأمنية المسعورة التي يتعرض لها قادة الحركة الشعبية عبر الإعلام الحكومي ووصمهم بالمعزولين عن القواعد. ويقول وراق “لكن زيارة الامين العام للحركة ياسر عرمان إلى جبال النوبة عقب إنتهاء جولة اديس ابابا عكست بشكل إيجابي موقع القيادة وسط قواعدها“.
فيما يقول الباحث في معهد التنمية الافريقي في جامعة كورنيل الامريكية احمد حسين آدم إن ما حدث في اديس ابابا ليس بالأمر الجديد، لأن رئيس الآلية الافريقية ثامبو امبيكي ظل يقدم غطاءاً دبلوماسياً للحكومة السودانية لممارسة جرائم الحرب في كافة أرجاء البلاد ومنذ قرار مجلس السلم والافريقي (539) الذي حدد فترة (90) يوماً للحكومة السودانية للمشاركة في اللقاء التحضيري. ويضيف “لكن أين ذهبت هذه الفترة الممنوحة للخرطوم، واين الالتزام القانوني والأخلاقي للآلية الافريقية ورئيسها امبيكي الذي حول اللقاء التحضيري إلى الحوار الوطني الخاص بالحزب الحاكم في الخرطوم“.
ويرى آدم في حديثه مع (عاين) أن خطوة اديس ابابا ستعقد الأزمة السودانية اكثر لأن النظام – بحسب قوله – سيستغله كغطاء للابادة في كل من دارفور، جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، محملاً امبيكي مسؤولية ما يقع على عاتق السودانيين لتجازوه التفويض الممنوح له ومخالفته الأعراف والتقاليد الراسخة التي تحكم عمل الوساطات في العالم. وقد طالبت مجموعة الحقوق من اجل السلام بتعين آلية دولية لسلام السودان بدلاً عن الألية الافريقية التي اظهرت عدم الحياد.
امبيكي سوء خاتمة وسيرة ذاتية فاسدة
يعتقد المدير التنفيذي لمنظمة افريقيا العدالة (قطاع السودان) حافظ اسماعيل أن الوسيط الافريقي ثابو مبيكي قد فشل في إدارة ملف السودان ويقول لـ(عاين) إن مبيكي استلم ملف السودان لمعالجة قرار المحكمة الجنائية القاضي بتسليم رئيس الجمهورية عمر البشير، عقب إتهامه بجرائم حرب في دارفور عام 2009. ويضيف “منذ ذلك الحين طرح مبيكي عدد من المبادرات حول الملف السوداني ووقع على عدد من الإتفاقيات لم يتم تنفيذها بسبب بسبب تعنت النظام الحاكم“، وأبرزها الإتفاق الإطارئ الذي وقعته الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية (شمال) في العاصمة الاثيوبية أديس ابابا في الثامن والعشرين من يونيو 2011، الذي عرف بإتفاق (نافع – عقار) لايقاف الحرب بين الطرفين والتي إندلعت في الخامس من يونيو2011. وقد الغى الرئيس البشير اتفاق (نافع – عقار)، من داخل مسجد (كافوري) في الخرطوم بحري المخصص لعائلته وواصلت الحرب التي شملت ولاية النيل الازرق. ويقول اسماعيل “إن كان مبيكي يديرالشأن السوداني بعقلية الوساطة، لقدم إستقالته بعد إلغاء البشير وثيقة الإتفاق الإطاري ولكن عقلية الإستثمار كانت غالبة عليه لذاك لم يخرج من ملف السودان الا بوثائق يمكن أن تُتخذ كُتباً للادب“.
وعقد إسماعيل مقارنة بين كل من مبيكي، والوسيط الكيني الجنرال لازاروس سمبيويو، الذي كان وسيطاً في المفاوضات بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية في نيفاشا التي إنتهت بأتفاقية السلام (2005). ويقول إستطاع سمبيويو أن يُوظف دعم دول الترويكا (الولايات المتحدة، بريطانيا والنرويج) للخروج بسلام أنهى أطول حرب في القارة الأفريقية التي استمرت اكثر من (22) عاماً. ويتابع “في حين تردد مبيكي في إتخاذ مواقف حاسمة في تعامله مع القضية السودانية، لا سيما إنه يذهب إلى الخرطوم قبل إنعقاد كل جولة مفاوضات للوقوف على الموقف الحكومي“. ويعتقد كثير من السودانيين أن كل جولات التفاوض التي وصلت نحو (13) جولة كانت متواضعة بين أطراف المعارضة والحكومة السودانية، ويرى أن خارطة الطريق تعتبر بمثابة سؤ الخاتمة للوسيط الافريقي مبيكي في الملف السوداني. ويضيف إسماعيل “حتى الاطراف إذا افقت على مقترح مبيكي ووقعت على خارطة الطريق ذلك لن يحل أزمة السودان لضعف بنود المقترح“.
ويعتقد مراقبون من الذين تابعوا السيرة الذاتية للرئيس امبيكي بأن مواقفه غرضية، ويقول الدكتور عشاري أحمد محمود في مقال منشور له في موقع (سودانايل) “يمكن للقراء متابعة السيرة الذاتية الحقيقية عن مبيكي هنالك مواقف مبيكي مدفوعة الثمن في الدفاع كل مناسبة عن المجرمين في أفريقيا متابعة، أهم أجزائها في اليوتيوب Mbeki، ومنها الأرشيف الخاص به في السودان، خاصة سيرته ذات العلاقة بخريطة الطريق“.
فشل مبيكي فرصة لتوحيد قوى التغيير
يعتقد المدير التنفيدي لمنظمة (الديمقراطية اولاً) عبد المنعم الجاك إن التوقيع الأحادي بين رئيس الآلية الأفريقية ثابو مبيكي والوفد الحكومي حول خارطة الطريق بمثابة إعلان وفاة لمسار التفاوض بين الحكومة والمعارضة بكافة مسمياتها السياسية، وشهادة وفاة للحوار الوطني. ويقول الجاك لـ(عاين) إن خطوة مبيكي ستقود إلى توحيد قوى التغيير التي تضم القوى سياسية الراغبة في التغيير والحركات التحررية إضافة إلى المجتمع المدني والحركات الشبابية. ويضيف “توقيع مبيكي سيعزز عمل المعارضة بوضع اجندة التغيير الشامل وتوحيد آليات العمل بأخرى جديدة لإحداث التغيير“، وأوضح أن أطراف المعارضة ومبادرة المجتمع المدني غير ملزمة بإنفاذ ما وقعت عليه الحكومة مع امبيكي رغم الضغوط من بعض الأطراف الإقليمية والدولية والتي بدأت عقب التوقيع مباشرة. ويقول الجاك “هذه الضغوط ستتواصل من جهات عديدة ولكنها لن تجعل الأطراف التي رفضت أن توقع على خارطة الطريق“.
ويقول رئيس الحركة الشعبية مالك عقار لـ (عاين) إن مبيكي تماشت رؤيته مع رؤية الحكومة برفضه أن يقدم دعوة لقوى الاجماع للمشاركة في الإجتماع التشاوري، ويضيف “ثم قام بوضع خارطة الطريق على نهج نظام الخرطوم، في تقسيم المعارضة وتجزئة الحلول“. ويشير عقار إلى أن الآلية الأفريقية قد يكون لديها وجهة نظر أخرى لم تطلع عليها المعارضة، ويتابع “لكن في النهاية أصبحت نتيجة خارطة الطريق تتماشى مع موقف الخرطوم ولذلك نحن نرفضها ولن نوقع عليها مهما تكاثرت الضغوط علينا، لا سيما نحن في الحركة الشعبية“.
ويقول الدكتور عشاري أحمد محمود في مقاله ذاك إن مبيكي لم يكتف بخرق المعايير الثابتة للوساطة، بل إنه إستخدم وسائل الخداع لتمرير إنحرافه عن المعايير بأن كذب على المعارضة وأغفل متعمداً وقائع رأيها في وثيقة خارطة الطريق وفي الحوار. ويضيف محمود “وهو استبعد الوقائع الجوهرية للمعارضة من وثيقة خريطة الطريق، ثم دلَّس امبيكي على خداعه وانحرافه بأن بدأ ينشر المغالطات أثناء تصريحاته، وكان يكذب مجددا ويشوه الوقائع، وكذا بدأ يُنتج هراء عن أهمية الوصول إلى حل للحرب“.
وإزاء هذه التعقيدات التي خلفتها وثيقة خارطة الطريق يقول القيادي في المؤتمر الوطني الدكتور أمين حسن عمر في تصريحات سابقة له إن وفد حكومته لم يستعجل التوقيع على خارطة الطريق وانما كان ذلك بطلب من الآلية بالتوقيع على الوثيقة. ويرى عمر أنه لا يوجد شئ اسمه لقاء تحضيري معتبراً ذلك كان لامور إجرائية، واضاف لكن الأن يمكن لآلية الحوار الوطني (7+7) أن تجلس مع المعارضة لمناقشة القضايا الإجرائية والموضوعية.
ويصف المحلل السياسي أستاذ العلوم السياسية في جامعة ام درمان الاسلامية البروفيسور صلاح الدين الدومه وثيقة خارطة الطريق التي وقعت عليها الحكومة السودانية بعديمة القيمة. ويقول الدومه لـ (عاين) إن إعلام نظام الانقاذ قام بتضخيم رفض المعارضة التوقيع علي خارطة مبيكي بما يوحي للرأي العام كأن عقوبات من مجلس الأمن ومجلس السلم والأمن الأفريقي ستفرض على المعارضة السودانية فوراً، واضاف هذا غير صحيح، ويقول لقد فتح ذلك المجال لإتهام مبيكي بالتعجل غير المبرر والغرض والانحياز.
ويرى المواطن السوداني المهندس محمد عبد الرازق أن خارطة الطريق التي وقعت عليها الحكومة منحازة بالكامل إلى جانب النظام في اكثر النقاط حساسية، ويقول إن الوسيط عادة ما يعمل علي تجسير الهوة بين اطراف النزاع وتقريب وجهات نظرها لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً. فيما تقول الناشطة السياسية شاهيناز جمال إن سقف التفاوض لم يكن مرضياً وهو أقرب إلى التسوية السياسية. واضافت بان موقف القوى المعارضة من الحوار الوطني الذي جرى بالداخل كان واضحاً ولا يعقل دعمها الحوار الذي قام به النظام وإنتهى من مخرجاته، وترى أن ما قام به الوسيط الافريقي عقد الأزمة السودانية.