حوار “الوثبة” لجمع القصر مع المنشية
– شبكة عاين – ١٥ اكتوبر ٢٠١٥ –
لا يشك اثنان ان مؤتمر الحوار الوطني الذي بدأ اعماله السبت الماضي في الخرطوم ينحصر بين المؤتمرين الوطني الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير والشعبي الذي يتزعمه الدكتور حسن الترابي، في محاولة لاعادة توحيد الحزبين بعد (15) عاماً من الانشقاق وتوحيد الحركة الاسلامية السودانية، او ما يصبح يتندر به السودانيين بردم الجسر بين (القصر والمنشية) في اشارة الى البشير والترابي.
شعور بالاسى والاحباط من المواطنين
شعور بالأسف والأسى انتاب المواطن السوداني بسبب عقد مؤتمر الحوار الوطني للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد الى جانب رفض قوى رئيسية من المشاركة في الحوار، رغم الدعوات الجادة بضرورة تأجيله إلى حين تنفيذ مطلوباته، للدرجة التي دفعت (الخال الرئاسي) الطيب مصطفى، رئيس منبر السلام العادل، ان يقول في صحفته على “فيس بوك”: “للأسف خابت توقعاتي كُلها تقريباً، واتضح إني كنت أحلم.. يبدو أنني متفائل أكثر من اللازم.. يا حسرتاه”، حسرة (الخال الرئاسي) قابلتها حسرات أخرى في الشارع العام من انطلاقة الحوار بسبب غياب اللاعبيين الحقيقيين من القوى السياسية الأخرى، والحركات المسلحة.
وتقول بائعة الشاى ربيعة خميس لــ(عاين)، إنها سمعت بالحوار وأبدت أملاً في مُشاركة الحركات المُسلحة لتنعم ديارها في دارفور بالسلام، لكنها قالت إن الحوار بصورته الراهنة لن يُقدِّم حلولاً جذرية للأزمة السودانية، وأوضحت أن الحوار الحقيقي يتطلب تقديم تنازلات جدية من الحكومة لانخراط كافة أبناء السودان في مجريات الحوار دون عزل أو إقصاء لأحد.
وفي تعليقه على الحوار الوطني، يقول، حيدر إبراهيم علي مدير مركز الدراسات السودانية في القاهرة، إن البلاد يحكمها نظام “مُستهبل”، ويشير إلى أن الغرض من مؤتمر الحوار الذي سيستغرق ثلاثة اشهر من الانعقاد هو وحدة الإسلامويين في السودان، المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي والمؤتمر الوطني الحاكم بالإضافة إلي محاولة جر بعض الحركات المُسلحة لمزيد من زرع الخلاف بينها، وأضاف أن من يُحكم السودان الآن هو جهاز الأمن بعد أن أقصى الرئيس البشير السياسسين المُقربين أمثال، علي عثمان محمد طه، ونافع علي نافع.
تكرار الوعود دون تنفيذها
بعد مرور (21) شهراً تقريباً على مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها البشير تتجلى المُفارقة في أن الحوار عوضاً عن خلق وفاق وطني فانه فاقم الانقسامات السياسية، وقد اعلن البشير استعداده لتطوير المرسوم الجمهوري الأخير بوقف العدائيات لمدة شهرين إلى وقف دائم لإطلاق النار شريطة إبداء الأطراف الأخرى رغبة في السلام، كما انه وجه في فاتحة جلسات المؤتمر باتاحة الأنشطة السياسية للاحزاب وفتح الباب أمام العمل الإعلامي الحُر لخدمة أجندة الحوار الوطني، وكرر دعوته لمعارضيه للانضمام إلى طاولة الحوار الوطني، قائلاً: “إن الباب لن يوصد أمام أحد”.
لكن المتحدث الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل محمد ضياء الدين يقول لـ(عاين) إن حديث البشير المكرر عن العفو عن المعتقلين وإطلاق سراحهم صار أمراً ﻻ قيمة له، إذ جرت العادة بعد إطلاق سراح المعتقلين السياسين نتيجة (المكرمة الرئاسية) أن يتم إعتقال آخرين، لذلك مطالبنا ليس بإطلاق سراح المعتقلين فحسب بل بإلغاء القوانيين المقيدة للحريات العامة التي تبيح الإعتقال وتحجر على العمل السياسي وأن تلتزم الدولة ومؤسساتها الأمنية خاصة بالحريات التي يكفلها الدستور، لا سيما أن معتقلات الأمن ما زالت تضم عدد من المعتقلين ومن ضمنهم الرفيق المهندس بابكر موسى عيسى (معتمد) وكذلك الأمر بخصوص حرية العمل السياسي والإعلامي.
وبعد الانتهاء من الجلسة الإفتتاحية، حرصت (عاين) على استطلاع أراء المواطنين في الشارع العام، ويقول المُهندس الهادي أحمد خليفة، يشير في حديثه لــ(عاين)، إلى أن البشير، سبق وأن قدَّم وعود كثيرة بشأن السلام وإنهاء الحرب، لكنه دائماً ما تذهب وعوده أدراج الرياح، ونوَّه إلى أن طائرات “السوخوي، والأنتنوف” ما زالت تدك الأبرياء العزل في النيل الأزرق، وجنوب كردفان، رغم إصدار المراسيم الجمهورية المُتعلقة بوقف إطلاق النار تهيئة لمناخ الحوار، مؤكداً أن الحكومة ليست جادة في الدعوة للحوار، وتحاول شراء الوقت، لتثبيت أقدامها في الحكم لسنوات مُقبلة.
غياب اقليمي ودولي في الجلسة الافتتاحية
من جانبه يعود محمد ضياء الدين ليقول، إنه بعد الإستماع لخطاب البشير في إفتتاح ما يُسمى بمؤتمر الحوار الوطني: ” تأكد للجميع ما كنا نصرح به دوماً بأن النظام الديكتاتوري ليس حريصاً عن إيجاد أي مخرج وطني سلمي ﻷزمة البلاد عبر ما يُسمى بالحوار الوطني المزعوم”، ويضيف: “لقد خيب خطاب البشير وأسقط آمال ورهانات البعض الذي كان يأمل ويراهن علي مخرج يأتي عبر حوار يقودة المؤتمر الوطني.”
أما الطالبة هبة دفع الله تقول في حديثها لــ(عاين) إنها توقعت مشاركة القوى السياسية ذات الاعتبار لكنها آمالها ارتطمت بالسراب، وأكدت أن الحوار بصورته الحالية لن يمضي إلى الأمام، ولن يثمر عن حلول موضوعية لمشاكل السودان، وأشارت إلى ضرورة تلبية رغبات الرافضين والذهاب إلى أديس أبابا لعقد المؤتمر التحضيري، ليكون الحوار شاملاً لكل أهل السودان.
واللافت ان الحضور الدولي والاقليمي كان ضعيفاً فيما عدا حضور الرئيس التشادي ادريس ديبي والامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، بل ان رئيس الآلية الرفيعة التابعة للاتحاد الافريقي رئيس جنوب افريقيا السابق ثابو مبيكي لم يشارك بالحضور، مما دفع وزير الخارجية ابراهيم غندور من التوجه اليه كما لم يشهد انطلاق الحوار أي ممثل للإتحاد الأفريقي، أو ممثل لدول الجوار كجنوب السودان، إرتريا، أثيوبيا، مصر أو غيرها.
تحذير من حدة الانقسام وعرقلة المؤتمر الدستوري
وحذرت الحركة الشعبية “شمال” على لسان امينها العام ياسر عرمان في حديث مع (عاين) من عرقلة المؤتمر القومي الدستوري بقيام مؤتمر الحوار الوطني، ويرى عرمان ان المؤتمر سيقضي على فرصة الحل السياسي الشامل وسيعزز الانقسام في البلاد.
وقد رفضت قوى الجبهة الثورية المشاركة في الحوار رغم ذهاب الرئيس التشادي ادريس ديبي لقادة الحركات المسلحة والتي تقاتل الحكومة في دارفور، لكن القادة الذين انشقوا عن الحركات الرئيسية رافقوا الرئيس ادريس ديبي الى الخرطوم ومنها بينهم ابو القاسم امام الحاج رئيس حركة التحرير القيادة الثورية والطاهر حجر رئيس حركة تحرير السودان (الوحدة) اكد القادة على ان الحوار منفصل عن المفاوضات، كما قاطع تحالف القوى الوطنية الذي يضم حركة “الإصلاح الآن”، منبر السلام العادل، حزب التضامن، وتحالف قوى الشعب العاملة، مؤتمر الحوار.
وقد دعا محمد ضياء الدين الى إسقاط الأحكام الصادرة بحق المحكومين السياسين وقادة الحركات المسلحة، وإطلاق سراح الأسرى، عبر إجراءات مشتركة مع الحركات المسلحة، والأهم من هذا وذلك الإعلان عن فتح ممرات آمنة عاجلة لإغاثة المنكوبين جراء الحرب، ورأى أن خطاب البشير لم يتطرق لأي إشارة للإشتراطات التي تقدمت بها المعارضة من أجل تهيئة مناخ الحوار، بل قد تجاهلها بما يعني رفض النظام لشروط المعارضة، وإصراره على المضي قُدماً على ذات نهجه الدكتاتوري.
المواطنون في مناطق النزاع : حوار النظام لا جديد فيه
من جهته يقول المحلل السياسي مهدي زين لـ (عاين)، إن مطالب المعارضة في اجراءات الحوار الوطني وطنية وصادقة، وهي لا تخيف إلا لوردات الحروب، والديكتاتوريين الفاسدين الذين يصرون على بقاء دولة الحزب الواحد الذي يهيمن على كل شئ، ويضيف : “ولذلك أيضاً كان رأي المعارضة واضحاً، خاصة حول رئاسة المؤتمر بان البشير لا يصلح لرئاسة أي حوار جاد وهادف ومثمر وبناء” ويعتقد ان المعارضة كانت محقة وتأكد ذلك في ان الحوار يدخل نفقاً مظلماً، وأوضح أن النظام كان يراهن على انقسام المعارضة، ويقول “ولكن الواقع يشير الى إن المعارضة لعبت بذكاء وبحس وطني”، ويعتقد ان المعارضة التي وضعت شروطها او حتى الاطراف التي لم تشترط اجتمع هدفها باسقاط النظام عبر الانتفاضة الشعبية.
ويرى المواطنون في مناطق النزاع (دارفور، جنوب كردفان والنيل الازرق) ان الحوار الوطني الجاري الان لن يحدث اي نقلة نوعية في الدفع بعملية السلام الشامل بالبلاد، ويعتقد العمدة ابو شوتال من النيل الازرق، ان الحوار الوطني ولد ميتاً، بعد المقاطعة الواسعة من القوى السياسية الرئيسية في السودان، ويقول “هذا الحوار لا يحمل في طياته جديد يذكر،بالنسبة للمواطنين في مناطق الصراع لان الاوضاع تسير الى الاسوأ” ويشير الى ان الحكومة لم تستطع انهاء الخلاف بالقوة وان الحركة الشعبية لم تعد قادرة على المضي قدماً في انهاء النظام بالقوة العسكرية، ويضيف “من يعاني هو المواطن الذي يتحمل وزر كل ما يحدث” ويطالب ابو شوتال خلال اتصال مع (عاين) الحكومة السودانية بالجدية في الحوار الوطني، وذلك عبر إستهدافها للمكونات ذات الثقل الجماهيري والعسكري، للوصول الى وقف الحرب وبدء العملية السلمية، متهماً النظام الحاكم بانه ما زال يراوغ، ويقول “الحكومة دعت اطراف يمكن ان نسميها (تمومة جرتق) وهذا امر غير مقبول”.
حوار الحلول الامنية والعسكرية
ويعتقد الدكتور على النور ان الحوار الوطني ما هو الا اعادة التحالف بين الاسلاميين لأجل الاستمرار في السلطة، ويؤكد لـ(عاين) عبر الوسائط بان ما سيخرج به الحوار لا يمثل مناطق النزاع المسلح لان المواطن بجنوب كردفان لا يرى ان هناك مادة جديدة تضاف الى مأدبة عشاء البشير، ويقول ان القصف الجوي ما زال مستمراً اثناء جلسات الحوار وان ذلك يؤكد ان الاسلاميين يواصلون نهجهم في الحل الامني والعسكري والمواصلة في نهب ثروات البلاد، ويضيف “اجراء الحوار والاستمرار في القصف الجوي والعمليات العسكرية مسالة مقصودة لاقصاء الاخرين وهذه سياسة الامر الواقع”.
ومن جهته يكشف سكرتير الاعلام في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحركة الشعبية بجنوب كردفان جاتيكو اموجا دلمان عن حشود عسكرية من قوات الحكومة ومن اسماهم بالمرتزقة قد وصلت الى مدينتي كادوقلي في جنوب كردفان والدمازين في النيل الازرق مع بدء الحوار الوطني، ويقول على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي “حليمة النظام ستعود الى قديمها” ويؤكد ان عمليات القصف الجوي على عدد من البلدات ما زالت مستمرة أثناء جلسات الحوار، ويقول “نحن في الحركة الشعبية على اتم الاستعداد لاستقبال ضيوفنا الجدد من قوات النظام وفلول المرتزقة “.
محاولات لاختراق الادارة الاهلية لاشراكها في الحوار
هذا الحوار لا يعنينا في شئ، لأن كثرة الحديث لن تحل قضايا السودان المعقدة ، بهذه الكلمات يقول بكري يوسف زايد لـ (عاين) من معسكر الحصاحيصا للنازحين في ولاية وسط دارفور، ويرى ان من يتحدثون انابة عن المهمشين في الحوار لا يمثلون الا انفسهم، ويكشف عن خطة تقودها حكومة ولاية وسط دارفور، لالحاق بعض قيادات الإدارة الأهلية بمؤتمر الحوار الوطني، حيث اعلنت حكومة الولاية عن تنظيم ورشة في الفترة من (8 نوفمبر الى 11 نوفمبر) المقبل لتطوير دور الادارة الاهلية، ويقول “لكن الهدف من ذلك هو احداث إختراق داخل الادارة الاهلية في معسكر الحصاحيصا، وادارة المعسكر ترفض الحوار الوطني وهي تعبر عن رأي غالب النازحات والنازحين” ويضيف “ليس هناك منطق ان تستمر الحرب وتتم الدعوة لحوار وطني”، ولكنه يشير الى ان الحكومة ستسعى الى تجنيد آخرين لتمرير اجندتها.
ومن جهتها ترى اللاجئة حواء بخيت، من معسكر اللاجئين في (بريجن) شرق تشاد ان الحوار الجاري لن يقود الى حلول في دارفور، وتقول لـ(عاين) ان السلام يتحقق بعودة النازحين واللاجئين لمناطقهم الاصلية، بدلا عن توطينهم في معسكرات النزوح واللجوء وطرد المستوطنين الجدد، منتقدة مشاركة بعض القيادات من امثال ابو القاسم امام في جلسة الحوار، وتضيف “هذا الحوار لن يقود الى نتائج ايجابية ولن يتحقق السلام عبره”.
ويتفق الناشط والي الدين سليمان في حديثه ل(عاين) مع ما ذهب اليه الاخرين بفشل الحوار وان نتائجه لن تعبر عن القضايا الجوهرية للبلاد، وأن المشاركين فيه هم من الاحزاب التي صنعتها الحكومة، ويقول ان الحوار ظهر ومنذ الجلسة الافتتاحية بانه غير ديموقراطي بالزجرة التي خرجت من البشير لاحد اعضاء المؤتمر، فيما يصف المحامي عيسى كمبال حوار (الوثبة) بالمسرحية الهزلية وانها تشبه عملية الانتخابات التي جرت في ابريل العام الماضي التي قاطعها الشعب السوداني بشكل كبير، ويقول ان الحوار الجاري يخص الحزب الحاكم والحركة الاسلامية، ويضيف “الشارع السوداني لم يولي هذا الحوار اي اعتبار لانه زهج من هذه المسرحيات”.