تقرير مصير دارفور: طرح قديم في قالب جديد

 

تقرير مصير دارفور: طرح قديم في قالب جديد

– شبكة عاين – ١٤ سبتمبر ٢٠١٥ –

لم يكمل اقليم دارفور المئة عام منذ انضمامه الى الدولة السودانية في شكلها الحالي ، حيث انضم الاقليم في العام 1916 عقب هزيمة السلطان علي دينار من قبل الحكم الثنائي الانجليزي – المصري (1899-1956 ) ، وكانت دارفور المستقلة آنذاك قد تحالفت مع المانيا وتركيا في الحرب العالمية الاولى (1914-1918 ) ، وقد رأت بريطانيا العظمى ان وجود هذه السلطنة مستقلة بذاتها خطر على مستعمراتها ، وظل هذا الاقليم يحكم بطريقة مختلفة عن باقي اقاليم السودان حتى بعد استقلاله ، بل لم يشهد استقراراً الا في اوقات قليلة طوال الـ (60 ) عاماً عمر استقلال البلاد ، غير ان الحرب الاهلية الدائرة منذ العام 2003 تعد هي الاكثر شراسة وعقدت الاوضاع برمتها ، لا سيما جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبت في حق السكان ، حيث قتل ما لايقل عن (300 ) الف مواطن بحسب احصائيات الامم المتحدة وتشريد اكثر من مليوني شخص .

تلك هي الصورة الان في دارفور ، مما جعل بعض القيادات السياسية في الاقليم تطالب بحق تقرير المصير ، ولا تعتبر دعوة رئيس فصيل حركة تحرير السودان مني اركو مناوي هي الاولى ، بل وقد كانت الدعوة قبل استقلال جنوب السودان بعامين من الدعوة التي اطلقها الدكتور شريف حرير ، ولكن الجدل الواسع الذي خلفته دعوة مناوي لها اسبابها الموضوعية ، حيث تعتبر هذه المرة ان الدعوة صدرت من زعيم لحركة كبيرة تحمل السلاح ، غير ان الفكرة الرئيسية تؤكد ان الدولة السودانية فشلت في تحقيق قوميتها وتلبية احتياجات الاقاليم المهمشة في العدالة والمساواة والتنمية المتوازنة ، وكل ذلك قاد الى اشعال الحروب في كثير من اراضي االبلاد .

اراء مختلفة حول تقرير المصير

هناك راي اخر يعتقد ان الحركات التي تحمل السلاح في دارفور فشلت في تحقيق انتصارات عسكرية على الارض كما ان فشلت في الوصول الى تسوية سياسية بمخاطبة جذور الازمة ، ويشير هؤلاء الى اتفاقية ابوجا التي وقع عليها مني اركو مناوي في العام 2006 غير انه اصطدم بواقع اخر ما دعاه للخروج في العام 2010 من القصر الرئاسي الذي كان فيه كبير المساعدين للرئيس عمر البشير ونفض يديه من الاتفاقية والعودة الى الحرب مرة اخرى ، والاخرى اتفاقية الدوحة لسلام دارفور والتي تم التوقيع عليها في العام 2011 بعد فشل الاتفاقية الاولى  وخروج مناوي ، وهذه الاتفاقية التي وقعتها حركة التحرير والعدالة مع الحكومة السودانية ، تشهد ايضاً تجاذبت بعد الانشقاق الكبير الذي حدث في الحركة والتي هي في الواقع حركة قام بصناعتها المبعوث الامريكي السابق اسكوت غرايشن في العام 2010 قبيل توقيع اتفاق الدوحة .

ويرى فريق ثالث ان دعوة تقرير المصير يجب ان تشمل كل اقاليم السودان باعتبار ان هذا الحق نص عليه ميثاق الامم المتحدة ، غير ان هذا الراي ينظر الى ان مناوي لا يمثل الا نفسه ، رغم ان الرجل قد ذكر ذلك ، ولكن السؤوال الان : اذا انفصل اقليم دارفور عن باقي السودان ماذا سيكون مصير هذا الشعب مع التناحر الذي يشهده الاقليم بين مكوناته الاثنية ؟ ، وهل يمكن ان يشهد الاقليم في حال انفصاله ذات ما يحدث الان في جنوب السودان الذي انفصل قبل اربعة اعوام عن السودان ووقع في براثين الحرب الاهلية مع دخول الدولة عامها الثالث من الاستقلال ؟ ، والسؤوال الاهم : هل سيظل باقي السودان كله موحداً في ظل استمرار نظام الرئيس عمر البشير ؟  

ويقول رئيس حركة تحرير السودان مني اركو مناوي لـ (عاين ) ان مطالبته بحق تقرير المصير الذي اثار جدلاً في الاونة الاخيرة نصت عليها مواثيق حركته تحت بند الوحدة الطوعية ، غير انه وضع اربع خيارات عند ممارسة هذا الحق عبر الاستفتاء وهي : ” الخيار الاول ان تنشأ دولة مستقلة بحدودها عبر استفتاء شعب دارفور ، والثاني قيام اقليم موحد في دولة فيدرالية ، والثالث ان يكون الاقليم ضمن دولة كونفدرالية والخيار الاخير ان تبقى دارفور ضمن السودان في اطار حكم ذاتي ” .

مني اركو يدعو الى تقرير مصير كل السودانيين

ويشدد مناوي على ان المناداة بحق تقرير المصير لا يعني اطلاقاً الانفصال عن الدولة ، ويقول ” حق تقرير المصير حق انساني مشروع وتنص عليه مواثيق الامم المتحدة ويجب ان يتم تضمينه في دستور البلاد كاساس للوحدة الطوعية” ، داعياً ممارسة حق تقرير المصير لكافة اقاليم البلاد لكي تختار كل الشعوب السودانية شكل الحكم والدستور ، ويقول ان الوحدة الطوعية موجودة في كثير من المواثيق التي وقعتها الاطراف السودانية سواء في المعارضة او الحكومة بدءاً من اتفاقية اديس ابابا بين حكومة الرئيس الاسبق جعفر نميري (1969-1985 ) مع الثوار في جنوب السودان 1972 ، واتفاقية السلام الشامل بين حكومة الرئيس عمر البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان 2005  واتفاقية القاهرة بين التجمع الوطني المعارض وحكومة الخرطوم 2005 واتفاقية ابوجا العام 2006 بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان التي اقودها ” ، ويتابع ” حتى التجمع الوطني الديموقراطي المعارض في مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية وضع نصاً واضحاً حول الوحدة الطوعية وحق تقرير المصير ” . ويعتقد مناوي ان من ينتقد الذين يدعون الى  ممارسة حق تقرير المصير بانهم انفصاليين لا يقرأون التاريخ ، ويقول ” واذا قرأوا التاريخ فانهم ينكرونه وهذه مشكلتهم هم وليست مشكلتنا “، ويشير الى ان شعب جنوب السودان اختار الانفصال بسبب رفض النظام الحاكم في الخرطوم تنفيذ اتفاقية السلام بشكل شفاف وجعل الوحدة جاذبة بحسب ما نصت عليه الاتفاقية ، ودعو الى تغيير جذري في هيكل الدولة الحالية التي وصفها باالفاشلة ، ويقول ” الدولة التي ندعو اليها يجب ان تعبر عن كل السودانيين وليس لجهة او ثقافة او حزب والا تخضع لفئة معينة وان تكون الوحدة الطوعية لكل الشعوب السودانية في كيفية اختيار شكل الحكم وطريقة ادارة الدولة ” ، ويرى ان المجتمع السياسي السوداني في الحكومة والمعارضة ظل يقاوم ان قومية الحركات المسلحة بسبب وجود عضوية من هذه المناطق في الاحزاب التقليدية والحديثة .

غير ان القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم دكتور ربيع عبدالعاطي يرى ان دعوة مني اركو مناوي عن تقرير المصير تمثل رأي فرد ، ويقول عبد العاطي لـ (عاين ) ان شعب دارفور لن يقف مع فكرة مناوي وانها غير منطقية ولا تتماشى مع انسان الاقليم الذي يؤمن بوحدة التراب السوداني ، ويشير الى ان الحركات المسلحة لا وجود لها على ارض الواقع ، ويرى ان دارفور تختلف عن قضية جنوب السودان .

غير ان بكري زالنجي من معسكر الحصاحيصا في ولاية وسط دارفور يقول لـ(عاين)، ان الغبائن التي سببتها الحرب الاهلية لاكثر من اثنتي عشر عاماً كانت السبب وراء عودة طرح حق تقرير المصير ، ويشير الى ان الفكرة وجدت قبولاً من السكان خاصة في معسكرات النازحين الذين اصبحوا يمثلون ثلث الاقليم .  

تحذير من تفتيت ما تبقى من السودان

غير ان الباحث في المعهد الافريقي بجامعة كورنيل في الولايات المتحدة الامريكية احمد حسين ادم يرى خلال حديثه لـ (عاين ) ان  القرن الحادي والعشرين شهد اول ابادة جماعية بعد جريمة الهولوكست التي شهدها القرن السابق له ، ويقول ان جرائم الابادة الجماعية وجرائم الحرب ما زالت مستمرة في اقليم دارفور وان ذلك يمثل وصمة عار في جبين الانسانية ، ويؤكد ان الابادة في دارفور تشهد تطورات وفصول جديدة بمشاركة مليشيا الدعم السريع بقيادة حمدتي والذي يجد دعماً من النظام ، محذراً من ان انفصال اقليم دارفور سيقود الى تفتيت كل السودان ، غير انه عاد ليؤكد ان من حق السودانيين المطالبة بحق التقرير باعتباره حقاً سياسياً وقانونياً بموجب القانون الدولي ، ويقول ان شعب دارفور لم يطالب بحق تقرير المصير لانهم لا يمثلون اقلية ، ، ويقول ” انسان دارفور سيناضل مع بقية السودانيين من اجل التغيير ” .

ويعتقد آدم ان القضية الجوهرية تبدأ بمخاطبة القضايا الاساسية ومواجهة آثار الرق التي صاحبت تاريخ السودان القديم والحديث ومسالة الهويات السودانية لاستيعاب التنوع والتعدد ، ويرى ان بناء امة في هذا البلد لم تبدأ منذ الاستقلال والى تاريخ اليوم ، ويضيف ان الحل الشامل يبدأ بتقديم مشروع وطني جديد لان السودان لن يستمر بهوية ترتكز على العروبة وحدها ، ويشدد على ان النظام  المركزي في الخرطوم قائم على العنصرية ويمكن ان يوصف بالانفصالي .

ويوضح الباحث الاكاديمي احمد حسين ان حق تقرير المصير اكاديميا نوعين خارجي وهو المرتبط بفترة الاستعمار في حق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها وخار الناحية الاكاديمية هناك نوعين من تقرير المصير،تقرير المصير الداخلي وتقرير داخلي يرتبط في حق مجموعة سكانية ترى انها مضطهدة ثقافياً ، عرقياً او دينياً الى جانب ممارسة حق التقرير بشكله السياسي عبر استفتاء الشعب مباشرة ،  المصير الخارجي ، الداخلي مرتبط بفترة الاستعمار باعتباره حق قانوني لكل الشعوب المستعمرة لها الحق في تقرير مصيرها ، اما الداخلي هو الذي يعطي للاقليات المضطهدة ثقافيا وعرقيا ودينيا،وكذلك هناك تقرير اخري تقرير المصير السياسي بالاستفتاء الشعبي او الانتخابي .

حق تقرير المصير تحتاج الى دراسة

يرى المحلل السياسي عبدالله ادم خاطر ان طرح موضوع تقرير المصير في الوقت الراهن يعبر عن حالة احباط بسبب عدم تحقيق مشاريع نادت بها حركات المقاومة المسلحة ، ويقول ” هذا الحق يحتاج الى شروط والمناخ الدولي كان له دور كبير في توقيع اتفاقيتي ابوجا والدوحة ” ، ليعود ويضيف ” المسألة تحتاج الى دراسة عميقة ، والاجابة على اسئلة كثيرة منها : هل افضل لدارفور العيش في اطار السودان الواحد ام تتجه نحو الانعزال والبقاء في اطار ضييق ؟ وهل هي رغبة كل الاقليم ام مجموعة معينة ؟ ” ، فيما يعتقد المحلل السياسي النذير احمد دفع الله ان القضية السودانية مرتبطة بمسالتي المركز والهامش ، لكنه لا يرى ان يتجه الناس الى المطالبة بحق تقرير المصير لان دارفور جزء اصيل من المكون السوداني ، ويشير الى ان استقدام سكان جدد غير من الجغرافية السكانية وان هذا يمثل خطراً داهماً ، ويقول ” النظام سيفرح كثيراً اذا اتجه شعب دارفور للمطالبة يحق تقرير المصير لانه يريد ذلك “.

بينما يرى محمد عبدالله باقان في حديثه لـ (عاين ) ان حق تقرير المصير مكفول لكل شعوب العالم ، لكنه يرفض الفكرة رغم الاوضاع السيئة في دارفور ، وتساءل ” هل تقرير المصير سيوقف نزيف الدم في الاقليم ؟ وكيف سيتم تنفيذ ذلك مع النسيج الاجتماعي المتهالك والذي يواجه حرب الكل ضد الكل ؟ وما مصير ابناء دارفور الذين يقيمون في ولايات الحزيرة ، سنار والقضارف والشمالية ” ، ويقول ان شعب دارفور يمثل ثقل سكاني وموجود في اقاليم البلاد المختلفة ، داعياً الى الاعتراف بالاخطاء التاريخية والراهنة لمعالجة الازمة من جذورها ، ويشيرا الي ان السلام الاجتماعي المؤدي الي التسوية الشاملة  سيجد القبول الواسع ولكن ليس عن طريق التسوية الاثنية .