تعابير رافضة للإنقاذ
٤ أكتوبر ٢٠١٣
بعد وصول المؤتمر الوطني إلى السلطة فى العام ١٩٨٩ بدأت المواجهة بين نظام الرئيس عمر البشير وتيار واسع من السودانيين بمختلف مشاربهم الثقافية بطرق مختلفة. منهم من فضل تصعيد حملة اسقاط النظام عبر الوسائل السلمية. خاصة المثقفين من أبناء السودان. أمثال الأديب الطيب صالح الذي عنون مقالته المشهورة “من أين أتى هؤلاء؟”. هذه التعابير الرافضة لنظام الحكم بدأت في تزايد إلى أن ارتفعت وتيرة الاحتجاج إلى درجة مواجهة القادة السودانيين واتهامهم بارتكاب جرائم بطريقة مباشرة. هذه الأحداث تعبر عن الرفض الواسع لقطاع كبير من السودانيين لما يسمى بنظام “ثورة الإنقاذ الوطني” منذ قدومه للسلطة وحتى يومنا هذا، وهو ما يؤشر إلى اتساع رقعة الانتفاضة التي تزداد موجاتها. في هذا التقرير نستعرض بعض الأحداث والشخصيات التي تحدت سلطة الحكومة السودانية في مواقع مختلفة.
“الحس كوعك واطلع برا” – الشعب
في يوم ٢٨ سبتمبر ٢٠١٣، وبعد تشييع الشهيد صلاح سنهوري، الذي قتل أثناء المظاهرات التي اندلعت نتيجة قرار الحكومة لرفع أسعار المحروقات. حضر د. نافع علي نافع، مساعد رئيس الجمهورية، إلى صيوان العزاء لتقديم واجب العزاء، ولكن الجموع تصدت له بعبارات كان قد سبق أن تحدى بها الشعب السوداني : “الحس كوعك واطلع بره بره بره”. وتمت ملاحقته إلى أن امتطى سيارته وغادر المكان.
تكذبون وتصرون – بهرام عبد المنعم
في يوم ٣٠ سبتمبر ٢٠١٣، وفي خضم الغضب الجماهيري وانتشار حالة من الحزن بسبب ضحايا مظاهرات سبتمبر. نظم كل من وزير الداخلية إبراهيم محمود، ووزير الإعلام أحمد بلال عثمان، مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع والي ولاية الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر. تم من خلاله التقليل من حجم المظاهرات. وصلت لحد أن قيل عن صور الضحايا أنها صور لمظاهرات خرجت في مصر، واعترف وزير الداخلية بالتظاهرات لكنه قلل منها في تناقض واضح. حتى هاجم الصحفي بصحيفة “اليوم التالي” بهرام عبد المنعم، المنصة بسؤاله: “لماذا تصرون على الكذب ؟” فحاول الوزير اسكاته بالقول : “خليك مؤدب وأسأل سؤالك!” فواصل بهرام : “كل الدلائل والقرائن تدل على أن الذين ماتوا ماتوا بقناصة مليشيات المؤتمر الوطني بارتداء زي مدني السؤال لماذا تصرون على التمسك بكراسي الحكم فوق أرتال الشهداء ودماء الأبرياء”.
إهانة نافع – محمد حسن عالم بوشي
فى العام ٢٠١١ قام تنظيم “الطلاب الإسلاميين الوطنيين” بجامعة الخرطوم بعقد ندوة استضاف فيها القيادي بالمؤتمر الوطني والاستاذ السابق بجامعة الخرطوم د. نافع علي نافع، واصطحب تقديمه مدح مبالغ فيه من مقدم الندوة. بعد اختتام نافع لحديثه الطويل عن رفاهية الشعب السوداني فتح باب النقاش مع الحاضرين من الطلاب، فقام المهندس محمد حسن عالم بوشي بمهاجمة نافع قائلاً : “لو كانت الدرجة العلمية دي أخذها في زمن الإنقاذ ما كان قلناها ليهو زاتو .. الشعب السوداني له فضل في أنو إنت قريت على حساب الشعب السوداني وأكلت على حساب الشعب السوداني في الداخليات وأخدت درجة الدكتوراه من جامعة الخرطوم على حساب الشعب السوداني الإنت حرمتو أبسط حقه، والتحية للشهيد محمد عبدالسلام اللي عشان المرتبة جريتوهو من داخلية النصر والزول الكتلو اسه معتمد في الدولة الاسمها السودان… اللي جر محمد عبدالسلام من الطابق الرابع بي راسو لحدي الواطة وكتلتوهو وبتتكلموا عن الأخلاق والإسلام ؟ والله الإسلام بريء منكم براءة الذئب من دم ابن يعقوب… لكين بنقول إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، النعمل فيهو ده كله كلام فارغ مسألة أنه نخش ليك ونناقش ونثبت ليك أنه أنت كعب، والمصحف الشريف إنت مقتنع بي جوة نفسك إنك أسوأ من وطئت قدماه الثرى… وأكثر إنسان ضيع الحقوق في البلد دي لكن الكلام ما مفيد النهاية والفيصل بيننا وبينك الشارع السوداني”.
الديوس – الحاج وراق
فى العام ٢٠١٠ بعد انسحاب مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان لرئاسة الجمهورية ياسر عرمان وما نجم عن ذلك من ارتباك سياسي في أوساط مؤيديه. قام الأستاذ الحاج وراق بصياغة مقال تم نشره فى صحيفتي أجراس الحرية ورأي الشعب تحت عنوان: “القائد الحق لا يموت ديوس”. وصف من خلاله النظام بالعاهر، وأن كل من يساعد نظام الإنقاذ في إنجاح الانتخابات وإمداده بالشرعية والاستمرارية فكأنما هو ديوس (الذي يمارس القوادة للعاهرات). فقام جهاز الأمن السوداني بفتح بلاغ ضده تحت مواد كفيلة بإيداعه في السجن لعشرات السنوات، وشهدت جلسات محاكمته حضور جماهيري كثيف. كاد أن يتحول إلى مظاهرة لكثرة الهتافات أمام محكمة الخرطوم شمال.
استقالة وزير – عبدالله تية
فى العام ٢٠١٠ بعد تشكيل الحكومة المشتركة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وتكليف عضو الحركة الشعبية عبدالله تية بتسيير حقيبة وزارة الصحة الاتحادية. اكتشف تية بأن هنالك أمور كثيرة كانت تسير فى الوزارة دون معرفته، فبدأ بمحاولة مسك ملف الفساد بوزارة الصحة بمساعدة وزير الدولة للصحة د.حسب الرسول، ولكن رئاسة الجمهورية استبقته بإقالة د.حسب الرسول ووكيل الوزارة وتمت إقالته وقفل الملف.
بعد ذلك بأيام قامت رئاسة الجمهورية باقالة مدير إدارة الصيدلة والسموم وتعيين مدير دون علم وزير الصحة الإتحادي عبدلللع تية، فلم يتوانى تية فى تقديم استقالته في مؤتمر صحفي، وكانت هذه أول بادرة من نوعها، فحاول بعض النافذين إثناء تية عن قراره ولكنه رفض.
بنطلون لبنى – لبنى أحمد حسين
فى العام ٢٠٠٩ قامت الصحفية لبنى أحمد حسين الكاتبة بعدة صحف سودانية بكتابة مقال عن سكر الايثانول الذي كانت تخطط له الحكومة السودانية وهو تحويل قصب السكر إلى مادة الايثانول لإستعمالة كوقود، فاقمت لبنى بتناول الموضوع في الصحف، وبعدها تم إلقاء القبض عليها في مقهى عام بالخرطوم من قبل شرطة النظام العام بحجة ارتداءها لزي فاضح مع مجموعة من النساء والفتيات من مرتادي المكان، ولكنها رفضت الرضوخ للعقوبة الفورية في قسم الشرطة وطلبت العرض على القاضي، وقامت إزاء ذلك بتنظيم حملة اعلامية ساعدها فيها عدد من النشطاء والناشطات، وبدأت في تصويب سهامها نحو النظام عبر وسائل الإعلام المختلفة وخصوصاً تسليط الضوء على قانون النظام العام بكونه انتهاكاً لحقوق المرأة. إلى أن تم احتواء الأمر بالحكم عليها بالغرامة، واستكمالاً لموقفها رفضت دفع الغرامة فتم إيداعها بسجن النساء، ولكن لم تمكث فيه سوى بساعات بعد أن صدر قرار بالإفراج عنها.
“سيدي الرئيس بهرام ليس منا” – بهرام عبد المنعم
فى العام ٢٠٠٧ وإبان تنفيذ إتفاقية السلام الشامل بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، أقامت مؤسسة الرئاسة مؤتمراً صحفياً بالقصر الجمهوري لتأكيد تنفيذ اتفاقية السلام. بعد أن قررت الحركة الشعبية سحب جميع وزرائها من الحكومة رفضاً على عدم ايداع قانون الاستفتاء للبرلمان آنذاك، وتعبيراً عن احتواء الأزمة عقد الرئيس عمر البشير ونائبه سلفاكير ميارديت مؤتمراً صحفياً سردا فيه جملةً من التفاصيل، وفي أسئلة الصحفيين انبرى لهم الصحفي بصحيفة “الوطن” آنذاك بهرام عبد المنعم بسؤال: “لماذا تتقاسمون كيكة اتفاقية السلام وتتركون الشعب السوداني جنوباً وشمالاً يرزح تحت خط الفقر”. فقام الرئيس البشير بالرد عليه: “اجلس هذا ليس كلامك وإنما كلام شيوعيين”. بعد نهاية المؤتمر الصحفي قام رئيس تحرير صحيفة “الوطن” بتوقيف بهرام عن العمل وفي صبيحة اليوم التالي خرجت الصحيفة بعنوان رئيسي: “سيدي الرئيس بهرام ليس منا”.