تجدد بقاء اليوناميد في الاقليم الغربي والاوضاع الامنية في تدهور مستمر

تجدد بقاء اليوناميد في الاقليم الغربي والاوضاع الامنية في تدهور مستمر

 – شبكة عاين – ٢٤ أغسطس ٢٠١٥ –

تعتقد الحكومة السودانية ان الاوضاع الامنية على الارض في دارفور منذ ان تم توقيع اتفاق سلام دارفور في الدوحة قبل (4) اعوام جعلت الاوضاع مستقرة، لكن الحقائق على الارض -بحسب مراقبين – تكذب ادعاءات الخرطوم، ورغم ان بعض النازحين عادوا الى القرى النموذجية التي اسستها الحكومة مع السلطة الاقليمية بقيادة التجاني سيسي، غير ان تزايد حدة العنف في الاونة الاخيرة بين بعض القبائل العربية في ولاية شمال دارفور بين الرزيقات الابالة وبني حسين حول مناطق الذهب في جبل عامر اعادت الاوضاع الى الاسوأ وفق تقارير صدرت من بعثة (اليوناميد) مؤخراً.

وفي العام 2014 كانت االخرطوم قد اعلنت عن خطتها العسكرية للقضاء على الحركات المناوئة لها في الاقليم، واطلقت عليها (الصيف الحاسم) والتي استمرت منذ نهاية العام الماضي وحتى بداية العام الجاري ودارت معارك عنيفة بين القوات الحكومية والمليشيات التابعة لها والحركات المسلحة، وقد نتج عن تلك المعارك نزوح جديد بعد الهجوم العسكري الجوي الكثيف في منطقة شرق جبل مرة، هذه الاوضاع الجديدة قادت الى نزوح وتزاحم في معسكرات النزوح القديمة في المنطقة، وقد استهدفت الحكومة قرى المدنيين، وذكرت منظمات انسانية فرار الالاف من المدنيين الى مخيمات تقع تحت حماية القوات الدولية اليوناميد.

تدهور امني في دارفور التي شهد 411 انتهاكاً العام الماضي

وقد ظل الوضع الامني متدهورا بشكل متسارع، وكان والي جنوب دارفور ادم الفكي قد ادلى بتصريحات خطيرة حول المتفلتين، ووجه باطلاق الرصاص عليهم فوراً، وسبقه محمد حمدان حميدتي قائد مليشيات الدعم السريع (الجنجويد) بتصريحات قال انهم القوا القبض الى متفلتين، وقد طالب السلطات الامنية تنفيذ عليهم العدالة الناجزة فورا، ويري المواطنون من مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور ان الوضع الامني لم يتحسن من ان تم فرض قانون الطوارئ العام الماضي فان مدينة نيالا ما زالت تشهد الرعب، ويقولون ان اي شخص لا يمكنه ان يتجول بسلام في احياء المدينة، ويعتقد المواطنون ان الحديث عن خروج اليوناميد يعني استدامة التدهور الامني وان استمرار حالة الطوارئ يعد دليلاً على اتساع التدهور الامني.

وقد دعا المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في تقرير له لإنهاء “الإفلات من العقاب” الذي يسود إقليم دارفور، وقال مكتب حقوق الإنسان بجنيف إن الإقليم شهد 411 انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان في 2014، مر معظمها بلا تحقيق أو محاسبة.

وأوضح التقرير وفق معلومات من بعثة يوناميد، تفاصيل عن جرائم يشتبه ضلوع قوات الأمن والشرطة فيها، وتتمثل هذه الاعتداءات ضد المدنيين عمليات اغتصاب وقتل الى جانب عمليات السطو والخطف، ويشير التقريرالى أن معظم تلك الجرائم لم يتم التبليغ عنها خوفا من الانتقام كما ان المواطنين لا يثقون في السلطات الحكومية او العدلية.

صورة قاتمة للوضع في دارفور

ويرى المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين إن التقرير يرسم صورة “قاتمة جدا” للوضع في دارفور، ويعتقد ان هناك فشل منهجي الى جانب عدم تحرك السلطات لوقف هذه الانتهاكات و رفضها اتخاذ اجرءات جادة، ويشير التقرير الى الانتهاكات ضد القانون الانساني الدولي من قبل جميع اطراف النزاع، ويؤكد التقرير الى وجود عمليات قصف جوي يشكل عشوائي ضد المدنيين والذي ادى الى قتل وجرح العديد منهم الى جانب حرق القرى وتدمير الممتلكات، ويرى التقرير الدولي ان الدولة فشلت في وضع آليات عدلية فعالة في مواجهة مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم الى العدالة.

ويقول التقرير ان الحكومة رغم انشاءها محكمة خاصة في دارفور لكن اثبتت عدم فعاليتها في معالجة الوضع وان ذلك يعكس غياب الارادة السياسية لمعالجة حالات الافلات من العقاب في هذا الاقليم، وحث مفوض حقوق الانسان الحكومة والحركات المسلحة في دارفور على اخذ التقرير على بشكل جاد واجراء محاكمات تتماشى مع المعايير الدولية، داعيا الطرفين للتعاون مع الآليات الدولية لتحقيق العدالة بما فيها المحكمة الجنائية الدولية والتي كانت قد اصدرت مذكرات توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير، ووزير دفاعه السابق والي الخرطوم حاليا عبد الرحيم محمد حسين، ووالي شمال كردفان احمد محمد هارون وزعيم الجنجويد علي محمد كوشيب، وأورد التقرير أن السلطات والمجموعات المسلحة على السواء أعاقت عمل محققي الأمم المتحدة عبر منعهم من التوجه إلى الأمكنة التي ارتكبت فيها الانتهاكات.

المواطن لا يشعر بالامن في دارفور

ولا يشعر المواطن في مدينة نيالا بالامن، بل اصبح هناك كثيرون يحملون السللاح داخل المدينة، ويقول احمد ادم اسماعيل لـ(عاين) ان نيالا الان اصبحت مدينة “مليشيات” بالكامل سواء في داخل المدينة اوخارجها، وهذه المجموعات تنهب وتسرق، وحتي حراسات الشرطة لم تسلم من التهديد واطلاق الرصاص العشوائي، ويضيف ان الولاية فرضت الطوارئ، لكنه تساءل (ما الذي استفاد منه المواطن من هذا القانون؟)، واجاب قائلا (لاشئ على الارض المواطن هو الضحية في النهاية، واذا انسحبت القوات الدولية من الاقليم، هذا يقود الي الفوضي الشاملة).

ويعتقد الخبير في الشأن الدارفوري الاستاذ عبدالله ادم خاطر في حديثه مع (عاين) ان الوضع الامني في دارفور يستدعي بقاء القوات المشتركة من الامم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور (يوناميد) لانهاء الصراع الدائر منذ سنوات لضمان السلام واستكمال العملية السلمية ويشير الى ان وثيقة سلام الدوحة لم تكتمل، ويقول ان هناك مقترح لتمديد اجل البعثة المشتركة لمدة عامين، ويضيف ان الاستقرار والسلام لن يتحققا على مستوي القاعدة والحركات بعيدة باعتبارها جزء من الحل السلمي في المنطقة، ويرى ان وجود المتفلتين والنهب المستمر من مجموعات تخرق القانون، واستمرار حالة الطوارئ على ولايتي جنوب وشمال دارفورهي من مظاهر عدم الاستقرارفي الاقليم، ويعتقد ان هذه المؤشرات تؤكد ان الوضع يحتاج الى المزيد من العمل، ويقول ان الوضع الراهن يمكن ان يكون افضل من السابق لكنه لم يصل الى الاستقرار الكامل اطلاقا.

ويشير خاطر الى ان غياب روسيا والصين عن جلسة مجلس الامن التي خصصت عن دارفور هو تأكيد على موافقتهما ببقاء قوات حفظ السلام في دارفور، ويستبعد سحب هذه القوات في الوقت الحالي، ويقول ان ما يؤكد فرضيته اصرار مندوبة واشنطون في الامم المتحدة سامانثا باور في حديثها امام جلسة المجلس بان الوقت غير مناسب لخروج القوات المشتركة للامم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور (يوناميد)، ويرى ان حديث باور عن قرار البقاء لا يثير مشكلة الخرطوم، لانه راى من عضو في مجلس الامن والامم المتحدة، ويقول ان تصريحاتها ليست مستفزة ولا تخلق مزيد من الاشكاليات.

الخرطوم ارتضت بالامر الواقع

من وجهة نظره يشير الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي ان الاتحاد الافريقي هو من فرض قرار تمديد البعثة لعام كامل في دارفور، ويقول لـ(عاين) ان الحكومة كانت رافضة لفترة طويلة فكرة ان يتم تمديد لبعثة حفظ السلام لكنها في نهاية الامر ارتضت بالامر الواقع، ويضيف “هذه القوات اصبحت عالة على قضية اقليم دارفور”، بعد ان وصفها بالضعيفة وهي نفسها تحتاج للحماية وانها خذلت كثيرين في دارفور، ويشير الى ما كشفته المتحدثة السابقة باسم اليوناميد الدكتورة عائشة البصري عن تستر اليوناميد على انتهاكات الحكومة، ويتفق مع كثيرين بان وجود البعثة في شكلها الحالي افضل من عدمها، وفرض بقاءها دليل على انعدام الامن.

الخروج يعني مزيد من الدماء

غاية الحكومة من خروج اليوناميد من المنطقة هو العمل استراتيجيا على تفريغ المعسكرات من النازحين بالقوة، ويعتقد زايد الشيخ بكري احد القيادات الشبابية في معسكر الحصاحيصا وهو اكبر معسكرات النازحين في زالنجي بولاية وسط دارفور والذي تحدث لـ(عاين) ان الهدف من خروج قوات حفظ السلام في الاقليم (يوناميد) يعني رفع مراقبة المعسكرات ليسهل للحكومة عملها في القتل والاغتصاب وارتكاب الجرائم ضد المدنيين، ويقول ان بعض المناطق يمنع فيها دخول منظمات انسانية وان بعثة اليوناميد هي الوحيدة التي يسمح لها بالدخول، ويشير الى البعثة هي الوحيدة التي مخول لها رفع التقارير الى مجلس الامن الدولي، ويقول “طرد البعثة الدولية يعني مزيدا من سفك دماء الابرياء .. الافضل بقاءها رغم ضعفها”، ويضيف “اذا كان هناك بديل يجب ان يكون تحت البند السابع”، ويقول ان النازحين استقبلوا بفرح كبير تمديد مجلس الامن والسلم الافريقي بقاء اليوناميد لمدة عام آخر.

قوات حفظ السلام تتعرض لخطر التهديد

في ذات السياق اكدت رئيسة اتحاد المرأة بمعسكر بريجن للاجئين في شرق تشاد حواء بخيت رفضها خروج اليوناميد من دارفور، مطالبة بقوات بديلة قادرة على حماية المدنيين، وتقول لـ(عاين) ان قوات اليوناميد ليس لديها الامكانيات التي تحمي بها نفسها دعك من حماية المواطنين والنازحين، وتضيف ان على مجلس الامن الدولي ان يفوض قوات بديلة ذات حماية تحت البند السابع في حال عدم وجود بديل فعال على الارض، وناشدت العالم كله ان ينتبهوا للانسان في معسكرات النزوح واللجوء وان حياتهم في خطر مستمر.

واكدت بخيت ان قوات حفط السلام الدولية في دارفور فاشلة بدليل استمرار القتل وعمليات الاغتصاب بشكل يومي، وكشفت عن مشاورات جارية بين الخرطوم وانجمينا بشأن اعادة اللاجئين الدارفورين الى السودان، وتقول ان هذا الملف بطرف الامم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتضيف “12 عاما في معسكر بريجين قاسية للغاية”.

انسحاب اليوناميد ذر الرماد على العيون

يقول المحلل السياسي خالد محمود جمعة لـ(عاين) ان والوضع في دارفور يزداد سوءا يوماً بعد يوم وان الحكومة ليست لديها رغبة في استقرار الاقليم، ويضيف ان تقرير ناشطي دارفور في مجلس الامن الدولي لا ينفصل علي تزايد الازمة الامنية والانسانية، ويتهم الحكومة بصناعة المشاكل الامنية في الفاشر وبالتواطؤ مع المليشيات التي تعبث بحياة المواطن، ويقول ان اصرار الحكومة على انسحاب اليوناميد هو ذر الرماد على العيون، ويشير الى ان الوجود الاممي في دارفور يمثل مصالح كبيرة للسلطة الحاكمة، ويعتقد ان الحكومة دائما مستعدة للتعاون مع الدول الكبري رغم ما تردده في اجهزة اعلامها من نقد للسياسة الدولية، ويقول “السياسة الدولية ليس فيها صداقة دائمة ولا عداوة مستمرة واكبر دليل على ذلك هو سماح جنوب افريقيا لعمر البشير بمغادرة جوهانسيبرغ رغم صدور قرار من المحكمة حظر مغادرته”، ويشدد على ان مجلس الامن الدولي والاتحاد الافريقي لن يوافقا على مغادرة اليوناميد من اقليم دارفور في ظل الوضع الامني المتدهور حالياً.

ويشير النازح في معسكر (قريضة) في ولاية جنوب دارفور مبارك حسن عثمان الى ان النازحين في المعسكر استقبلوا قرار تمديد عمل البعثة من قبل مجلس الامن الدولي بالفرح، ويقول لـ(عاين) ان امر التمديد ايجابي لكن ليس بنسبة 100%، وان وجود البعثة الان افضل من عدمها، ويرى ان القوات الدولية لها القدرة على القيام بالدوريات حول المناطق الساخنة ورفع التقارير بشأن وجود اي انتهاكات، ويقول “لكن البعثة ايضا تتستر حول انتهاكات اخرى كما حدث في قضية تابت في شمال دارفور”.

ويطالب مبارك المجتمع الدولي بتوفير الحماية للمواطنين بصورة كاملة للتقليل من هجمات مليشيا الجنجويد، ويقول “في مرات عديدة تتعرض اليوناميد نفسها لهجوم من قوات المليشيات” مشيراً الى ان المنظمات الانسانية والدولية لعبت دوراً كبيراً في عمليات الرصد والمتابعة للانتهاكات التي تعرض لها المواطنين في دارفور، ويقول “تلك التقارير التي قدمتها المنظمات هي التي ساعدت مجلس الامن الدولي في اتخاذ قرار التمديد لبعثة اليوناميد في دارفور”.