تجار الحصاحيصا والقضارف يستخدمون سلاح الإضراب

تجار الحصاحيصا والقضارف يستخدمون سلاح الإضراب
اضراب القضارف – من صفحة محمد البشير علي رجب على الفيسبوك – http://bit.ly/2xW2LKv

في بادرة جديدة من نوعها أعلن تجار سودانيون في عدد من مدن السودان الاضراب عن العمل وأغلقوا أبواب محالهم أمام الجمهور، في اعتراض مختلف من نوعه على زيادة الضرائب الحكومية التي تنعكس على حياة التجار وتثقل كاهل المواطنين بارتفاع الأسعار.

بدأ إضراب التجار بمدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة في أغسطس الماضي لكن سرعان ما تبدد بعدها بايام ليصل إلى مدينة القضارف بشرق البلاد احتجاجا على الضرائب الباهظة التي تفرضها سلطات المحليات عليهم ما يشكل عبئا زائدا على كاهلهم في واقع تزايد ارتفاع الأسعار في السلع الاساسية وضعف قدرات القوى الشرائية في السوق المتهالك لا سيما في أقاليم البلاد.  

فهل تعد هذه الإضرابات مجرد  ردة فعل مباشرة عادية أم أنها تقرأ في سياق الرفض الشعبي المتنامي للحال الاقتصادي؟. وهل بدأ التجار كجزء من المواطنين السودانيين في استخدام سلاح الإضراب في مواجهة الإجراءات الحكومية؟.

اضراب أم تمرد؟

ويري مراقبون ان تمرد التجار على الإجراءات الحكومية المتمثلة في زيادة الضرائب في ظل الأوضاع الاقتصادية المنهارة في كافة أرجاء البلاد، يعد مؤشرا جديدا من نوعه لخروج فئة جديدة من المواطنين عن سيطرة الحكومة بشكل مباشر رغم انها كانت في السابق خارج معمعات الرفض أو التأييد للسياسات الحكومية.

وربما يشي الأمر باتساع دائرة الرافضين للسياسات الحكومية واستدعائها لفئات كانت خارج دائرة الفعل السياسي، لكن واقع الحياة المعيشية اليومية الذي يمس كل مواطن في رزقه ومعاشه المباشر ويدفعه دفعا للدفاع عن نفسه وقوته دون تردد، لا سيما عندما تتساوى عنده نتائج الصمت والكلام والفعل في واقع اجتماعي انهكه التراجع الاقتصادي.

دخل تجار مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة – في إضراب تام  وإغلاق محلاتهم التجارية احتجاجا علي الضرائب الباهظة التي فرضت عليهم من قبل الجهات الحكومية والتي بلغت نسبة ١٠٠٪ .

بينما بدورهم دخل تجار القضارف يوم الخميس 6/9/2018 في إضراب شامل عن العمل نتيجة للضرائب الباهظة التي فرضتها الحكومة للعام  2017 والتي وصلت إلى 1000% (عشرة أضعاف) مقارنة بالعام 2016 ، والتي ستتسبب في مزيد من الغلاء ، الذي أصلا قد بلغ حدا استحالت معه الحياة .

وقد قررت الغرفة التجارية بولاية القضارف إعلان إضراب عن العمل باستثناء الصيدليات والجزارة وسوق الخضار والمخابز بعد أن وصل التفاوض مع ديوان الضرائب بالقضارف إلى طريق مسدود.

ويرى المراقبون أن التحجج الحكومي ببدء تطبيق نظام الفواتير الإلكتروني كمبرر لرفع الضرائب على التجار سيؤدي إلى تمدد حالة الاضطرابات، محذرين بأن التجار فئة اجتماعية مؤثرة سيكون إضرابها انعكاس مباشر على حياة المواطنين وزيادة غضبهم المشتعل أصلا بسبب الغلاء.

تجار الحصاحيصا والقضارف يستخدمون سلاح الإضراب
صوامع الغلال في القضارف (الجزيرة)

ساعات تؤدي دورها

رغم أن أضراب التجار في مدينة الحصاحيصا لم يستمر سوى ثلاثة ساعات فقط، الا أنه وجد تجاوبا واسعا من مواطني الولاية وكان كافيا لتخويف الحكومة الولائية، اذ تعهد معتمد الحصاحيصا في لقاء مع التجار المضربين تحت قيادة الغرفة التجارية بمعالجة الزيادات الضريبية محل الخلاف فورا. غير ان مصادر شبكة عاين أكدت أن الزيادات الضريبية التي فرضت على التجار ما تزال ترواح مكانها، متهمين حكومة ولاية الجزيرة بالمماطلة في حل القضية ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع.

يقول مقرر لجنة  التجار نضال الطيب لـ(عاين) ان سبب إضراب تجار الحصاحيصا هو الزيادة الجزافية في الضرائب التي بلغت 500%.  مبينا أن التجار انخرطوا في جولات متعددة من الاجتماعات مع حكومة الولاية ومكتب الضرائب ومعتمد الحصاحيصا، لكن كل ذلك لم  يثمر علي الاطلاق، لذلك قرر معظم التجار الدخول في الإضراب، وإغلاق الدكاكين، مناهضة لقرارات الحكومة. واتهم الطيب الحكومة بتطبيق استراتيجية فاشلة، وجعل المواطنون  يتذمرون من الضائقة المعيشية المتكررة، منددا بما وصفه استخدام الحكومة لديوان الضرائب والزكاة لقمع التجار.

بينما أوضح بيان لقوى المعارضة بالحصاحيصا أن إضراب التجار نجح ليس فقط بسبب ارتفاع الضرائب وإنما بسبب حالة التضامن التي خلقها التجار والمواطنين بسبب حالة الغلاء العامة ومحاصرة سبل كسب عيش المواطنين في المدينة التي تعاني أصلا من القهر وضعف الخدمات الصحية والتعليمية. مبينا ان الاضراب شمل كل التجار، وأصحاب الطبالي وبائعي التمباك، والفراشة وغيرهم.

وانتقد البيان فرض الحكومة للضرائب دون تقديم أي خدمات بسوق المدينة للتجار والمواطنين، مشيرا الى سوء الاوضاع البيئية بالسوق وانتشار الأوساخ، علاوة على ضعف الخدمات في المدينة بشكل عام بما في ذلك خلو المستشفيات من المعدات طبية وانهيار المدارس. واتهم البيان منسوبي النظام بأكل أموال الضرائب، وان سياسة النظام خلقت واقع غير عادل.

ويقول المواطن بمدينة الحصاحيصا علي اسماعيل، ان السوق يشهد ارتفاعا في كافة الأسعار منذ أواخر شهور العام الماضي، الأمر الذي انعكس سلبا على حياة الناس وقدراتهم الشرائية.  ويقول اسماعيل لـ(عاين) انهم يساندون اضراب تجار مدينة الحصاحيصا، مضيفا “احتمال هذا الاضراب يجعل السلطة أن تخفض الضرائب عليهم، وأكد أن تخفيض الضرائب قد يأتي بثماره عليهم.

ويعتقد ان الاضراب بذرة من بذور الوعي السياسي قد تلعب دور في تشكيل خارطة سياسية جديدة، لإدراك المواطن أن السلطة لا تهتم بحياته، رغم مساهمتهم في تغذية خزينة الدولة بأموالهم التي يدفعونها ضرائب وجبايات. وتوقع إسماعيل أن تلعب أشكال التضامن مثلما حدث في تجربة أضراب التجار في الحصاحيصا دورا بارزا في تشكيل الخارطة السياسية القادمة في البلاد إلى جانب دور الأحزاب السياسية المناوئة لسياسات الدولة الاقتصادية التي تضر بالمواطنين.

بينما يعزي مكتب ضرائب تجار الحصاحيصا الزيادات الضريبية إلى البدء في تطبيق نظام الفواتير الالكترونية، مشيرا الى ان التجربة سيتم تعميمها على كافة السودان. ويبين المكتب أن الزيادة في تقدير حجم الضرائب تعود اكتمال المعلومات التي وصلت للمكتب من عدة جهات، مشيرا الى ان هذه المعلومات لم تكن متوفرة في الأعوام السابقة، قبل تطبيق النظام الحاسوبي الذي يقدم البيانات من مصادرها وتحويلها الكترونيا الى نشاط سيعمم على نطاق السودان.

تجار الحصاحيصا والقضارف يستخدمون سلاح الإضراب
اضراب الحصاحيصا – من صفحة عصام عثمان على الفيسبوك – http://bit.ly/الحصاحيصا

وسائل مبتكرة

في مدينة القضارف استمر إضراب التجار لايام عديدة اعتراضا علي ذات الاسباب التي أحالت حياة التجار والمواطنين لمصاعب جمة استحالت معها الحياة، كما قال بعض التجار ل (عاين).

و ينتقد رئيس الغرفة التجارية بالولاية سيد احمد قاسم ما وصفه بالإجراءات التعسفية والجزافية ضد التجار، التي تسبب في إرهاق للتجار، رغم اتفاقه مع أهمية توسيع المظلة الضريبية.

ويرى التاجر محمد حسن من مدينة القضارف، ان الاحداث الاخيرة كانت بمثابة  دليل على مدى الغضب في الشارع العام،من سياسات الحكومة الطائشة، التي يكون ضحاياها المواطنون البسطاء. ويتوقع محمد حسن في حديثه لـ(عاين) ان الاضراب الاخير سيتسع ليكون جزء من عملية تغيير قادمة، مضيفا ولكن ما هو اهم، ان يتحد الجميع، ضد هذه السياسات الحكومية التي تضر بهم، داعيا التجار أن لا يلتفتوا الي الأصوات الشاذة التي تفرق بين التجار أو بينهم والمواطنين.  

أما علي عبدالرحمن، تاجر خردوات، يقول ان في عام 2016، كانت ضريبته 62%، ويرى ان التقديرات الراهنة قفزة 254 ألف جنيه، أي زيادة 192 ألف جنيه، ويقدرها بنسبة 304% وبعد مقابلة اللجنة، خفضت تم تخفيض التقدير.

من جانبه يعزو عصمت ابراهيم حسن، مدير عام ضرائب ولاية القضارف،أن احتجاجات بعض تجار ولاية القضارف، الي وجود بعض التجار المتهربين من دفع الضرائب للدولة، وتجار لم يدخلوا المظلة الضريبية، على الرغم من وجود نشاطهم التجاري في السوق.

لكن نضال الطيب مقرر لجنة تجار الحصاحيصا يوجه انتقادات لاذعة لمبررات زيادة الضرائب، مشيرا إلى عدم جدوى تطبيق نظام الضرائب الإلكتروني في واقع السودان. مبينا في حديثه لـ (عاين) أن ما حدث في مدينة القضارف هو تعبير عن نفس الغضب الذي طال تجار الحصاحيصا، ويؤكد انهم ابتكروا وسيلة جديدة للمقاومة تجعل المؤتمر الوطني ينهار بسهولة على حد تعبيره.

وأنهم تواجههم عقبة استقطاب التجار، وايضا معركة من يسيطر علي الغرفة التجارية بينهم وبين منسوبي المؤتمر الوطني، لكنهم احبطوا محاولتهم للسيطرة علي الغرفة التجارية بمدينة الحصاحيصا. قبل أن يختتم ان عملية الانتصار وانتزاع الغرفة التجارية من منسوبي المؤتمر الوطني تسير علي قدم وساق وستأتي أكلها.