انهيار مفاوضات السلام بين الحكومة والحركات المسلحة

انهيار مفاوضات السلام بين الحكومة والحركات المسلحة


– شبكة عاين – ١٦ أغسطس ٢٠١٦ –

مفاوضات صعبة كانت قد بدأت بين الحكومة السودانية والمعارضة متمثلة في نداء السودان في العاصمة الاثيوبية عقب التوقيع على خارطة الطريق. ورغم كل الجهود التي بذلتها الآلية الإفريقية الرفيعة، لكن وصلت إلى طريق مسدود، حيث رفض النظام السوداني تقديم اي تنازلات لتنهار الجولة التفاوضية مساء الاحد دون التوصل إلى إتفاق وقف عدائيات وإدخال المساعدات الانسانية للمواطنين في منطقتي جنوب كردفان / جبال النوبة والنيل الأزرق.

وطوال الأيام الخمس الماضية توزعت الازمة السودانية في ردهات فندق “راديسون بلو” في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا حيث مقر إقامة وفود الحكومة والمعارضة المدنية والمسلحة، حيث تواصلت المباحثات داخل القاعات المغلقة دون التوصل إلى إتفاق. وفي يوم الجمعة الماضي تواصلت، جلسات المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية- شمال، وقدمت فيها مقترحات إضافية من الطرفين لوثيقة وقف العدائيات بحسب طلب الآلية الأفريقية. وكان السفير حسن حامد الناطق باسم الوفد الحكومي قد قال في تصريحات سابقة، ان الطرفين قدما مقترحاتهما للوساطة، مشيراً إلى أن فيها بعض التباين حيث تم الاتفاق على تشكيل لجنة مصغرة من كل جانب “1+1” لمواءمة الإضافات الجديدة.

 

انهيار الجولة الخامسة عشر من المفاوضات

وبعد سلسلة من الاجتماعات بين رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى ثابو مبيكي وأطراف التفاوض خرج مبيكي في وقت متأخر من مساء يوم الاحد ليعلن رفع الجولة إلى أجل غير مسمى وسط تبادل الاتهامات بين الأطراف المتفاوضة، حيث سارع الامين العام للحركة الشعبية – شمال، ياسر عرمان لعقد مؤتمر صحفي، قال فيهان “الجولة انتهت بالفشل وامبيكي ابلغنا بتأجيل الجلسة إلى أجل غير مسمى لإول مرة“. واضاف ان الحكومة ومنذ أربع سنوات تردد أنها لن تقبل إلا بمسارات داخلية للإغاثة، بينما تتمسك الحركة الشعبية بأخرى خارجية من جنوب السودان، اثيوبيا وكينيا، مؤكداً ان الحركة الشعبية قدمت تنازلاً بأن ترسل (80%) من المساعدات الانسانية من داخل السودان مقابل (20%) من خارج البلاد، وقال ان الحركة قدمت تنازلاً آخر بتحديد الإحتياجات المطلوبة من الداخل والخارج.

وأوضح عرمان أن وفده عرض على الحكومة مدن الأبيض، كادوقلي والدمازين للمسار الداخلي ومن جوبا، اصوصا الإثيوبية ولوكشكيو الكينية للمسار الخارجي. وكشف عن أن الوساطة والحكومة الإثيوبية إقترحتا على الحركة أن تقتصر المسارات الخارجية على أصوصا فقط غير أن الحكومة رفضت المقترح. وقال عرمان “الحكومة أثبتت انها لا تريد رفع المعانأة عن الشعب السوداني وغير جادة في السلام وتستخدم الطعام كسلاح ولا تلتزم بالقانون الانساني الدولي في ظل صمت كامل من المجتمع الدولي مما شجع الحكومة للتعامل مع المدنيين بهذه الطريقة“.

الحركة تتهم الحكومة بممارسة حرب عنصرية في مناطق النزاع

وإتهم عرمان أن الحكومة تمارس حرب عنصرية في منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق، ودارفور، وأن ما حدث أكد أنها غير راغبة في خريطة الطريق، وما تفعله دعاية رخيصة. وتابع عرمان “خريطة الطريق انهارت ودخلت غرفة الانعاش”، وقال ان الحكومة دقت آخر مسمار في نعش الحوار الوطني، وأضاف “لن نشارك في الحوار الوطني لانه حوار مغشوش“.

وفي عشية انهيارالمفاوضات اعلنت القوات السودانية استعدادها للعمليات العسكرية مشيدة بالدور الذي تلعبه قوات الدعم السريع بمناطق التمرد. واشاد رئيس هيئة الاركان المشتركة الفريق عماد عدوي بمساندة ودعم قوات الدعم السريع والامن الوطني والشرطة والدفاع الشعبي للقوات المسلحة السودانية في كل جبهات القتال.

من ناحيته قال رئيس الوفد المفاوض الحكومي إبراهيم محمود ان الحركة تريد إطالة أمد الحرب وأن تأتي الطائرات من جوبا لإيصال المساعدات الانسانية للمحتاجين في المنطقتين. وأضاف محمود في مؤتمر صحفي “الحركة الشعبية لا تهدف لإيقاف الحرب وجلب السلام وهدفت لعرقلة خريطة الطريق“، ومضى يقول”الشعبية تريد قتل الخريطة وخططت لإجهاضها، ووقعت عليها تحت ضغط المجتمع الدولي“.

نقاط الخلاف ومساعي من الوساطة والمجتمع الدولي

وسعت الوساطة لانجاح الجولة في التوصل لاتفاق، وقد دخل رئيس الوزراء لانقاذ المفاوضات من الانهيار حيث قالت مصادر لـ(عاين) ان رئيس الوزراء الاثيوبي قد إتصل بالرئيس السوداني عمر البشير ليعطيه ضمانات بان مرور المساعدات الانسانية عبر اصوصا سيكون تحت ضمانة الحكومة الاثيوبية ولن يمر شئ غير المساعدات الانسانية. ولكن لم ينجح ذلك الإتصال حيث تمسك الوفد الحكومة بان تمر الاغاثة بنسبة 100% عبر الخرطوم وتحت اشراف الحكومة المباشر.

وتتمثل ابرز نقاط الخلاف منذ بدء المفاوضات تركزت حول التعديلات التي دعت لها الحكومة في الاتفاق الاطاري، وهو ما اعتبرته الحركة العودة بالتفاوض إلى نقطة الصفر. الناطق بإسم ملف السلام في الحركة الشعبية مبارك اردول قال ان خارطة الطريق أكدت أن الاتفاق الاطاري الذي تم توقعيه سابقا هو مرجعية للتفاوض، ثم انحصرت الخلافات بين الوفدين حول وقف العدائيات وتحديد مسارات لدخول المساعدات الانسانية.

وفي تصريحات سابقة قال المتحدث الرسمي لوفد التفاوض الحكومي حسن حامد ان الحكومة لن تقبل دخول إغاثة عبر الحدود، واضاف “أي دولة ذات سيادة لا يمكن لها أن تقبل بتقديم إغاثة من خارج الحدود ونحن بالنسبة لنا اي اغاثة عبر الحدود هذا خط احمر لا تراجع في ذلك“.

وأشار إلى أن الحكومة لديها الآليات والمؤسسات التي يمكنها تقديم تلك المساعدادت الانسانية لأبناء الشعب السوداني كافة. وقال حامد ان الحركة تقدمت بأرقام خيالية وغير حقيقية عن حجم المحتاجين للمساعدات الانسانية في مناطقها، وتابع “الإحصاءات التي لدى الحكومة موثقة ومعتمدة من وكالات الأمم المتحدة للشؤون الانسانية“.

غير أن الحركة الشعبية – شمال قالت وعلى لسان القيادي في وفدها التفاوضي احمد العمدة لـ(عاين) ان هنالك اكثر من مليون شخص يحتاجون للمساعدات العاجلة في المناطق التي تسيطر عليها. واضاف العمدة ان مقترح الحركة الخاص بتقديم المساعدات الانسانية عبر منافذ خارجية مهم لانعدام الثقة في هذا النظام.

فيما يقول الناطق باسم حزب المؤتمر السوداني محمد عربي لـ (عاين) ان العمل الذى يدور الان فى اديس ابابا يمثل ما تم الاتفاق عليه بين قوى نداء السودان. ويضيف عربي أن انطلاق المفاوضات المباشرة فى مسارى دارفور والمنطقتين يضع على كافة الاطراف مهمة انجاز المطلوب الاول من هذه العملية وهو وقف الحرب. ويتابع عربي “اننا لا نتابع ولا نراقب وانما نحن منخرطون بفاعلية مع شركاءنا فى قوى نداء السودان للوصول إلى اتفاق وقف عدائيات من شانه ان يمهد للانتقال الى المؤتمر التحضيرى على ارضية ثابتة“، واضاف “اننا نراقب مواقف الوفد التفاوضى الحكومى وتكتيكاته التى أدت إلى انهيار المفاوضات باعتبار ان ارادة السلام و الانتقال الديموقراطى غير متوفرة لدى النظام ولكننا نثق أن الذين اجبروه على هذا الطريق سيحملونه على التعامل بقليل من الموضوعية فى هذا الملف“.

فشل المفاوضات في مسار دارفور

أما في المسار الثاني للعملية التفاوضية حول النزاع في دارفور قد فشلت أيضا المفاوضات بين الحكومة وحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان قيادة مني اركو مناوي. وقد انتهت الجولات التفاوضية دون التوصل إلى إتفاق لوقف العدائيات في دارفور، وقال رئيس حركة تحرير السودان مني اركو مناوي ان عضو فريق الوساطة عبد السلام أبوبكر أبلغ الطرفين بانفضاض الجولة إلى وقت لاحق. وأشار الى أن الأمل كان يحدوهم بالتوصل الى اتفاق سلام، بعد أن قدمت الحركتين عدد من التنازلات.

وأفاد مناوي في تصريح صحفي “من بين أكثر من عشرين بنداً لم نترك الا ثلاث بنود فقط للحكومة لكي تقدم فيها تنازلات.. لكن للأسف تسلمنا هذا المساء ورقة اخرى من الوساطة ووجدنا أنها تعبر عن موقف الحكومة ولم نجد حرفا يوحي بتنازل الحكومة“. وقال مناوي أنهم أبلغوا الوساطة بذات البنود التي اسقطت من الورقة، الا أن وفد الحكومة رفض التنازل عن اي شئ، وتابع “هي اتت لهذا المنبر لتحمل الناس وتشحنهم الى الخرطوم للأسف“.

من جانبه قال رئيس وفد الحكومة السودانية للتفاوض في مسار دارفور أمين حسن عمر، ان حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان، أثارتا 15 نقطة خلافية جديدة بدلاً عن نقاط الخلاف الخمس المعروفة،واتهم الحركتان بعدم الجدية في الوصول إلى السلام. وقال عمر “جاء ردهم بشطب قضايا اتفقنا عليها من قبل، وأخرى مضمّنة في المسودة الثالثة المتفق عليها منذ لقائنا في نوفمبر الماضي، وإضافة قضايا لم تكن موجودة أصلاً“، وتابع “هم يعلمون أننا لا نعترف بالجبهة الثورية ولا نوقع على أي وثيقة فيها اسم الجبهة الثورية وفي اعتقادي أوردت العبارات لاستفزازنا“.

فيما يرى رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم أن فشل الجولة لمحاولة الوساطة فرض وثيقة الدوحة واختيار قرارات خاصة بالأمم المتحدة تناسب موقف الحكومة، وأفاد أن الوساطة أبلغتهم بأنها وجدت مشقة في مواصلة الجولة ومضطرة إلى تعليقها إلى وقت لاحق، وتابع “لا مجال للوصول إلى اتفاق ما لم تغير الحكومة موقفها“.

وقال رئيس حركة تحرير السودان مني اركو مناوي لـ(عاين) ان الحكومة رفضت كل الحلول التي تم تقديمها وتريد من الحركات ان تقدم احداثيات لمواقع قوات الحركات حتى تقوم بقصفها لاحقاً، مشيرا إلى ان حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان تريدان الوصول إلى سلام عادل ومنصف لقضايا الشعب السوداني ولكن “وجدنا ان النظام غير مستعد لتقديم اي تنازلات“.

فيما قال كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة احمد تقد لسان لـ(عاين) ان المحادثات شهدت عقد ثلاث جلسات يوم الجمعة الماضية وقد عكفت على مراجعة ما تم النقاش حوله، كما تمت مناقشة ورقة حول الجانب الانساني وكان الخلاف حول الآليات التي ستقوم بالعمل الانساني على الارض، ويضيف “نحن قدمنا تصور ان يتم تشكيل آلية جديدة لتقديم المساعدات ولكن الحكومة تقول ان هنالك منظمات تعمل على الارض وهي بالنسبة لنا منظمات امنية مسيطرة عليها من قبل الحكومة“، ويقول ان هنالك خلاف في ملف وقف العدائيات حيث طلبت الحكومة تحديد مواقع قوات الحركات عبر الاحداثيات وهذا لايمكن ان تكشفه الحركات للحكومة. ويتابع تقد “نقول ان تحديد مواقع القوات في المناطق التي تحت سيطرتنا لن نقدمه لها ولذلك لم نصل إلى شئ في هذا الامر ايضاً والمواقف متباعدة ولا تعبر عن روح التفاوض“.

واضاف تقد ان اليوم الثالث للتفاوض تمسك كل وفد بموقفه القديم حول كافة القضايا الجوهرية المطروحة للنقاش، وان الوفد الحكومي ظل يكرر ذات الحجج القديمة البالية التي تعبر عن سوء النية و الهروب الى الامام فى محاولة ساذجة لكسب الوقت والحصول على مكاسب فى المواقف التفاوضية والسياسية دون ان يقدم ثمن لتلك المكاسب، خلافا لما ظلت تبثه وسائل الاعلام الحكومي من تقدم. ويقول تقد “كل الدلائل والمؤشرات تؤكد ان هذه الجولة وصلت الي نهاياتها دون ان تحقق اي نتائج وان التفاوض المباشر كشف حجم التباين والمسافة المتباعدة بين اطراف النزاع ونوايا النظام و طريقة تفكيره تجاه قضايا السلام والتحول الديمقراطى عبر الحوار الجاد الذي يقود البلاد الي بر الامان“. وتابع تقد “السلام الحقيقي لا يتحقق الا اذا اتخذ النظام قراراً استرتيجياً يقدم فيه مصلحة الوطن والمواطن على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة وبعيدا عن المرواغة والفهلوة السياسية“.