انشقاق حركة التحرير والعدالة وتأثيرها على اتفاقية الدوحة

 

انشقاق حركة التحرير والعدالة وتأثيرها على اتفاقية الدوحة ٢٧ يناير ٢٠١٥

يبدو ان حركة التحرير والعدالة الموقعة مع الحكومة السودانية على اتفاقية الدوحة اصابها ايضاً داء الانشقاقات التي اصبحت آفة سودانية خالصة، ولحقت بانشقاقها التاريخ الطويل من الانقسامات التي شهدتها الاحزاب والحركات المسلحة، ولكن تأسيس حركة التحرير والعدالة بدأت من مجموعة حركات تم جمعها في العاصمة الاثيوبية اديس حتى اطلق عليها البعض – حركة اسكوت قرايشن – في اشارة للمبعوث الامريكي الاسبق اسكوت قرايشن الذي اجتهد في جمع هذه الحركات في حركة واحد ليدخل بها مفاوضات الدوحة في يوليو 2011، وشارك النظام الليبي السابق مع مبعوث واشنطون في توحيد هذه الحركات، ويقول المراقبون ان حركة التحرير والعدالة كانت تحمل بذور انشقاقها منذ ميلادها لانها لم تنعقد على اسس فكرية واحدة.

تأسيس حركة التحرير والعدالة

منذ محاولة حركة العدل والمساواة دخول الخرطوم في عملية (الذراع الطويل) في العام 2008 والتي بعدها دخلت الحركة في مفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة في العام 2009 ووقعت على اتفاق اعلان مبادئ بعد ان اظهرت انها قوة عسكرية ضاربة، بدأت مجموعات اخرى من الحركات المنشقة سواء من العدل والمساواة او فصائل تحرير السودان في الظهور على السطح بعد عدم تقدم مفاوضات الدوحة بين حركة العدل والمساواة والخرطوم ورفض رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد نور الدخول في اي مفاوضات.

وكان وراء نشأة حركة التحرير والعدالة المبعوث الامريكي السابق سكوت قرايشن والحكومة الليبية السابقة، وكانت هناك مجموعة تحالفت في حركة واحدة تحت اسم (وحدة جوبا) بقيادة احمد عبد الشافي، ومجموعة بحر ادريس ابو قردة وزير الصحة، واخرين، وبدأت اولى الاجتماعات في الكفرة الليبية، ثم انتقلت الى العاصمة الاثيوبية اديس ابابا، وبعدها تم الاتفاق مع رئيس السلطة الانتقالية الدكتور تجاني سيسي الذي كان يعمل في الامم المتحدة وقتها، وكانت الفكرة ان يرأس الحركة شخص من دارفور – بحسب رؤية قرايشن – الى جانب ان سيسي كان حاكماً في دارفور في عهد رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي (1986-1989).

اسباب الخلافات… ونفي لوجود خلفية اثنية

يقول وزير الصحة الاتحادية بحر ادريس ابو قردة لـ (عاين) ان تركيبة الحركة هي السبب في الخلافات الحالية، لكنه عاد ليضيف ” نحن من اتينا بتجاني سيسي وهو لم يكن لديه علاقة بالنضال المسلح او القضية نفسها ولكنه هو احد ابناء اقليم دارفور “، ويقول ” سيسي لم يكن خبيراً في ادارة الحرب غير اننا كنا نحتاج الى وحدة بين الحركات المسلحة وبحثنا عن شخص محايد في مفاوضات الدوحة “، ويتابع ” لم اكن اعرف تجاني سيسي شخصياً سوى انه حاكم سابق لدارفور “.

ووجه ابو قردة اتهامات لتجاني سيسي بانه عمل وفق سياسة ” فرق تسد ” وانه بدأ ذلك منذ اقصاء احد مؤسسي حركة التحرير والعدالة القائد احمد عبد الشافي الذي كان قد قاد وفد المقدمة بعد توقيع اتفاقية الدوحة، ويقول ” سيسي اتهم عبد الشافي بانه ينتمي الى الحركة الشعبية لتحرير السودان “.

ويعتقد ابو قردة ان الخلافات داخل حركة التحرير والعدالة تنظيمية، ويقول ” هذه الخلافات لا علاقة لها بخلفية اثنية كما يروج البعض لان سيسي ابعد عبد الشافي الذي ينتمي الى نفس اثنيته قبيلة الفور والان يتبع سيسي بعض ابناء الزغاوة كما يقف معنا عدد مقدر من ابناء الفور “، ويضيف ” نحن ارتكبنا خطاءاً باختيار تجاني سيسي كرئيس لحركة التحرير والعدالة “، ويرى ان سيسي خدع الحركة بعد ان ارسل وفد الى مسجل الاحزاب لتسجيل حزب باسم التحرير والعدالة القومي دون ان يكون هناك اتفاق مع مكونات الحركة.

اتهامات بسرقة اموال تنمية دارفور

وصف ابوقردة ما يحدث في السلطة الإقليمية بأنه إخفاق شامل في آليات التنفيذ وتحديدا في ملف التنمية، موضحا أن الإنعاش المبكر فيه (1070) مشروعا تنمويا حدد لها أن تنتهي في ستة أشهر، ويقول أن الحديث عن افتتاح (315) مشروعاً في الفترة المقبلة يأتي بعد ثلاثة أعوام ونصف من عمر الاتفاقية، ويضيف ان تأخير تنفيذ المشروعات إلى وجود رئيس السلطة ووزراءه في العاصمة الخرطوم، ويتابع ” سيسي لم يذهب الى دارفور مقر السلطة الانتقالية الا نادراً حيث يقضي معظم اوقاته في الخرطوم وليست له علاقة بمواطن دارفور “، ويشير الى ان السلطة الانتقالية لم تعقد سوى (4) اجتماعات منذ تعيينها قبل ثلاث سنوات ونصف، ويبرر صمته طوال تلك الفترة بانهم كقيادات للحركة لم يكن يريدون ان يظهروا امام اهل دارفور بانهم دائماً ينشقون، ويقول ان استحقاق مواطني دارفور في الخدمة المدنية وفق اتفاق الدوحة (20) بالمئة لم يتم تنفيذ ذلك حتى الوقت الراهن وذلك بسبب تجاهل رئيس السلطة الانتقالية تنفيذ ما نصت عليه.

ويرى آخرون ان قيادات حركة التحرير والعدالة متهمين بسرقة اموال التنمية التي جاءت بها الاتفاقية، ويقول العمدة ادم محمود رئيس معسكر السلام في  ولاية  شمال دارفور انه وقيادات المعسكرات عندما ذهبوا الى الدوحة فيما يعرف مؤتمر (اصحاب المصلحة) طالبوا بنزع سلاح الجنجويد وتثبيت الامن على الارض، ويضيف ” تعهدت حركة التحرير والعدالة والحكومة بتنفيذ ذلك ولكن الجميع يرى الان ماذا يفعل الجنجويد في دارفور من قتل وتشريد وحرق للقرى “،  وييشر الى ان اسباب الخلافات صراع حول المال، ويقول ” اتفاقية الدوحة قد توفت وتجاني سيسي او ابوقردة لم يقدموا شيئاً للنازحين واموال صندوق اعمار وتنمية دارفور تذهب الى جيوب هذه القيادات “.

من جهته يقول نائب رئيس حركة التحرير والعدالة للشؤون الانسانية مختار عبدالكريم، ان التفسير الوحيد لتجاوزات ابو قردة انه يريد ان يصبح (الرقم الاول)  ولو علي مجموعة صغيرة، وتجاوزاته لم يكن من الممكن السكوت عليها.

الاتجاه لنشأة حزبين باسم التحرير والعدالة.

النازحون : اتفاقية الدوحة شبعت موتاً

ويظهر ان الصراع بين حلفاء الامس خافياً على المتابعين، فقد بدأت بملسانات منذ بداية هذا العام بين رئيس السلطة الانتقالية تجاني سيسي والامين العام للحركة وزير الصحة بحر ادريس ابو قردة، وكل منهما يتهم الآخر بانه تجاوز صلاحيته، واصبحت الحركة منقسمة قبل اعلان ذلك وصارت القيادة الميدانية في جيش الحركة تقف الى جانب ابوقردة، ورغم ان الحكومة وحركة التحرير والعدالة تصران على ان الانشقاق في الحركة لن تؤثر على اتفاقية الدوحة التي تم تضمينها في الدستور، الا ان النازحين يعتقدون ان الاتفاقية شبعت موتاً وان الانشقاق الاخير دليل آخر ويؤكد صحة رفض الحركات المسلحة التي لم توقع على الاتفاقية.

غير ان ابو قردة رفض هذا الحديث بقوله ان الاتفاقية ماضية وانهم ون مع شركاءهم  في المؤتمر الوطني على تنفيذ بنودها، ويؤكد ان المؤتمر الوطني مستفيد من بقاء هذه الاتفاقية حية، ويقول ” قادة المؤتمر الوطني تحدثوا معنا وكذلك مع تجاني سيسي حول الوضع الراهن في الحركة لكنهم اكدوا ان الامر يرجع لنا وان الشراكة سوف تستمر في تنفيذ وثيقة الدوحة لسلام دارفور “، نافياً تدخل الحزب الحاكم في خلافات حركته، ويعلن في ذات الوقت ان مؤتمر حزبه الذي قدم اوراقه لمسجل الاحزاب باسم ” حزب التحرير والعدالة ” وسيعقد في فبراير القادم، وكشف ان حزبه تحت التأسيس سيدخل في الانتخابات باعتبارها تمريناً سياسياً ولنؤكد على الشراكة السياسية مع المؤتمر الوطني.

ويقول احد طلاب دارفور في جامعة الخرطوم لـ(عاين) طلب عدم نشر اسمه لظروف امنية ان اتفاقية الدوحة تعتبر الاسوأ وانها جلبت الحرب مرة اخرى اكثر من تحقيق السلام وان دارفور تشهد الان المرحلة الثانية للابادة الجماعية، ويضيف ” الان نرى مهاترات قيادة حركة التحرير والعدالة وهم انفسهم فشلوا في تنفيذ الاتفاقية ولم يستفيد النازحون من صندوق الاعمار والتنمية “، ويضيف ” هؤلاء مجموعة تشتريهم الحكومة الى جانب ما يسمى بالعائدين ومن اموال صندوق الاعمار والتنمية التي يفترض ان تذهب الى انسان دارفور وللنازحين “، متهماً رئيس السلطة الانتقالية تجاني سيسي ووزير الصحة بحر ادريس ابو قردة بان خلافاتهما قبلية وكل منهما يحاول ان يعزز وجوده من خلال قبيلته ولا يعنيهم قتل المواطنين برصاص الدعم السريع او حرق القرى.

اتهام حركة التحرير والعدالة بالتواطؤ مع الحكومة

يعتقد الكثيرون ان حركة التحرير والعدالة متواطئة مع الحكومة السودانية ومليشيا الدعم السريع في الهجوم الكبير الذي وقع مؤخراً في شرق جبل مرة، ويقول الناشط السياسي حمزة تبن لـ (عاين) ان حركة التحرير والعدالة ظلت صامتة تماماً عن انتهاكات القوات الحكومية ضد المدنيين واصبحت الحركة تنفذ اجندة المؤتمر الوطني، ويضيف ” قيادة هذه الحركة تبحث عن مصالحها الشخصية ولا تهتم بالمواطنين اطلاقاً ولذلك لا تجد ثقة اهل دارفور ” ويصف الحركة بالنتهازية والمتاجرة بقضية دارفور، ويرى ان اتفاقية الدوحة بعد انشقاق حركة التحرير والعدالة ستنهار مباشرة، ويتابع ” اعتقد ان تفاقية الدوحة بدأت بالموت السريري قبل انشقاق حركة التحرير والعدالة وصناديق الاعمار والتنمية اصبحت صناديق ذخيرة لان الاتفاقية لم تنهي الحرب ولابد من فرض السلام من قبل مجلس الامن الدولي “

ويقول الناشط السياسي الرضي علي ود الرضي لـ (عاين) ان تجاني سيسي لم يكن مناضلاً في الثورة وانما كان موظفاً في الامم المتحدة وان بحر ادريس ابوقردة كان احد قيادات الحركة الاسلامية وعمل في جهاز الامن والمخابرات وقد جمعتهما المصالح الشخصية، ويضيف ” الحكومة تدعم سيسي وابوقردة معاً لان اتفاقية الدوحة وقعت عبر مساومات شخصية وليست سياسية ولذلك تجد قيادات حركة التحرير والعدالة تصمت امام الجرائم التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع “، ويرى ان الخلافات بين سيسي وابو قردة ليست مبدئية وانما على مسائل شخصية وتضارب المصالح بينهما، ويقول ” لقد مرت اكثر من ثلاث سنوات على اتفاقية الدوحة ولم يتغير شئ على الارض سوى ان ظهرت لنا هذه الخلافات الشخصية وطموح كل طرف لمصالحه الذاتية “، ويضيف ” ما زالت الجرائم ترتكب ولم يتم نزع سلاح مليشيات الجنجويد وحركة التحرير والعدالة صامتة عن ذلك وتخرج لنا بصراعات حول من هو الاحق برئاستها “

في يوليو عام 2011 وقعت اتفاقية الدوحة لسلام دارفور في دولة قطر التي رعت التفاوض الي ان تم  التوقيع، ووقعت الاتفاقية بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة بقيادة دكتور التجاني السيسي، واتفاق سلام الدوحة كانت من اهم بنوده  مساعدة  ضحايا الحرب والعودة الطوعية، انشاء صندوق اعمار دارفور، بناء  القري النموذجية لاغراء النازحين الي العودة بدلا من معسكرات النزوح، وايضا خاطبت الدوحة  جذور النزاع وماترتب عليه، واعلنت عن تأسيس السلطة الاقليمية التي يترأسها دكتور التجاني سيسي كما اشارت الاتفاقية، وتطرقت الي قسمة السلطة والثروة والمشاركة في الحكم، والتعويضات والمصالحة، و قامت الحكومة  بزيادة عدد  ولايات دارفور من 3 الي 5 ولايات، هي وسط دارفور وعاصمتها زالنجي، واخري في شرق دارفور عاصمتها الضعين، ونالت الحركة ولايتين، الولاية الجديدة،وسط دارفور، وغرب دارفور.