المصادقة على (سيداو) بين دعاوى تبني الشريعة وضغوط العالم
بدأت في الاونة الاخيرة جولة جديدة من الجدل بشأن مصادقة السودان على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المعروفة بـ(سيداو)، بين المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد وقوي تقليدية ودينية عديدة مسنودة بالجهات الحكومية العدلية التي ترفض حتى الآن التوقيع والمصادقة عليها.
وفيما يرى الناشطون والمدافعون\المدافعات عن حقوق الانسان ان التوقيع على الاتفاقية يعد في صميم التزام السودان بالمواثيق الدولية والاممية ويرون فيها تعزيزا وحقا أصيلا للمرأة في المجتمع، ترفض القوى الدينية والتقليدية ذلك الخطاب وتتهم مناصريه بالتخلي عن الدين إذ يرون في سيداو مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية.
أما هيئة شؤون الانصار ، فرغم كونها مؤسسة دينية لها الا ان لها رأيا مخالفا للمؤسسات الدينية الموالية للحكومة اذ تعتبر انه لابد من التعامل بواقعية وعصرية مع اتفاقية سيداو، وتنظر اليها باعتبارها خطوة جيدة للقضاء على كافة اشكال التمييز ولاعلاقة لها بالتعصب الايدلوجي والاستقطاب الديني المرتبط بالشريعة الإسلامية.
سيداو في سطور
وتعد اتفاقية سيداو احدى أهم المعاهدات الدولية التي تم اعتمادها بواسطة اللجنة العامة للأمم المتحدة عام 1979، وصادقت عليها في 1981. ووقعت على الاتفاقية حتى الآن 189 دولة من بينها دول عربية وإسلامية. وقد وافقت أكثر من خمسين دولا على سيداو مع بعض التحفظات المرتبطة بالكثير من القوانين المحلية والدستورية. ويتجاوز الجدل الدستوري والقانوني المرتبط باتفاقية سيداو، الصراع الدائر بشأنها في المنطقة العربية والاسلامية اذ ان دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وقعت على سيداو لكن لم تفعلها بعد فيما وقعت عليها استراليا محتفظة بحقها في التحفظ على بعض النقاط في سيداو التي تتعارض مع نظامها الدستوري.
ويقع السودان ضمن الأربع دول الوحيدة في العالم التي ترفض جملة وتفصيلا شأن سيداو والتوقيع عليها وهي السعودية، إيران، الصومال، والسودان.
تحفظات دينية
معظم التحفظات التي أبدتها الدول العربية والإسلامية ارتبطت بنظرة تلك الدول وتفسيرها للدين الاسلامي، الامر الذي دفعها للقول بوجود تعارض بين تعاليم الدين الإسلامي وبعض نصوص اتفاقية سيداو. فمثلا في المادة الأولى لاتفاقية سيداو، يعني مصطلح التمييز ضد المرأة، أي تفرقة، او استبعاد، او تقييد يتم على اساس الجنس، ويكون من آثاره أو اغراضه النيل من الاعتراف للمرأة، على أساس تساوي الرجل والمرأة، بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمدنية، أو في اي ميدان اخر، او ابطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق او تمتعها بها وممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية. وتتحفظ بعض الدول في هذا الإطار على تعديل قوانينها وفقا لوجود تعارض بينه وهذه المادة لجهة أن تفسير مصطلح التمييز يعد أمرا واسعا وفضفاضا.
وكذلك هنالك تحفظ حول المادة 16 بشأن مساواة المرأة بالرجل في كافة الامور المتعلقة بالزواج وعلاقات الاسرة أثناء الزواج وعند فسخه، الأمر الذي ترى فيه بعض الدول إخلالا بما كفلته الشريعة الاسلامية للزوجة من حقوق مقابلة لحقوق الزوج بما يحفظ التوازن بينهما.
ويدور لغط واسع بشأن مواد أخرى تتحفظ عليها العديد من الدول العربية مثل مصر تتعلق بالمواد، 2، 9، 15، 16، ثم المادة 29، والتي تدور في مجملها حول منح المرأة نفس حقوق الرجل في المجتمع، فيما يتعلق بالتشريع المتصل بالحقوق السياسية والمدنية والعمل والتعليم و بحركة الأشخاص، وحرية اختيار محل سكنهم، الخ.
ويتذرع بعض المتحفظين بما يسمى سجال الخصوصية والفروقات بين الثقافية بين المجتمعات العربية والاسلامية عن المجتمعات الغربية، مشيرين إلى أن سيداو فصلت حسب طبيعة وثقافة المجتمعات الغربية الامر الذي يطرح مخاوف وتساؤلات عديدة عند محاولة تطبيقها على أرض الواقع في منطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال.
قهر
ناشطات نسويات ومحللون وخبراء يرون في عدم التوقيع علي الاتفاقية قهرا للمرأة في السودان رغم كونها الاكثر تطورا من حيث نيل حقوقها في المنطقة، إذا نالت حقوقها السياسية والاجتماعية قبل سنوات طويلة قبل النساء في الدول العربية والافريقية من حولها.
من جانبها تري اميرة عثمان الناشطة والحقوقية ،واحدي المناهضات لقانون النظام، العام في البلاد في حديثها لـ(عاين) انها تطالب الحكومة بإلغاء وتعديل العديد من القوانين التي تعرقل تطور المرأة وليس فقط سيداو، مشيرة إلى أن التأخير على المصادقة، دليل على تعسف القوانين تجاه المرأة، والسعي إلى هضم حقوقها بالكامل.
وتقول الصحفية ندي رمضان لـ(عاين) انها قوانين تطغي عليها الجوانب السياسية الثقافية والاجتماعية، وتطالب ندي بالاعتراف القانوني لحقوق المرأة، وما يعرقل تقدم المرأة، يتمثل في عدم الاستقرار السياسي والاستبداد الحالي، وحقوق المرأة يجب أن تبقى بمنأى عن الهيمنة، والمناورات السياسية، واكتساب الحقوق الكاملة يتحقق، ويجب أن يكون بوعي المرأة بحقوقها. كما تؤكد رمضان أن هنالك مفارقة في القوانين السودانية، انها تتفق على حد كبير مع المواثيق الدولية التي وقع عليها السودان في فترات متفاوتة، يذكر اهمية دور المرأة كزوجة وأم في المجتمع، باعتبارها جزء من القوى البشرية العاملة، وأنه في مصلحة المجتمع ذاته.
ويعزي الكاتب والباحث عثمان نواي عدم استجابة الدولة للضغوط الدولية إلى طغيان تأثير القوى الدينية الرجعية المتطرفة في البلاد تحت مرأي ومسمع الحكومة. ويضيف نواي في حديثه لـ(عاين) ان صعود التيارات السلفية الجهادية له علاقة بالعلاقات القديمة بين تلك التيارات والحكومة إضافة إلى حوجة النظام لهذه المجموعات مع اقتراب الانتخابات في 2020.
ويعد السودان علي المستويين الرسمي والتشريعي من أكثر الدول الاسلامية تطرفا تجاه التوقيع على اتفاقية سيداو إذ يشاركه في الرفض إيران والصومال فقط. وفيما يرى البعض أن الدولة على المستوى الرسمي بدأت في التزحزح عن موقفها القديم تجاه الاتفاقية وبدأت تتحدث عن تحفظات وليس رفض، الا ان العديد من المؤسسات الدينية غير البعيدة عن الحكومة ما تزال ترفض رفضا باتا أي حديث عن تبني سيداو أو المصادقة عليها.
وفيما تبدي هيئة علماء السودان التابعة بعض المرونة تجاه الاتفاقية ترفضها تيارات أخري دينية رفضا باتا وتصفها بالجريمة. ويقول رئيس هيئة علماء السودان، محمد عثمان صالح انه لا جدوى من التوقيع عليها لأنه لن يغير شيئا من المقاصد النهائية للشريعة، مشددا على التحفظ في جوهر الاتفاقية باطل بنص المادة 28 فقرة 2 من الاتفاقية.
لكن رئيس تيار الامة الواحدة، محمد علي الجزولي المعروف بمواقفه المتشددة ودعمه لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يرفض التوقيع على سيداو قلبا وقالبا، ويصف ذلك بالجريمة في حق الأمة الاسلامية. يقول الجزولي أن “الاتفاقية تعتبر اكبر جريمة بحق الاسرة الاسلامية، وخيانة للأمة السودانية، انها كارثة لن تزيد السودان الا ضنكا وشقاءا، وفقرا، وانها مخالفة للشريعة الاسلامية“.
ويردف الجزولي ذلك بالتهديد بالوقوف ضد اعادة انتخاب البشير في 2020 في حال التوقيع على سيداو من قل الدولة “أيها المسلمون الصائمون الصابرون على سياسات التجويع والافقار الممنهج إن عمر البشير الذي يطلب من شعبنا المؤمن الغيور التجديد له في 2020 يزمع التوقيع على اتفاقية تحمل كل هذا الخبث والاستهداف لقيمنا ومفاهيمنا وبناتنا وأسرنا وأخلاقنا فماذا بقي له من شرعية إن هو أقدم على هذه الجريمة الكبرى“.
إبداء مرونة أم استجابة لضغوط؟
وزارة العدل السودانية من ناحيتها أوصدت الأبواب أمام توقيع الاتفاقية لذات المنطلقات الدينية السابقة، رغم ان وزيرة الدولة بالعدل، الاستاذة نعمات الحويرص أبدت اتجاها جديدا بالتوقيع على الاتفاقية مع الاحتفاظ بحق السودان في التحفظ على بعض بنودها اسوة بمعظم الدول العربية والاسلامية.
وزيرة الضمان والتنمية الاجتماعية مشاعر الدولب ضمت صوتها إلى وزارة العدل، مشيرة الى امكانية التوقيع على سيداو، مع التحفظ على كل ما يخالف الشريعة الاسلامية، نافية وجود ضغوط إقليمية ودولية دفعت السودان لتعديل اتجاهه المتطرف تجاه سيداو.
وفي المقابل يري الامين العام لهيئة شؤون الانصار، عبدالمحمود ابو فقد اتخذ موقفا مغايرا للاتجاه الحكومي، معتبرا التوقيع على سيداو انتصار للمرأة السودانية وإلغاء للتمييز ضدها. ويقول ابو فقد ان “الدول الاسلامية صادقت على الاتفاقية، مع تحفظها على بعض المواد فيها، وسبب ذلك أنها صيغت بعبارات ومفاهيم وايضا مصطلحات في غالب الأمر، تعبر عن الحضارة الغربية، مع تناقضها مع قيم وحضارات أخرى“، كما يؤكد ان مصادقة السودان عليها تأخرت، بسبب طغيان المفاهيم الايديولوجية على نظام الحكم.