الصحافة السودانية تختبر سلاح الإضراب

تقرير شبكة عاين – الثلاثاء 19 ديسمبر 2017

بعد الهجمة الشرسة علي الصحافة في أواخر نوفمبر الماضي، التي شملت مصادرة الصحف بعد الطباعة، دون معرفة الاسباب التي تؤدي الي ذلك، وفشل مجهودات مالكي الصحف، ورؤساء التحرير،للوصول إلى معرفة  أسبابها. وبعد الهجوم قررت شبكة الصحفيين السودانيين، تنظيم إضراب عن العمل، بدأ في الخامس من ديسمبر الحالي لمدة يوم واحد.

وكانت الشبكة قد طالبت   من جميع  أعضائها، الحضور إلى مقرات عملهم (الصحف) مع اﻹمتناع الكامل عن تنفيذ التكاليف اليومية، ومقاطعة التغطيات، ودوائر الأخبار،أو أي نشاط تحريري داخل الصحيفة. استمر الاضراب ليوم واحد. وقال الصحفيين المضربين عن العمل بصحيفة آخر لحظة لـ(عاين) “ان الاضراب سلاح جديد، يجب أن يُفعل علي الدوام”.

حملة وتحركات
و قرر الناشرون تقديم مذكرات للجهات الحكومية ذات الصلة بهدف الاستفسار عن أسباب المصادرات المتوالية لصُحفهم ووقفها بصورة عاجلة، تطالب الجهات المعنية بتحكيم القانون، وإعلاء الدستور بكفالة الحريات الواردة فيه. على ان يكون هو الفيصل في حالة اي ضرر يقع على الجهات التنفيذية، .

وكان  جهاز الأمن  والمخابرات الوطني قد صادر عدد  الخميس 23 نوفمبر المنصرم من صحف الجريدة ، التيار، آخر لحظة، والوطن،بعد الطبع دون إبداء أسباب واضحة. وكرر جهاز الأمن  مصادرة ثلاث صحف سياسية من المطبعة بدون إبداء أسباب.

شملت حملة جهاز الأمن صحف “التيار” و”الجريدة” و”آخر لحظة”. حيث تعتبر هي المصادرة  الرابعة بحق “الجريدة” خلال شهر، وثاني مصادرة بحقها و”التيار” خلال أسبوع.

تراجع مستمر
وشن جهاز الأمن والمخابرات، حملة مصادرات على الصحف الأربع، في أواخر نوفمبر الماضي. من المطابع، دون أن يكشف عن الأسباب التي تدعوه لهذا الإجراء العقابي. ولم تفلح تحركات قادها اتحاد الصحفيين السودانيين ،ناشرون ورؤساء تحرير الصحف المُعاقبة في وقف حملة جهاز الأمن؛ أو معرفة الجريرة التي من أجلها تنفذ المصادرات.

واكدت شبكة الصحفيين السودانيين  في بيان   لها (مصادرة جهاز الأمن لصُحف التيار، الجريدة ، وآخر لحظة من المطبعة فجر الاثنين، وأكدت أن “ذات المصير” كان في انتظار صحيفة الوطن، التي أعاقَها طارئ من الوصول إلى المطبعة).

وتعاني الصحافة  السودانية من هجمات شرسة تنفذها السلطات الأمنية على فترات متقاربة حيث تتعرض للمصادرة تارة والإيقاف تارة أخرى، ما يلحق بها خسائر مادية ومعنوية فادحة. وأظهر تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود هذا العام السودان كسابع أسوأ دولة بالنسبة لحرية الصحافة من أصل 180 دولة شملها إحصاء المنظمة.

قانون امن
يقول رئيس تحرير صحيفة الجريدة الاستاذ اشرف عبدالعزيز لـ(عاين) الايام المضت اسوأ ايام مرت علي تاريخ الصحافة السودانية، موضحاً أن خسائر الصحيفة بلغت 25 ألف جنيه “حوالي ألف دولار”.

وقرر جهاز الامن والمخابرات معاقبة أربعة صحف من دون ذكر اسباب، مؤكداً (هذه المصادرة تؤثر علي القارئ وتؤثر اقتصاديا علي الصحف) واشار الى ان (قانون الأمن الوطني اعلي من قانون الصحافة في السودان. ولا يستطيع الصحفي القفز فوقها، وبعد ما حدث قرر الصحفيون كسر حاجز الصمت، وتضامن معهم الكثير من الصحفيين).

وأوضح أشرف عبد العزيز أنه أجرى اتصالات بإدارة الإعلام التابعة لجهاز الأمن استفسارهم عن أسباب المصادرة، لكنهم رفضوا الإفصاح عن الأسباب قبل أن يلمحوا إلى تحقيق أجرته الصحيفة  عن نزاع أراضي بضاحية الجريف شرق بالخرطوم.

تجفيف وتركيع
في ذات السياق استنكرت شبكة الصحفيين السودانيين، التعسف الأمني التصعيدي مواصلة لنهج السلطة القديم لتصفية وتجفيف الصحف، وإجبارها على الاستسلام، خاصة مع الوقفة التاريخية للوسط الصحفي ضد تعديلات قانون الصحافة المذلة، حيث فوجئت السلطة بردة فعل قوية وغير متوقعة أربكت حساباته تماما، ما جعلها تعود إلى أساليب أشد عنفاً لاسكات صوت الصحافة. توجه الشبكة نداء إلى كل المدافعين عن حقوق الإنسان والمتصدين لحرية التعبير بالداخل والخارج لمناصرة الصحفية السودانية في معِركتها العادلة من أجل الحرية.

ووصف الكاتب والصحفي حسن فاروق لـ(عاين) “تصاعد الهجمة الامنية علي الصحافة السودان بالمُخيفة. حيث وصلت إلى قمتها في شهر ديسمبر الحالي لأيام متتالية، وسجلت أعلى نسبة في مصادرة الصحف بعد الطباعة”. وأشار فاروق إلى أنها محاولة من جهاز الأمن لتجفيف الصحف وتركيٍعها، حتي تغلق ابوابها، اذا فشلت بعد المحاولات. متهماً (جهاز الأمن بمحاصرة الصحف اقتصاديا، ومحاربة الصحافة بحجب الاعلان، وزيادة الضرائب بأشكالها المختلفة واتهم جهاز الأمن بأنه دولة داخل دولة، وأصبح القرار الامني فوق القانون)، ووسط كل ذلك رفعت القاعدة الصحفية من حملات التصعيد ضد الهجمة الامنية علي الصحافة، وابتكرت اشكالا مختلفة في المقاومة من بيان ووقفات احتجاجية ودعوات الإضراب.

تغييب الوعي
في ذات السياق تضامن الناشط السياسي محمد جمعة بابكر محمد مع حملة الصحفيين (أنا مضرب) قائلا لـ(عاين) “صحافة حرة أو لا صحافة، ان مصادرة الصحافة لها أسباب عدة منها الاقتصادية تهدف إلى افقار الصحف حتى تنحني إلى السلطة”، وأضاف من الأسباب السياسية، مثلا كبت الحريات الصحفية، وهذا منصوص عليه في دستور السودان، وترفض الدولة ان تعكس الحقائق للرأي العام، وتدين تمليكها للشارع السوداني، اما مصادرة الصحف الموالية للحكومة، اكد انها مسرحية سيئة الإخراج، يقوم جهاز الامن بمصادرتها، ويعوضها ماليا سرا، ويضيف ان البعد الاجتماعي يهدف إلى تغييب الوعي المجتمعي عن الحقائق والجرائم  التي يمارسها منذ أكثر من عقدين.

الحكومة استغلت تحسن العلاقات مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة الامريكية، وهي تعلم ان السياسة الخارجية لواشنطن، الحريات تأتي في مرتبة أخيرة بالنسبة لهذه الدولة الكبرى ، بهذا بدأ الصحفي حسن بركية حديثه لـ(عاين)  واضاف (ان سبب ذلك الطبيعة الشمولية للحزب الحاكم التي لا تسمح بأي نقد للسياسة الفاشلة والقمعية، هذا سبب تكرار المصادرة) متوقعاً ان تقوم الحكومة بتفصيل مزيدا من القوانين التعسفية القاهرة في المرحلة القادمة، لان تمرير هذه القوانين يعطيها مزيدا من الخطوات التعسفية لممارسة الاسكات زيادة القمع في المرحلة القادمة.

افقار الصحفيين
وذهب في ذات الاتجاه  المدون سامح الشيخ الذي قال لـ(عاين)المصادرة في الفترة الحالية هي امتداد لسلسلة كبت حريات الرأي العام، رغم ادعاء النظام انه يسمح بها، ان الانظمة الشمولية تكره الحرية، هي تدين نفسها بنفسها، ان قضايا الفساد المنتشرة هي ما يقلق مضاجع السلطة في حال تغطيتها اعلاميا، موضحاً (ان المصادرة هي لتأديب الصحافة التي تمردت علي الدولة، والتضييق عليها ماليا، يريدون ان يجعلوا من الصحفيين فقراء ومشردين حتى يسهل ترويِضهم).

من جهته  قال عضو شبكة الصحفيين السودانيين خالد أحمد “مخرجات الحوار الوطني ابتعدت كل البعد في مجال الاعلام”، حتي ما قبل الحوار كان هناك تراجع واضح مجال هامش الحريات، ان الصحافة السودانية تواجه عملية ابادة وانهاء، حتي الصحف المملوكة للحكومة منها ، وتنبأ أحمد بأن تواجه الصحافة خطر الإيقاف بسبب المصادرات والعقوبات،مؤكداً (ان جهاز الامن هو رئيس التحرير الفعلي للصحف، اضافة الى التعليمات القادمة من مؤسسة الرئاسة، وأن هذا يهدد مهنة الصحافة بشكل أساسي في السودان، يسبب خسارات فادحة لها) والحكومة تستهدف الصحافة حتى في هامش الحريات البسيط الموجود، وتغضب عندما تكشف معلومات للمواطن او الجمهور، أكد على استمرار تكميم الأفواه، واصفا إياها انها حالة اختناق، ودعا القوى السياسية الوطنية التي لها مصلحة، عليها ان تدافع علي وجود الصحافة باعتباره منبرا يعكس صوت الشارع.