الصحافة السودانية تتلقى الضربات

الصحافة السودانية تتلقى الضربات: المصادرة وقانون أكثر قسوةوقفة احتجاجية لصحيفة التيار

– شبكة عاين – ٣ أغسطس ٢٠١٦ –

مع كل فجر يوم جديد تتلقى الصحافة السودانية مزيداً من الضربات، ومنها يصبح الطريق ممهداً لجهاز الامن والمخابرات لبسط سيطرته التامة على الواقع الصحفي بالبلاد. ويستمر جهاز الامن بالآلته القمعية من الرقابة القبلية بطرق مباشرة أو بمصادرة الصحف بعد الطبع كما حدث في الأونة الأخيرة، أو غير المباشرة عبر قيادات الصحف التي تقوم بنزع كل ما لا تريده السلطة. ويتندر الصحفيون بالقول: إن رئيس جهاز الامن والمخابرات محمد عطا المولى هو رئيس التحرير الفعلي لكل الصحف السودانية، وقد افقرت بعض الصحف حتى أعلنت عن توقفها من الإصدار وتسريح الصحفيين.

وطوال الفترة القليلة الماضية استمرت السلطات الامنية في سياسة المصادرات العقابية للصحف ومنع الصحفيين من الكتابة واصدار اوامر بفصل عدد منهم بشكل تعسفي. إلى جانب ذلك ظل جهاز الامن وبشكل مستمر يعطي التوجيهات للصحف بعدم تناول مواضيع بعينها، كما إنه وسع من سياسة “الخطوط الحمراء” التي يحذر الصحف من تناولها. وبحسب مراسلون بلا حدود يحتل السودان المرتبة 174 من 180 في تصنيف الدول حول حرية الصحافة.

إستمرار سياسة مصادرة الصحف بعد الطبع

وواصل جهاز الأمن والمخابرات السوداني طوال الفترة الماضية سياسة مصادرة للصحف عقب طباعتها لتكبيدها أكبر الخسائر، حيث استمر الجهاز في مصادرة صحف “الصيحة” و”التغيير” و”الجريدة” من المطابع بدون إبداء أسباب. لكن صحفيون بالصحف رجحوا أن يكون السبب موضوعات رأي لها علاقة بشأن الإنقلاب الفاشل الذي وقع في تركيا في يوليو الماضي.

وبعد المصادرات المستمرة لصحيفة “التغيير” اليومية التي يملكها وزير الصحة في ولاية الخرطوم مامون حميدة, والتي تصدر في الخرطوم اعلنت ادارتها التوقف عن العمل لما وصفته بالظروف غير المحتملة لمواصلة الصدور وسلمت الصحفيين خطابات انهاء الخدمة. في حين توقع صحفيون في صحيفة “الصيحة” المملوكة للطيب مصطفى رئيس منبر السلام العادل (خال الرئيس عمر البشير) أن يكون سبب مصادرة صحيفتهم مقالا لأحد كتاب الرأي حول انقلاب تركيا.

إستمرار الإستدعاءات وسط الصحفيات والصحفيين

وإستدعت الاجهزة الامنية في الفترة الماضية عدد من الصحفيين وقامت بفتح بلاغات في مواجهتهم، حيث قالت شبكة الصحفيين السودانيين إن إدارة الإعلام بجهاز الأمن استدعت الصحفي حسن فاروق، الذي يعمل معداً ومقدماً لبرنامج “زمن إضافي” في إذاعة “هلا 96 إف إم“. وظل فاروق بمكاتب الأمن من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الرابعة مساء، للتحقيق معه حول برنامجه الإذاعي. وأكدت الشبكة أن سبب استدعاء فاروق أنه تناول في حلقاته موضوع انتخابات اتحاد كرة القدم السوداني حيث تطرق الى تدخل الحكومة في انتخابات الاتحاد.

وقامت الشرطة في العاشر من مايو الماضي من القبض على الصحفي محمد كامل واحتجزته بمباني أمن جرائم المعلوماتية ولتفتح في مواجهته بلاغ تحت المادة (17) المتعلقة بإشانة السمعة. وقد رفض وكيل النيابة إطلاق سراحه بضمان مكان إقامته كما جرت العادة أو عبر ضامن آخر، كما ظلت الصحفية في صحيفة “الجريدة” سارة تاج السر تتعرض للملاحقة الأمنية بعد أن نشرت تحقيقاً عن تزوير بعض مدراء إدارات بالبرلمان لبطاقات تحمل صفة رؤساء لجان، وعند نشرها لهذا التحقيق تم إصدار اوامر بالقبض عليها وفتحت في مواجهتها بلاغات تتعلق بنشر اخبار كاذبة.

مقاومة يومية في مواجهة السلطات الأمنية

وتقول الصحفية سارة تاج السر لـ(عاين) أن النيابة طلبت منها تقديم المستندات التي تثبت حقيقة حديثها وبعد ان قامت بذلك تم إعادة إستجوابها، واضافت “قاموا بإعادة إستجوابي وسؤالي عن علاقتي بموقع صحيفة الراكوبة”، وأضافت ” لكن ليس لدي علم ما اذا كان سيتم شطب البلاغ أم لا“.

وفي مدينة الجنينة قام جهاز الأمن والمخابرات بالتحقيق مع مراسل صحيفة الراي العام علاء الدين بابكر بعد كتابته اخبار عن المظاهرات التي اندلعت في المدينة في ديسمبر 2015م وتم تحريك بلاغ سابق “اثارة الشغب”. وفي يوم الخميس 28 أبريل الماضي أمر جهاز الامن الصحف بعدم نشر أخبار تتعلق بإحتجاجات الطلاب بعد مقتل محمد الصادق ويو الطالب في جامعة ام درمان الاهلية.

يقول القيادي في شبكة الصحفيين السودانيين حسن فاروق ان الصحفيين يقاومون يومياً السلطات الامنية التي تسعى للهيمنة على الصحف والصحفيين، مشيراً إلى أن الشبكة ترفع شعار “صحافة حرة أو لا صحافة” وهي مواصلة في عملها المناهض للقيود التي يفرضها جهاز الامن والمخابرات. وأضاف فاروق لـ(عاين) أن مصادرة الصحف ومنع الصحفيين من الكتابة إلى جانب الفصل التعسفي لعدد من الصحفيين ما زال مستمراً وبإزدياد، ويقول ان صحيفة “الجريدة” لوحدها تمت مصادرتها لمدة أربعة أيام متواصلة وأن ذلك يوضح حجم القيود التي تتعرض لها الصحافة السودانية. ويرى أن قواعد الصحفيون ما زالت مستقلة وتمارس عملها بشكل مهني، واضاف “جهاز الامن إستطاع السيطرة على قادة العمل الصحفي ولكن القاعدة الصحفية ما تزال منحازة للصحافة المهنية والحرة“.

طباخة قانون للصحافة ومراقبة التواصل الإجتماعي

منذ فترة غير قليلة أبدت الأجهزة الأمنية وحزب المؤتمر الوطني الحاكم عدم إرتياحهما من قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009م، على الرغم ما يحتويه القانون من قيود على العمل الصحفي. ولكن يبدو أن الحكومة تطالب بالمزيد منها حيث عكفت عدد من اللجان في الحزب الحاكم وجهاز الامن لاعداد مسودة لإجراء تعديلات جوهرية في قانون الصحافة حيث يتوقع بحسب مراقبين أن يكون اسوء من القانون الحالي، وأن النظام يسعى عبر القانون الجديد الذي وضع على منضدة مجلس الصحافة وربما يتم تقديمه لمجلس الوزراء ومن ثم البرلمان لاجازته بصورة نهائية. وتقول مصادر ان النظام سيقوم بزيادة تضييق على مساحة هامش الحريات لتشمل مواقع التواصل الإجتماعي على الانترنت وملاحقة مستخدميها وكذلك مستخدمي تطبيقات الهواتف الذكية مثل “الواتساب“.

وقد وجه وزير العدل السوداني عوض حسن النور بتشكيل لجنة لتعديل قانون الصحافة والمطبوعات وقد خاطب الاجتماع الاول لهذه اللجنة المكونة من مجلس الصحافة والمطبوعات وممثلين للسلطة القضائية إلى جانب نقابة المحاميين واتحاد الصحفيين فضلاً عن جهاز الامن والمخابرات. ويرأس هذه اللجنة الامين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات فضل الله محمد، وعلمت (عاين) من مصادرها وجود لجان متخصصة من دائرة الاعلام في جهاز الأمن قامت بإعداد مسودة لعدد من التعديلات لا سيما المتعلقة بالنشر الالكتروني.

ويقول الكاتب الصحفي بابكر فيصل لـ(عاين) إنه لا يثق في تصرفات الحكومة تجاه الصحافة لان التجارب تقول ان أي قانون تصدره سرعان ما تأتي بآخر أسوأ منه. ويشير إلى أنها قررت إيقاف الرقابة القبلية، لكنها بدات سياسة مصادرة الصحف من المطبعة وأصبح وضع الحريات الصحفية في “كف عفريت” خاصة إنتهاج مصادرة الصحف من المطبعة فهي تكبدها خسائر مالية كبيرة. ويقول ان الحديث عن قانون للصحافة لن ياتي من وراءه جديد باعتبار أن جهاز الامن يتحكم في كل شئ وقضية “صحيفة التيار” أكبر دليل على ذلك، حيث قالت المحكمة الدستورية أن الجهاز ليس لديه السلطة لإيقاف الصحف ولكن استمر جهاز الامن في ايقاف تلك الصحيفة في مخالفة واضحة لقرار المحكمة نفسها التي من واجبها حماية الدستور. ويرى أن اي قانون لن يبرح هذا السقف الذي يضعه الامن، ويتابع “الجديد في قانون الصحافة الذي سيتم تعديله هو إتجاه الحكومة لتقييد النشر الالكتروني ويتوقع ان يحتوي القانون الجديد على مواد للتضييق على مواقع الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي“، ويوضح أن القانون الجديد لن يكون في مصلحة الحريات وسيكون خصما عليها في كل الاحوال.

ويعتقد المحامي محمد فضل ان هذا القانون لم يتم اعداده بالشكل المعروف لمرحلة البناء القانوني حيث تتم إستشارة أصحاب المهنة وتوفيق القانون مع المواثيق الدولية المصادق عليها من قبل الدولة فيما يتعلق بحرية التعبير والصحافة إلى جانب خبراء متخصصين، مضيفا بان رغم النقاش الكثيف حول تعديلات قانون الصحافة لكن حتى الان لم تنشر اي مسودة اولية لفتح نقاش قانوني بجانب اخذ اراء الصحفيين. وأضاف في حديثه ل(عاين) “يبدو انه قانون يطبخ بليل في مكاتب جهاز الامن وسيتم البصم عليه في اللجنة التي اعلنها وزير العدل“، مشيرا الى انهم يتوقعون الاسواء خاصة في تضييق الحريات الصحفية وتوسيع صلاحيات الجهات الرقابة بجانب محاصرة النشر الالكتروني.

حجب مواقع على الإنترنت

وتوقع مراقبون ان تشمل التعديلات الجديدة على قانون الصحافة مواداً متخصصة في الإعلام الإلكتروني، وذَكر المراقبون لـ(عاين ) أن وزير الإعلام السوداني دكتور أحمد بلال عثمان قد أعلن إبان إحتجاجات سبتمبر 2013م أن الأعلام الإلكتروني سيتم حسمه، وظل يطلق التصريحات بملاحقة القائمين على أمر الإعلام الإلكتروني بعد أن إتهم الناشطين بإطلاق الشائعات ونشر الأخبار الكاذبة. لكنه تعهد بالتعامل معهم بجدية، وقد ذكر مواقع إخبارية بانها “ظلت تعمل على تشويه صورة السودان الخارجية“.

بلال الذي بدا وكأنه في معركة مع الفضاء الإسفيري أعلن عن مشروع قانون جديد للصحافة والمطبوعات في وقت سابق، يتضمن مواد تتعلق بالصحافة الإلكترونية يسمح للحكومة بإتخاذ إجراءات عقابية ضد الإعلام الإلكتروني، وإنشاء مجلس خاص يعني بمتابعة ورصد النشر الإلكتروني ومحكمة مختصة بقضايا النشر الإلكتروني. وإعتبر الإعلام الإلكتروني سلاحاً خطيراً مشدداً على وضع إجراءات عقابية في مواجهة المدونين حال تم الوصول إليهم عبر محكمة الصحافة المختصة. وبدأت الحكومة في محاصرة الإعلام الإلكتروني تمثلت في حظر بعض المواقع الإلكترونية مثل: سودانيز اون لاين، الراكوبة، حريات، الطريق وراديو دبنقا، التي تمكنت الحكومة أن توقف بثها من عبر القمر الصناعي نايلسات.

ويرى الصحفي السابق في راديو دبنقا سهل آدم أن الصحافة الإلكترونية إذا ما تمت مقارنتها مع الصحف الورقية يمكن القول انها ذات مصداقية الى حد ما، وأن الصحف الورقية تتأثر بعاملين هما طبيعة ملكية الصحف والقيود القانونية والامنية على حرية التعبير. ويشير إلى أن كثير من الصحف مملوكة للحكومة واجهزتها المختلفة من الباطن، وصحف أخرى ذات ملكية خاصة يتساوق ناشروها مع الحكومة بغية الحصول على الإعلانات وشئ من الإمتيازات المالية. ولذلك ترتبط السياسة التحريرية للصحيفة بما تريده السلطة، أمّا الصحف المستقلة التي لا يرتبط ناشروها بالسلطة يتم التدخل المباشر فى سياستها التحرير عن طريق الرقابة القبلية التي اقرت المحكمة الدستورية شرعيتها فى سابقة نادرة. ويعتقد أن المحررين في المواقع والصحف الإلكترونية لا تتوافر لديهم قدرة إحترافية.

ويستبعد آدم مسألة الحجب او السيطرة على الفضاء الالكترونى من ناحية عملية غير ممكنة، مستصحباً في حديثه تجربته في راديو دبنقا، حيث يشير إلى أنّ الحكومة صرفت مبالغ طائلة عبر هيئة الإتصالات وجهاز الأمن لجلب تقنيات يمكن عبرها حجب المواقع التى تصنفها على انها سالبة، ومحاولتها تشويش استقبال ارسال راديو دبنقا فى دارفور ومناطق اخرى في السودان، وتم إستخدام تقنيات الجيش السوداني ولكنها فشلت.

محاولات فاشلة للسيطرة على تطبيقات الواتساب

وتتفق مديرة التحرير السابقة في صحيفة الرأي العام مزدلفة محمد عثمان مع رأي سهل آدم، في إستحالة السيطرة على هذه المواقع الإلكترونية وتقول لـ(عاين) ان هذه الخطوة في عمومها ليست سهلة، خاصة وأن تلك المواقع تنشط من خارج السودان ويصعب التحكم فيها بسهولة. وترجح أن المقصود من تصريحات وزير الإعلام عن النشر الإلكتروني هو في مواقع التواصل الإجتماعي، وتقول “في تقديري أن تصريحاته كانت نابعة من خشية التأثير القوي لتطبيق خدمة التراسل الفوري ‘واتساب’، باعتباره سهل في تبادل وتداول المعلومات على نطاق واسع وسريع، ويصعب السيطرة عليها او تصحيحها، والحكومة ترغب في وسيلة للسيطرة والتحكم في المعلومات وتعجز عن ذلك مع خدمة الواتساب تحديداً، والحديث عن حظر التطبيق كان مطروحا، لكن وزارة الاتصالات قالت إنه غير ممكن“.

المحامي المتخصص في قضايا النشر نبيل أديب يقول لـ(عاين)، أن الرقابة المسبقة على النشر سواء كان إلكتروني او ورقي يخالف الدستور ما لم يكن بأمر قضائي. لكنه يعبر عن أسفه لكون المحكمة الدستورية قررت في سابقة مسارات انه يمكن للامن اجراء رقابة مسبقة، وهذا أتاح للحكومة مواصلتها الرقابة على الصحف وأضافت عليها النشر الإلكتروني.

ويقول مدير تحرير موقع صحيفة “حريات” عبد المنعم سليمان، لـ(عاين) رداً على هجوم وزير الإعلام على الموقع “ان وزير الإعلام أحمد بلال يكد كداً لإرضاء مخدمه، ويسعى للبقاء في السلطة ولو على حساب كرامته الشخصية، وهو أول من يعلم بان لا إجراءات أخرى ستضرنا، وانا هنا أتحدث عن موقعنا (حريات) تحديداً، حيث ان موقعنا على شبكة الانترنت محجوب عن القراء داخل السودان منذ مايو 2013، ولا توجد إجراءات عقابية جديدة يمكن ان تتخذ أكثر من ذلك“.