السودان … الدولة الأمنية والإنفتاح الجديد على الغرب

شبكة عاين – ٣٠ يونيو  ٢٠١٧

في الثاني عشر من يوليو القادم سوف تصدر الولايات المتحدة الأمريكية قرارها بشأن العقوبات التي تفرضها على السودان منذ أكثر من عقدين. إلا أن مراقبون يرون أن السياسة الأمريكية تضع مصلحتها فوق (الكل)، في الوقت الذي نشهد خطوات سودانية نحو واشنطن، ازدادت القبضة الأمنية مع صعود حميدتي إلى مركز مهم في نظام الخرطوم.

في يناير الماضي أصدر الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما أمرا تنفيذيا قضى برفع العقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة على السودان، وذلك بعد مجهودات ملموسة من دول خليجية بقيادة السعودية، إلا أن  مراقبون يرون أن السياسة الأمريكية باتت واضحة المعالم، فهي تضع مصلحتها فوق (الكل)، وملفات حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي والحكم الرشيد، ليست ذات قيمة لواشنطن بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، ما يهمها هو الملف الأمني فقط.

وكان الرئيس الأمريكي السابق  باراك أوباما قد أصدر أمرا تنفيذيا قضى برفع العقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة على السودان، كما شمل القرار السماح بكافة التحويلات المصرفية بين البلدين واستئناف التبادل التجاري بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية، لكن الأمر التنفيذي أبقى على العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان كدولة راعية للإرهاب، وتم تأجيل رفع العقوبات حتى يوليو المقبل.

ونقلت صحيفة هآرتس الصهيونية آنذاك، عن موظفين إسرائيليين قولهم إن مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية أكدوا لنائب وزير الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، توم شانون، الذي كان في زيارة للأراضي المحتلة، على ضرورة تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان؛ لأن وزارة الخارجية تعتقد أن الحكومة السودانية قطعت قبل نحو عام علاقاتها مع إيران، وأن عملية تهريب الأسلحة من السودان إلى قطاع غزة توقفت، وأن السودان يقترب من محور السعودية الذي تراه إسرائيل معتدلا.

وشمل التخفيف رفع بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، معللة ذلك بما أسمته “التطورات الإيجابية” من جانب الخرطوم خلال الأشهر الستة الأخيرة، وفي رسالة إلى الكونغرس تحدث أوباما عن “تراجع ملحوظ في الأنشطة العسكرية، توجت بتعهد بالإبقاء على وقف القتال، وإلى جهود تحسين عمل المنظمات الإنسانية في البلاد، وتعاون الخرطوم في التعامل مع النزاعات الإقليمية والتهديد الإرهابي”.

تراجع أداء الحركات المسلحة

يقول ل(عاين) الاستاذ عبدالسلام نورين أن الإدارة الجديدة في واشنطن لم تعط الأولوية لقضايا العدالة والسلام في السودان، بل ركزت جهودها على قضايا الأمن والسلم في المحيط الإقليمي للسودان.

ويؤكد نورين إن ما يحدث الآن هي محاولة من الخرطوم للتقرب الى واشنطن، وكسب ود الإدارة الجديدة عن طريق تقديم تنازلات كبيرة بقطع علاقاتها مع جزء من محاور الإرهاب، لكنها ما زالت تحتفظ بعلاقاتها مع البعض الأخر.

بشكل أوضح سعت الحكومة السودانية للتقارب عبر المشاركة في حرب اليمن، وبهذا تود أن تتنصل من تاريخها السابق (أمريكا و روسيا قد دنا عذابها)، وأن تظهر الولاء لأمريكا عبر الدول التي تدور في محور أمريكا، خاصة السعودية، وكذلك التفاهم مع الاتحاد الأوروبي بالتصدي للاتجار بالبشر، وسيعها في محاربة الهجرة غير شرعية.

ويعتقد نورين أن كل هذا يجعل النظام يقترب من واشنطن، ولكنه لا يعتقد بأن هذه الخطوات كافية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفع العقوبات بشكل نهائي، إذا لم  تكن هناك نوايا جادة من الحكومة السودانية في إحلال السلام وتحقيق التحول الديمقراطي.

ويتهم نورين شخصيات بارزة في الأجهزة الأمنية السودانية – دون تسميتها – بتورطهم في الاتجار بالبشر والتهريب، ولم تحاسب إلى الآن، مما يجعل كل هذه الخطوات تفتقد للمصداقية، وواشنطن لديها معلومات بذلك.

الإدارة الأمريكية تعاملت مع قضايا الأمن والسلم أكثر من القضايا الأخرى، مثل إحلال السلام أو الدفاع عن حقوق الإنسان، ولم تعطي الأولوية للقضايا السودانية على الأقل في الوقت الراهن، كما تراجعت قضية دارفور داخل الدوائر الغربية من حيث الاهتمام بسبب تراجع أداء الحركات المسلحة سياسيا وعسكريا، ما أحدث اختلال واضح في موازين القوى لصالح الحكومة ومليشياتها، وجعل الإدارة الأمريكية تفكر وتركز جهودها في قضايا أخرى.

وضع السودان الحساس داخل محيط إقليمي مضطرب ومنهار في ليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، إضافة لتصرف القادة السياسيين المعارضين في السودان كممثلين لقوميات أو جهات إقليمية وفشلهم في بناء كتلة متجانسة، جعل النظام أكثر قوة، وجعل الإدارة الأمريكية تنظر للتغيير بريب وتشكك في قدرة القوى البديلة – على الأقل في الوقت الراهن – في إحداث التغيير، لهذا تصب تركيزها على مصالحها مع النظام، وهذا لا يتماشى مع التضحيات الجسيمة للشعب السوداني بشكل عام ودارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان بشكل خاص.

طرق أبواب واشنطن

بينما يرى الأستاذ محمد سليمان المهتم بأوضاع النزاع في دارفور، أن محاولات الخرطوم لطرق أبواب واشنطن هي محاولات فاشلة، ما لم تبدي الحكومة التزاماً جاداً بوقف الحروب في مناطق النزاع، وعودة الاستقرار إليها، وقضية المحكمة الجنائية عقبة أمام التحول المتوقع.

 

ويرى محمد سليمان أن الحكومة شاركت في عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن مع السعودية التي تقود ذلك التحالف، بإرسال مليشيات الدعم السريع كمرتزقة، وإشراك الدعم السريع كقوات متهمة بارتكاب فظائع في الحد من تدفق الهجرة صوب ليبيا، كلها محاولات للتقرب من واشنطن والغرب.

مصلحة واشنطن أولوية

يعتقد الكاتب سامح الشيخ إن الإدارة الأمريكية السابقة قامت بالرفع الجزئي للعقوبات من أجل مصلحتها فقط، وقال لـ(عاين) : (واشنطن لاحظت ضعف المعارضة وعدم وحدتها، وفشلها في إسقاط النظام، كما أن الحكومة حققت انتصارات دبلوماسية من الجانب الأخر، و سوقت نفسها جيدا للإدارة الأمريكية)، أضاف قائلاً: (بالنسبة لواشنطن صار بقاء النظام أمر واقع يجب التعامل معه من أجل مصلحتها).

يرى سامح إن إدارة دونالد ترامب الجديدة ستسير علي نفس الخط السابق، باعتبار المصلحة الأمريكية فوق كل شيء، ويشير إلى أن الإدارة الجديدة تستطيع مد الحكومة بمعلومات عسكرية كي تقوم بحسم الحركات المناوئة لها، في سبيل التعامل مع حكومة الخرطوم، باعتبارها ضعيفة من الناحية العسكرية.

أميركا ترغب في بقاء النظام

من جانبه يشير الأديب السر الشريف إلى أن الإدارة الأمريكية ترغب في بقاء النظام الحالي، باعتباره نموذجا للإسلام السياسي بالنسبة لواشنطن، يمكن استخدامه سياسيا واقتصاديا، مثل الأنظمة الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط، تدفع مبالغ كبيرة لشراء طائرات عسكرية، وهذا ما قام به النظام الملكي في السعودية بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض، بحجة مكافحة الإرهاب.

ويضيف السر قائلاً: (أمريكا هي زاهدة تريد مكافحة الارهاب الاسلامي، بل تسعى لتحقيق مشاريع اقتصادية)، واصفا إياه بالمشروع الاستعماري الامبريالي الجديد، إلا أن الثمن سيدفعه السودانيون، ويشير الشريف إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد نموذجا مثل الدول البترولية في الخليج التي تروج للإرهاب في العالم.

في تقرير نشره موقع (Nuba Reports) كشف أن حكومة السودان انتهكت حظر الأمم المتحدة لاستيراد الأسلحة والمعدات العسكرية، حيث مدت إيران والصين هذه الأسلحة للخرطوم، والقوات المسلحة جددت دعمها بأنواع جديدة من الأسلحة الثقيلة، واستخدمتها خلال موسم القتال في النيل الأزرق عام  2016.

في الوقت ذاته تقوم حكومة السودان بدعم بتسليح قوات ومليشيات من ساحل العاج حتي الصومال، وإن السودان به مصنع وشبكة لتوزيع تلك الأسلحة، كالتعاون الصناعي العسكري، ولأسباب واضحة لا تقوم حكومة السودان بنشر معلومات عن تجارة الأسلحة. إلا أن باحثين من موقع (الأسلحة الصغيرة) وثقوا وجود أسلحة وذخائر في مناطق النزاع، حيث دعمت الحكومة السودانية تمرد جماعة السيليكا التي أسقطت الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي في جمهورية أفريقيا الوسطى.