الدعم السريع ينقل تكتيكات معارك دارفور الى الخرطوم
لم تكن المجزرة التي أقدمت عليها القوات الحكومية على رأسها قوات الدعم السريع جريمة انسانية يحاسب عليها القانون الدولي فقط، بل مثلت لحظة فارقة في التاريخ السوداني – حسب محللين ونشطاء – اذ قامت مليشيات الدعم السريع بنقل معاركها الحربية بذات الوحشية والتكتيكات التي قامت بها في دارفور وبقية مناطق النزاعات إلى العاصمة الخرطوم.
ويرى كثيرون أن قوات الدعم السريع مصحوبة بالاجهزة الامنية للنظام القديم، هي من خططت ونفذت عملية فض الاعتصام، بعد أن غلت يد القوات المسلحة التي لم تستطع حماية المواطنين، وسط غضب مكتوم في القواعد والقيادات الدنيا للقوات المسلحة.
وتتواصل تكتيكات العنف من قبل الدعم السريع متمثلة في النهب والترويع للمواطنين واقتحام المنازل وضرب المتظاهرين واستخدام الرصاص الحي والقنابل الصوتية بوسط الأحياء.
وكان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بـ حميدتي قد حذر في تصريحات في مايو الماضي من ان نعمة الامن التي ينعم بها المواطنون في الخرطوم بسبب وجود قواته. وقال لدي حضوره إفطار نظمته بعض قيادات الإدارات أهلية “ناس الخرطوم مفترض يحمدوا الله على نعمة الأمن، لكن هم ما عارفين قيمتها”.
حصر مستمر للضحايا
وارتفع عدد قتلى مجزرة الاعتصام – في صبيحة الثالث من يونيو٢٠١٩ – إلى حوالي 120 شهيدا بحسب مصادر طبية تحدثت لـ (عاين)، مؤكدة سقوط أكثر من 500 جريح خلال أحداث العنف التي صاحبت وتلت عملية فض الاعتصام.
وكانت لجنة اطباء السودان المركزية أكدت ان عدد القتلى وصل إلى 108 بينما تمسكت وزارة الصحة الاتحادية بأن عدد القتلى لا يتجاوز 61 شخصا فقط.
وتتوقع مصادر (عاين) الطبية أن يستمر عدد الضحايا في الارتفاع نسبة لاستمرار عنف قوات الدعم السريع ضد التظاهرات التي اندلعت في معظم الأحياء اثر فض الاعتصام، مشيرة إلى أن انقطاع خدمة الانترنت عن كافة انحاء البلاد، زاد من التعتيم علي أعداد ضحايا مجزرة الاثنين وما تبعها.
وأبانت المصادر أن فرقاً من المتطوعين ما تزال تجوب المناطق المتاخمة لنهر النيل في مناطق مختلفة في الخرطوم وامدرمان وبحري وسط غياب تام للسلطات الامنية والصحية في البلاد. واشارت المصادر الي العثور علي 56 جثة في مناطق مختلفة منها، الفكي هاشم، الجزيرة اسلانج وشرق النيل وغيرها.
خلافات بين الدعم والجيش
وبرزت خلافات وتناقضات حادة بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة بسبب الضغط الكبير الذي تجابهه قيادة القوات المسلحة من قبل صغار ومتوسطي الضباط في الخرطوم وبعض الوحدات الأخرى في الولايات، حسب مصادر بالقوات المسلحة تحدثت لـ (عاين).
وحذرت المصادر بان الاوضاع على حافة الانفجار رغم سيطرة قوات الدعم السريع على معظم قيادات القوات المسلحة، وأكدت المصادر أن بوادر احتكاكات نشبت في الخرطوم، بورتسودان، ربك، كوستي وسنار بين الطرفين، ولكن تم احتواؤها بسرعة من قياداتهما، لكن التوتر ما يزال موجودا.
وكشفت المصادر عن القبض على العشرات من ضباط الجيش وايداعهم السجون الحربية تحت حراسة الدعم السريع بسبب مخالفتهم التعليمات الصادرة من بعض قياداتهم، وأبانت المصادر أن قوات الدعم السريع تسيطر على معظم القيادة العامة للقوات المسلحة حاليا، وكافة الوحدات العسكرية داخل القيادة العامة ما عدا قيادة القوات البرية التي رفضت انتشار الدعم السريع داخل حرم قيادتها منذ العاشر من أبريل الماضي.
نزع سلاح الجيش وتناقض المجلس
وأفادت مصادر (عاين) ان التقارير التي تحدثت عن نزع سلاح معظم جنود وضباط القوات المسلحة عشية الاعتداء على المعتصمين صحيحة، مشيرة الى ان الاوامر صدرت للقوات المسلحة بالتراجع إلى داخل ثكناتها منذ عصر الأحد الماضي الثاني من يونيو، وتم نزع السلاح وإغلاق البوابات لضمان عدم حماية جنود القوات المسلحة للمعتصمين.
وقالت المصادر إن قوات من هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني شاركت في عملية فض الاعتصام بجانب قوات الدعم السريع، وكشفت عن وجود قناصة بين القوات المهاجمة، الأمر الذي أدى الى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا والقتلى.
وظهرت تناقضات بين تصريحات رئيس المجلس العسكري عبدالفتاح البرهان نائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في بياناتهم الرسمية بمناسبة عيد الفطر. وفيما اتسمت تصريحات البرهان بالتوافقية والرغبة في التفاوض، جاء خطاب حميدتي مليئا بالتهديدات، نافيا تورط قواته في مجزرة الاثنين.
هجوم وحشي على السلمية
يقول محمد علي أحد المعتصمين امام القيادة العامة، لـ(عاين) انه لم يتوقع ان يكون الأمر بهذا السوء والدموية، وذكر أنهم كانوا قبل ساعات من هجوم قوات الدعم السريع عليهم، كانوا يتحدثون كمجموعة من الأصدقاء بالخيارات الموجودة، وإذا ما كان المجلس العسكري سوف يقبل بحكومة مدنية في الفترة المقبلة، وام ستكون هنالك تسوية تلقي بظلالها علي الثورة، وهذا ما لا يريده غالبية المعتصمين، لكن ان يكون هناك هجوم من قبل الجنجويد عليهم أمام القيادة العامة، ذلك لم يكن في الحسبان.
ويبين علي أن الهجوم كان مفاجئا، وتم بصورة وحشية ومن كافة الاتجاهات، اذ ظهرت العربات محملة بكل الاسلحة كأنهم ذاهبون إلى معركة حاسمة او مصيرية على حدود الوطن. “إطلاق النار كان بطريقة تهدف إلى فض الاعتصام بكل السبل، بعض الثوار كانوا نائمين، وتفاجئوا بالأعيرة النارية عليهم، الأمر الذي أدى الى وقوع الاصابات كبيرة نتيجة اطلاق النيران الكثيفة تجاه الثوار السلميين، ان هذه القوات يبدو الحقد ظاهر في عيونهم، وكأن لا قلوب لهم”.
ويبين شاهد عيان آخر أن قوات الدعم السريع التي قامت بفض الاعتصام استخدمت القوة المفرطة في فض الاعتصام مثل استخدام الرصاص بصورة عشوائية، اضافة لاطلاق القنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيل للدموع إضافة لجلد المتظاهرين بصورة وحشية.
تحرش وجثث في النيل
ويقول شاهد اخر فضل حجب اسمه لـ (عاين) ان القوات المهاجمة اعتدت علي النساء بقوة وتحرشت بالعديد منهن وسط أنباء غير مؤكدة عن عمليات اغتصاب جرت في بعض أجزاء ساحة الاعتصام.
ويقول نشطاء سياسيون وأطباء، ان قوات الدعم السريع حاصرت المستشفيات ومنعت وصول سيارات الإسعاف والجرحى واعتدت على الأطباء بالضرب في مستشفيات المعلم ورويال كير ومستشفي الخرطوم وفضيل وغيرها من المستشفيات.
في الاثناء أكدت لجنة أطباء السودان المركزية ان لجان انقاذ طوعية كونها الأهالي تمكنت من العثور على 40 جثة تم اغراقها في نهر النيل عقب قتلهم في معركة فض الاعتصام فجر الاثنين. وأكد بيان الاطباء ان “سيارات من الدعم السريع أخذت جثث القتلى إلى أماكن غير معلومة”.
وفي سياق ذي صلة أكد ناشطون العثور علي عدد من الجثث في داخليات جامعة الخرطوم، بعد اعتداءات تمت عليهم من قبل قوات الدعم السريع، وتمت تصفية بعضهم بالرصاص، بينما قتل بعضهم طعنا بالسلاح الابيض.
بري في المشهد مرة أخرى
بينما يضيف أحد شباب بري، بعد قامت قوات الدعم بفض الاعتصام من أمام القيادة العامة، توجهت قوة مدججة إلى الحي، بالبحث عن الثوار في بري، ويقتحمون بعض البيوت بعناية، فضل الشاب حجب اسمه، يقول ل(عاين) ان اقتحام المنازل دليل على قوات جهاز الامن والمخابرات الوطني وراء هذا العمل الذي لا يشبه شهامة السودانيين، ويؤكد ان جهاز الامن يريد الانتقام من الشباب الثوار الذين وقفوا بصلابة أمام عنجهيته قبل سقوط البشير، وهم يبحثون عن كل من شارك وصنع الثورة.
ويؤكد ايضا، هناك من اعتقلتهم قوات الدعم السريع وجهاز الأمن والمخابرات الوطني من بري، ولا يستطيع أن يؤكد كم عددهم حتى كتابة التقرير، يعتقد ان يكونوا اغلبية من المشاركين المؤثرين في اعتصام القيادة العامة، وناشد جميع المنظمات الحقوقية معرفة أسماء المعتقلين حتى لا تكون هناك تصفيات جسدية لهم، وطالب بالضغط على الحكومة بكشف اسماء ومكان من اعتقلوا من بري، بعد الهجوم البربري واللإنساني على بيوت المواطنين الآمنين.
الدعم السريع ملاذ الفلول
ويقول محلل سياسي رفض ذكر اسمه في هذا التقرير ان كافة القوات الحكومية تتحمل مسئولية المجزرة، لكنه يشير الى الادلة الواضحة لايادي وتكتيكات الجنجويد في مجزرة القيادة العامة. “استخدام الرصاص بصورة عشوائية وحرق الخيام ومنع سيارات الإسعاف من وصول المستشفيات والتحرش بالنساء اضافة لعمليات نهب الموبايلات وغيرها من الدلائل التي تشبه بصورة كبيرة تكتيكات الحرب التي يقودها الدعم السريع في مناطق العمليات لا سيما في دارفور”.
فيما يرى الناشط السياسي هاشم بدرالدين في مقال له ان الاجهزة الامنية للنظام القديم ضالعة في كافة عمليات القمع التي تتم منذ سقوط البشير، بما في ذلك مجزرة فض الاعتصام. وأشار الى أن، “الهجرة الجماعية إلي الدعم السريع دقت ناقوس الخطر ليس فقط لدى قيادة جهاز الأمن التى تحاول جاهدة أن تقنع عناصرها بأنهم في مأمن من المحاسبة وإن أوضاعهم لن تتاثر بسقوط عمر البشير لكن دون جدوى رغم سيل الترقيات ورفع المرتبات”.
ودقت ايضا ناقوس الخطر أيضاً لدى المجلس العسكري، وبقايا الجبهة الترابية التى تحاول أن تحشد صفوفها، لا للعودة إلى السلطة، فذلك أمر مستحيل، ولكن لإبقاء سيطرة العسكر على مجلس السيادة حتى يضمنوا حكومة انتقالية ضعيفة لا تستطيع محاكمتهم على الجرائم التى ارتكبوها ولا تفكيك مؤسساتهم الاقتصادية التى قامت بأموال الشعب المنهوبة، ولا إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وإخراج الذين دخلوها عن طريق التعيين السياسي أو جاءوها من جهاز الأمن”.
ويضيف، “قامت إدارة جهاز الأمن، تلافياً لفضيحة أن الجهاز قد إنهار، بالطلب من حميدتي إلحاق هيئة العمليات (عصابات الرباطة الملثمين) بالدعم السريع. وقد تم الإلحاق الذي لم يكن سوى إضفاء صفة رسمية على أمر واقع”.
عقوبة من الاتحاد الأفريقي
وكنتيجة لتفاقم الأحداث الدموية في الخرطوم، قررت مفوضية الاتحاد الأفريقى تعليق عضوية السودان فى كل أنشطة الاتحاد الى حين تشكيل حكومة مدنية، وذلك خلال جلسة مغلقة عقدها مجلس السلم والأمن في أديس أبابا، والتى صوت فيها لصالح تعليق مشاركة السودان.
وأفاد مصدر مطلع بالمجلس أنه تم خلال الجلسة مراجعة المبادئ والمواثيق التى يقوم عليها الاتحاد الأفريقى، وذلك بهدف تحديد الإجراءات المناسبة تجاه الأزمة في السودان. وأوضح الرئيس المباشر لمجلس السلم والأمن باتريك كابوا في مؤتمر صحفي الخميس 6 يونيو، أن المجلس سيفرض آليا إجراءات عقابية على الأفراد والكيانات التي منعت إرساء سلطة مدنية في السودان”.
ويذكر أن الاتحاد الأفريقي كان قد دعا منذ بداية الأزمة إلى نقل سريع للسلطة من العسكر إلى المدنيين، إدانته للانقلاب العسكري، وأكد عدم تسامحه مطلقا مع أي تغييرات غير دستورية في السودان.