الجمهوريين: قرن من النضال الفكري
منذ إعدام الأستاذ محمود محمد طه في عام 1985 مُنع الحزب الجمهوري من ممارسة السياسة بشكل قانوني رغم محاولات التسجيل. ما هو الحزب الجمهوري؟ وما هي معركتهم مع الأنظمة المتتالية في الخرطوم؟
مثلت لحظة اعدام الزعيم التاريخي الأستاذ محمود محمد طه في يناير من العام 1985 لحظة مفصلية وتاريخية من لحظات الصراع بين التيارات السلفية والمعتدلة، وقمة جبل جليد للقهر الديني والسياسي في البلاد لم تتوقف إلى يومنا هذا. ويري كثيرون أنها كانت اعدام للفكر ومحاسبة الضمير غير مسبوقة في تاريخ البلاد، ورغم أن المحكمة أنصفت الاستاذ محمود وألغت الحكم عقب اقتلاع انتفاضة أبريل للديكتاتور السوداني الأسبق جعفر نميري إلا ان بذرة العنف الديني كانت قد غرست عميقا في تربة الاعتدال الديني ومثلت طعنة نجلاء لإرث التسامح الديني في البلاد.
وتعد تجربة “الأخوان” الجمهوريين في السودان احدي التجارب الإنسانية والدينية الفارقة في الصبر على المكاره إذ استمرت صداماته مع الحكومات السودانية المتعاقبة ومع التيار الديني السلفي منذ ما قبل الاستقلال.
ومنذ إعدام محمود محمد طه ،لم تتح السلطات السودانية الحرية للجمهوريين بممارسة نشاطهم، بل وصل الامر تجريم كل من يصرح بأنه يدعم فكر الجمهوريين في السودان، الامر الذي ادى الى انحسار نشاطهم، واضمحلال دورهم في التغيير المجتمعي بشكل علني لفترة تقارب ربع قرن من الزمن.
إلى أن جاءت اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الحكومة السودانية المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي فتحت هامش للحريات وشرعة الباب للتسجيل الأحزاب السياسية. فبدا الحزب في اتخاذ القنوات الرسمية وفق مسار الدستور والقانون في تنظيم نفسه للتسجيل، لكنه اصطدم مرة اخرى بعقلية السلف المحركة للامور بالبلاد فخرج علماء السودان بفتاوى تمنع تسجيل الحزب. واستغل قادة الجماعات السلفية منابرهم في خطب الجمعة للمواصلة التشويش حول الجمهوريين. خطب وفتاوى أدت إلى تراجع مسجل الهيئات لاتخاذ قرار تسجيل الحزب وفق إفادة نائب الامين العام للحزب، بعدها ظهر الجمهوريين في التجمعات الرسمية المنادية بإسقاط النظام فظهرت رئيسة الحزب اسماء محمود محمد طه في احتجاجات رفض إلغاء وتم اعتقال أمين عام الحزب برفسور حيدر الصافي ضمن قادة القوى السياسية في فبراير الماضي.
“مشروع فكري متكامل”
ويقول الأمين السياسي للحزب الجمهوري د. حيدر الصافي ان الحزب الجمهوري نشأ من اربعينات القرن الماضي، نشأة صحية في مهد الحركة الوطنية, موضحاً في حديثه لـ(عاين) ان محمود محمد طه “كان يدعو لدولة ديمقراطية فيدرالية“. ويستعرض د. الصافي تجربة نشاط الجمهوريين قائلاً “بدأ الجمهوريين نشاطهم بالمناشير لملء فراغ حماس السياسية فواصل في الأنشطة إلى أن نشأت قضية فتاة رفاعة التي ناهضها الاستاذ ، واستغل الموقف استقلال حسن لتوعية الحس الوطني وواصل في الانشطة حتى تم السجن عليه في سنة 46 لمدة سنتين، كأول سجين سياسي“. ويواصل الأمين السياسي د. الصافي في استرجاع ذاكرة الجمهوريين بالقول في العام 51 بدأت الدعوة مرحلة جديدة بعد الاعتكاف “الخلوة” فرسم الاستاذ محمود ملامح مشروع فكري متكامل، يرتكز على الفهم الإسلامي بمستواه الفكري وليس العقدي. دعوة اتسمت بالغرابة كفكرة قائمة على إحياء سنة النبي ، فهو عاش قمة الإسلام الذي لا يرضى الله غيره وكان هذا تمييز. و يتميز به الأستاذ على كل معاصريه فهو يعني بالرسالة الاولى ما شرعه الله والثانية ما قام به محمد من أعمال اي إحياء سنة النبي صلى عليه وسلم.
وفي ذات الإطار تحدث نائب الأمين السياسي للحزب الجمهوري عصام الدين خضر عن الفترة الاخير لأنشطة نشأة الحزب قائلاً “المرحلة الاخيرة بدأت إرهاصاتها من-98 1997 فمنذ العام 85 لم يكن هناك حراك يذكر الى تاريخ 97-98 تحركت مجموعة عرفت بمجموعة الخط العام، بها مجموعة من الجمهوريين، كانوا يؤمنون بأن الحركة أن أونها للتواصل مع الناس. هذا العمل عرف بعمل الخط 2001، ونتج ما يعرف بالتنظيم الجديد، وكانت استغلال لاتفاق جيبوتي مصالحة المهدي والإنقاذ وقانون التوالي. ويواصل د. الصافي “نظمنا أنفسنا على مستوى الدار وطبعنا كتب وتم حوار مع مجموعة المركز بقيادة الاستاذة اسماء فتم الاتفاق على الحزب بشكله الجديد، واتفقنا على الحراك فبدأنا في تأسيس الحزب الجمهوري في مرحلته الجديدة من 1913“.
رأي الجمهوريين في احداث تاريخية مرت
يرى د. الصافي أن محتوى رسالة الأستاذ محمود محمد طه نموذج تربوي وهو ما شكل التحدي الحقيقي، مقارنا نهجه في ما يتبعه من قول بالعمل. وأضاف كل الفلسفات والأديان ازماتها “الفشل بين القول والعمل” النظرية والتطبيق. واستدرك قائلاً الأستاذ كان يعيش كل ما يدعيه من قيم على المستوى المعيشي. ضاربا مثالاً بنهج الحرية الذي كان يطبقه الأستاذ من بيته قبل أن يدعو لانتهاجه. وفي الحديث عن القضايا المفصلية في تاريخ السودان قال حيدر الصافي “الاستاذ كان يدعو الى الفيدرالية في السودان وخصوصية المناطق، كان يقترح 5 ولايات، وكل ولاية يعطيها حقها على أن تتوحد الخمس في القمة بجيش موحود ذات سياسة خارجية موحدة في المركز. في قضية الجنوب اعترض فيها الأستاذ على مجلس الشمال، وكان يطالب الاستاذ في منشور ‘هذا او الطوفان’ بحقن الدماء في الجنوب“ والغاء قوانين سبتمبر 83 لأنها قائمة على العقيدة وتهدد وحدة السودان. بعد ذلك تم تلفيق تهمة الردة لتغطية الفشل السياسي للحكومة آنذاك. من جهته يقول عصام خضر “الأستاذ كان ينظر إلى حل مشكلة الجنوب في حل مشكلة الشمال ومشكلة الشمال هي انعدام المذهبية والاستاذ تحدث عن أن الجنوب له مشكلة، في كتاب مشكلة الجنوب تحدث عن لماذا يريد الناس أن يهزموا اتفاقية أديس أبابا“.
دور الجمهوريين في تعديل قانون الأحوال الشخصية
عرف الفكر الجمهوري بالنشاط في كافة القوانين المشرعة من قبل جهات التشريع في السودان ولعل أبرزها هي قوانين سبتمبر 83، وفي هذا الإطار يقول بروف الصافي الفرق بين النظري والتطبيق ظهر عملياً انو السودان يمكنه إقامة دستور كدستور 2005، دستور في مجمله محترم لكن في التطبيق حصل الفشل، وتجارب الأحوال الشخصية هي التي تحكم العلاقة بين المجتمع السوداني مثل الطلاق والزاواج وغيره. الاسلاميين يمددون العلائق الشخصية ويستغلونه بالشكل السلفي، فهم ينظرون إلى الأحوال الشخصية بالتمييز بين المرأة والرجل، وتفقد قواعد المواطنة بين المسلم وغير المسلم في قانون الأحوال الشخصية، الذي يجب أن يتم بشكل مرجعية دينية أي مرتكز فلسفي ومذهبي لتسقط كل وسائل التمايز بين الرجل والمرأة والمسلم وبالتالي تحقق المواطنة. “بالدور الرئيسي للفكر الجمهوري في الإطار التنويري يكون في رفع الوعي العام في تطوير مادة اصول الدين لتكون مواكبة للقيمة الإنسانية البتحلم بيها الانسان المعاصر“.
المرتكز الأساسي عند الاستاذ قائم على الإسلام العلمي، والمنطقة في الدين هي المنطقة التي تتلاقى فيها البشرية، يعني كل الناس أصحاب عقائد، المنطقة العليا هي منطقة العلم وهي المنطقة التي لا يسأل الإنسان عن دينه وإنما يسأل عن خلقة ومخرجات عقله وتفكيره وممارسته وهنا الحرية حق اساسي. مرتكزات الرسالة الثانية مأخوذة من وراء إن العقيدة هي أدخل في تحقيق القيم الإنسانية من العلمانية لأن العلمانية مبنية على الديمقراطية دون ما يقوم الجناح الاشتراكي كما يفعل النظام الراسمالية الليبرالي، والاشتراكية ان يقوم العملي الديمقراطي كما يفعل الجناح الشيوعي، فالدعوة للديمقراطية في جهاز واحد دون تمحيص أو وصايا المرحلة مبنية على الحكم الرشيد، “نحن ندعو للديمقراطية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية في قمم أعلى مستوياتها النظرية والتطبيقية”. نحن نطرح آليات لتحقيق تلك القيام فلا يمكن أن نطرح تجربة سلفية نحن في الأساس قائمين ضدها
تحديات الجمهوريين
لم يظل الحزب الجمهوري حبيساً للقرارات السياسية الرافضة لاعتماده ضمن الأحزاب السياسية المسجلة وفق قانون تسجيل الأحزاب المنبثقة من الدستور، فقد حاول الحزب الجمهوري التسجيل مراراً وتكرارا كان آخرها في العام 2017 ولكن قوبل بالرفض من المحكمة الدستورية بسبب تعارض أنشطته مع مبادئ العقيدة الإسلامية. هذا قراراستنكره الجمهوريين ويقول محامي الجمهوريين فيما يختص بالتسجيل نبيل اديب لـ(عاين) “كتبت الطعن المتصل بمجلس شئون الأحزاب وفي نظري مجلس شئون الأحزاب لم يصدر قراره وفق القانون والدستور”. وذلك أن الحزب الجمهوري تقدم بطلب اوفى فيه كل المتطلبات الشكلية المجلس رفض التسجيل بدعوى أن الحزب له افكار منافية للشريعة الاسلامية، وقال أديب ” هذا ليس من سلطات مجلس الأحزاب لأنه ليس حكرا على فكر الأحزاب علي فقط اعداد المؤسسين ووجود لائحة وبرنامج هذا البرنامج، مجلس الأحزاب ليس هو حكماً على فكر الحزب مايهمه هو الجوانب القانونية شرط أن لا تكون هناك مخالفة للدستور، وهي سيادة حكم القانون الاستيلاء على السلطة بشكل عنيف التعددية. او بشكل غير دستوري اما الافكار فهي ليست شغلتهم مجلس الأحزاب استند على المادة 5 وهي أن تكون الشريعة الاسلامية والإجماع مصدرا للتشريع التي تسن على المستوى القومي وتطبق على ولايات شمال السودان . هذه التشريعات يجب أن يكون الأحكام قطعية الدلالة للمشروع. وهذه مسائل فيها الكثير من الخلافات. برنامج الحزب الجمهوري لا صلة له بأي مسألة مخالفة للشريعة الاسلامية. هو برنامج يتحدث عن الحريات العامة والمساواة أعددنا الطعن ولكن المحكمة الدستورية فرفضته وهذا في نظري مخالف تماما قانون المحكمة الدستورية للدستور نفسه وللمحكمة الدستورية نفسها التي تعتبر حارسة الدستور وحماية الحقوق والحريات العامة “المادة من الدستور تقول إن هذه الوثيقة تحميها وتصونها المحكمة الدستورية” فلا يجوز للمحكمة الدستورية رفض مسألة تقوم على انتهاك أهم بنود الدستور مخالف لحكم المحكمة الدستورية قرار المحكمة الدستورية في مسألة الحزب الجمهوري كان مثيراً للدهشة فيه انتهاك لحرية أعضاء اللجنة التأسيسية للحزب الجمهوري.
تأثير الجماعات السلفية
يرجع السكرتير السياسي للاخوان الجمهوريين رفض تسجيلهم كحزب إلى الجماعات السلفية المؤثرة على السلطة قائلا “الجهات السلفية لابد لها من قمع هذا الفكر والتشويش عليه لأن الفكر الجمهوري مبني على تقويض النظام السلفي تماماً لذلك الدين مهنة بالنسبة لهم ‘بعيشه بيهو ومابعيشو عليه’. الإنقاذ مركزها هو الفكر السلفي لذلك حوربت الفكرة لدرجة انها ادت الفصيحة في مجلس شئون الأحزاب رفض يسجل الأحزاب وفرض من نفسه رقيب يحاكم اراء الحزب وهذا ليس دورها. فتوى من هيئة علماء السودان أثروا على قرار مجلس شئون الأحزاب بإصدار قرار متناقض فحواه أن الحزب يتعارض مع الديمقراطية والشريعة الاسلامية والشريعة الاسلامية ليست فيها ديمقراطية أضافوا السلام الاجتماعي كديكور“. واضاف “العقل لا ينحرف بهواه في تطبيق القانون لذلك محتاجين مجتمع حر في إنجاب الفرد الحر الأحزاب ليست لها إليه في قواعد الشعب عشان نعيش القيم الديمقراطية على اعتبار أن قواعدنا بعيدة عن النخب وبين القيم والنخب”
مشاركات الجمهوريين
ورغم حظر ناشطه الا ان الحزب الجمهوري اعلن التحدي وقرر ممارسة النشاط السياسي ويعلق على هذه الجزئية عصام الدين خضر بالقول “نشط الحزب الجمهوري في الحراك السياسي، فخرجت رئيسة الحزب استاذة اسماء محمود في مظاهرات رفض الغلاء فتم استدعاؤه من قبل السلطات الامنية“. ويزيد تعرض السكرتير السياسي ونائبه، وعدد من عضوية الحزب الى الاعتقال لفترة تقارب الشهرين في يناير الماضي. ولكن لم يشارك الحزب الجمهوري في تجمعات العمل المعارض داخل و خارج السودان. من جهة اخرى فسر سكرتير عام الحزب حيدر الصافي عدم مشاركتهم في تجمعات المعارضة بأن النجاح اي فعل سياسي هو ان يكون الانسان ديمقراطي في نفسه، في اشارة لعدم ديمقراطية الأحزاب قائلا “نحن محتاجين نعد مجتمع سليم لذلك كان يعمل ألاستاذ في التقدم الحقيقي في إنتاج الفرد الحر” ويرى الجمهوريين أن الأحزاب لم تكن لها أليةً في انتاج الشعب، لذلك هم يركزون في قضية الوعي، لأن الإصلاح لن يتم في ظروف المضايقات وتدهور الأوضاع الاقتصادية الحالية وغيرها.
الجمهوريين والاحزاب الاخرى
وفيما يختص بموقف القوى السياسية الاخرى من الحزب الجمهوري قال عصام الدين خضر نائب الأمين السياسي للحزب الجمهوري “تعرض الحزب الجمهوري لمضايقات وتم تتبع كل الأحزاب التي تضامنت مع الحزب الجمهوري” بعد أن عمل الجمهوريين كل العمل القانوني من ناحية قانونية، للدفاع عن حقوقهم المنتهية حق الحياة والحرية، لكنهم واجهوا العديد من التحديات مثل مضايقة الحزب الشيوعي عندما فتح لهم الباب للاقامة مؤتمر صحفي وتم مضايقتهم في كافة الأنشطة بحراسة المركز العام بالعربات المسلحة وحراسة منزل الاستاذ. وطالتهمم الاعتقالات في الحراك الجماهيري الأخير وتم استدعاء الاستاذة اسماء والسكرتير العام بروف حيدر الصافي وآخرون“.