البرد يقتل 10 اشخاص بينهم اطفال فروا من محرقة الدعم السريع في دارفور
١٥ يناير ٢٠١٥
انا ابحث عن اسرتي ولم اجد احداً منهم، وكلما يأتي نازحون جدد الي المعسكر اذهب اليهم واُمني نفسي بان اجد والدتي وبقية افراد الاسرة ولكن دون جدوى، هكذا تقول نعمات يونس وهي تروي قصتها لـ(عاين) بعد ان نزحت من قريها (قوز بينة) في ولاية شمال دارفور في اعقاب اجتياحها من قبل الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع التابعة لجهاز الامن والمخابرات قبل اسبوعين، وهذه مأساة جديدة تضاف الى مأسي الاقليم الذي يشهد حرباً تجاوزت العشر سنوات ، وتضيف بصوت حزين (سمعت اصوات وصراخ الاطفال والنساء وانا احاول الهرب الى اي مكان آمن وصوت الرصاص في كل مكان).
وفر الالاف من قراهم بعد اجتياح مليشيا الدعم السريع منطقة (فنقا) في شمال دارفور، وواجه الكثيرون منهم معاناة شديدة خاصة الاطفال والنساء اثناء الفرار، خاصة ان فصل شتاء هذا العام كان قارساً، والذي اودى بحياة عشرة اطفال جراء البرد الشديد، الذين التحفوا السماء وافترشوا الارض.
قصص الناجون من المحرقة
تقول نعمات انها كانت في قريتها (قوز بينة) وقد سمعت ان مليشيا الجنجويد (قوات الدعم السريع) قامت بهجوم عسكري على بعض القرى في شمال دارفور وان عمليات اغتصاب قد ارتكبت الى جانب القتل والنهب، وتضيف (بينما كنا نسمع عن تلك الاحداث رأيت مجموعات كبيرة من النساء والاطفال يتحركون الى قريتنا من القرى المجاورة)، وتشير الى ان القادمين ابلغوهم بان قراهم قد تم احراقها تماماً وان قرية (كويم) التي تجاور قريتها تم حرقها بالكامل والاغتصاب.
وتروي نعمات لـ (عاين) قصة رحلة معاناتها خلال خروجها من قريتها الي ان وصلت الي معسكر (زمزم) للنازحين الذي يقع شمال مدينة الفاشر، والآلام التي واجهتها اثناء فرارها، حيث تقول ان المعسكر الذي يضم الفارون من قرى (ام مرسال، حلة كويم وقوز بينة) يفتقد الكثير من الاحتياجات الاساسية، وتضيف ان المنظر الاكثر حزناً كان عندما رأت أمرأة كبيرة في السن وهي تفارق الحياة من التعب والبرد، وتقول (اثناء قدومي في الايام الاولي توفيت امرأة كبيرة في السن، عمرها قرابة الستين وحدث ذلك امام عيني).
وتشير نعمات الى ان اسرتها فقدت كل شئ وحتي المواشي قد تمت سرقتها، وتضيف (انا لدي اسبوع في معسكر زمزم انام في العراء ليس لدي بطانية ولا راكوبة احتمي بها من البرد الشديد كما نعاني من الجوع)، وتتمنى نعمات ان تجد اسرتها التي فقدتها اثناء الفرار من هجوم المليشيات والقوات الحكومية وتقول (لم اذق طعم النوم جراء القلق على حياتهم واشعر بالخوف الشديد خاصة ان الاسرة لا اعلم اين هم)، وتضيف ان خالتها شوقارة تم ضربها من قبل المليشيات الحكومية واصيبت بجروح خطيرة ولم تتلقي اي علاج قرابة الاسبوع، وتقول ان شخصاً اسمه دفع الله ولا تعرف الى اي منطقة ينتمي اليها قد تم قتله بالقرب من المعسكر.
المشي على الاقدام لمسافات طويلة
وقصة اخرى يحكيها عبد الحميد ابراهيم لـ(عاين) وهو من احدى قرى طويلة في شمال دارفور، ويقول (بعد ان حرقت قريتي في منطقة طويلة، وسرقت مليشيا الجنجويد التي تعرف بالدعم السريع كل ممتلكاتنا مع حرق بقية الممتلكات)، وقد وصل هو الى معسكر (ابوشوك) للنازحين الذي يقع شمال مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بعد ان سار مشياً على الاقدام لاكثر من (72) ومع ذلك يقول ان مليشيا الدعم السريع لم تتركهم يفرون بممتلكاتهم بل انها قامت بايقاف الفارين ونهبوا كل ما يحملونه.
ويروي منصور آدم ادريس من ابناء شمال دارفور لـ(عاين) قصة خروج احد اقرباءه من قريته بعد الهجوم العسكري المباغت الذي شنته مليشيا الدعم السريع، ويقول ان قريبه عاد الى منزله بعد انتهاء عمله في الزراعة وقبل شروعه في الدخول راى ان مجموعة من النساء والاطفال في القرية يخرجون بسرعة في خوف وهلع، ويضيف ان الذين قرروا الفرار لم يكن يحملون شيئاً من مسلتزماتهم.
ويقول ادريس (ابلغني قريبي هذا ان القرية تم احراقها بالكامل وهرب المواطنون بالملابس التي هم عليها والاطفال والنساء كانوا في حالة من الخوف الشديد)، ويشير الى ان موجة البرد الشديد كانت قسوة جديدة زادت على معاناتهم الى جانب غياب الغطاء والخيم والدواء والماء، مناشداً المجتمع الدولي بالالتفات الى هذه المأساة وتوفير الاحتياجات الضرورية خاصة للرضع والصبية والنساء وكبار السن، ويقول (لا يمكن للمجتمع الدولي ان يتفرج على هذه المعاناة ولا يتحرك لانقاذ هؤلاء الاطفال وتوفير الحماية لهم والادانة وحدها لا تخدم شئ).
ويواجه النازحون الجدد صعوبات شديدة مع برودة الطقس الذي لم يشهده اقليم دارفور مثل بقية انحاء السودان، حيث سجلت درجات الحرارة انخفاضاً غير مسبوق، ولكن الفارون من قصف القوات الحكومية ومليشيا الدعم السريع واجهوا معانأة اقسى من المشي لمسافات طويلة، واستمرار هجوم المليشيات عليهم مع برودة الطقس حيث لا شئ يقيهم سوى الملابس البالية على اجسادهم، وفي المعسكرات التي تمكنوا من الوصول اليها لم يجدوا الاغطية ليتدثروا من البرودة الشديدة.
من لم يحصده الرصاص قتله البرد
والاوضاع داخل المعسكر لا تقل سوءاًعن الاوضاع المأسوية التي يعانوا منها، ولكن هذه المرة لم يكن للنازحين الجدد الفارين من الهجمات الاخيرة ما يغطي جسدهم من البرد، ويضيف (الاوضاع في المعسكر صعبة شديد ليس لدينا اغطية من البرد، والان موجود مع مواطنين اعرفهم في المعسكر)، ويتابع (ليس لدي بطانية للغطاء من البرد).
وادت موجات البرد القارس التي طالت مناطق واسعة في السودان واجه الفارون من منطقة شرق جبل مرة بعد الاشتباكات الدامية بين الحكومة والحركات المسلحة موجات البرد ومطاردة المليشيات، و بشمال دارفور لقي (10) و من بينهم اطفال في معسكري شنقل طوباي ونيفاشا للنازحين حتفهم جراء البرد القارس، اثناء محاولتهم اللجوء الي معسكرات النزوح، وقد وصلت اكثر (180) اسرة نازحة الي المعسكر في ظروف انسانية بالغة الصعوبة هربا من الاقتتال بمناطق (فنقا، دوبو المدرسة، دوبو العمدة) بشرق الجبل، واسماء الذين توفوا بسبب البرد القارس بحسب النازحين، هم: عبدالله ادم، جدو سليمان، فاطمة عيسى، علي حسنية هارون، فرحة بحر ادم، عبد القويم هارون، مودة يعقوب، محسن علي ادم، و حواء مختار يحى.
هجوم الدعم السريع .. قتل .. حرق ونزوح
وقامت القوات الحكومية ومليشيا الدعم السريع بشن هجوم واسع على قرى شرق جبل مرة بداية يناير الحالي ادت الى مقتل المئات، وقامت المليشيات بحرق اكثر من (45) قرية بحسب النازحين من تلك القرى وتقرير مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابعة للامم المتحدة (اوشا)، وقضت على المحاصيل الزراعية، وفر اكثر من (87) الف نازح من بلدة (حسكنيتة) في محلية طويلة في ولاية شمال دارفور، وجرت عملية اغتصاب لخمس فتيات الى جانب حرق ونهب المنازل.
ويقول النازحون ان هناك اكثر من (15) قرية قد تم احراقها تماماً الى جانب تهجير قسري لسكان (30) قرية اخرى حيث فر منها المواطنون، وتشير الامم المتحدة ان الاشتباكات تسببت في نزوح حوالي (37) الف مواطن من مناطق شمال وشرق جبل مرة بعد هجوم (مجموعات مسلحة) تابعة للحكومة على منطقة (فنقا) التي احرقت فيها (21) قرية. ويكشف ابراهيم لـ(عاين) عن هجوم آخر وقع على معسكر (زمزم) الذي يقع جنوب مدينة الفاشر في شمال دارفور من قبل مليشيا تابعة للحكومة عن مقتل شخصين وجرح (3) الثلاثاء الماضي.
ذكرى بداية الحرب الاليمة تعود من جديد
يقول العمدة ادم محمود رئيس معسكر (السلام) في ولاية شمال دارفور لـ(عاين) ان الهجوم الجديد في مناطق جبل مرة نتج عنه نزوح جديد، ويضيف (لكن هذه المرة النزوح تم تحت ظروف قاسية جدا، حيث البرد القارس ومعاناة الاطفال الصغار والامهات الحوامل من كل الجوانب منها نقص في الاغطية)، ويشير الى ان المعسكر يزداد عدد النازحين فيه مع وقوع اشتباكات جديدة في هذه المناطق، ويضيف ان كل مناطق دارفور اصبحت غير آمنة وان المليشيات تمارس ابشع انواع القتل الوحشي والاغتصابات الجماعية على القاصرات، ويقول (هذا يذكرنا بالفترات الاولى عند بداية الحرب قبل 12 عاماً وهذه الموجة الجديدة من الهجوم العسكري مارست المليشيات عمليات نهب غير مسبوقة)، ويضيف (سرقوا كل شئ من المواطنين).
ويقول محمود ان المواطنين فروا بالملابس التي يرتدونها وان المليشيات نهبت ما استطاعت نهبه والاشياء التي لم يستطيع النازحون حملها قام رجال المليشيات باحراقها في المنازل، ويعتقد ان المحظوظين هم الذين فروا ونجوا من المحرقة ومن اخفقوا فانهم مصيرهم القتل، ويرى ان صمت المجتمع الدولي يثير الريبة، ويقول (هذا الهجوم البشع وكل المأسي وقعت امام قوات حفظ السلام المعروفة باليوناميد ولكن الصمت هو سيد الموقف)، وفي سخرية يقول (الحكومة تصريحاتها انها تريد ان تهزم الحركات المسلحة في دارفور ولكن الذي يحدث لا علاقة له بتلك التصريحات لان قوات الحكومة تخوض حرباً ضد المدنيين في كل المناطق والمحليات)، ويطالب الحكومة بالا تهاجم مناطق المدنيين العزل اذا ارادت الهجوم على الحركات المسلحة، ويقول (عندما يتم ابلاغ الشرطة والجيش بان مجموعات مسلحة تهاجم القري وتحرق لا تجد اذناً صاغية منهم بل انهم يتفرجون كأنهم يشاهدون مسلسل تلفزيوني).
حملة اوقفوا الابادة الجماعية الثانية
بدأت حملة جديدة تحت مسمى (اوقفوا الابادة الجماعية) وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الحملة لتذكير العالم بما يحدث في الاقليم من حرب دخلت عامها الـ(12)، وتقول ميمونة عبدالله فطر احدي مؤسسي حملة اوقفوا الابادة الجماعية في دارفور لـ(عاين)، ان هدف الحملة ارسال رسائل الي كل الشرائح في الداخل والخارج بمرور (12) سنة علي الحرب في دارفور ومازالت الازمة تراوح مكانها، وتضيف ان علي المجتمع الدولي ان يعمل علي ايقاف الابادة الجماعية الثانية في دارفور وقد ازدادت الجرائم علي المواطنين العزل خاصة وسط الاطفال والنساء وكبار السن.
وناشدت فطر المجتمع الدولي الى الالتفاف الي ما يحدث في دارفور من الانتهاكات المستمرة، والعمل على الضغط علي الحكومة السودانية بايقاف سياستها تجاه المدنيين العزل، والعودة الى ملاحقة الهاربين من المحكمة الجنائية الدولية وفي مقدمتهم الرئيس عمر البشير، وتقول ان هناك خمول في الاعلام العالمي وفي الداخل صوت الحكومة وحدها، وتضيف (لذلك قررنا هذه الحملة لكشف الانتهاكات والجرائم التي يتم ارتكابها ونذكر المجتمع الدولي بتعهداته تجاه دارفور) .
وابدي منصور ادم ادريس من ولاية شمال دارفور استغرابه من صمت المجتمع الدولي حول ما يدور الان في مناطق شرق جبل مرة ومواقع اخرى في دارفور طوال الاسبوعين الاخرين ، ويقول (لا مجلس الامن تكلم عن الجرائم التي يتم ارتكابها الان ولا الامم المتحدة نظرت في هذا النزوح الجديد الي معسكرات السلام وطويلة لتقدم المساعدات للنازحين والفارين من جحيم القوات الحكومية).