الأنقسنا : ترحيل قسري للسكان واتهامات باستقدام آخرين

 

٢٦ مايو ٢٠١٥

يواجه سكان جبال الانقسنا التهجير القسري من موطنهم الاصلي في محلية ( باو ) الى الضفة الشرقية في منطقة الرصيرص ، وفي ذات الوقت دخلت المنطقة في معارك عسكرية بين قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال مع القوات الحكومية ، فضلاً عن توترات بين دولتي السودان وجنوب السودان على الحدود المشتركة والاتهامات المتبادلة بينهما في دعم متمردي البلدين ، وهذه التوترات اصبحت تهيئ الاقليم الى حرب قد تكون شاملة على طول الحزام الممتد من جنوب شرق السودان في النيل الازرق الى غربها في دارفور ، ويعتقد كثير من المراقبين ان التهجير القسري الذي تقوم به الحكومة السودانية في مناطق بعينها في جنوب النيل الازرق الهدف منها انشاء قواعد عسكرية ومطار صغير لدعم المتمردين من جنوب السودان ، واستقدام سكان آخرين في المنطقة على غرار ما يحدث في اقليم دارفور ، حتى يتم تغيير سكاني في المنطقة .

 

قسوة الحياة  .. والتهجير القسري

ما بين ويلات الحرب وقسوة الحياة والبحث عن العيش في ظروف آمنة.. يواجه سكان الأنقسنا   التهجير القسري من موطنهم الأصلي في محلية (باو ) إلى الضفة الشرقية بمنطقة الرصيرص، وقد بدأت القوات المسلحة عمليات إخلاء واسعة بالمنطقة، وسط حالة من الهلع أصابت المواطنين، فضلا ًعن عدم توفر الخدمات والإسعافات الأولية وأوضاع الأطفال والنساء وكبار السن .

والمنطقة الغنية بالثروات المختلفة من معادن واراضي زراعية تشهد معارك دامية بين قوات الجبهة الثورية والقوات المسلحة ويتقاسم الطرفان السيطرة على اراضي واسعة ، إلا أنها الآن اصبحت منطقة خالية من السكان لا سيما ان عملية التهجير مستمرة مما جعلها منطقة عسكرية، ويعتقد السكان المحليون ان الحكومة سوف تستقدم سكاناً آخرين لتغيير لاحداث تغيير سكاني في المنطقة ، وقد بدأت عملية التهجير منذ العاشر من شهر مايو الجاري ، حيث تم ترحيل ثلاث قرى في المحلية وسط حالة من الرعب وسط المواطنين الذي ظلوا يرفضون ترك قراهم الاصلية متمسكون بارض اباءهم واجدادهم .

ويقول مسؤول في منظمة ( فايدا) العاملة في الشأن الإنساني في ولاية النيل الأزرق لـ (عاين) أن الجيش السوداني بدأ عمليات إخلاء واسعة لقرى( مقنزا ، بقيس وأبوقرن ) في منطقة جبال الأنقسنا في محلية ( باو )، وقام بنقل وترحيل حوالي 1700 أسرة في عملية تهجير قسري، مشيراً إلى حدوث إحتكاكات مع بعض الرافضين وتهديدهم بقوة السلاح  بعد ان تم اعتقالهم ، ويضيف بأن قوات الجيش قامت بترحيل المواطنين بصورة مفاجئة إلى منطقتي “العزازة وقنيص” بالضفة الشرقية لمحلية الرصيرص ، بعد أن تم تجميعهم في منطقة ( أبو شندي )  جنوب حي القسم بمحلية الدمازين، مؤكداً إستمرار عمليات الإخلاء وترحيل ونقل المواطنون خارج قراهم لجعلها منطقة عسكرية خالية من السكان .

وعبر المسؤول في المنظمة والذي فضل عدم تعريف اسمه لـ (عاين ) عن قلقه خاصة وأن المواطنين تم نقلهم بالقوة ، وإعتبر أن العملية تمت بطريقة غير  لائقة ودون مراعاة لوجود الأطفال والنساء وكبار السن ، ودون وضع ترتيبات وتجيهزات مسبقة ،  ويضيف ( تم نقلهم على عربات الجيش مع عدم توفر الخدمات الضرورية من إسعافات أولية ومراعاة للحالات الطارئة ولكبار السن) .

 

عمليات تهديد وخطف لاجبار المواطنين بالاخلاء

ويقول أحد الأعيان بقرى محلية ( باو ) والذي رفض تعريف هويته لـ(عاين) أن الأهالي رفضوا ترك مساكنهم الأصلية، ويشير إلى أنهم لم تتم استشارتهم ولم يتم إطلاعهم على المنطقة التي تم ترحليهم إليها حتى ولو كانت داخل الولاية ،متهماً  الحكومة السودانية بتنفيذ هذه العملية لإستقدام سكان آخرين جدد كبدائل لسكان القرى الأصليين لطمس الهوية، وتابع ( تم ترحيلنا قسراً ليتم إستقدام سكان آخرين وتوطينهم في قرانا ) ، ويقول ( هو ذات السيناريو الذي إتبعته الحكومة في دارفور تحاول تطبيقه في ولاية النيل الأزرق ) ، ويحذر من أن هذا النهج سيسبب كارثة إجتماعية ومعارك بين القبائل في المستقبل القريب ومع السكان الجدد الذي ينوي النظام استقدامهم ، واوضح ان عمليات الترحيل يتم فيها تهديد بالسلاح من قبل القوات المسلحة وعمليات حجز واعتقال وخطف

ويشير إلى أن عمليات الترحيل تمت تحت إشراف القوات المسلحة وتحت تهديد السلاح، مؤكداً وجود عمليات إعتقال وحجز وخطف لبعض المعترضين على الترحيل، ناشد المنظمات الإنسانية والدولية بالتدخل من أجل تأمين المدنين، والضغط على الحكومة السودانية لوقف تلك العمليات.

بينما يعتقد الخبير الأمني والعسكري محمد العباس الامين في حديثه لـ (عاين ) ان مسالة ترحيل سكان واعادة توزيعهم امر طبيعي ، ويقول أن مواقع الحرب تحدث فيها عملية إعادة توزيع السكان وتغير مواقعهم في القرى وذلك لجعل المناطق آمنة ، ويضيف ( قد لاتكون هنالك بوادر حرب ولكن لإعادة تمكين الأوضاع تهجير السكان في مناطق النزاع من قراهم أو من موقع لأخر أحياناً وفي مرات اخرى قد تكون هنالك مشكلة في حماية المدنين خاصة النساء والأطفال ) .

 

انعكاسات التوتر بين الخرطوم وجوبا

مع تصاعد العمليات العسكرية بين المتمردين في السودان وجنوب السودان ، ترتفع اصوات الاتهامات بين الخرطوم وجوبا بدعم كل بلد متمردي البلد الاخر ، وهذا التوتر مستمر منذ اعلان استقلال دولة جنوب السودان ، حتى ان البلدين دخلا في مواجهة عسكرية في ابريل العام 2012 ، ثم ما عادا للتفاوض والاتفاق في سبتمبر من ذات العام ، ولكن اتفاق التعاون المشترك بينهما لم يتم تنفيذه حتى الان ، لا سيما ان البلدين يشهدان حروبهما الداخلية التي تتجدد الاتهامات بينهما في دعم متمردي الطرفين .

وجددت جوبا اتهاماتها ضد الحكومة السودانية في الضلوع بشكل واضح في الهجوم الاخير الذي نفذه المتمردون التابعون لنائب الرئيس السابق رياك مشار، ويرى محللون سياسيون في جوبا تحدثوا لـ ( عاين ) ان الاستخبارات العسكرية السودانية قامت بانشاء قاعدة عسكرية في كل من كوستي ومناطق بالقرب من ( باو ) في النيل الازرق لتدريب وتشوين قوات مشار ، ويعتقد المحللون ان الهجوم الكثيف الذي تعرضته له ولايتي اعالي النيل والوحدة انطلق من داخل الارضي السودانية ، وباشراف مباشر من الخرطوم  .

بل ان وزير الاعلام في حكومة جنوب السودان والمتحدث الرسمي باسمها مايكل مكواي لم يستبعد مشاركة مليشيات تابعة للجيش السوداني في معارك قادمة الى جانب قوات رياك مشار ، ويقول مكواي لـ (عاين ) ان التنسيق الذي تم بين قوات مشار والمنشق عن الجيش الحكومي جونسون اولونج قد تم من القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية لتنفيذ الهجوم على مدينة ملكال وحقول النفط ، ويضيف ” كنا نعلم بوجود التنسيق بينه ورياك مشار عبر عناصر المتمردين المقيمين في الخرطوم “مؤكداً ان الحكومة السودانية تعمل بشكل مباشر في دعم التمرد ودفع الاوضاع الى عدم الاستقرار في بلاده ، وقال ” النظام السوداني ضالع حتى اذنيه في تخريب الاوضاع في بلادنا بتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي والتدريب والتمويل والتسليح لقوات مشار ” ، ويتابع ” نعلم ان الخرطوم عينها على نفط بلادنا ولذلك يحاول المتمردون السيطرة على آبار النفط عبر الهجوم الواسع على اعالي النيل ” .

ومن جانبه ينفى المتحدث باسم المتمردين جيمس قديت لوني بشدة لـ (عاين ) وجود اي دعم عسكري من قبل الحكومة السودانية لقواته ، ويصفها بالدعاية السياسية تطلقها جوبا بعد كل هزيمة عسكرية  ، ويشير الى ان قواته غير موجودة سواء في النيل الازرق او منطقة اخرى داخل السودان، ويقول ” نحن لا نتلقى اي دعم من الخرطوم وما يردده نظام سلفا كير كذب فاضح وعليه بتقديم الدليل ” ، مشيراً ان اوغندا تقاتل بالجنود والمروحيات الى جانب قوات جنوب السودان ، مؤكداً ان القائد العسكري المنشق عن الجيش الحكومي جونسون اولونج لم يعلن رسمياً من انضمامه الى التمرد بقيادة رياك مشار ، وقال ” نحن لن نعلن انضمام اولونج الى جانبنا ما لم يعلن هو نفسه ذلك ولكن جنوده على الارض ينسقون في القتال معنا وكانوا سبباً في سقوط مدينة ملكال ودخول جنودنا اليها

استبعاد اندلاع الحرب بين السودان وجنوب السودان

ويستبعد الخبير العسكري محمد العباس الامين أي إحتمال لإندلاع حرب بين البلدين ، ويقول أن الحرب مرة أخرى غير واردة بين البلدين، ويعزي ذلك إلى أن الموقف العسكري في  الخرطوم وجوبا متردي جداً وخاصة جنوب السودان، ويشير إلى أن هنالك تعديلات وتغيرات جذرية حدثت على الأرض حيث تسيطر قبيلتان على الأوضاع في الجنوب ” الدينكا الأكثر عدداً يسيطرون على الثروة والسلطة في البلاد، لكن الان الثروة ” البترول” في مناطق قبيلة النوير وهو ما قاد الى التمرد الحالي بقيادة نائب الرئيس السابق رياك مشار .

ويقول الأمين أن التداخل القبلي يسهل من حركة القبائل والتنقل هنا وهناك، ولكن ربما يعتبر البعض أن هذه التحركات تعطي مؤشرات بوجود حرب قادمة بين الدولتين، لكن لاتوجد حرب قادمة حركة القبائل تسير بشكل طبيعي، وهذه التحركات محكومة بسطيرة الجيش في الدولتين ويتم التحرك بناء على تعليمات.

 

تجنيد الاطفال لخوض الحرب في النيل الازرق

بدأت السلطات في ولاية النيل الازرق بإعتقال ما يناهز عن (20 ) طفلاً  بغرض ضمهم الى المليشيات ، وعندما تصدت الأسر والناشطين لهذا المسلك تم تحويل الاطفال الى سجون الشرطة بالتخطيط لأعمال تخريبية .

ويسرد احد الاطفال اللذين تم القبض عليهم من محلية الدمازين  بولاية النيل الازرق قصة القبض عليه مع أقرانه من سوق ( التضامن )  ، ويقول ( تم القبض علينا مساء الأربعاء ونحن ذاهبون الى السوق، وقد توقفت سيارة لاندكروز وتم اخذنا الى قسم شرطة الاوسط  ووجدنا اطفالاً آخرين يصل عددهم نحو (19 ) طفلاً واعمارهم تتراوح بين “15 الى 17 عاماً” ، ويشير الى ان رجال الشرطة اطلقوا عليهم اسم ( النيقرز ) ، ويضيف ( لقد تم وضعنا في الزنزانة لاننا رفضنا اتهامنا بفعل الفوضى  ) ، ويصف ان الزنزانة ضيقة، ويقول ( لقد اخرجونا لتنظيف حوش السجن وهذا افضل من بقاءنا في الزنزانة ) .

تهديد وإغراء

ويمضي ذات  المصدر الذي كان من ضمن المساجين في سرد احداث اليوم الثالث لـ(عاين)، ان احد رجال الامن عرض عليهم العمل في القوات المحاربة مع الحكومة ضد الحركة الشعبية ، ويضيف ( قلنا نحن مادايرين جيش ، فقام قال لينا ده ما جيش دي مشاركات للوطن بتساعدكم لقدام في الدراسة الجامعية وفي الشغل ) ، ويقول ( لقد رفضنا وتم تهديدنا ) ، ويشير الى ان اسرهم تدخلت وتمت اعادتهم الى قسم الشرطة ، ويضيف ( تم الافراج عنا ووجدنا ان اهلنا كانوا في الخارج ينتظروننا غير ان هناك من تبقى في السجن).

وكانت هذه الاجراءات قد بدأت مع الانتخابات التي جرت مؤخراً ، ويرى المحامي حسن يوسف في حديثه لـ (عاين ) ان عملية اتسقطاب الاطفال ودفعهم الى الحرب بانه غير مقبول خاصة ان الشرطة هي التي قامت باعتقالهم وتسليمهم الى الاجهزة الامنية التي مارست ضغوطاً على الاطفال بوسائل الترهيب والترغيب ، ويشير الى ان المحاكمة افرجت عن بعضهم من الذين تم تدوين بلاغات ضدهم بعد تحرك الناشطين والاسر

وطالب الناشط الحقوقي عبد الجليل علي المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الانسان والطفولة الى تسليط الضوء على هذه الانتهاكات التي تقوم بها الاجهزة الامنية ، ويكشف عن جرائم عديدة تم ارتكابها بحرق القرى والاعتقالات العشوائية والتي وصلت الى حد التصفيات الجسدية ، ويرى ان ما يتم فعله يعد جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية .

وهذا تورد (عاين) علي بيانات بعض الاطفال اللذين تعرضوا للسجن والتعذيب وهم

  • عبد الجليل يوسف 17 عام الصف الثاني ثانوي

  • مهند ابراهيم 16 عام الصف الثاني ثانوي

  • حنين يوسف 15 عام الصف الثامن اساس

  • محمد صلاح 19 عام الصف الاول ثانوي

  • الامين جبارة 14 عام الصف السابع اساس

  • يونس محمد على 15 عام الصف الثامن اساس

  • توني كمال 14 عام

  • البديع محمد 14 عام

  • خالد على 16 عام