ازمة فحم وقود الطهي … بين قطع الارزاق والمحافظة على البيئة

 ازمة فحم وقود الطهي ... بين قطع الارزاق والمحافظة على البيئة

– شبكة عاين – ١٦ سبتمبر ٢٠١٥ –

لم تتبقى لـ”فضل احمد” الذى يمتهن توزيع فحم الوقود النباتي، للمطاعم وبائعات الشاى في هذه المهنة سوى ايام معدودات بسبب نفاد الكميات التى اودعها في مخزنه الصغير وسط العاصمة السودانية الخرطوم ، الى جانب عدم قدرته على شراء كميات اخرى بسبب قرار وزاري قضى بايقاف قطع الاشجار الامر الذى تقلص على اثره المنتج من “الفحم” وتضاعف سعره في الاسواق .

منع قطع الاشجار يوقف تجارة الفحم

وفضل هذا الذى عمل في هذه المهنة لاكثر من خمس سنوات، يقول لـ (عاين ) انه سيجد نفسه واشقاءه خارج سوق العمل الذى يوفر له واسرته ابسط مقومات الحياة ،  فهو يشترى عدد من جوالات “الفحم” ويوزعها في اكياس صغيرة ومن ثم يتفرغ هو واثنين من اشقائه لحملها على “درداقات” – ناقلة صغيرة تدفع بالايدي وبها عجلة واحدة امامية – ويطوف بها على زبائنه طوال النهار وسط العاصمة الخرطوم من اصحاب المطاعم الصغيرة وبائعات الشاى المنتشرات بكثافة في شوارع وحول اسواق المدينة .

ويقول فضل : ( سأجد نفسى مجبرا مع اشقائى لترك المهنة التي عملت فيها لسنوات بسبب القرار الحكومي الذى منع استيراد الفحم من مناطق الانتاج ) ، ويضيف : (ويقولون ان الحكومة تريد ان تحافظ على الغابات من القطع الجائر للاشجار ، لكن لم يوفروا لنا البدائل هناك آلاف العاملين على تجارة الفحم الذى تعتمد عليه معظم الاسر السودانية في الارياف وحتى في بعض المدن” ، ويشير الى انه عمل من قبل في ” ملجة سوق الخضار لسنوات والذي تمت ازالته باوامر من السلطات ” ، ويقول : ( لقد توقف عملي بعد ازالة سوق الخضار واتجهت بعدها في تجارة جمع وبيع جركانات الزيوت الفارغة لكنها ايضاً انتهت بعد ان اصبحت ارتفاع اسعار الزيوت ولم تعد الاسر تشتري العبوات الكبيرة ) ، ويعود للقول ان مهنته الجديدة في بيع وقود الفحم اصبحت طاردة بعد القرار الحكومي حيث ارتفعت اسعار جوال الفحم من (220 ) جنيه الى (500 ) جنيه خلال الشهرين الماضيين والاسعار في ارتفاع مستمر .

اكثر من 600 الف عامل يفقودن اعمالهم في صناعة الوقود النباتي والحطب

ويقول فضل انه يوزع اكثر من ( 500 ) كيساً صغيراً خلال اليوم الواحد الى بائعات الشاى والمطاعم الصغيرة والصبية الذين يبيعون عيش الريف مشويا على الطرقات، ويشير الى ان رفع اسعار كيس الفحم الصغير من (4 ) جنيهات الى ( 7 ) جنيهات خلال الايام الماضية سببه ارتفاع سعر جوال الفحم ، ويقول انه بنفاد الكمية الموجودة في مخزنه المستأجر وسط الخرطوم سيتجه مع اشقائه الى اي مهنة اخرى توفر له عيشا كريما .

وحال البائع فضل، ينطبق على حوالى 650 الف عامل في صناعة الوقود النباتي والحطب بولايات السودان المختلفة طبقا لاحصائيات غير رسمية، بينهم عمال قطع الاشجار وفنيي صناعة وحرق الحطب لتحويله الى فحم والعاملين على تجارته ، وقد انعكست هذه الزيادات بشكل مباشر على حياة القطاعات الفقيرة من السودانيين ، ونسبة لارتفاع تكاليف شراء ادوات الطهي التي تعمل بالغاز تلجأ الاسر السودانية الى هذا النوع من الوقود لانخفاض سعره ولجودته  .

ارتفاع اسعار اسطوانة الغاز … معاناة جديدة

وشهد السودان الذي فقد ثلثي انتاجه من البترول بعد انفصال دولة جنوب السودان في العام 2011 ازمات متلاحقة في المحروقات وغاز الطعام الطهو على وجه الخصوص الذى تتراوح اسعار تعبئة الاسطوانة الواحدة ما بين ( 50 الى 100 ) جنيه في بعض الولايات البعيدة ، ودخلت البلاد مع مطلع العام الجاري في ازمة غاز حادة لجأت على اثرها الحكومة لسد النقص بالاستيراد من الخارج ، وقال وزير النفط حينها ان الازمة تسجّل 50% وأن الإنتاج يغطي نصف حاجة الاستهلاك، وأنهم يغطون العجز باستيراد باخرتين شهرياً ، ويقول مسؤول في شركة نفطية لـ(عاين)، ان المنتج المحلي يغطي الاستهلاك بنسبة 80%، لكن هذه النسبة بدات في التراجع بعد الزيادة الكبيرة للاستهلاك في كثير من مدن وارياف البلاد .

وتقول اسماء عبد اللطيف بائعة الشاى في شارع رئيسي بالخرطوم لـ (عاين ) انها ستضطر هى للتوقف عن العمل لانها تعتمد على وقود الفحم لرخصته ولانه يتناسب مع دخلها اليومي ، وتضيف انها ستضطر الى رفع سعر كوب الشاي لاكثر من ثلاثة جنيهات بدلا عن جنيهين اذا لجات لاستخدام الغاز الذي يعتبر اكثر تكلفة الى جانب خطورته التأمينية .

واسماء التى اشترت اربعة اكياس صغيرة من الفحم بمبلغ (7 ) جنيهات للكيس الواحد تقول انها قد تخسر المبلغ الذى دفعته لشراء الوقود اذا لم يزورها زبائن للشراء منها لكي تغطي نفقات تكاليف مشروباتها الساخنة التي تقدمها ، وغير اسماء اصحاب مطاعم وكافتيريات صغيرة سيجدون انفسهم مضطرين لزيادة اسعار ماكولاتهم .

تصاديق قطع الاخشاب تمنح للمحسوبين من اعضاء الحزب الحاكم

اما تاجر الحطب وفحم الوقود ابراهيم عبد الحفيظ  ، يقول لـ (عاين ) ان الكميات الموجودة في محله آخذة في النفاد ولن يتمكن من شراء كميات اخرى بالاسعار التي تضاعفت بسبب قرار مجلس الوزراء  الذى تقلص على اثره انتاج الفحم القادم من مناطق الانتاج ، ويضيف ( ما يجرى في شان صناعة الفحم بالبلاد تشوبه الكثير من الاسئلة حيث ان الحكومة التي تقول انها تريد المحافظة على الغطاء النباتي يمنح احد المسؤولين تصديقاً لمنسوب في حزبه بالقطع في مناطق غير المصدق بها ) .

ويشير عبد الحفيظ الى ان الكثيرين يعلمون من هم الموجودين في مناطق الانتاج بسبب التسهيلات الحكومية التي تقدم لتجار دون آخرين ، ويقول (عموما هذا قرار له ما بعده.. القطاعات الفقيرة الاكثر تاثراً بقرار منع قطع الاخشاب لوقود الفحم ، وسيصل سعر جوال الفحم خلال الاسبوعين القادمين الى اكثر من 500 جنيه بدلا عن 220 خلال الايام الماضية” ، وطبقا لافادته يشير الى انه يبيع لمعظم سكان المناطق الفقيرة التي يقطنها في وسط العاصمة السودانية الخرطوم، ويقول ( لذلك لا فكاك من هذا المنتج بالنسبة للفقراء … قرار الحكومة غير مدروس وله ما بعده ) .

حجز اكثر من 500 الف جوال فحم من قبل الهيئة القومية للغابات

ولجات شعبة تجار الفحم الى  البرلمان لفك حجز الهيئة القومية للغابات اكثر من (500 ) الف جوال فحم تم انتجاها وكميات من الحطب في ست ولايات منذ يوليو الماضي على خلفية القرار الوزاري ، وقالت الشعبة في مذكرتها التي قدمتها الى البرلمان، ان اكثر من (3) مليون شخص يعملون في هذه المهنة يواجهون خطر التشرد ، وتبرر الحكومة السودانية التي اصدر مجلس وزراءها في الخامس والعشرين من يونيو الماضي قرارا قضى بمنع قطع الاشجار ، لموقفها بان القرار غايته حماية وتنمية الغابات على مستوى البلاد واشتمل على ثمانية فقرات قالت انها تدعم جهود الهيئة القومية للغابات في حمياية وتنمية المورد الغابي .

وشمل القرار بحسب مذكرة تفصيلية حصلت عليها (عاين) حظر قطع الغابات والاشجار والغاء كافة الرسوم المتحصلة بواسطة الهيئة القومية للغابات مقابل منح التراخيص لقطع الغابات والاشجار ، كما حظر القرار حظر الاشجار خارج الغابات المحجوزة وذلك بغرض استعادة الغطاء النباتي الشجري بهذه المناطق وتتم الاستفادة من فقط من الاشجار الناتجة عن نظافة المشاريع الزراعية ومشاريع التنمية القومية والساقطة والمريضة والميتة وفقا لقانون الغابات والضوابط المنظمة لذلك .

ومنع القرار قطع الاشجار في الميادين العامة والمرافق العامة والمنازل وفق الضوابط المعمول بها ولا يشمل الحظر انتاج الغابات المحجوزة من قبل الهيئة والتي تدار وفقا لخطط علمية معلومة ، ويمنع القرار التصديق بنظافة الاشجار في المشاريع الزراعية الا بعد القيام بزيارة ميدانية من قبل ادارة الغابات الى الموقع.

وبحسب مسؤولين في هيئة الغابات تحدثت لهم (عاين)، فان القرار الذى صدر مؤخرا يدعم خطط الهيئة في الحفاظ على الغطاء النباتي المتناقص في البلاد ويقلل من الاعتماد على الطاقة النباتية، ويشير المسؤولون الى ان الهيئة ليست مسؤولة عن اي بدائل تقدمها للجهات التي تضرررت من قراراتها التى تحد حسب قولهم من خطورة القطع الجائر للاشجار والفوضى في عملية انتاج الطاقة النباتية “الفحم” والحطب.