إنحسار ذهب السودان … ومحنة المنقبين
– شبكة عاين – ٣ نوفمبر ٢٠١٥ –
على غير ما تعلنه الحكومة السودانية من ارقام قياسية لانتاج الذهب في البلاد، الا انه بدأ يتقلص تدريجا بالنسبة لملايين المنقبين عن الذهب في اجزاء واسعة من البلاد الانتاج الوفير الذى اعتادوا عليه من المعدن النفيس، ومع تضاؤل المنتج يحتاج هؤلاء المعدنيون الى وسائل انتاج بديلة غير القائمة على عمليات الحفر اليدوية البدائية وغيرها من الاعمال التي تدخل فيها آليات واجهزة استكشاف زهيدة السعر وفي متناول يدهم في وقت سابق، ومع شح المعدن بات ليس بامكان هؤلاء المنقبون الذين لا يملكون رؤوس اموال هجر العمل والبحث عن كسب عيش في مهن اخرى.
مع ظهور عمليات التعدين الاهلية كان المعدنون لا يحتاجون الى وسائل مكلفة للحصول على المعدن، فكل الادوات المطلوبة للانطلاق في رحلة البحث في صحراء الولايات الشمالية ونهر النيل وجنوب كردفان والقضارف تتمثل في جاهز كاشف لا يزيد سعره وقتها عن العشرين الف جنيها ويكتشف المعدن على سطح الارض او بعمق لا يزيد عن المتر بجانب سيارة نقل صغيرة عليها ادوات ومؤن غذائية للمنقبين.
حياة جديدة في الصحارى السودانية
انتشر مئات الآلاف من السودانيين في صحاري السودان بحثا عن المعدن الاصفر ونشأت حياة كاملة في تلك الصحارى، من تجارة وظهرت اسواق وبيع وحركة تجارية نشطة، لكن لم تسير تلك الحياة الجديدة على هذا الحال، حيث انقلب الامر تماماً ليعود التنقيب عن المعدن اكثر قسوة ويحتاج الى رؤوس اموال كبيرة لاستخراجه وفق شروط حديثة.
وعلى الرغم من ان الشركات الصغيرة التي شكلها المعدنيون بشراء آليات ثقيلة لتسهل من عمليات الحفر واستحداث وسائل تنقيب اخرى في صنع غرابيل ومصاف كبيرة الا ان الانتاج لم يعد مجدياً بحسب عدد من المعدنين الذين تحدثت لهم (عاين).
ويقول عبد المنعم اسحاق لـ (عاين ) ان الشراكة التي عقدها مع عدد من اصدقاءه كلفته اموال طائلة، ويشير الى انهم ظلوا لاكثر من عام في صحراء الولاية الشمالية لكنهم لم يتمنكوا من الحصول حتى على راس المال الذي انفقوه في شراء الآليات التي استجلبوها للعمل في التنقيب، ويضيف “استجلبنا آلية كبيرة للحفر يفوق سعرها المليار جنيه سوداني وسيارة وناقلة للعمل في تنقية الارض التي يتوقع وجود المعدن فيها”، ويتابع “نعم هناك انتاج يغطي بالكاد تكاليف التشغيل لكنه غير مجد بالنسبة لنا، نعمل في المجهول ونامل في استرداد ما انفقناه من اموال على تاسيس هذه الشراكة بيننا”.
ويعتبراسحاق واحدا من بين الآف المستفيدين في وقت سابق من الانتاج الذى كان وفيرا، لكن مئات الآلاف من هم ليسوا من اصحاب الحظوة هجروا التنقيب تماما لتكاليفه المتصاعدة وشحه في المقام الاول.
هجرة مهنة التعدين ونضوب الذهب
ويقول خضر عثمان لـ (عاين) وهو من الذين هجروا مهنة التنقيب عن الذهب واتجه للاعمال الحرة (كنت في السابق اذهب مع الاصدقاء لمدة سبعة ايام واعود بملايين الجنيهات ولم يكن العمل منهكا وما يحتاجه فقط جهاز للكشف”، ويضيف “لكن ان اردت الان مواصلة التنقيب ليس امامك الا ان تكون عاملا في الشراكة الصغيرة التي اقامها تجار واصحاب رؤوس الاموال”، ويشير خضر الى انه تنقل بين اودية وصحارى ومناطق عديدة في شمال وشرق السودان، وكانت هذه الوديان تضج بالحياة وكل المنقبين ربحوا من هذه المهنة الجديدة، لكنه عاد ليقول “الآن يمكن ان نقول ان الذهب قد نضب او لم يعد وفيرا كما في السابق”.
اما تاج السر الطاهر، الذى يملك مع آخرين بئرا في وادي العشار الحدودي بين ولاية نهر النيل والبحر الاحمر، يقول ان الوادي كان يكتشف فيه المعدن على سطح الارض تحول الى مجموعة كبيرة من الابار وتنتج احجارا يتم طحنها ومن ثم تحوليها الى بدرة يتم غسلها بالماء لترسب المعدن من بعد بمادة الزئبق.
ويضيف الطاهر لـ(عاين) ان الابار وصلت الى اعماق سحيقة وبالغة الخطورة الا ان انتاجها هو الآخر اصبح غير مقنعا ولايستحق الجهد الذى يبذل لاستخراج الاحجار التي يعتقد ان بداخلها الذهب، لكن الامر اصبح طارداً ولا يستحق هذا العناء.
الشركات الاجنبية تطرد المنقبون السودانيون
ويشتكي المعدنون في الولاية الشمالية من تغول الشركات التي استجلبتها الحكومة للاستثمار في الذهب على المساحات التي كانوا يعملون فيها، حيث ان استجلبت الحكومة شركات اجنبية فاقت المئات وقامت بتسوير مساحات واسعة لصالح هذه الشركات التي تمنع المعدنين من الاقتراب منها وتفرض رسوما عليهم في ما ينتجونه من ذهب من الآبار والحفريات الاخرى.
وتقول الحكومة السودانية ان انتاج المعدنين الاهليين وصل ما نسبته 91% من الانتاج الكلي للذهب فى السودان الا انه تراجع كثيرا في السنوات الماضية، ومع انها لم توضح اسباب هذا التراجع، الان ان مسؤول في وزارة التعدين يرجع السبب الى ان انتاج المعدنين تراجع بسبب دخول عدد من الشركات مجال الانتاج في مساحات كان يعمل فيها المعدنين الاهليين، اضافة الى ندرة المعدن بالنسبة للمنقبين التقليديين.