إعلان برلين للمساومة أم للمقاومة .. الدعوة للعصيان يوم
١٧مارس٢٠١٥
مازالت تداعيات “إعلان برلين” الذي وقعته قوى نداء السودان ممثلة في الجبهة الثورية وحزب الأمة، قوى الإجماع الوطني ومبادرة المجتمع المدني في السادس والعشرين من فبراير الماضي ، مستمرة بين الرفض والقبول من قبل النظام الحاكم كونه يمثل آخر وثيقة توافقية تحمل مشروع وطني مجمع عليه من قبل كل الأطراف وبرعاية الحكومة الألمانية، بيد أن مواقف النظام في الخرطوم تجعل إستحالة الدخول في حوار وفق ما كان مخطط له ويعرقل خارطة الطريق التي وضعها مجلس السلم والأمن الأفريقي وفق القرار (456 ) .
وتواجه قوى نداء السودان تحدي كبير كونها قبلت بالحوار على أسس تتوافق مع شروطها التي يرفضها النظام،رغم الجهود المكثفة التي يقودها المجتمع الدولي ممثلاً في الولايات المتحدة ، فرنسا، وألمانيا، بعد أن جرب سلاح العقوبات وعزل النظام غير أنه توصل بأنها سياسة يتضرر منها الشعب وليس النظام ورموزه.
النظام الحاكم لا يشعر باي ضغوط دولية
“النظام لايشعر بالضغوط الخارجية من قبل المجتمع الدولي ولايهدده نشاط المعارضة مدنية كانت أم مسلحة” ، بهذه الكلمات إبتدر دكتور الباقر العفيف حديثه لـ “عاين” ، ويضيف بأن الضغوط الإقتصادية ووقف القروض والمنح للسودان قد تضرر منها اولا واخيراً الشعب السوداني ، ويشير الى ان الحكومة لا تهتم بالعقوبات ولا بالضرر الذي يقع على المواطنين لأنها تشعر بأنها غير مجبورة على تحمل أي أمر يتعلق بالمواطن، ويقول ان تلك السياسات ضمن للنظام إستمراريته في الحكم، كما أنه لايشعر بأنه مهدد من جانب المعارضة كونها حتى الآن لم تتآذى منها على الإطلاق .
ويرى العفيف أن ترحيب الوطني مؤخراً بإعلان برلين يعد مجرد مناورة وكسب للوقت،غير أنه إعتبر الخطوة جاءت نتيجة ضغوط خارجية ، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي توصل لقناعة بضرورة التسوية السياسية بين النظام والمعارضة، ودفع بحلول وفاقية لعدم قدرة المعارضة بان تكون بديلاً ، ويقول (لذلك دعا المجتمع الدولي الحكومة السودانية للقبول بالمعارضة، وفي ذات الوقت نصحت المعارضة بالعمل حسب قدراتها، مع النظر لما حدث في دول الربيع العربي ) ، ويرى ان فشل المجتمع الدولي في تطبيق العقوبات لتغيير النظام قاده الى إنتهاج سياسة أخرى بأن يكون وسيطاً بين الطرفين للوصول لوفاق سياسي وبالتالي رفع العقوبات وتقديم الحوافز لتعزيز الإستقرار .
محلل سياسي : الرهان على العمل الجماهيري لاحداث التغيير
ويردد كثير من المراقبين بأن النظام محصن بقوة عسكرية وأمنية تمارس الفوضى في غياب العدالة ، الى جانب اتجاهه للانفتاح اقليمياً ودولياً عبر ملفات حساسة مثل ” الارهاب ” حيث يحاول النظام ان يعيد اراضيه المفقودة ويفك عزلته بان يقدم نفسه بالطرف القادر على مساعدة المجتمع الدولي بالقبض على الجهاديين من الدول العربية والاسلامية المختلفة وضرب بعض خلاياها مع الاحتفاظ بملفات اخرى ككرت للمساومة .
غير ان العفيف يراهن على العمل الجماهيري بقوله ( ليس هنالك من خيار إلا بوحدة قوى التغيير والعمل على بإنتفاضة شعبية وهبة ثورية ، نحن نحتاج إلى سبتمبر آخرى )، ويؤكد على أن أحداث سبتمبر 2013 أرعبت النظام فعلياً، ويقول ( لكن كان يجب أن يكون هنالك عمل متواصل )، ويرفض بشدة التقليل من نشاط المعارضة السودانية ويرى أن العمل الخارجي على أهميته فهو مطلوب ويشكل دافعاً للعمل في الداخل، ويشير إلى أن الحراك متواصل مثل حملة مقاطعة الإنتخابات القادمة وحملة “إرحل”.
ويعتقد مدير مركز ( الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية) الباقر العفيف أن تجربة المعارضة في مقاطعة الانتخابات وحملة “إرحل” التي لقيت صدى كبير ، ويقول ( الحملة كانت مستفزة للنظام ولذلك يجب أن تستكمل بعمل إبداعي أكبر مثل نشر أشعار وقصائد تكون شعاراً للمقاطعة، أو الإعلان عن عصيان عام يتزامن مع أول يوم في عملية الإقتراع يوم الخامس عشر من أبريل المقبل )، الى جانب التحضير لجمعة نشطة للنزول للشوارع وتنظيم إحتجاجات سلمية حتى يحس النظام بوجود معارضة ولديها جماهيرها منتشرة في الشوارع .
ضغوط على النظام الحاكم والحركة الشعبية لاجل السلام
أما القيادي في الحركة الشعبية خالد عمار يرى في حديثه لـ(عاين) أن الدول الغربية بما فيها امريكا وكذلك الاتحاد الافريقي، يمارسون ضغوط على طرفي النزاع الحركة الشعبية ونظام الخرطوم في اتجاه الدفع بحل جزئي يتعلق بحصرالمفاوضات حول (منطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان )، او حل شامل بإعتماد حوار “الوثبة” الذي طرحه الرئيس عمر البشير ، شارحاً موقف حركته وتحالف الجبهة الثورية وحزب الامة وقوى الاجماع الوطني بقوله أن جوهر الحل يكمن في التمسك بالحل الشامل لأزمة الوطن وأن القضية لاتتعلق بالمنطقتين فقط .
ويقول عمار أن النظام يعتبر أي حل شامل يعني تفكيك قبضته على السلطة ،وبالتالي تفكيكه لذلك يسعى لحوار يتناسب مع الشروط التي وضعها، ويضيف ان المؤتمر الوطني الحاكم يريد حواراً يفضي الي تأكيد سيطرته على الاوضاع مستفيدا من تجارب اتفاقياته الثنائية التي لا حصر لها ، ويشير إلى أن القوى الدولية ومن وراءها امريكا يريدون حلا “والسلام” وإغلاق هذا الملف، لكن الرؤيتين سوى رؤية النظام والحلول بشروطه او رؤية اللاعبين الدوليين “الاتفاق والسلام” يصطدمان بموقف قوى نداء السودان وهو موقف يعبر عن رؤية غالبية السودانيين للحل .
ويرى القيادي بالحركة الشعبية أن النظام يعتقد بأن المضي قدماً في الانتحابات هو البديل الذي سيخرجه من ورطته الحالية، لتجاور خيار الحل الشامل بمؤتمر قومي دستوري كما تراه احزاب نداء السودان ، ويؤكد على أن الانتخابات لاتعني تمكين وضع دستوري بقدر ما هي لعبة من الاعيب النظام لاطالة أمده في السلطة، وينوه إلى أن الانتخابات نفسها تعتبر بالنسبة للحركة الشعبية وقوى نداء السودان، معركة قد تكون فاصلة لتسديد ضربة قاضية للنظام من خلال مقاطعتها جماهيريا مما يعني انكشاف ظهره.
غير أن الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية صلاح خليل رسم ملامح المشهد السياسي في السودان ، بقوله أن الاوساط السياسية فى السودان تترقب بحذر شديد، نتائج حالة الاستقطاب الحادة من قبل القوى السياسية، سواء من الحكومة اوالمعارضة، وذلك فى ظل احتقان سياسي ووضع عام متأزم فى الداخل، ويرى ان ذلك فتح بدوره مجالا لاطلاق النظام حواراً وطنياً مع المعارضة، ويقول ( هو حوار ترى بعض أطراف المعارضة أن النظام يجب أن يسعى لحلحلة الأزمات المعقدة فى السودان ككل ، فيما يرى النظام أهمية تجزئته للحل لكل قضية على حدا) .
وعلى صعيد مختلف يؤثر هذا الاستقطاب على الازمة السياسية الداخلية والتدخلات الاقليمية والدولية والتى تتخذ من القضايا السودانية مدخلا لفرض اجندات خارجية، وفى ظل حالة الجمود السياسى التى تعانى منها السلطة الحاكمة فى السودان ومراوغاتها بما لا يسمح بايجاد تسوية للتعقيدات والازمات والمآزق التاريخية التى يعيشها السودان منذ الاستقلال .
ويشير خليل إلى أن إعلاني “باريس وبرلين” نصّا على اقامة” حكومة انتقالية تشرف على عقد المؤتمر الدستوري، وقف الحرب وانسياب الإغاثة للمتضريين بلا شروط وإطلاق الحريات والإفراج عن المعتقلين السياسيين ، ويقول ان هذا الاعلان بمثابة تحالف بين القوى السياسية الناعمة مع المعارضة المسلحة من أجل الضغط على النظام والتعبير عن رفض الدخول فى العملية السياسية التى يهندسها النظام على مقاسه، ويتابع ( بينما دشنت قوى نداء السودان برنامجها للعمل المشترك نحو الطريق إلى استعادة الدولة السودانية ) .
ويشير الباحث في المركز الإستراتيجي إلى أن هذا التحالف” قوى نداء السودان” رفض الحوار الوطنى المجزأ، ورفض خوض الانتخابات وناشد جماهيره بمقاطعتها، ويرى أن التحالف المعارض يتحرك من خلال رؤيتين اولهما: العمل السياسي الجماهيرى والاحتجاجات السلمية التى تؤدى إلى انفاضة شعبية واسقاط النظام، وثانيهما: العمل العسكرى الذى يفضى إلى تغيير النظام، من خلال آلياتها المتمثلة فى تحقيق قيم الحرية والعدالة والديمقراطية والسلام .
خارجيا ربما وجدت القوى السياسية المعارضة الطريق ممهدا فى ظل ضعف النظام، والموقف الغربي من السلطة فى الخرطوم، فاصبحت لديها حلفاء خارج المنظومة الأقليمية مثل باريس وبارلين وواشنطن،ويقول خليل ( ولكن يجب ان لا تراهن القوى السياسية المعارضة على الدعم اللوجستى الذى تجده من الغرب من اجل اسقاط النظام القائم فى الخرطوم لان الغرب كثيرا ما تراجع عن موقفه من النظام الحاكم ) .
غير إن المجتمع الدولى عاجز عن حل قضايا السودان، بالاضافة إلى ان الاتحاد الاوربي وواشنطن توصلا إلى قناعة بأهمية بقاء النظام الحالي، من اجل ممارسة الضغط عليه لتقديم مزيد من التنازلات للإدارة الأمريكية ، لا سيما في ملف الارهاب ، وقد تتوفر الان فرص الضغوط عند اعلان بدء الجلسة التشاورية في اديس ابابا في وقت قريب بين الحكومة وممثلي المعارضة .