وسط مقاطعة واسعة من أهل الإقليم: إستفتاء دارفور تحت نيران المدافع

وسط مقاطعة واسعة من أهل الإقليم: إستفتاء دارفور تحت نيران المدافع


– شبكة عاين – ١٢ ابريل ٢٠١٦ –

أشلاء القتلى من المدنيين في منطقة جبل مرة وقاذفات القنابل البرميلية والملايين من النازحين في معسكرات النزوح واللاجئين في دول الجوار، لم تمنع الحكومة السودانية من أن تبدأ اليوم عملية الإقتراع للإستفتاء الإدراي في دارفور. وتستمر عملية الإقتراع حتى الثالث عشر من أبريل الجاري وسط مقاطعة واسعة من أهل الإقليم، غير أن الحكومة تقول إن أكثر من (3) مليون ناخب سيشاركون في العملية، رغم النداءات الداخلية والخارجية بإيقاف الإستفتاء إلى حين وقف الحرب نهائياً وتحقيق السلام على الارض وتهيئة المناخ من إتاحة الحريات حتى يتمكن المواطنون من ممارسة هذا الإستحقاق بحرية وشفافية ونزاهة. غير أن النظام الحاكم حسم أمره لإجراء الإستفتاء الذي وصفه مراقبون بأنه مسرحية سيئة الإخراج وأن ما صرف عليه من مليارات الجنيهات يستحقه أهل الاقليم

وخلال أيام الإثنين، الثلاثاء والأربعاء سيتوجه (3.583.105) شخص من جملة (4.588.300) شخص مؤهل للتصويت في محليات الإقليم الـ(65) على مساحة (500) الف كلم. وإعتمدت المفوضية (القطية) رمزاً للإقتراع بإعتباره معروفاً لسكان دارفور، على أن يرمز لخيار الإقليم بـ ” قطية “واحدة، ولخيار الولايات بخمس ” قطيات”.

زيارة البشير إلى دارفور

وإجراء الاستفتاء الاداري في دارفور كان مطلباً تقدمت به الحركات المسلحة خلال مفاوضاتها المتطاولة مع الحكومة في محاولة منها لإعادة دارفور إلى وضعية الإقليم، بعد أن قامت الحكومة بتقسيمه إلى ثلاث ولايات في بداية تسعينيات القرن الماضي. ثم اضافت الحكومة ولايتنين أخريتين لتصبح دارفور خمس ولايات، وألمح الرئيس السوداني عمر البشير إلى إمكانية زيادة ولايات إضافية بعد نتائج الإستفتاء، بقوله إن هناك طلبات أمامه بإنشاء ولايات جديدة في دارفور. ثم أصدر البشير مرسوماً بالرقم (4) بإسم (مرسوم جمهوري بإجراء الإستفتاء الإداري لتحديد الوضع الدائم لدارفور) وذلك عملاً بأحكام المادة 58 (1) من الدستور الانتقالي لسنة 2005م، وبعد الاطلاع على المادة 6 (البنود 55-60 شاملة) من اتفاق سلام دارفور.

وقام البشير بجولة على ولايات دارفور الخمس طالب المواطنين بالتصويت لخيار الولايات في حين أعلنت الأحزاب السياسية والحركات المسلحة التي تحارب في الإقليم رفضها إجراء الاستفتاء. وقد وصفت هذه القوى أن الإستفتاء “مسرحية يقوم بها النظام” ولا قيمة له ولن يعبر عن ارادة المواطنين حيث مايزال اهل دارفور في معسكرات النزوح واللجوء إضافة إلى إستمرار العمليات العسكرية في الإقليم.

الإوضاع في معسكرات النزوح

وقد تظاهر النازحون في معسكر(كلما) للنازحين في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور تزامناً مع زيارة البشير إلى الولاية قبل اسبوع، مما إضطره إلى تعديل برنامج زيارته حيث كان يفترض أن يزور إحدى المعسكرات. لكن إندلاع التظاهرات جعلت الزيارة تقتصر على المدينة، وقد طالب النزحون بضرورة وقف القصف الجوي في جبل مرة والذي ما زال مستمراً منذ أكثر من ثلاثة أشهر. ويقول الناشط الدارفوري عز الدين مربوع لـ (عاين) إن إجراء الاستفتاء مرفوض وعندما قامت الحكومة بتقسيم الإقليم إلى خمس ولايات لم يتم عبر الإستفتاء وإنما بقرار إداري من رئاسة الجمهورية. ويرى أن الوضع السياسي غير مناسب بسبب إستمرار الحرب وفرض حالة الطوارئ إلى جانب إستمرار ملايين من أهل دارفور في معسكرات النازحين يعيشون أوضاعاً صعبة والإستفتاء لا يمثل أولوية لهم. ويضيف مربوع “هؤلاء يحتاجون إلى الغذاء وتوفير الأمن خاصة أن النظام قيد عمل المنظمات الدولية في الإقليم)، ويعتقد أن الحكومة تسعى إلى أنهاء السلطة الإنتقالية ولا يهمها رأي النازحين“.

فيما تقول الناشطة في معسكر (كلما) خديجة مريود إن الإستفتاء لن ينهي الأزمة خاصة أن الأوضاع في المعسكرات تعتبر ماساوية، وتضيف أن هنالك محاولات من الحكومة لإجبار النازحين على التصويت عن طريق الترغيب والترهيب. وتتابع مريود “لكن أغلبية أهالي المعسكرات يرفضون االمشاركة في الإستفتاء لأنها خيانة لأهل دارفور“.

وأدت العمليات العسكرية الاخيرة التي تشنها الحكومة السودانية على مناطق جبل مرة إلى زيادة أعداد النازحين إلى أكثر من (100) ألف مواطن نزحوا إلى المدن والقرى والمعسكرات يعيشون أوضاعاً صعبة من أفتراش الارض وإنعدام ضروريات الحياة، فيما تشكو منظمات الإمم المتحدة من تقييد الحكومة لحركتها ومنعها من الوصول إلى المحتاجين في دارفور.

واشنطون تتخوف من تقويض الإستفتاء لعملية السلام

ويرى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر أن الوضع غير مناسب لإجراء الإستفتاء في دارفور، ويقول “إذا نظم الاستفتاء حول وضع دارفور في ظل القواعد والظروف الحالية، فإنه لا يمكن اعتباره تعبيرا صادقا عن إرداة شعب دارفور“، وعبر عن قلق بلاده العميق إزاء الاستفتاء، مضيفا أنه “سيقوض عملية السلام الجارية الآن“.

ويقول الكاتب الصحفي بابكر فيصل لـ(عاين) إن قيام الإستفتاء في ظل هذه الظروف لا جدوى منه وأن الاولوية هي إيقاف الحرب، وهذا الإستفتاء لن يمثل الارادة الحرة لسكان الإقليم. ويضيف فيصل إن اصرار الحكومة على إجراء الإستفتاء الغرض منه خلق واقع جديد مثلما حدث في الانتخابات الماضية بفرض سياسة الأمر الواقع، ويرى أن الحركات المسلحة لن تسقط وضع الإقليم في مفاوضاتها القادمة لانها لا تعترف بنتائج الإنتخابات ولن يجد الترحيب من المجتمع الدولي.

الإستفتاء يتزامن مع مرور (100) عام لانضمام دارفور إلى السودان

فيما يربط المحلل السياسي محمد إدريس بين إجراء الإستفتاء وتزامنه مع مرور مائة عام على انضمام دارفور إلى دولة السودان الحديث (1916 -2016)، وقد إنضمت في نوفمبر (1916). ويقول إن الحركات المسلحة التي تقاتل في دارفور طالبت خلال المفاوضات بإقليم واحد فيما تمسكت الحكومة بوضع الولايات، غير أن الوساطة رأت أن يتم إستفتاء سكان الإقليم، غير أنه يرى أن الوضع الأمني لم يتحسن خاصة أن ولايات الإقليم تحتضن (45) معسكراً للنازحين داخلياً، حيث تحتضن ولايات الاقليم الخمس حوالى 45 معسكراً للنازحين. وتتوزع المعسكرات على النحو الآتي (وسط دارفور 21 معسكراً، وجنوب دارفور 10 معسكرات،  9 معسكرات فى غرب دارفور، 5  فى شمال دارفور، ومعسكر واحد فى شرق دارفور).

ويرى ادريس أن القرى النموذجية في الولايات الخمس والتي أنشأتها دولة قطر لم تشكل عامل جذب للنازحين لذلك فإن هذه القرى لم يسكنها أحد هي ما زالت خالية وكذلك المؤسسات التي أنشأتها السلطة الإقليمية. ويعود السبب إلى إنعدام الأمن والخوف من تجدد القتال إلى جانب أن هذه المواقع لا تقع في أراضيهم الأصلية، ويقول إن رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور ما زال يحتفظ بنفوذه في معسكرات (كلما) و(الحميدية) التي تعتبر من المعسكرات ذات الكثافة العالية.

من الواضح ان الحكومة لم تقف فى الحياد حيث صممت مفوضية الإستفتاء التي ينتمى منسوبيها الى الحزب الحاكم رمز الإقتراع، وضربوا بخيار حركة سيسى عرض الحائط الذى ينص على ان رمز حركته للاستفتاء يتمثل فى ” قطية واحدة وبداخلها خمس قطاطى الامر الذى يعكس اقليم بولاياته”. لكن المفوضية قدمت خيار الولايات على الاقليم، بل حتى رمز السيسى صمم على عكس طلبه وهكذا، ويقول إدريس أن نتيجة الإستفتاء محسومة بخيار الوضع الحالي (خمس ولايات) وستظل الأزمة في الإقليم تراوح مكانها وقد تقود إلى مؤشر أخطر.

ويقول رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد نور لـ(عاين) إن نتائج الإستفتاء سيواجه بمقاومة سياسية وعسكرية، مناشداً سكان دارفور وقواعد حركته بمقاطعة عملية الإقتراع، معتبراً إن الإستفتاء جريمة يرتكبها البشير ضد الشعب السوداني في دارفور. ويقول عبد الواحد أن الذين تم تسجيلهم في كشوفات الإستفتاء يمثلون مليشيات النظام الحاكم وليس هناك أحد من الإقليم سجل إسمه. فيما يقول رئيس حركة وجيش تحرير السودان منى اركو مناوى لـ(عاين) أن الإستفتاء مسألة تهم الحكومة وحدها وهي تريد أن تكافئ من قاموا بالفتنة في دارفور وشاركوا في عملية الابادة الجماعية، ويعتقد أن أهل الإقليم سيتصدون للإستفتاء بالمقاطعة الشاملة رغم الإمكانيات التي تملكها الحكومة لبعث الروح في إتفاقية الدوحة.

تهتك للنسيج الإجتماعي وحرب جديدة قادمة في دارفور

ويعتقد منسق السياسات في منظمة (كفاية الأمريكية) عمر قمر الدين أن إستفتاء دارفور سيمثل إنهيار كامل للنسيج الإجتماعي في الإقليم بشكل كامل. ويقول قمر الدين “لماذا الاستفتاء الأن، وما الفرق بين دارفور وولايات السودان الأخرى“، ويضيف “الحكومة السودانية بعد أن فشلت في الإنتصار السياسي والعسكري في الإقليم، أرادت أن تُضعف السكان في إقليم دارفور بإقامة هذا الإستفتاء الأداري“، ويرى أن الغرض من الإستفتاء هو تقسيم الإقليم إلى إقطاعيات قبلية وإِشاعة الفتنة وهتك النسيج الإجتماعي بصورة أكبر مما هو عليه الآن. ويقول قمر الدين لـ(عاين) إن هنالك بُعد أخر، وهو إعادة رسم خريطة الإقليم لتذويب المعالم الأثرية وطمث الحضارات، لإنشاء جيل منبت تنحصر معرفته بحكومة الإنقاذ.

ويشير قمر الدين إلى أن الحكومة ستحاول تغيير إسم الإقليم بعد الإستفتاء بمسميات أخرى لا صلة لها بالإرث الثقافي والتداخل اللغوي والتعايش السلمي الذي عرفه إنسان دارفور. وأوضح أن هنالك أكثر من (3) ملايين من النازحين بسبب السياسيات البريرية للحكومة وأن عدد النازحين سيزداد في وقت قريب بعد ظهور نتائج الإستفتاء لانها ستذكي الفتنة. ويقول “هنالك جيل كامل ولد في العام 2003 مع بداية الحرب، الأن تحول الى وقود حرب ضد النظام السوداني، هذا الجيل سيرفض اي نتائج تبتدعها الحكومة“.

ويذهب في ذات الاتجاه استاذ الاقتصاد في الجامعة الامريكية بالقاهرة الدكتور حامد علي بقوله إن الهدف الاساسي لإقامة إستفتاء دارفور هو اتجاه النظام لتغيير التركيبة الجيوسياسية للمنطقة، متهماً الحكومة السودانية في أنها ضالعة في جرائم جديدة في الاقليم بإجراءها هذه الخطوة. ويقول علي لـ(عاين) إن الصراع في إقليم دارفور سيمتد الى فترات أطول إذا ما قامت الحكومة فعلياً بتقسيم المناطق على أسس قبيلة لإضعاف إثنيات على حساب الأخرى، موضحاً أن الحكومة قامت بإجراء التقسيم قبل الاستفتاء والتي صارت على أسس قبلية أدت إلى صراعات دامية حتى بين بعض القبائل التي كانت تستخدمها الحكومة ضد إثنيات أخرى، مناشداً أهل الإقليم بممارسة الضغوط ورفض نتائج الإستفتاء.

وتقول سعدية الشيخ لـ(عاين) إن ما يجرى من عملية إستفتاء لتحديد الوضع الادارى في المنطقة هي احد عوامل الفتنة، وخلق صراعات جديدة بين المكونات الاجتماعية الدارفورية، ودعت كل المهتمين بالتغيير في السودان على العمل والمقاومة قولاً وفعلاً إلى إفشال مخطط الإستفتاء.

ويؤكد علي عجب المحامي والمدافع عن حقوق الانسان صعوبة الثقة في اتجاهات الحكومة في دارفور فيما يتعلق بالاستفتاء، ويقول لـ(عاين) إن الحكومة ستتعامل مع دارفور بإعتبارها المستند الوحيد علي اساسه سيواجه الرئيس العدالة الجنائية الدولية وان هذا واقع لا مفر منه. ويضيف “القراءة الاقرب بعد الاستفتاء تستطيع الحكومة خلق اختراقات جديدة في الاقليم“، ويرى أن خطة النظام هي البدء في تفكيك المعسكرات وبعث الروح في إتفاقية الدوحة، مع إتاحة فرصة للقادمين جدد باللحاق بالإتفاقية، ويعتقد إن إجراء الاستفتاء عبارة عن ملهاة جديدة للمجتمعين الدولي والدارفوري. ويقول “الحكومة الحالية لا تسعى الى عملية سلام عبر الإتفاق، وإنما من خلال الأجندة الأمنية والعسكرية“.

غير أن القيادى في المؤتمر الوطنى الدكتور ربيع عبدالعاطى يعتقد أن المواطنين في دارفور ليسوا مع خيار الاقليم واحد بعد ان تمتعوا اهلها بالسلطة والحكم الادارى في ظل الولايات التي اعطتهم سلطات واسعة. ويقول “مستحيل أن يعودوا الى مركزية اقليمية قابضة” وأن التمرد في دارفور قد هزم فعلياً.