نزاع الاراضي في السودان: الجريف شرق منطقة تحت الحصار
– شبكة عاين – ١٥ ديسمبر ٢٠١٥ –
خرج مواطنو منطقة الجريف شرق الى الشوارع مرة اخرى شاهرين الهتاف بعودة أراضيهم المنزوعة وانهوا بذلك هدنة كانوا قد أعلنوها بطلب من والي الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين مقابل وعد منه بتحقيق مطالبهم، ولكن الوالي فاجئهم بعد إنهاء الهدنة بعدم وجود خطة اسكانية حالياً.
وقال الوالي لاهالي المنطقة بلغة إعتبرها الأهالي تسويفية “اذا ظهرت خطة اسكانية سوف تكون لاهل الجريف فيها الاولوية”، وهو الأمر الذي لم يرض الأهالي وجعلهم يخرجون الى الإعتصام مجدداً، يحملون هذه المرة صورة (شهيد) المنطقة الذي راح ضحية الأحداث والمواجهات مع أمن وشرطة نظام الخرطوم في شهر يونيو الماضي.
قرع النحاس بداية المواجهة مع الحكومة
وقد أستعد اهالي الجريف للمواجهة مع السلطة هذه المرة بالضرب على النحاس، ويعتبر النحاس آلة ايقاعية قديمة تستخدم عند الحروب وفي الافراح والاتراح عبر القرع عليها بايقاعات معينة في كل حالة، وكمنطقة تتعمق فيها الثقافة الصوفية فإن أهالي الجريف شرق ومنذ أن أعلنوا إعتصامهم درجوا على إقامة صلاة رفع الظلم صباح كل جمعة في ميدان الحي تعقبها دعوات وإبتهالات المصلين عبر مكبرات الصوت تقرباً الى الله كدأب المتدينين على المذهب الصوفي، وتعتبر منطقة شرق النيل من المناطق ذات الثقل الصوفي والتي اشتهرت بعدد كبير من شيوخ الصوفية على إمتداد التاريخ منهم (الشيخ إدريس ود الأرباب، والشيخ العبيد وبدر، والشيخ الامين الشهير بـ”صقر البرزن”)، و تشكل قبائل المحس والبطاحين غالبية اهل المنطقة.
توتر ومواجهات
وشهدت المنطقة توتراً مع السلطات منذ شهر يونيو الماضي على إثر تعدي السلطات في الخرطوم على اراضي المنطقة التاريخية التي تقع على الضفة الشرقية من النيل الأزرق بالخرطوم والتي تعتبر جزءاً من أقدم الممالك النوبية وهي مملكة علوة وعاصمتها سوبا، وفشلت الحكومة من جهتها في التوصل الى حلول مع أهالي المنطقة في إتجاه التسوية، بينما تمسك السكان بحقهم في أرضهم المتوارثة عن الجدود، وبدلاً من الجلوس والاستماع الى مطالبهم، واجه النظام تجمهر أهالي الجريف السلمي بالقمع الشديد، وهو القمع الذي راح ضحيته أحد شباب المنطقة وهو القتيل ” أحمد العبيد ” وهو في العشرينات من عمره، والذي أطلق الاهالي إسمه على شارع رئيسي بالمنطقة.
لا جديد… مع المطالب العادلة
ولأن لا جديد في مسار القضية والمطالب العادلة لأهل المنطقة، رغم دفع السلطة بوالي جديد وهو عبد الرحيم محمد حسين خلفاً للوالي السابق عبد الرحمن الخضر، هب أهالي الجريف الذين يتهمون مستثمرين ينتمون للحزب الحاكم في السودان بالاستثمار في أراضي يمتلكونها وبيعها تحت مسمى مدينة النيل الازرق والمنشية شرق، ومما دفع الاهالي للاعتصام مرة اخرى في ميدان رئيسي في منطقة ” كركوج ” يحملون ذات المطالب التي لم تجد طريقها الى التنفيذ.
ورغم تلويح الحكومة بحل تلك الازمة حيث وجه والي الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين بتشكيل لجنة تحقيق في أحداث الشغب بالجريف شرق ووقوف الوالي على تفاصيل الأحداث وملابساتها غير أن بعض أهالي المنطقة قالوا لـ”عاين” أن الوالي الجديد لم يحمل في جعبته جديداً، واضافوا ” عبد الرحيم محمد حسين ردد ذات الكلمات القديمة التي حملتها تصريحات سلفه عبد الرحمن الخضر.”
إنهاء الهدنة
وأصدر الوالي قراراً بتكوين لجنة جديدة برئاسة صديق الشيخ نائب الوالي ووزيرالمالية، ينوب عنه معتمد شرق النيل عماد حامد سليمان، وعضوية ممثل عن اهالي الجريف شرق، لتنفيذ خارطة طريق لحل الازمة اتفق عليها مع أهالي ام دوم. وكان الوالي السابق قد كلف اللجنة بتسريع إجراءات فتح السجل وسحب القرعة وإكمال إجراءات التسليم لمنطقة الجريف شرق، كما كلفهم بإعادة تقييم درجات الاستحقاق لمواطني الجريف الذين تحصلوا على درجات أقل في فترة الخطة الإسكانية السابقة.
غير ان اللجنتين القديمة والجديدة لم تفعلاً شيئاً جديداً تجاه القضايا المطلبية لأهل الجريف الذين إستأنفوا إعتصامهم في ميدان “كركوج” مرة اخرى ليؤكد بعض منهم لـ”عاين” أنهم لن يتنازلوا عن قضاياهم العادلة والمتمثلة في اعادة الاراضي المنزوعة الواقعة حول اراضي منطقة المنشية شرق، وكذلك المطالب المتعلقة بأصحاب (كمائن الطّوب) وهي اراضي تم نزعها وإيقاف العمل فيها، حيث ظلُّوا يُطالبون بتعويضهم عن أراضيهم التي نُزِعت.
ويقول بعضهم إن دم قتيلهم “العبيد” لن يذهب سدىً، ويضيف هؤلاء ” لقد سقط العبيد شهيداً برصاص الشرطة “، وقد أصدرت اللجنة العليا لمعتصمي الجريف شرق بياناً تلقت “عاين” نسخة منه تستعرض فيه اللجنة المخاطبات التي تمت من قبلهم للمؤسسات الحكومية، متعاهدين بالحفاظ على ما تبقى من اراضيهم، واستعرضوا في البيان مطالبهم والمتمثلة باعطاءهم نصيب في ارض مشروع الشركة العربية الذي تحول الى مخطط سكني لاسكان جيل الشباب الذي لم يقدم لاي خطة اسكانية، وكان ذلك في اخر عام 2013م.
الحكومة لا تستجيب واستمرار في بيع الاراضي
ويشير البيان الى إن مطالب الاهالي لم تجد استجابة من المسؤولين في الدولة، بل ان الحكومة استمرت في بيع ارض المشروع بالمزاد العلني وبالتقسيط دون مراعاة لحقوقهم الملكية والسكنية مما دعاهم للخروج الي الشارع للمطالبة بحقوقهم في مظاهرات سلمية ولم يستجب المسؤولون بالدولة حتي لجأوا الى اسلوب الاعتصام كوسيلة حضارية ولم يؤثر ذلك على المسؤولين رغم تجاوب منظمات المجتمع المدني واحزاب المعارضة وحقوق الانسان معهم.
وذهب البيان الى أن اللجنة اوقفت محاولتين للخروج الى الشارع لاعطاء فرصة لحكومة الولاية واجتمعوا مع الوالي الجديد قبل تشكيل حكومته، و طلب منهم الوالي رفع الاعتصام بوعد منه بتحقيق مطالبهم ولكن دون جدوي بعد مهلة شهر كامل على امل ان ينفذ الوالي وعده، لكن والي الخرطوم أصر على انشاء مدينة (النيل الازرق) والغاء كمائن الطوب –بحسب البيان – الذي اشار الى ان لجنة الاهالي رفضت دفوعات عبد الرحيم محمد حسين حيث أن مطالب الإعتصام كانت المطالبة بخطة اسكانية والغاء انشاء مدينة النيل الازرق، وأكد البيان على أن الأهالي لن يقبلوا بغير تحقيق تلك المطالب، وتبعاً لذلك قررت اللجنة انهاء التفاوض والابقاء على الاعتصام وعدم الغاءه الا بعد ان يصدر قرار من رئاسة الجمهورية بتخصيص خطة اسكانية للاهالي، وقال البيان إن صندوق الضمان الاجتماعي ليس له ارض بالجريف شرق.
تحذير للمواطنين من شراء قطع الاراضي
وحذر بيان لجنة اعتصام اهالي الجريف المواطنون في الداخل والخارج من شراء قطع الاراضي في مربعي (12) و(13) التي تسمى باراضي المنشية شرق حتى لا يهدروا اموالهم وتذهب الى مافيا الاراضي (وهم سمسارة يعملون في تجارة الاراضي بالاتفاق مع جهات نافذة في الحكومة)، وبحسب البيان فإن إعتصام أهالي الجريف الذي أستئنف قبل اسبوعين سيستمر الى حين تحقيق كل المطالب، فيما ذكر عضو لجنة الاعتصام حمزة عبد الحميد لـ”عاين” أن لجنته في طريقها لتقديم مزيد من المذكرات والمخاطبات للمسؤولين من أجل ايجاد أفق لحل الأزمة التي وصفها بالمعقدة والصعبة في ظل تعنت السلطات، وفي إشارة الى حديث عبدالرحيم محمد حسين والي ولاية الخرطوم، قال عبد الحميد إن الوجود الأمني والشرطي قد خف حول الميدان بفضل نجاح الأهالي في طردهم من محيط الميدان عقب واقعة مقتل الشاب العبيد.
ومن جانبه قال علي العوض وهو من مواطني الجريف لـ”عاين” إن الدماء التي سالت على أرض الجريف لن “تروح هدرا” وأن المواطنين سيمكثون في الميدان في حالة إعتصام مستمر مواجهين عسف الشرطة وجهاز الأمن اللذان يمارسان أخس الاساليب في مواجهة الأهالي العزل، على حد تعبيره.
ووجدت قضية أراضي الجريف شرق تضامناً كبيرًا من قبل القوى السياسية المعارضة في تحالف قوى الإجماع الوطني، وحزبي الأمة والأتحادي، والحزب الليبرالي، وقامت قوى سياسية معارضة بزيارة المعتصمين في الميدان، وأكدت هذه الاحزاب وقوفها الى جانب القضايا العادلة لمواطني الجريف شرق، وتشتهر منطقة الجريفات بولائها التاريخي للحزب الإتحادي الديمقراطي، الذي دشن عدداً من الندوات في المنطقة، وأعلن مناصرته للاهالي، كما ادانت القوى السياسية إستخدام العنف في مواجهة الإعتصام السلمي للمواطنين، مطالبين الحكومة بحل مشكلة أهالي الجريف وما زالت قضية اهالي الجريف شرق لا تجد حلا قريبا في الأفق، ليصبح “الميدان” هو الملاذ لاهالي القرية “المدينة ” والذين تحاصرهم قوات شرطة أمن النظام طوال اليوم.
قضايا الأراضي
وتعتبر قضايا الأراضي من أصعب الملفات التي تواجه الحكومة بفعل التلاعب والفساد وبروز مافيا الاراضي، وشهدت الفترة الماضية مظاهرات في عدد من مناطق الخرطوم التي عانت من عملية النزع بلا تعويض أو النزع بتعويض غير مجز على نحو ما حدث في مناطق (حلفايا الملوك، الجريف غرب، الشجرة، الحماداب، بري، الجريف شرق، أمدوم، سوبا، والفتيحاب)، وفي الكثير من مناطق وأحياء الخرطوم القديمة، وتعتبر قضية فساد الاراضي التي عرفت اعلاميا بـ”قضية مكتب الوالي” من أشهر قضايا فساد الأراضي وهي القضية التي لم يقدم اي من قيادتها الى المحاكم حتى الان، بينما حذر مراقبون من أن قضية الأراضي ستكون بمثابة “اللغم” الذي سينفجر تحت أقدام النظام حال تجاهلها والاستمرار في سياسة التسويف.