كمائن قوات الحركة الشعبية تفشل الصيف الحاسم في المنطقتين
– شبكة عاين – ٧ مارس ٢٠١٦ –
يبدو أن الحملة الخامسة للصيف الحاسم التي اعلنتها الحكومة السودانية مع نهاية اكتوبر الماضي في طريقها إلى الفشل – على حسب مراقبون وخبراء عسكريون – لا سيما أنها تأخرت عن موعدها المعتاد في ديسمبر من كل عام في الحرب التي دخلت عامها الخامس في منطقتي جنوب كردفان / جبال النوبة، والنيل الازرق، وطوال هذه السنوات ، لم يتغير الوضع على الارض في المنطقتين عسكرياً بين طرفي النزاع. ويقول سكان تلك المناطق إن الحملات الصيفية الحكومية تستهدف المدنيين والمنشأت الخدمية من مدارس، مستشفيات، كنائس ومساجد، وإنها لا تستهدف قوات الحركة الشعبية.
وشدد الرئيس السوداني عمر البشير خلال مخاطبته إجتماع مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني الحاكم الجمعة الرابع من مارس الجاري على أن وثيقة الحوار الوطني التي بدأت منذ اكتوبر الماضي ستكون نهائية، مبدياً استعداد حكومته للتفاوض مع الحركة الشعبية ـ شمال المتمردة في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لكن بدون وقف للحرب وبدون حكم ذاتي أو احتفاظ بالقوات خلال فترة انتقالية ، في إشارة إلى تمسك البشير بخيار الحرب. وتوعد في ذات الوقت الحركات المسلحة في المنطقتين ودارفور بالحرب حال عدم ركونهم للسلام، مشيراً إلى أن التنمية في دارفور كانت ستكون أضعاف ما هي عليه لولا الحرب.
الجيش الشعبي يصد متحركات الحكومة ومقتل اكثر من (100) جندي حكومي
وشهدت مناطق دلامي، وتنقلي، طريق كادوقلي – الدلنج -الدبكر- العباسية، محور كاو – ورني، شرق كادوقلي منطقة العتمور، عبري، لمري،معارك بين الطرفين و يقول المتحدث بأسم الحركة الشعبية ارنو لودي لـ(عاين) إن قوات الجيش الشعبي تصدت لهجوم القوات الحكومية وإنها إفشلت محاولاتها في السيطرة على مناطق الحركة. ووقعت كل هذه المعارك في الفترة من التاسع والعشرين من يناير الماضي وحتى الثاني من مارس الجاري وهي المعركة التي نصبت فيها قوات الجيش الشعبي كمائن كان آخرها في الطريق بين رشاد والعباسية.
وقال لودي إن قوات الجيش الشعبي تصدت للهجوم التاسع عشر على منطقة كيلقو التي وصفها “بالعصية على العدو” بالنيل الازرق، معلناً عن مقتل اكثر من (100) جندي حكومي بينهم ضباطاً برتب عالية في كل من النيل الازرق وجنوب كردفان في اقل من اسبوع. ولم تعلن الحكومة السودانية عن معارك رسمية بينها وقوات الحركة الشعبية في الوقت الذي اذاعت الحركة الشعبية بيان أنتصار قواتها على الجيش السوداني. ورفض الناطق الرسمي بأسم القوات المسلحة العميد الشامي التعليق لـ(عاين) حول المعارك الأخيرة.
الجيش الحكومي يتفوق بسلاح الجو وصورايخ بعيدة المدى
ويرى مراقبون أن حملة هذا الصيف مع تأخيرها إلا أن قوات الحركة الشعبية – شمال كانت مستعدة لمواجهتها، ويعتقد الكثيرون أن الضربات الوقائية التي نفذها الجيش الشعبي للمتحركات التابعة للقوات الحكومية ومليشياتها في المنطقتين وبخاصة جنوب كردفان / جبال النوبة أدت إلى فشل خطة الخرطوم في إحراز تقدم على الارض. ويقول خبير عسكري طلب حجب اسمه لـ (عاين) إن القوات المسلحة تتفوق على جيش الحركة الشعبية من ناحية الطائرات الحربية التي تشمل (انتنوف، سوخوي، ميكوبان ميج ومروحيات مقاتلة) إلى جانب الصواريخ بعيدة المدى، ويضيف (لكنها لم تحسم الحرب خلال خمس سنوات).
وكانت وحدة المدفعية التابعة للقوات الحكومية قامت بإطلاق صواريخ بعيدة المدى على المواقع المأهولة بالسكان المدنيين في منطقة سلارا غرب مدينة الدلنج باقليم جبال النوبة/ جنوب كردفان في الثامن والعشرين من فبراير الماضي، وقد أدى ذلك إلى مقتل خمسة اشخص، وهم جلال عباس كافيرا، بخيت عباس ارتويش، حسن صالح دريش، مجاهد عبد الرحمن جورنا، كرمتي محمد صالح، مشيراً إلى أن المواقع المستهدفة بعيدة تماماً عن الخطوط الامامية للقتال.
ويقول الخبير العسكري الدكتور محمد الأمين العباس لـ (عاين) إن القوات المسلحة لديها الإمكانيات الكافية والقدرة القتالية في حرب العصابات لخبرتها الطويلة خلال الــ(50) عاماً الماضية، وأن انتصارها عامل وقت ليس إلا على الجيش الشعبي في المنطقتين. مؤكداً أن الجيش الشعبي يعتمد على الحرب الخاطفة الاستنزافية، وعدم امتلاك الأرض، لذلك فلا يمكنه امتلاك زمام المبادرة وإنزال الهزيمة بالقوات المسلحة .
القوات الحكومية تنشر (40) الف من الجنود واستفادة من الحوافز السعودية
وتقدر عدد القوات الحكومية المشاركة في القتال في منطقتي النيل الازرق وجبال النوبة ما بين (30 إلى 40) الف جندي وهذا أقل مما كانت عليه في هجومها في عام 2014. وبحسب منظمة مسح الاسلحة الصغيرة، في تقرير نشرته في فبراير الماضي، فإن الحكومة السودانية نشرت قوة مقاتلة من (11) الف جندي في ولاية النيل الازرق، اما في ولاية جنوب كردفان فانها نشرت (30) ألف جندي. وعادة ما تتمركز هذه القوات في الحاميات داخل المدن، و ينتمي أغلب جنود مليشيات الدعم السريع التي يشرف عليها جهاز الامن والمخابرات و تتكون من قبائل عربية في دارفور، والتي فشلت في هزيمة الجيش الشعبي في حملة العام 2014، إلى جانب قوات الدفاع الشعبي و القوات الرسمية إلى مناطق النزاع (جبال النوبة والنيل الازرق).
ويشير التقرير إلى أن قوات الدعم السريع تم ارسال بعضها إلى اليمن في الحرب التي تقودها السعودية فيما يسمى بتحالف (عاصفة الحزم) والتي بدأت منذ العام الماضي. وقد أعلنت الخرطوم عن إرسال قوات إلى اليمن للمشاركة في التحالف، كما إنها ارسلت قوات أخرى إلى السعودية للمشاركة في تحالف (ردع الصحراء). والحوافز الاقتصادية التي قدمتها الرياض والتي تقدر بـ (5) مليار دولار، وبدأ إستخدامها في عمليات تجنيد جديدة وسط الشباب خاصة من ابناء جبال النوبة ضمن مليشيات الدفاع الشعبي منذ نهاية العام الماضي. وتتصدر القبائل العربية في المنطقة أعلى نسبة في عملية التجنيد إضافة إلى مجموعات من إثنية النوبة نفسها في كادوقلي، كالوقي، الخرطوم، رشاد ومحافظة البرام.
خريطة مناطق النزاع من تقرير منظمة مسح الاسلحة الصغيرة
وفي شهر أكتوبر 2015 ، تم تجنيد حوالي (200) شاباً من محافظة البرام وتم تدريبهم في معسكر بمدينة شندي شمال شرق العاصمة الخرطوم، ومعسكر آخر تابع للدفاع الشعبي في منطقة (جبل اولياء) جنوب الخرطوم، ويؤكد تقرير مشروع مسح الاسلحة الصغيرة، أن الحكومة السودانية ومنذ سبتمبر الماضي بدأت في تجميع قواتها في عدد من مدن (ابو جبيهة، الدلنج، ليري، هبيلة، كادوقلي، الخرصانة، رشاد، تلودي، ام برمبيطا)، وتوقع الجيش الشعبي أن تبدأ الحكومة هجومها في فبراير (الشهر الماضي).
خبراء عسكريون ومدنيون ورجال إدارة أهلية يدعون إلى وقف الحرب
ويعتقد الخبير الأمني العميد أمن (م) حسن بيومي في حديثه لــ(عاين) إن البلاد موبوءة بالحروب بصورة غير مسبوقة وإنها استنزفت موارد البلاد الاقتصادية والبشرية. ويرى أن السودان مستهدف من جهات، داعياً القوى السياسية إلى اجتراح حلول سياسية ناجعة ودفع الحكومة إلى تشغيل “ماكينة” السياسة بدلاً من مواصلة الحرب، والجلوس مع قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان “شمال” بغرض الوصول إلى سلام مستدام. وأشار إلى أن الحرب مهما استطال أمدها فإن الرابح فيها خسران. أما الخبير الاستراتيجي والأستاذ الجامعي محمد العباس الأمين فيقول لــ(عاين)، إن التسوية السياسية واردة بشأن إيقاف الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان، لافتاً إلى أن القاعدة العسكرية تقول (الجنرال يعرف متى تبدأ الحرب ولكن لا يعرف متى تنتهي)، موضحاً أن مسألة السلام قضية شائكة ومعقدة، لكنها ليست مستحيلة.
ودعا التلميذ في مدرسة (تنقلي) في جبال النوبة جيمس محمد الحكومة السودانية بالذهاب إلى المحادثات رغم ما تقوم به من قصف جوي ضد (المدنيين، التلاميذ، العجزة، الاطفال)، ويقول (أوقفوا هذا القصف المدمر، نحن جميعنا سودانيون، لا شئ يجب أن يدفعنا لمثل هذه الحروب).
اما ناظر عموم قبائل النيل الازرق محمد النور عدلان يقول لـ(عاين) إن اسرته فقدت في هذه الحرب الكثير من الرجال من بينهم الضابط الفاتح عدلان، داعياً إلى إيقاف الحرب اليوم قبل الغد. ويضيف (انا كمسئول إدارة اهلية في عموم النيل الازرق اناشد الحكومة السودانية والحركة الشعبية بالإستماع إلى أصوات المدنيين العزل بعد فقدهم لأفراد من أسرهم بسبب الحرب والماسأة و أن جميع القتلى من طرفي الحرب هم من أبناء النيل الازرق … نقولها وبقوة لا للحرب نعم للسلام).
صوت الأطفال … سنواصل تعليمنا رغم القصف الجوي
يعتبر الأطفال اكثر الفئات التي تتأثر بالحرب، وقد استهدف الطيران الحكومي عدد من المدارس في مناطق جبال النوبة، آخرها مدرسة تنقلي المختلطة أساس. وتقول التلميذة اسلام حمدان لـ (عاين) إن الاطفال يختبئون في أمكان مختلفة عندما يسمعون صوت طائرة الانتنوف قادمة، وبعد ان تفرغ من مقذوفاتها يعود التلاميذ إلى الفصل لمواصلة الدراسة. وتضيف (أدعو الجميع للجلوس لحل الازمة حتى يحصل التلاميذ الصغار <على> تعليماً جيداً في بيئة أفضل). فيما يقول التلميذ جيمس محمد إن التعليم في منطقته يمر بتحديات وظروف صعبة (عندما نسمع صوت طائرة الانتنوف نركض بعيداً لنختبئ، وبعد أن تذهب نعود إلى قاعد الدرس، لن نستسلم لاننا نريد ان نواصل تعليمنا وسنواصل حتى تحت الاشجار).
دلامي… قصف جوي ومدفعي غير مسبوق
ويقول كومي التوير وهو من منطقة سبات في محلية دلامي لـ (عاين) إن القصف الجوي والمدفعي ووابل الرصاص لم يتوقف عندما بدأ هجوم القوات الحكومية على المنطقة. ويضيف (لقد كان الطيران الحكومي يقصفنا من كل جانب وأصبحنا لا نعرف إلى اين نتجه … وفي آخر الامر استطعنا الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية) مشيراً إلى أن عدد النازحين بلغ (20) ألف من مناطق لمبري، لورنا، سبات، ويقول (لقد تحولت مزارعنا إلى رماد بسبب القصف الجوي والمدفعي).
وعمدة دلامي الذي شهد الحربين الاولى والتي إنتهت بإتفاقية السلام عام 2005 والثانية والتي بدأت في العام 2011 وما زالت مستمرة، يقول لـ(عاين) إن الحكومة خلال الحربين ظلت تستهدف المدنيين عبر القصف الجوي من طائرات (الانتنوف، السوخوي ،ميج والمروحيات) إلى جانب القصف المدفعي. ويشير إلى أن حكومة الخرطوم لا تستهدف قوات الجيش الشعبي وانما الهدف تدمير المزارع، الغابات، المواشي، المساجد، الكنائس وموارد المياه. وتابع (لقد تم تدمير كل أشكال الحياة وجعلتها غير مستقرة)، وفي السابع عشر من فبراير الماضي ستهدف القصف الجوي مناطق (سبات، عبري، تنقلي، دلامي).
وتسرد النازحة جواهر آدم وهي من دلامي ما حدث، وتقول (قوات الحكومة هاجمت منطقتها وحاولت السيطرة عليها مما دفعها إلى النزوح من دلامي إلى تنقلي). وأكدت انها لا تعرف مكان عائلتها لأن الناس تشتت وانقسمت عندما وقع الهجوم وإنها لم ترى او تلتقى أي من أفراد عائلتها وأن بعض من اطفالها يرافقونها وآخرين مع اخوتها.
وأعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن مناطق في جنوب كردفان تشهد حالة مجاعة مما أدى إلى فرار أعداد كبيرة من المواطنين إلى دولة جنوب السودان. وأعربت المفوضية في بيان عن قلقها من المجاعة التي ضربت بعض تلك المناطق، وأجبرت المئات على اللجوء إلى دولة الجنوب التي تعاني هي الأخرى من شبح المجاعة. وأضافت ان (609) قد وصلوا إلى معسكر ايدا للاجئين الأسبوع الماضي، 80% منهم من النساء، 10% أطفال، وأوضحت أن في بداية العام الحالي سجلت المفوضية حوالي (1787) لاجئاً سودانياً في سجلات اللاجئين بمعسكرات اللجوء في ايدا.