قوز دنقو: أسرى حركة العدل والمساواة

لعل الناس يتذكرون معركة قوز دنقو في ولاية جنوب دارفور والتي دارت بين القوات المسلحة السودانية وحركة العدل المساواة، المقاتلة في إقليم دارفور في أبريل 2015، ولقد خلفت تلك المعركة أعداد كبيرة من الأسرى بلغ عددهم أكثر من (300) مقاتل من صفوف حركة العدل والمساواة، وألقت القوات الحكومية القبض عليهم بعد المعركة التي قال عنها البشير أن قوات الدعم السريع حسمتها في نصف ساعة.

ومنذ أن تم القاء القبض على هؤلاء الأسرى لم يعرف أحد عن أوضاعهم ومصيرهم شيئاً، وراجت أنباء عن وفاة بعضهم في السجون، منهم من توفي أثناء التعذيب وآخرون بسبب المرض، في الوقت الذي تناشد فيه حركة العدل والمساواة المنظمات العاملة في حقوق الإنسان بممارسة الضغط على الحكومة لإطلاق سراح الأسرى، بل أن الحركة أعلنت عن إطلاق سراح أسرى الحكومة السودانية بطرفها، ولم تعلق الحكومة على ذلك.

جدل حول تعريف الأسير وإحصائيات حول عدد الأسرى

في الوقت الذي تصنف فيه الحكومة السودانية أسرى حركة العدل والمساواة بالخارجين عن الدولة، حركة العدل والمساواة تعتبر كوادرها المقبوض عليهم بواسطة القوات الحكومية بأنهم أسرى حرب ويجب أن تتم معاملتهم وفق القانون الدولي حول أسرى الحرب. ويصف نائب رئيس حركة العدل والمساواة، الفريق احمد ادم بخيت في حديثه لـ(عاين) سلوك الحكومة السودانية في التعامل مع أسرى حركته بالمخالف لكل الاعراف والقوانين، موضحاً أن لدى الحركة معلومات عن تصفيات جسدية حصلت لبعض الأسرى. ولكن مسؤول ملف دارفور في الحكومة السودانية أمين حسن عمر اعتبر أسرى حركة العدل والمساواة بأنهم مقبوض عليهم في معارك “قوز دنقو” وليسوا أسرى وانهم خارجين عن سلطة الدولة. وقال عمر لـ(عاين) ان الذين تم القبض عليهم في المعارك لا ينطبق عليهم وصف أسرى حرب باعتبار أنهم رفعوا السلاح ضد الدولة وسيتم تقديمهم إلى المحاكمات وفق القانون السوداني، مشيراً إلى إطلاق سراح الأطفال القٌصر منهم، ورفض تحديد عدد الأسرى في سجون الحكومة.

ولكن احمد ادم بخيت، عد حديث أمين حسن عمر حول الأسرى بالتهرب والتكتم على أوضاعهم، وقال ل(عاين) ان حركته تؤكد أن هناك (183) من الأسرى في سجن الهدى في ام درمان، وأن (83) آخرين في زنازين جهاز الأمن، القريب من موقف شندي في الخرطوم بحري التي يطلق عليها (تلاجة الموز). وأضاف بخيت أن هناك (20) أسير آخر في سجن القصر الجمهوري والذي يسمى بالمراسم، ومجموعات أخرى تم توزيعها في سجون أخرى وفقا لتصنيفات تخص الأجهزة الأمنية.

حرمان ووفيات

وأوضح بخيت أن الأوضاع الصحية للأسرى في سجن الهدى تحديدا سيئة للغاية حيث تم وضعهم في زنازين ضيقة إلى جانب معاناتهم من الجوع والإهمال الصحي. وقال بخيت إن أكثر من (40) أسيراً أصيب بمرض الدرن (السل) ولا يجدون أي علاج ورعاية طبية وبينهم من فارق الحياة، وهم: عمر علي هارون، مجتبى احمد محمد، عبد العزيز كافي، مصطفى ادم سليمان وجميعهم قد فارقوا الحياة داخل الزنازين بسبب مرض السل. وأشار بخيت إلى أن هناك مجموعة أخرى يتم حصرها بعد التعرف على حالاتها، مع العلم أن علاج الدرن متاح ويوزع مجانا في كل العالم حتى مستشفيات السودان على بؤسها. ويقول بخيت “لكن يتم تجويع هؤلاء حتى يمرضوا ويتم حرمانهم من الدواء لكي يموتوا وهذه تعتبر جريمة قتل عمد مع سبق الاصرار”.

وحول إطلاق الأسرى لدى الحكومة لإبداء حسن النوايا في المفاوضات، يقول الدكتور أمين حسن عمر ان مسار المفاوضات والالتحاق بالحوار الوطني يجب أن يجري على قدم وساق “دون التطرق إلى المقبوضين في الأعمال التخريبية”، ويضيف “هذه أجندة سيتم التطرق إليها أثناء جلسات الحوار الوطني” رافضاً تسميتهم بالأسرى. لكن القيادي بالحزب الشيوعي السوداني صديق يوسف يقول ان أسرى حركة العدل والمساواة يجب الإعتراف بهم وإدراجهم ضمن أجندة أي مفاوضات قادمة واصفاً حديث أمين حسن عمر بالمتناقض. وتساءل قائلاً “كيف تجلس مع حركة في المفاوضات وتعتبر أسراها فقط مارقين عن السلطان؟”، ويضيف أن الجلوس مع أي مقاتل يعني الاعتراف به في كل شي ولكن الحكومة تريد أن تستهلك الوقت وهي غير جادة في عملية الحوار الجاري، والدليل على ذلك نكرانها الإعتراف بأسرى العدل والمساواة من الرئيس الى كافة مسئولي حكومة المؤتمر الوطني.

من جانبه اعتبر أحمد آدم بخيت أن مسألة إطلاق سراح الأسرى واحدة من موضوعات تهيئة المناخ لأي حوار مع الحكومة، وتندرج مع وقف العدائيات للأغراض الإنسانية، موضحاً أن موضوع الأسرى كان واحد من عوامل فشل المفاوضات السابقة. وقطع بخيت بأن حركته لن ترى أي تقدم في الحوار دون اطلاق سراح الأسرى، خاصة بعد فضح امر تصفية الأسرى بالتجويع، المرض، والعطش.

الحركة تتحدى وهيئة الدفاع تدق ناقوس الخطر

وكان الرئيس البشير قد أعلن في خطابه في الفاشر إطلاق سراح المقبوضين القُصر من قوز دنقو، وسينظر في أمر من تبقى منهم. إلا أن نائب رئيس حركة العدل والمساواة، الفريق احمد ادم بخيت، اوضح انه ليس من بين قواتهم ولا أسراهم أطفال قُصر، ويقول “لقد وقعنا وصادقنا على اتفاقيات ومعاهدات دولية تمنع تجنيد الأطفال ودعونا المنظمات المعنية التأكد من ذلك لأن القصر غير مكلفين لا شرعا ولا قانونا بتحمل مسئوليات كهذه”. وتابع بخيت “نحن لا نستبعد أن تقوم الأجهزة الأمنية بتجميع المشردين وأطفال الشوارع ليتم تقديمهم إلى الإعلام الحكومي الزائف وتصويرهم بأنهم يتبعون لحركة العدل والمساواة”، مذكراً ما حدث في العام 2008 بعد عملية “الذراع الطويل” التي نفذتها الحركة بدخول قواتها مدينة أم درمان. ويضيف بخيت “كما أننا لا نعتد بالاعلانات ذات الأغراض الدعائية، لأن البشير نفسه كان قد أعلن بعد توقيع الاتفاق الإطاري في الدوحة في العام 2010 العفو عن أسرى عملية الذراع الطويل”، ويقول “ولكن حتى الآن ما زالوا في السجون ومكبلين بالسلاسل والجنازير وفي الزنازين، لأنه لم يتصل علينا احد بعد الاعلان، واذا كانت الحكومة جادة عليها أن تقوم بتسليم الأسرى إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر”.

أما هيئة محامي دارفور التي تتولى الدفاع عن الأسرى دقت ناقوس الخطر للحالة المزرية التي يتعرض لها الأسرى، وقالت إن السلطات الحكومية رفضت السماح للهيئة مقابلة الأسرى للوقوف على أحوالهم، وأعربت عن قلقها لأوضاعهم الإنسانية. وقال سكرتير الاتصالات الخارجية والحماية في الهيئة، عبد الرحمن القاسم “نخشى من تعرضهم للتعذيب والمعاملة غير الإنسانية والحط من كرامتهم لا سيما أن هناك تجارب سابقة مع النظام في تعامله مع المعتقلين والأسرى”، مؤكداً أن وجود بلاغات عن تعرض الاسرى للتعذيب في خرق سافر لحقوق الأسرى التي نصت عليها اتفاقية جنيف. ويضيف القاسم “علمنا أن الأسرى تم حرمانهم من تلقي العلاج الدوري خاصة الذين أصيبوا بمرض السل الرئوي ومنهم من توفي داخل هذه السجون بسبب الإهمال”.