عامان على تجدد الحرب في السودان
١٢ يونيو ٢٠١٣
بحلول الخامس من هذا الشهر يكون قد مضى عامين كاملين على بدء الحرب في جنوب كردفان بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال. بعد أن طلبت هيئة الأركان المشتركة من الجيش الشعبي تسليم سلاحها في غضون 72 ساعة. عقب إعلان نتيجة انتخابات ولاية جنوب كردفان التي شككت الحركة الشعبية – شمال في نزاهتها وفوز مرشح حزب المؤتمر الوطني الحاكم أحمد هارون، المطلوب للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية لإتهامه بالضلوع في جرائم حرب بإقليم دارفور، وعليه رفضت الحركة الإعتراف بنتائج الانتخابات.
بعد استقلال جنوب السودان منهياً أطول حروب القارة الأفريقية كنتيجة للاستفتاء الذي كان أحد الشروط الأساسية لإتفاقية السلام الشامل بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية. اندلع الصراع بشكل مباشر في جنوب كردفان كنتيجة حتمية لوضعها الذي لم تتضمنه الإتفاقية. رغم تشابه الظروف السياسية في مناطق جبال النوبة مع مثيلتها في ولايات جنوب السودان، فشكل بقاء الولاية جزءاً من جمهورية السودان دون العمل على حل أزمتها السياسية عاملاً أساسياً لتجدد الصراع الذي بدأت شرارته من إحدى التشكيلات التي رعتها اتفاقية السلام نفسها فيما سمي بالقوات المشتركة. حيث أصدر رئيس هيئة الأركان بالجيش السوداني قراراً بتجريد قوات الجيش الشعبي (الذراع العسكري للحركة) من سلاحها في كل مناطق السودان. على ضوء ذلك قام جنود الجيش السوداني بالهجوم على رفاقهم من الجيش الشعبي في مركز القوات المشتركة بمنطقة أم دورين، جنوب كردفان. تبادل إطلاق النار الذي دار بين الطرفين وقتها كان المعركة الأولى لحرب استمرت إلى يومنا هذا. رغم ما قامت به مؤسسة الرئاسة في البداية لإحتواء الأمر بتكليف لجنة لـ“رأب الصدع“ ترأسها الفريق / مالك عقار والي ولاية النيل الأزرق آنذاك (ورئيس الحركة الشعبية – شمال) حيث قاد وفده اجتماعاً مشتركاً بين الحركة والمؤتمر الوطني سرعان ما فشل دون الوصول إلى أي نتائج خصوصاً مع رفض مرشح الحركة في انتخابات الولاية الفريق عبدالعزيز الحلو، حضور الإجتماع، وما أن فارقت طائرة الوفد أرض مطار كادوقلي بات معلوماً أن النيران ستشتعل من كل الاتجاهات. بحيث صار السادس من يوليو إعلاناً رسمياً للحرب.
توجهت الآلية الرفيعة للإتحاد الأفريقي برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثامبو إمبيكي، إلى عقد مفوضات عاجلة بين كل من رئيس الحركة الشعبية – شمال الفريق مالك عقار، ومساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع، عرفت بإتفاقية نافع–عقار والتي أقرت وقف إطلاق النار وإقامة المشورة الشعبية في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، والاعتراف بجيش واحد وهو القوات المسلحة. في حين يتم إشراك الحركة الشعبية في الحكومة المركزية، ولكن سرعان ما ألغى الرئيس عمر البشير بنود الاتفاق فور وصوله من زيارة للسعودية، وأعلن حظر الحركة الشعبية – شمال رسمياً وتجميد أنشطتها وإغلاق مقراتها، وهو ما زاد من حدة التوتر. خصوصاً مع سيطرة الحركة الشعبية – شمال على ولاية النيل الأزرق التي فاز رئيسها مالك عقار بانتخاباتها الولائية قبل عام من ذلك، وهو ما دفع الرئيس البشير لإعفاء عقار من منصبه المنتخب وتعيين اللواء الهادي بشرى، والياً وهو ما تم تنفيذه بمعونة القوات المسلحة التي هاجمت مدينتي الدمازين ويابوس بالنيل الأزرق ودفعت الحركة الشعبية إلى الإنسحاب جنوباً في أول أيام عيد الفطر.
على الشق الأخر من الجبهة. استطاع الجيش الشعبي الانتشار في مواقع عديدة من ولاية جنوب كردفان حيث سيطرت الحركة على 3 محليات هي هيبان، أم دورين، والبرام، وجزء من محليات كادوقلي والدلنج. إضافة إلى مناطق بمحلية غرب كادوقلي. استمرت عمليات الكر والفر والإحتلال والإستعادة بين الجيش والحركة بشكل متواتر أدى مع عمليات القصف الجوي التي يقوم بها الجيش السوداني للمناطق المأهولة بالسكان إلى مقتل العديد من المواطنين. رصدت (عاين) مقتل 41 مواطناً وجرح 108 جراء القصف الجوي لطائرات الجيش. في حين نزح ما يفوق 226,000 مواطن من سكان ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة. سواء إلى المناطق التي تسيطر عليها الحركة أو داخل حدود جنوب السودان، وحتى إلى دول أثيوبيا وكينيا وأوغندا.
وفي تطور لمجريات الصراع اتفقت الحركات المسلحة في دارفور في أبريل 2012 متمثلة في حركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان بشقيها (عبد الواحد نور، وأركو مناوي) على تشكيل جبهة موحدة مع الحركة الشعبية – شمال فيما سمي بالجبهة الثورية، والتي هدفت وفقاً لبيانها التأسيسي إلى إسقاط نظام الخرطوم، وهو ما حاولت تفعيله لاحقاً بتوقيع اتفاق الفجر الجديد الذي وسع من جبهة العمل ضد الحكومة السودانية عبر استمالة الأحزاب التقليدية بحيث تتوحد وسائل العمل السلمي والعسكري لكل من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة لهدف طالما بدا بعيد المنال، فبينما تكمل معركة أم دورين في الخامس من يونيو عامين لإندلاع الصراع في “الجنوب الجديد“ للسودان، يكمل نظام الرئيس البشير نهاية الشهر نفسه 24 عاماً في السلطة كأطول النظم أمداً في تاريخ السودان الحديث، والأطول انخراطاً في الحروب الأهلية.