سبتمبر تهز عرش الانقاذ
فرضت تظاهرات سبتمبر 2013 التي راح ضحيتها حوالي 200 شخص خلال عدة أيام واقعا سياسيا جديدا في البلاد رغم محاولات احتواء آثارها من قبل الحكومة والمجتمع الدولي من أجل تفويت فرصة التغيير الجذري في البلاد.
ومنذ القتل الجماعي للمتظاهرين برصاص القوات الحكومية قبل خمسة أعوام، يرى مراقبون إن سبتمبر أحدثت هزات أساسية في تركيبة النظام كما أحدثت انشقاقات ما تزال مستمرة في جسد الحركة الاسلامية اضافة لإبعاد الحكومة لقيادات تاريخية في الحركة الإسلامية وطرحها للحوار الوطني لامتصاص غضب الشارع من جانب وتخويفه بفرض العنف ونشر المليشيات في المدن وبينها الخرطوم.
ولم يقف المجتمع الدولي صامتا فقط أمام حالة الإفلات من العقاب وعدم تقديم الجناة للعدالة بل ما زال يطرح مشاريع مساومات سياسية تهدف إلى إحداث تغييرات شكلية على النظام ، على غرار خارطة الطريق ومحاولة ارغام المعارضة على قبول التعديلات الدستورية ودخول انتخابات 2020 كما جرى مؤخرا. ويرى مراقبون صعوبة تكرار سبتمبر بنفس الظروف والملابسات نسبة لتغييرات الخارطة السياسية وتراجع فاعلية المعارضة وحالة البطش المستمرة من قبل النظام.
جذور الأزمة
ويرى مراقبون إن سبتمبر كانت تتويجا لتضافر عوامل ظلم وتهميش تاريخي واختلالات أساسية في هيكلة الدولة السودانية إلى جانب عوامل فرز طبقي وافقار للدولة والمواطنين. ويضيف المراقبون أن سبتمبر تعد علامة فارقة في تاريخ البلاد السياسي والاجتماعي عقب تعقيدات كثيرة أصابت جسد الدولة السودانية منذ ما بعد الاستقلال، مشيرين إلى أنها تعد أكبر تطور سياسي ديمقراطي في البلاد منذ انتفاضة أبريل في العام 1985.
وفي السياق يصف المحلل السياسي محمد بدوي سبتمبر بأنها أكبر حدث في وسط السودان خلال فترة حكم الإسلاميين موضحاً ان سوء إدارة الدولة السودانية بعد الاستقلال، وغياب دور الدولة عن تقديم الخدمات، و تغييب المواطنة عوامل قادت إلى احتجاجات سلمية ومسلحة؛ و لكن استدرك أن هذه العوامل لم تحدث أي تغيير جذري حتى الآن . مضيفاً “إن سوء إدارة الدولة السودانية لما بعد الاستقلال و غياب دور الدولة عن تقديم الخدمات و تغييب المواطنة قاد إلى احتجاجات سلمية ومسلحة لكنها لم تحدث أي تغيير جذري حتى الآن”.
ويشير محمد بدوي إلى انفصال الجنوب كنموذج للانفراد بالسلطة والثروة من قبل المركز الحاكم في البلاد، قائلاً: ” أن عقلية الانفراد بالسلطة قادت الحركة الاسلامية للتضحية بالجنوب لذلك لم تساهم في تنفيذ اتفاقية السلام ساعدها في ذلك وفاة قرنق الذي حجب الكثير بموته”.
وفي الحديث عن المظالم التاريخية والفعل التراكمي الذي قاد الى تفاقم أزمات السودان جغرافياً واثنياً ، يُحمل الناشط السياسي أمجد فريد المسئولية لفئة معينة من السودانيين احتكرت السلطة والثروة في البلاد بناءا على أسس طبقية اثنية جغرافية، مشيرا إلى أن تداخل تلك العوامل هو الذي أدي إلى المظالم التاريخية والشعور بعدم المساواة الأمر الذي يعد السبب الأساسي في عدم استقرار السودان. موضحاً إن “هذا الأمر لا يتماشى مع اي محاولة للتعايش” مجدداً مطلب اعادة هيكلة الدولة السودانية ليس لصالح الفئات المضطهدة فقط بل لصالح الحياة المستقرة في السودان والتي يجب أن يسعى لها الجميع.
ويذهب الناشط الشبابي عزالدين حريكة في ذات الاتجاه داعيا الى ضرورة العمل المشترك لإحداث تغيير شامل يقود إلى عدالة انتقالية تسهل الانتقال السلس لسودان العدالة والديمقراطية دون التسبب في أحداث شرخ يؤدي إلى عدم استقرار شامل في البلاد.
موضحا “ان المظالم التاريخية والمتمثلة في التغييب من المشاركة السياسية و عدم عدالة توزيع الموارد و التنمية غير المتوازنة و الإقصاء والتهميش هي الأسباب التي قادت إلى الحرب والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وربما انهيار السودان ، كما مثلت أيضا سبب في تنامي حركة المقاومة والتغيير”
مبينا “صحيح أن الظلم يولد الغبن و لكن مسؤوليتنا تقتضي أن ننظم تلك المشاعر في اتجاه المستقبل و تغيير الواقع ، و هنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الممارسات التاريخية تحتاج مجموعة تدابير لمعالجتها متمثلة في العدالة الإنتقالية بغرض الانتصار للمجموعات المقهورة والمهمشة توطئة للعدالة الاجتماعية و تأسيسا لسودان الجميع”.
تصاعد
وصاحبت الفترة التي سبقت تظاهرات سبتمبر 2013، تصاعد في وتيرة العمل المعارض بشقيه المدني والعسكري إذ شهد انتصارات عديدة للجبهة الثورية عقب تشكيلها حتى استطاعت أن تنقل عملياتها العسكرية لوسط السودان بدخول أم روابة ومناطق واسعة بشمال كردفان في أبريل 2013. وتصاعدت أيضا وتيرة الاحتجاجات في الخرطوم والمدن الأخرى عقب انفصال جنوب السودان في 2011، وشهدت البلاد تظاهرات كبيرة في العام 2012 ضد إجراءات تقشفية اقتصادية اتخذها النظام السوداني. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية في البلاد نتيجة فقدان عائدات بترول الجنوب، وانهاك الحكومة عن طريق العمل العسكري المتصاعد للجبهة الثورية في أطراف البلاد، اضطر النظام لرفع الدعم عن المزيد من السلع مما أدى مرة أخري لاندلاع أكبر تظاهرات في السودان منذ قدوم الانقاذ للسلطة، واجهها النظام بالرصاص الحي وقتلت قواته حوالي 200 شخص خلال أيام معدودة.
ويرى حريكة أن أساليب المقاومة الجديدة التي قامت بها المجموعات الشبابية في الجامعات وخارجها كان لها دور بارز في التراكم الذي قاد إلى سبتمبر ضمن عوامل أخري.
“يمكن أن نعتبر سبتمبر من أقوى ردود أفعال أجيال ما بعد انتفاضة أبريل 1985 ، و هو نتاج تراكمات فعل المقاومة خاصة حركة الاحتجاج الشبابية التي استمرت لعدة السنوات داخل الجامعات السودانية و تأثيرات أنشطة المقاومة الشبابية التي كانت سمة مميزة في النشاط التغييري في الأعوام 2010 و 2011 و 2012 بالإضافة إلى تأثيرات الثورات الشعبية ذات الطابع الشبابي في تونس و مصر ، و في تقديري سبتمبر اختبار أولي لأجيال ستصنع تاريخا جديدا في هذه البلاد رغم قساوة الثمن و الكلفة”.
عنف ووسائل جديدة
الباحث بمنظمة العفو الدولية امنيستي احمد امين يرى إن سبتمبر كانت ومازالت تمثل عامل اساسى أدى الى تغييرات كبيرة في البلاد وفرضت تعديلات كثيرة في الساحة السياسية السودانية.
ويقول أمين أن سبتمبر أحدثت تغييرات في تكتيكات النظام والقوى المعارضة في شكلها العريض في المقابل أيضا. مشيرا إلى أن أولى تلك التغييرات هي سمة العنف غير المسبوق الذي تقابل به السلطات أي حراك جماهيري منظم أو غير المنظم، بما في ذلك استجلاب قوات ردع الى العاصمة الخرطوم حيث تم نشر الآلاف من قوات الدعم السريع في معظم مدن السودان بما في ذلك الخرطوم. مبينا ان استخدام العنف المفرط دفع قوى التغيير إلى استحداث وسائل مقاومة جديدة مثل مقاطعة انتخابات 2015 والعصيان المدني الذي أحدث ربكة في الحكومة لم تسبقها ربكة غير سبتمبر نفسها.
وزاد “من تداعيات سبتمبر على الحكومة هي عملية الخروج الواسعة لقيادات إسلامية بارزة أمثال غازي صلاح الدين وإبعاد رموز سياسية كبيرة من دوائر القرار السياسي والتنفيذي أمثال علي عثمان محمد طه “.
واشار امين الى ان احصائيات قتلى سبتمبر غير متفق عليها، حيث قال وزير العدل آنذاك أن عدد القتلى 84، ومنظمة العفو الدولية تقول 185، بينما تقول هيومان رايتس ووتش أن العدد 170. ويقول امين ان بالاضافة للقتلى يوجد عدد من “الجرحى والذين تحولت اصابتهم الى اعاقة حركية وبصرية وغيرها”.
ويذهب في ذات الاتجاه الناشط المدني والقيادي في حركة التغيير الآن امجد فريد قائلاً : لـ(عاين) سبتمبر كانت مجزرة علنية بشعة؛ واستدرك ” لكن عدد الضحايا فيها لم يصل فيها الى عدد ضحايا المدنيين الذين سقطوا قتلى في مناطق الحروب دارفور- جنوب كردفان – وجنوب النيل الأزرق” موضحاً إن سبتمبر جريمة تضاف الى سلسلة جرائم القمع السياسي الذي مارسته السلطة المركزية ضد ابناء السودان ، مُثبتة أنها لا تستثني احد من رصاصها عندما تستشعر الخطر.
واقع سياسي جديد
وبحسب المراقبين فإن سبتمبر فرضت واقعا سياسيا جديدا على الحكومة تمثل في تصاعد حدة صراعات الاجنحة داخلها واهتزاز تركيبتها التنظيمية ما قاد إلى خروج مجموعات غازي صلاح الدين والسائحون وغيرهم اضافة الى تآكل القاعدة الاجتماعية للإسلاميين في السودان شعورهم بخطر إمكانية ازاحتهم من السلطة.
واضطرت الحكومة إجراء تعديلات أساسية في تكتيكاتها السياسية من أجل اجهاض أو تعطيل اي حراك يدفع عجلة التغيير. مُعتمدة كافة الوسائل لإبقاء النظام، مستخدمة أدوات داخلية مثل الحوار الوطني الذي دعت له في مطلع يناير 2014، كما شددت من احكام القبضة الامنية واعتمدت المليشيات كمدافع أوحد عن السلطة التي تمركزت حول البشير والدوائر المقربة منه. وزاد تمركز السلطة بيد البشير بسبب الشعور بعدم الثقة بين مكونات الإسلاميين عقب الانقلابات والانقسامات التي ظهرت في أوساطهم تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية.
ويقول الناشط الشبابي عزالدين حريكة في هذا السياق أن الحكومة لجأت بعد سبتمبر إلى تكتيكات متعددة من أجل تفويت الفرصة أمام تراكم الفعل التغييري الذي بدأ وسط قوى التغيير المختلفة.
“بدأت الحكومة في استخدام تكتيكات كثيرة لإلهاء المواطنين بالمهرجانات ونشر الرعب في المدن الآمنة نسبيا و إعلان الطوارئ في بعض الولايات و استعراض بطش الدعم السريع في المدن و لكن تبقى حقيقة أن السلطة الفاسدة تحمل نواة فنائها”.
ضغوط دولية
الواقع الجديد الذي فرضته سبتمبر والخوف من احتمالات تغيير راديكالي في البلاد تلتقي فيه ارادة قوى التغيير السودانية بشقيها المدني والعسكري، دفع بالقوى الخارجية المهتمة بالسودان للدخول على خط المعادلة ومحاولة فرض ما عرف بمشروع (الهبوط الناعم) في البلاد، وربما ليس آخرها محاولة فرض تعديل الدستور ودخول انتخابات 2020.
ويرى متحدثوا (عاين) ان مصطلحات جديدة كَالهبوط الناعم ظهرت في السياسات الخارجية للاعبين الأساسيين في المجتمع الدولي خلال السنوات الاخيرة من أجل إحداث تعديلات شكلية في السلطة والإبقاء على نظام الحركة الإسلامية بُغية استقرار السودان والإقليم المجاور لا سيما مع الانهيار الأمني في عدة دول في الشرق الاوسط اضافة لجنوب السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى بينما تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان.
وأجمع المتحدثون على عدم المراهنة على المجتمع الدولي … والعمل على تنشيط المقاومة الداخلية للوصول الى تغيير. ويقول أحمد امين أن سلامة الإنسان بالسودان ليست من اولويات المجتمع الدولي. “السودان نفسه ليس دولة استراتيجية كسوريا مثلاً بالنسبة للمجتمع الدولي”، ويزيد بان الهم الأكبر بالنسبة للمجتمع الدولي ليس هو التغيير في السودان بقدر ما انه هم استقرار السودان، ايقاف الحرب، وقف النزوح واللجوء الذي يكلفهم الكثير، بالنسبة لهم أي محاولة لخلق معالجة سياسية أعلى تكاليفاً ليس أولوية.
أما محمد بدوي فيرى أن المجتمع الدولي لا يريد قوة حقيقية في السودان لذلك يراهن على استمرار البشير الضعيف لتحقيق أهدافه. ويرجع موقف المجتمع الدولي إلى ضعف المعارضة السياسية، قائلاً: “هل استطاعت المعارضة أن تقود تحالف ضد الهبوط الناعم، جهود المعارضة ضعيفة، الربيع العربي كان يتعامل مع تغيير شامل لأنظمة”. واستدرك بدوي قائلا: “إن خطاب الوثبة استطاع تفريغ سبتمبر من محتواه لأن مفاهيم التغيير غير مُتفق حولها. ويمضي أمجد فريد في توافق مع المتحدثين السابقين، مبينا أن المجتمع الدولي يخدم مصالحه وليس التغيير الحقيقي الإيجابي، قائلاً “ما دامت الحكومة الحالية تحققها له بثمن بخس فهو لن يتوقف عن دعمها والمحافظة على بقائها”.
وفي هذا يكشف حريكة عن ضغوط دولية تمارس على القوى السياسية للوصول إلى اتفاق سلام، محذرا من تكرار تجارب قديمة مثل نيفاشا التي لم تستطع الضغوط الدولية أن ترسي من خلالها واقع انتقال ديمقراطي سلس ومستقر.
“هنالك مؤشرات تشير إلى أن الحكومة الأمريكية تمارس الضغط على الفاعلين السياسيين للوصول إلى سلام تمهد الطريق للانتقال الديمقراطي و لكن أثبتت تجربة نيفاشا بأنه من العسير ضمان انتقال ديمقراطي دون وجود مجموعات ذات مصلحة في المستقبل والتي تتصف بديناميكية و قدرة على التأثير في رأي العام والحكومة، وبالتالي عدم وضع هذه المسألة في الاعتبار يعني القفز في مجاهل الظلام لأن المجتمع القاعدي شديد الانقسام و هنالك تباين كبير بين مصالح السياسيين، كل ذلك يقلل من جدوى الاتفاقيات الهشة”.
نفس الظروف
ويقول المراقبون ان السودان يشهد تراجعا اقتصاديا متراكما وصل حاليا إلى درجة من التدهور أسوأ مما كانت عليه في سبتمبر. ووصل التراجع الاقتصادي الحالي الى مرحلة غير مسبوقة تمثلت في غياب السلع الضرورية نتيجة لارتفاع العملات الأجنبية، الأمر الذي سيضطر الحكومة لرفع المزيد من الدعم وتحرير السوق باعتبارها واحدة من شروط البنك وصندوق النقد الدوليين لمنح السودان مزيدا من القروض من الدائنين، وهو ما يعد أيضا أحد العوامل التي لعبت دورا رئيسيا في اندلاع احتجاجات سبتمبر.
ويقول المحلل السياسي محمد بدوي أن التدهور الاقتصادي يعد نتيجة لتراكم أخطاء وسياسات عديدة منذ اكتشاف البترول (1997 الى 2005)، مشيرا إلى استخدام أموال النفط في الحروب في دارفور والمنطقتين الى ان ذهب انفصال الجنوب بـ 75% من موارد واحدث حالة الانهيار والعجز المستمر منذ العام 2011.
ويرى بدوي أن الحلول التي ذهبت إليها الحكومة بالاعتماد على الذهب مثلا لم تستطع حل الأزمة نسبة لاستمرار الصرف المرتفع على الأمن والدفاع الذي يأكل ما لا يقل عن 70% من الموازنة.
ويضيف: “احادية النظر الاقتصادية هي السبب الاساسي، الإسلاميين ادخلو ما يعرف بالاقتصاد الإسلامي وهو غير موجود في علم الاقتصاد وأهملوا القطاعين الزراعي والرعوي لذلك بدأ الانهيار منذ العام 2011 .. 2012 بدأت الاحتجاجات .. 2013 الثورة .. 2014 تراجعوا عن تعويم الدولار. 2018 فبراير يناير ليتم تعويم عام للدولار 29 عام ليست هناك رؤية اقتصادية بشأن كيفية استغلال لموارد الدولة.”
ويمضي للقول: “حتى حرب اليمن السودان لم يحصل فيها على سنت واحد، كل الأمر يتم عن طريق تعاقدات مباشرة من الجنينة الناس بتمشي تتدرب في السعودية بعقود لمدة 4 سنوات ، السودان لم يحصل على شيء”.
أما أمجد فريد فيرى ان حالة التدهور الشامل في البلاد اقتصاديا – سياسيا – اجتماعيا والتي ادى الى انتفاضة سبتمبر ما تزال مستمرة ، موضحا أن التراجع الحالي لمجمل الأوضاع في حالة أسوأ مما كانت عليه في سبتمبر، لكنه يشير أيضا إلى ارتفاع وتيرة القمع وضعف المعارضة يظلان عاملان يعطلان مسيرة التغيير. “الحكومة تستعين بأدوات بطشها وقمعها للاستمرار في الحكم اضافة الى الارهاق وعدم الفعالية التي ضربت أنحاء النادي السياسي المعارض”.
من أرشيف (عاين) – القاتل المجهول … ذكرى شهداء سبتمبرغياب العدالة
غياب العدالة
ورغم مرور خمسة اعوام على ذكرى سبتمبر لم يقدم الجناة إلى العدالة حتى الان عدا الاتهامات التي تقدمت بها أسرة القتيلة سارة عبد الباقي والتي أطلقت فيها المحكمة سراح المتهم لعدم ثبوت الأدلة.
وتبقى فقط آمال أسر الضحايا معلقة بحبل القصاص حالة العثور على الجناة دون وعود أو مؤشرات منظورة لتطبيق العدالة.
وكانت أصابع الاتهام أشارت الى قوات الدعم السريع بتنفيذ أكبر مجزرة بشرية وسط الخرطوم، طالت الشباب وصغار السن من طلاب مدارس ثانوي وأساس. لكن في آخر حلقة من برنامج حال البلد على قناة سودانية 24 نفى قائد قوات الدعم السريع الفريق حميدتي مشاركتهم في احداث سبتمبر 2013، الأمر الذي يعيد الاتهام الكامل لجهاز الأمن ومليشيات الحركة الاسلامية بعد ان كانت تشير الى تورط قوات الدعم السريع.
وفي أكتوبر الجاري تقدمت منظمة العفو الدولية ببيانا أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قالت فيه إن السلطات السودانية لم تقدم إلى للعدالة، حتى الآن، شخصًا واحدًا بسبب مقتل ما لا يقل عن 185 شخصًا أصيبوا برصاص في الرأس أو الصدر أو الظهر، على أيدي أفراد من جهاز المخابرات والأمن الوطني والشرطة، خلال احتجاجات شهر سبتمبر/ أيلول 2013 السيئة السمعة في البلاد، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
فعالية المعارضة
ويشير متحدثوا (عاين) إلى صعوبة إمكانية تكرار ما حدث في سبتمبر نسبة لعوامل ذاتية وموضوعية تتراوح بين ضعف المعارضة وتقليدية أدواتها السياسية اضافة للبطش الذي يستخدمه النظام في مواجهة أي فعل مقاوم مدني أو عسكري.
ويرى بدوي إن سبتمبر لن تتكرر مرة أخري بنفس الصورة التي حدثت بها تظاهرات 2013، لكنه يشير في ذات الوقت إلى دور المعارضة على مستوى الأحزاب كان منظم وشكل خطورة على الحكومة في تظاهرات يناير 2018 .
وتطرق في ذات المحور الى العمل المسلح قائلاً “المجموعات المسلحة ليست لها وجود في الخارطة السياسية غير جهود كانت جادة من الحركة الشعبية لتوحيد القوى السياسية وقوى التغيير”.
من جانبه يرى الباحث بمنظمة العفو الدولية أحمد أمين أنه من الصعب التخمين بعودة سبتمبر لانها تعتمد على عوامل كثيرة ربما تكون غير متوافرة بذات الشروط حاليا، رغم توافر بعضها مثل التدهور الاقتصادي والحروب، الخ.
بينما يرى حريكة أن قوى التغيير في السودان بحاجة ماسة إلى تجديد فكرها وأساليب عملها حتى تستطيع هزيمة النظام. “حركة المقاومة المدنية تعاني من خلل في بنيتها التنظيمية و كذا في تحضيراتها الأولية باعتبار أن التغيير الذي نقصده هو نتيجة فعل مخطط و منظم يفضي إلى سودان أكثر عدلا و أمانا ، و بالتالي لا نستطيع التنبؤ بسبتمبر جديد لأن الشعوب تتعلم من تجاربها و من هنا يمكننا القول أن الفاعلين في العملية التغييرية ينقسمون إلى مجموعتين تقليدية و جديدة ، الفاعلون التقليديين هم أنصار المقولة (التاريخ يعيد نفسه) فهم دوما ما ينظرون للواقع من خلال التاريخ و هؤلاء لا يأتون بجديد ، أما الفاعلون الجدد فهم أكثر استعدادا للتعلم من التجارب و اكثر رغبة في الانفكاك من الدولة الباطشة فهؤلاء هم عنصر المفاجأة في أي فعل قادم”.
“الأوضاع المعقدة والظروف التاريخية التي يمر بها سوداننا يتطلب تفكيرا جديدا يتجاوز تقليدية التفكير السائد في الحقل السياسي تفكيرا أكثر انفتاحا للتعلم و اكثر شمولا في استيعاب التكوين الاجتماعي و الثقافي وأكثر إدراكا للمصالح و ذو قدرة على التخطيط السليم، هذا التفكير بمثابة منصة المستقبل و أهميته بأنه يرتبط بالمستقبل و دالة إيجابية لتغيير الواقع ولهذا من المستعصي تكرار سبتمبر جديد”.