ركود مفاوضات دارفور في ظل فشل اتفاقية الدوحة
فشل المشاورات الاخيرة التي جرت في العاصمة الالمانية برلين ابريل الماضي، بين حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، والوفد الحكومي المفاوض فتحت الباب أمام أسئلة عديدة بشأن مدى جدوى وصلاحية اتفاق الدوحة الموقع منذ ما يقارب عقدا من الزمان. تكمن أهداف اتفاق الدوحة في ايجاد الحلول الانية لتطورات الأزمة في دارفور واقناع كافة الأطراف بإبرام الصفقة السياسية التي يلهث خلفها مبعوثو المجتمع الدولي.
وفيما تتمسك الحكومة باتفاق الدوحة الذي وقع في العام 2011 كمرجعية لامناص عنها للتفاوض، تري حركتي التمرد انه لابد من ايجاد آليات جديدة خارج ذلك الاطار. ويرى مراقبون أن اتفاق الدوحة تحول لعقبة كؤود أمام التوصل لاتفاق بدلا عن كونه آلية مرنة يمكن أن تجمع عليها الاطراف المتحاربة لتحقيق السلام في الإقليم المنكوب منذ 15 عاما.
صلاحية وثيقة الدوحة
وفي 14 يوليو 2011 وقعت حكومة السودان وحركة التحرير والعدالة بقيادة التجاني السيسي علي وثيقة الدوحة جراء وساطة قطرية ودولية وبعد مشاورة ما سمي بـ”مؤتمر أصحاب المصلحة في دارفور”. وانشأ بموجب الاتفاق السلطة الإقليمية لدارفور ونصب التجاني السيسي رئيسا لها.
لكن مراقبون كثر يرون انها لم تحقق الأهداف والتوصيات الاساسية لاتفاق الدوحة الذي نص على إحلال السلام ووقف الحرب والالتزام بوقف إطلاق النار الدائم. كذلك من أهداف الاتفاقية اعادة توزيع الثروة والموارد القومية في الإقليم، تقاسم السلطة والوضع الإداري لدارفور، كفالة الحريات الاساسية وحقوق الانسان، اضافة لإجراءات العدالة والمصالحة والالتزام بالتعويضات وتمهيد الأوضاع لعودة النازحين واللاجئين .
وصاحبت فضائح فساد متعددة العمل في صندوق اعمار دارفور الممول من قطر بين الاجنحة الكثيرة التي وقعت على اتفاق الدوحة في أوقات مختلفة لاحقا، ما أدي لضعف كبير في إنجاز خطط الإعمار والتنمية التي التزمت بها الحكومة القطرية وعدد من المانحين الدوليين ووكالات الأمم المتحدة وعدد من الدول. وشهد فندق السلام روتانا بالخرطوم في العام 2015 عراكا بالايدي بين جناحي حركة التحرير والعدالة واحدهم بقيادة التيجاني السيسي رئيس السلطة الانتقالية والآخر بقيادة بحر إدريس أبوقردة وزير الصحة الاتحادي. وتبادل الطرفين اتهامات واسعة بالفساد والمحسوبية وتبديد بل وسرقة أموال صندوق اعمار دارفور، ورغم تشكيل لجنة تحقيق من قبل رئاسة الجمهورية وقتها إلا أنه لم يقدم أحد تلك القيادات للمحاسبة حتى تاريخ اليوم.
بموجب نصوص اتفاق الدوحة نفسه فإن آخر فصول تنفيذ ذلك الاتفاق تنتهي بإجراء الاستفتاء علي الوضع الإداري للإقليم والذي تم في أبريل من العام 2016. وقد التزمت كافة الاطراف حينها (الحكومة والحركات الموقعة) بإجراء الاستفتاء الذي أفضت نتائجه إلى تقسيم الإقليم لخمسة ولايات وحل السلطة الاقليمية لدارفور، الأمر الذي يعني للكثيرين انتهاء أمد وصلاحية الاتفاق نفسه حسب ما ورد في نصوصه.
ورغم ذلك تتمسك الحكومة باتفاق الدوحة كمرجعية دون سند قانوني من نصوص الاتفاق نفسه الامر الذي يجعل محاولة تمديده أمرا صعب القبول من قبل الحركات المسلحة التي تراه عديم الجدوى ومنتهي الصلاحية.
اتهامات متبادلة
وعقب فشل جولة أبريل الماضي انخرط الطرفان في اتهامات متبادلة بتعمد افشال المحادثات وعدم إبداء المرونة اللازمة لإبرام اتفاق وقف اطلاق نار دائم يمهد لاتفاق نهائي يجلب السلام للاقليم. وتصف الحركات المسلحة موقف الحكومة بالمتعنت والذي يريد أن يفرض سلاما مبني على التفوق العسكري على الأرض ولايمت بصلة للتفاوض الندي المطلوب لإحلال السلام العادل في دارفور. فيما تصر الحكومة علي التمسك باتفاق الدوحة وقابليته للتوسيع وشمل كافة الحركات وفق تعديلات محدودة، متهمة الحركات بمحاولة فر شرط مسبقة على مسار التفاوض.
وكشف زعيم حركة العدل والمساواة جبريل ابراهيم في تصريحات صحافية عقب فشل الجولة عن أسباب فشل مشاورات برلين، موضحا أن الحكومة تلاعبت بتحديد اطراف التفاوض وادخلت حركات اسمية وغير موجودة على الأرض في جلسات التفاوض. قبل أن يعود للتأكيد بأن السبب الأساسي للفشل يعود لتمسك الحكومة باتفاق الدوحة كمرجعية.
فيما يعد رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي الإصرار الحكومي على وثيقة الدوحة السبب الأساسي في الفشل، مشيرا إلى عدم جدية الحكومة ورغبتها فقط في الحاق الحركات باتفاق الدوحة من دون نقاش. وأضاف مناوي: “من جانبنا تحدثنا للوسطاء والمجتمع الدولي عن أوضاع النازحين، واللاجئين، وما يحدث في جبل مرة من اعتداءات حكومية على المدنيين تؤكد استمرار الحكومة في نهجها العدائي وعدم رغبتها الصادقة في السلام“.
بينما حملت حكومة السودان حركتي العدل والمساواة، وحركة جيش تحرير السودان، مسؤولية فشل مشاورات برلين. واتهم رئيس مكتب سلام دارفور مجدي خلف الله في تصريحات صحافية عقب الجولة، حركتي العدل والمساواة وجيش تحرير السودان، بمحاولة فرض آليات جديدة خارج إطار مراجعات التفاوض واتفاقية الدوحة المتفق عليها مع الوسطاء. وشدد خلف الله علي أن الحكومة لن تقبل أي تعديلات على اتفاق الدوحة، مضيفا “كل ما تطالب به الحركتين موجود في وثيقة الدوحة لسلام دارفور“. ويمضي رئيس مكتب سلام دارفور للتأكيد بأن ما ذهب اليه زعيم حركة العدل والمساواة وتمسكه بتشكيل آليات بديلة لوثيقة الدوح هو ما قاد إلى تعثر مشاورات برلين.
الترتيبات الامنية ودور الوسطاء
ويضيف قادة الحركات المسلحة نقاط اختلاف استراتيجية أخرى قادت لفشل برلين في احداث اختراق في ملف سلام دارفور تتمثل في موقف الوفد الحكومي من الترتيبات الامنية اضافة لحق التعويضات للمتضررين من ضحايا الإقليم.
ويقول زعيم حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم في هذا الاطار ان فض موقف الحكومة من الترتيبات الامنية بالاخص حول وضع قوات الحركات المسلحة واعدادها بالاضافة لمسألة اعادة دمج وتسريح القوات، الامر الذي يضع الحركات امام خيار أوحد هو الاستسلام وليس توقيع اتفاق سلام عادل وفق اسس مدروسة وترتيبات أمنية عادلة تساعد في بناء الثقة بين الأطراف المتحاربة. ويضيف جبريل كذلك الحكومة لا ترى حق للتفاوض في التعويضات .
أما رئيس حركة تحرير السودان مني اركو مناوي فقد اتهم الوساطة بالوقوف الي جانب الحكومة منتقد الورقة التي تقدم بها الوسطاء لتقريب وجهات النظر بين الاطراف، واصفا اياها بأنها منحازة. وتأسف مني أن الجلسة الافتتاحية كانت مستفزة من جانب وفد التفاوض الحكومي، الذي ألمح للحركتين انه اتي لإلحاقهم باتفاقية الدوحة فقط.
بينما يرى ممثل الرئاسة السودانية تفاوض ملف دارفور أمين حسن عمر ان الوسطاء بذلوا جهودا كبيرة، وجاءوا بأكثر من صياغة لتقريب وجهات النظر، متهما الحركتين بفرض بعض الشروط قبل التفاوض.
وأوضح عمر أن الحركتين اصرت قبل اي اتفاق معهما على إنشاء آليات مستقلة للتنفيذ، كما اصرت على إنشاء مفوضيات أو مؤسسات مستقلة، بينما هي موجودة بالفعل في اتفاقية الدوحة، ما يعني الخروج على الاتفاقية.
تعنت
ويرى محللون ان التعنت الحكومي الأخير بشأن وثيقة الدوحة، واجبار الحركتين بالانضمام إليها، هو ما قاد إلى تعثر المشاورات. ويقول المحللون ان الحكومة تحاول فرض سياسة الامر الواقع وتظن انها منتصرة على الارض، ولا تريد تقدم تنازلات للحركات المسلحة، متهمين النظام بتقديم تنازلات للخارج، رغم شله في تقديم ذات التنازلات للداخل لايجاد مخرج للازمة الوطنية.
ينسب الباحث والأكاديمي احمد حسين ادم اسباب الفشل في مشاورات برلين الأخيرة، إلى استمرار تبني الحكومة السودانية للحلول العسكرية والامنية دون غيرها. مشيرا الى حقيقة اختلال ميزان القوى على الأرض لصالح الحركات وهو كرت الضغط الذي تستخدمه الحكومة ضد الحركات. ويقول حسين لـ(عاين) ان النظام يريد الحاق الحركتين بوثيقة الدوحة لسلام دارفور، واستيعابهم في وظائف مثل الذين سبقوهم إلى نادي السلطة في الخرطوم، فيما يحاول ان يسوق للمجتمع الدولي ان الازمة في دارفور قد انتهت الى غير رجعه.
يوضح الكاتب ابراهيم صالح أن فشل لقاءات برلين مع حركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، تعود أسبابه إلى عدم مخاطبة جذور الازمة. وأشار صالح في حديث لـ(عاين) ان الحكومة تريد حصر التفاوض في الجوانب السياسية فقط، من دون النظر إلى كل الجوانب الأخرى، وتحاول فرض ذلك باستغلال فقدان الحركتين للسيطرة العسكرية على الارض، اضافة للانقسامات التي ضربت أغلب الحركات المسلحة.
وتوقع أن لا تقبل الحركات بالاتفاقيات الجزئية والتسويات التي تفشل في مخاطبة جذور الازمة الحقيقية على الأرض، مشيرا إلى أن مثل الاتفاقيات الجزئية تقود إلى تقوية النظام الذي يستمر حاليا في مهاجمة المدنيين في مناطق جبل مرة.
في ذات السياق يحمل المدون سامح الشيخ فشل لقاء برلين الأخير للمجتمع الدولي، مشيرا إلى الضغوط المتكررة من المجتمع الدولي على الحركات المسلحة وارغامها على الذهاب إلى طاولة التفاوض. ويقول الشيخ لـ(عاين) ان الحكومة تصر على وثيقة الدوحة، لأنها وثيقة استسلام، هي نفسها لم توقف الحرب ولم توقف الانتهاكات في دارفور.