حملات الحلاقة: صراع أجنحة السلطة يجد طريقه الى شوارع الخرطوم
وضعت الحملة العسكرية التي قامت بها قوات مجهولة ضد الشباب في العاصمة الخرطوم خلال الأسابيع الماضية الحكومة في حالة حصار بأسئلة صعبة وفتحت أبواب خلافات واسعة ودفعت بأخرى مكتومة إلى السطح بين الأطراف العسكرية للحكومة السودانية.
وانتاب الشارع السوداني موجة غضب عارمة إزاء الحملات التي نظمتها جهات عسكرية ضد الشباب ومهاجمتهم في الأماكن العامة بالعاصمة الخرطوم وإصدار أحكام فورية في حقهم بحلق شعر رؤوسهم والاعتداء على الرافضين منهم بالضرب.
وتحاصر اسئلة الشباب المعتدى عليه وأسرهم وكافة الرأي العام في البلاد، الحكومة حاليا. الامر الذي وسع من دائرة الخلافات والانكار بين القوات الحكومية المختلفة.
مزيد من الغموض
وفتحت تلك الحوادث أسئلة خطيرة بشأن ما هية من قاموا بتلك الهجمات لا سيما عقب نفي قوات الدعم السريع والشرطة تورطهم فيها واتهامهم لجهات غير معلومة بالقيام بذلك. وأثارت الحوادث رعبا وسط الأسر والمواطنين تجاه سلامتهم الشخصية ، اضافة للتساؤلات المتعددة بشأن المهددات الامنية في الخرطوم في ظل احتمال قيام مدنيين بملابس عسكرية بتلك الاعتداءات في وسط العاصمة. ذلك فيما يحذر مراقبون بخروج الامور الامنية عن السيطرة في العاصمة لا سيما عقب نفي كافة القوات الحكومية تورطها في حوادث حلاقة الرؤوس.
ونفي قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي تورط قواته في تلك الحملات ، متهما من أسماهم طابورا خامسا في النظام أرادوا استهداف وتشوية صورة الدعم السريع، فيما نفت الشرطة من جانبها قيام منسوبيها بالاعتداءات، مشيرة الي فتح تحقيقات لمعرفة هوية من يقومون بالاعتداءات في قلب العاصمة باستخدام أزياء عسكرية.
فمن الذي حلق رؤوس الشباب؟ وما هي أغراض هذه الحملة ولماذا تم شنها في هذا التوقيت؟ ومن هي الجهات المستفيدة من هذا الصراع؟ وماعلاقة كل ذلك بصراعات الاجنحة الذي يدور حاليا داخل النظام.
قوات بزي الشرطة
وبالنسبة لـ “مفضل يحي”، 23 عاما، وهو احد ضحايا هذه الحملات بأن ما تعرض له اذلالا باسم قوات تقول انها قانونية ومن شأنها حفظ أمنهم. ويروي يحيى ان قوات ترتدي زي الشرطة هاجمتهم حيث اعتاد لقاء اصدقائه يوميا في اوقات المساء على تقاطع رئيسي في ضاحية الحاج يوسف شرقي العاصمة السودانية لتناول القهوة وتجاذب أطراف الحديث مع رفاقه، وسلامتهم .
ويشير يحيى، إلى أنه تمت مهاجمتهم كمجرمين أمام بائعات الشاي، و تدخلت قوات الشرطة بعنف لتوقيفهم وضرب من حاول الفرار بالهراوات والعصي دون ذنب. ويقول لـ(عاين)، اقتادني الشرطي وبدوأ تقطع أجزاء من شعري والذي لا أراه منسدلا وعندي مقاومتي لهذا الفعل تجمع شرطيون آخرون واجبروني على الجلوس لمواصلة فعلهم”.
كان الرجال المسلحون –بحسب مفضل- يرتدون زي الشرطة المعروف لدينا وبعضهم مسلحون واتت بهم اكثر من 5 سيارات شرطية الى مكان تجمع المواطنين بالقرب من تقاطع شارع واحد بالحاج يوسف.
ولم تنحصر تلك الحملات في منطقة الحاج يوسف بل اتسعت لتشمل عدد كبير من أحياء العاصمة بما في ذلك الكلاكلات، الديم، الصحافة، الرياض، شرق النيل وغيرها من الأحياء.
قوات نظامية
الشرطة تمسكت بشدة بنفي تورط أفرادها في تلك الحملات ، وأكدت فتحها التحقيق بشأنها ، بل أكدت القاءها القبض علي بعض المتهمين في تلك الأحداث لكنها لم تكشف عن هويتهم حتى الآن. وتشير دلائل وتصريحات رسمية أطلقتها قيادات شرطية منذ سبتمبر الماضي إلى وجود حملات رسمية للقوات النظامية تهدف لإظهار هيبة الدولة وتستهدف ما وصفته بمحاربة “الظواهر السالبة”. وظهرت جزءا من تلك الحملات بالفعل في أحياء الكلاكلة والحاج يوسف وسوبا شرق، في وقت أكد فيها مدير شرطة محلية جبل أولياء التي تضم مناطق الكلاكلات العميد عصام الدين السيد علي في تصريحات نهاية الشهر الماضي أن الشرطة تقوم بحملات لمحاربة الظواهر السالبة في كافة أحياء المحلية.
وكانت انتقادات واسعة طال سلوك قوات وأفراد الشرطة السودانية عقب تعدد حالات قتل للمواطنين في العاصمة دون مبررات واضحة ودون تحقيقات أو تقديم الجناة للعدالة بصورة واضحة. وآخر الطلاب المقتولين في سبتمبر الماضي هو حسام عبدالله طه.
وفي يوليو الماضي أشعل مقتل الشاب سامر عبد الرحمن نجل القيادية بحزب الأمة الإصلاح والتجديد نهى النقر، على يد قوة من الشرطة في شارع النيل بالخرطوم، الرأي العام بعد اعتراف الشرطة باغتياله.
وتشن شرطة ولاية الخرطوم حملات مداهمة واعتداءات على المواطنين من وقت لآخر تشمل أحياء متفرقة في العاصمة تحت مسمى “محاربة الظواهر السالبة“
حميدتي يجيب
وتتواصل الأسئلة بين المواطنين والمراقبين حول من قام بذلك الفعل الذي أنكرته الشرطة رغم ظهور منفذو الحملة بملابس شرطية في ظل صمت من قبل الاجهزة الامنية والقوات المسلحة في البلاد.
ويتولى قائد قوات الدعم السريع الاجابة علي بعض الاسئلة مشيرا الي ان قوات نظامية هي من قامت بعمليات المداهمة والحلاقة والضرب. ورغم أنه لم يحدد هوية تلك القوات بصورة نهائية إلا أنه نفى تورط قواته فيها، مشددا علي أن قواته لا تقوم بأي عمليات داخل العاصمة.
وأظهرت بعض الفيديوهات قادة وجنود من الدعم السريع وهم يشاركون في حملة حلاقة الرؤوس في بعض مناطق العاصمة الخرطوم، وذكرت تقارير اعلامية ان الضابط المتورط في حوادث الحلاقة هو العميد بقوات الدعم السريع جدو حمدان الملقب بـ(انشوك). وكان الإعلامي بقناة سودانية24 جهاد حسين أكد اعتداء قوات الدعم السريع عليه بالضرب والإساءة والتهديد في منطقة الديم بالخرطوم.
ويقول شهود عيان أن حملات الحلاقة التي قامت بها قوات الدعم السريع تنقلت بين أحياء سوبا ، الحاج يوسف والكلاكلات وشرق النيل.
ولم تتوقف حملات حلاقة الرؤوس علي الخرطوم اذ أكد شهود عيان في منطقة مليط بشمال دارفور اعتداء أفراد من الدعم السريع على عدد من الطلاب وقيامهم بحلاقة رؤوسهم في شهر أغسطس الماضي.
لكن قائد الدعم السريع حميدتي نفي تورط قواته في تلك الحملات. ومضى حميدتي في بث رسائله إلى جهات مختلفة داخل النظام، مؤكدا أن قواتهم لم تشارك في قتل المتظاهرين خلال مظاهرات سبتمبر 2013 التي قتل فيها حوالي مائتي شخص. وكشف حميدتي عن نشر قناصة خلال تظاهرات سبتمبر لكنه نفى أي تورط لقواته فيها.
حملات ممنهجة
وارتبط اسم قوات الدعم السريع بحوادث مختلفة من الترويع والضرب و الاساءة والاهانة للمدنيين في مناطق مختلفة من البلاد منذ تأسيسها في 2013. وطالت حملات الترويع التي قام بها الدعم السريع معظم مناطق البلاد خلال السنوات الماضية ولم تقتصر هجمات الدعم السريع على مناطق عملياتها العسكرية في إقليم دارفور بل طالت ولايات أخري مثل الولاية الشمالية في العام 2016، ومناطق أم روابة بشمال كردفان و ابوجبيهه جنوب كردفان في العام 2014، اغتصابات في مناطق النزاعات خلال العامين 2015، 2016، ولم تنجو مدن الخرطوم الابيض، كسلا، طوكر، وغيرها من مدن البلاد.
ويري مراقبون ان قوات الدعم السريع والشرطة وغيرها من القوات الحكومية تقوم بحملات دورية من الاعتداءات على المدنيين لا سيما الشباب في أوقات متفاوتة من أجل ترويعهم. ولا تعد حادثة حلاقة رؤوس الشباب من قبل القوات الحكومية بما فيها شرطة النظام العام ووحدات الاستخبارات العسكرية والدعم السريع الاخيرة جديدة من نوعها تحت مظلة ما يعرف ب “حملات ضبط الشارع العام” أو “حملات محاربة الظواهر السالبة” الخ.
وقد انتظمت في السنوات الاخيرة حملات متعددة مشابهة قامت بها عدة قوات حكومية، وليس ببعيد عن الاذهان حادثة حلاقة الرؤوس الجماعية التي قامت بها قوات الدعم السريع في امدرمان وبحري في مايو من العام الماضي.
وكان الرئيس السوداني عمر البشير وجه انتقادات الأسبوع الماضي لما وصفه بـ المحاولات الهدامة والظواهر الدخيلة والهجمات من جهات تهدف إبعاد الشباب عن الدين والتدين، وتخريب اخلاقياتهم واغرائهم بالمخدرات أو بما وصفه ب “الملذات”. وأضاف البشير لدي مخاطبته شباب المؤتمر الوطني قائلاً: ” في عملية حرب بيننا وبينهم، نحن نبني وهم يهدموا لكن الحق يعلو ولا يعلى عليه، نحن عايزين نوجه طاقات الشباب في العمل والتربية والانتاج” مشددا “زي ما زمان استنفرنا كم ومشيتو لمناطق العمليات بالآلاف الان تستنفركم للانتاج”.
الفخ
الحملات فاقدة السند والهوية ضد الشباب السودانيين، وحالة الانكار من كافة الاطراف بعثت برسائل امنية عديدة في بريد “قوات الدعم السريع” من أقرب المقربين لها إداريا وهو جهاز الأمن الوطني، وفقا لإفادات متطابقة تلقتها (عاين) من نظاميين في الشرطة.
وكشفت المصادر عن اجتماع أمني عقد على مستوى عال وضم الشرطة وقوات الدعم السريع وجهاز الأمن للتخطيط لما سمى لاحقا بحملة “ضبط الشارع العام”، وبالفعل بدأت قوات الشرطة هذه الحملات لكنها انسحبت في وقت لاحق وتركت الامر لقوات الدعم السريع التي نفذت بشراسة هذه الحملات وتبعتها باعتداءات في حق المواطنين. ووصفت المصادر ما حدث لقوات الدعم السريع بالفخ الذي وجدت نفسها أمامه ووضعها في مواجهة مع المواطنين من جهة ومع جهات نظامية أخرى في البلاد.
وكشفت مصادر عسكرية تحدثت لـ(عاين) ان انسحاب الجهات الاخرى الشريكة في العملية عن الحملة في بداياتها وعدم تبليغ قوات الدعم السريع الشريك الأساسي في الحملة ربما كان مقصودا بصورة ما وضع قوات الدعم السريع أمام فوهة المدفع والنقد الكثيف الذي أثير في الفترة الماضية ضد الحملة.
ومضت المصادر للقول إن قوات الدعم السريع تحملت وحدها مسئولية الحملات أمام المواطنين وحظيت بهجوم كبير من قبل المعارضين والناشطين لا سيما على خلفية السمعة السيئة لقوات الدعم السريع في ارتكاب انتهاكات واسعة في البلاد لا سيما مناطق النزاعات.
لاعب جديد
الحالة المجهولة التي وضع منفذوا هذه الحملات أنفسهم فيها، أعادت للساحة واحدة من أهم الأذرع العسكرية للنظام- وهي قوات الدفاع الشعبي التي كانت قد أبعدت من دائرة الفعل السياسي في البلاد لفترة ليست بالقصيرة لتعلن وبشكل غير رسمي عن دعمها لما سمته حملات “ضبط المظهر العام” عبر إحدى صفحات القوات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. ويرى مصادر (عاين) من العسكريين ان هذا الظهور الداعم لهذه الحملات من قبل قوات الدفاع الشعبي يعد تعبيرا عن تدافع قوى مختلفة داخل النظام للتعبير عن نفسها وتأكيد وجودها في ظل احتدام الصراع الداخلي ،لا سيما وأنها تعد صاحبة السيرة الأكبر في الجانب العسكري والعقدي وهي من ثبَتت أقدام هذا النظام إبان سنينه الاولى.
وتمضي المصادر للقول بأن النفوذ الواسع لقوات الدعم السريع يشكل مصدر قلق للعديد من المنظومات الأخرى، لكن قوات الدفاع الشعبي جاهرت بالأمر عبر تأييدها المطلق للحملة والتي شاع أن جهتها المنفذة الوحيدة قوات الدعم السريع وبالتالي الضرب في مكامن قوة هذه القوات واظهار جانبها الأسوأ للشعب السوداني.
وربما تسند قوات الدفاع الشعبي التي تشعر منذ وقت بانها خارج إطار اللعبة السياسية والعسكرية، قيادات سياسية كانت متنفذة في وقت سابق ووجدت نفسها هي الأخرى خارج التنظيم مع احساسها بالغبن تجاه مشروعها الذي تسرب بين يدي اللاعبين الجدد وعلى رأسهم قوات الدعم السريع.
البرلمان علي الخط
النائب البرلماني المستقل مبارك النور، بدأ تعليقه على استفسار (عاين) حول موقف البرلمان من هذه الحملات بـ “الشينة منكورة” في اشارة للفعل القبيح- على حد قوله- والذي قامت به قوات حكومية ضد الشباب في العاصمة الخرطوم.
ويقول النور لـ(عاين)، ” من قامت بهذا العمل هي جهة تتبع للحكومة فكرة وعدة وعتاداً.. ونفى الشرطة وقوات الدعم السريع للأمر يفتح أسئلة أكثر خطورة إزاء أمن المواطنين في الخرطوم أو في اي مكان آخر”، ويشير إلى أنه لا يعقل أن تكون هناك جهات اجنبية خططت لهذا العمل ونفذته في قلب الخرطوم، واذا كان الامر كذلك اين قوات الدولة النظامية إزاء هذا الاعتداء ولماذا لم تتمكن حتى هذه اللحظة من توقيف الذين روعوا أمن المواطنين.
ويقول النور ، انه يعتزم استدعاء الجهات ذات الصلة بالأمر في البرلمان والمثول امامه لتوضيح هذه الانتهاكات التي ارتكبت بحق مواطنين سودانيين في تعد واضح على حريتهم وحقوقهم الشخصية كما أنها تعد مخالفة صريحة للدستور والقوانين والحريات العامة التي كفلتها هذه المواثيق.
جهة منظمة
ويذهب الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، عبد الحفيظ مريود إلى ذات الاتجاه السابق، مبينا ان كل الدلائل تشير إلى أن تلك الحملات نفذت من قبل جهة منظمة ومفوضة لعمل هذا الفعل بالمواطنين، مشيرا إلى أن العمليات قد تم تنفيذها في أماكن حضرية ومكتظة في السوق العربي وسوق أم درمان.
ويرى مريود الذي تحدث له (عاين)، ان مسارعة قوات الشرطة والدعم السريع لنفى هذه العمليات يذهب بنا إلى كارثة أكبر وهى أن هذه القوات المنوط بها العملية الامنية في السودان لا تلوي على شيء ويقفز مباشرة إلى سؤال من هم الافراد الذين قاموا بهذه العمليات وماهي الجهات التي تملك سيارات عسكرية وأسلحة وأزياء عسكرية تجوب العاصمة السودانية في أكثر مناطقها ازدحاما وتمارس انتهاكات بحق الشباب.
ومضى آخرون -بحسب مريود- الى ان هناك من يسعى لتشويه سمعة القوات الأكثر نفوذا في البلاد -الدعم السريع- لكن هذا القول يدفعنا لاسئلة اخرى بالنظر إلى أن قوات الدعم السريع قالت في تصريحات سابقة إنها ستقوم بحملة لتهذيب المظهر العام.
لكن وفق ما يرى مريود، فان الحكومة مطالبة بتوضيح الأمر والاجابة على سؤال من هي هذه القوات، والى اى جهة تتبع لان الصمت اخطر من ان يتبنى قوات الدعم السريع هذه العمليات، فصمت الحكومة يضع كل اجهزتها الامنية تحت طائلة اتهام بأنها لا تقوم بواجبها المنوط بها.